مسؤولية الشباب في نهضة الامة

العنوان: مسؤولية الشباب في نهضة الامة

المتحدث: سماحة الشيخ الدكتور عبدالزهرة البندر

الخميس 22 مايو 2025

قال الامام الرضا عليه السلام: لم يولد في الاسلام مولود أكبر بركة من ولدي الجواد على شيعتنا. الائمة بركة ولكن لكل منهم خصوصية بدءا من الامام علي عليه السلام حتى الحجة القائم. لكل منهم خصوصية حسب الظرف.

الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام له خصوصية لسبب واضح يحتاج الى توقف.

موضوع الامامة تعرضت لاهتزازات كبيرة في عهد الامام علي الرضا عليه السلام عندما ظهرت فرقة الواقفة. الامام الرضا عليه السلام تعرض لمحنة شديدة في مواجهة المأمون لأن التعامل مع الائمة المعصومين أخذ منحى آخر على يد المأمون يختلف عما فعله سابقوه. ارتأى ان يغير المنهج في مواجهة حالة الأئمة التي تقض مضاجع العباسيين، مرجعية الامام وقوته، فلا بد من تزييف هذا المفهوم.

المأمون فكر بطريقة شيطانية، أراد تمييع مرجعية الامام الرضا عليه السلام. فرق بين ان يعادي شخص الامام او يعادي المفهوم كله. هذه قضية جديدة على واقع اهل البيت عليهم السلام. عندما استدعي الامام الرضا عليه السلام من قبل المأمون، ودّع عياله الوداع الأخير، فقد علم ان المأمون يريد ان يمارس سياسة جديدة لمواجهة الامامة.

في العصر الحديث هناك حرب معلنة قوامها السلاح والتكنولوجيا، وهناك الحرب الناعمة، حيث تتودد الى المفهوم وتظهر انك حريص على هذا المفهوم وهذا يؤدي الى القضاء على هذه الفكرة، لا سيما ان الامام الرضا عليه السلام لم يرزق ولدا حتى بلغ الأربعين، وهذه القضية استغلها الواقفة واعداء الامامة.

عندما ولد الامام الجواد عليه السلام، كان عمر الامام الرضا عليه السلام متأخرا، وبقي فترة يعرّف به المخلصين من اصحابه بأن حجة الله من بعدي هو محمد الجواد عليه السلام.

كان عمر الامام الجواد عليه السلام سبع سنوات وهي عمر مبكر جدا يحدث للمرة الأولى في تاريخ التشيع. بعد ان تعرضت الامامة الى هزات عنيفة منها هزة ولاية العهد للامام الرضا عليه السلام.

لم يكن هناك أعلام يوصل وجهات النظر للآخرين، فكيف يكون الامام الرضا عليه السلام وليا للعهد وهو ليس من بني العباس؟ اراد اسقاط مفهوم الامامة كله. ما جرى بين المأمون والرضا كان مهما. قال المأمون للرضا عليه السلام: لم لم تقبل ولاية العهد؟ قال: هل اصارحك وتعطيني الامان؟ قال: نعم، قال الامام: أردت ان تسقطني في عيون الامة بان الرضا عرض عليه المنصب فقبله وليس له صلة بالامامة. وقف المامون حائرا لا يستطيع الرد. أكثر ما عمله الامام الرضا عليه السلام هو افشال المخطط بالطريق العملي. هدد المأمون الرضا عليه السلام بان يفعل به ما فعله ابوه (الرشيد) بأبيك: الامام الرضا عليه السلام. فوافق ولكن بشروط، على ان تعلن هذه الشروط ضمن اعلان قبول الولاية منها ان لا يقضي ولا يعين ولا يعزل. عملية التنصل من مخرجات الولاية وافق المأمون عليها. لذلك الحوار الذي جرى بين عائلة المأمون ووصلهم الخبر بان الرضا عليه السلام قبل بالولاية؟ قالت احدى النسوة: هل اشترط الرضا شيئا؟ قالوا: نعم، ان لا يعين ولا يقضي ولا ولا… قالت: اذن لم يوافق. اي انه لم يتوافق مع السلطة. اذا اصبح المأمون جزءا من الدولة فيصبح من الدولة ويسهم في دعم الواقع العباسي. عندما تنصل الامام عن التزامات الولاية اصبح جزاء من مهمات الدولة.ا

الائمة عليهم السلام حملوا مشروع الامة وهو الحفاظ على الواقع الاسلامي بدون الاشتراك في واقع الدولة. الاستقلال عن اجهزة  الدولة لا يسحب على هذا الشخص وان عن بعد؟

الامام موسى الكاظم عليه السلام عاتب احد اصحابه، صفوان الجمّال عندما أكرى الرشيد جماله. فقال له: كل شيء فيك جميل الا كراءك جمالك لهذا الطاغية. قال: انما من اجل الحج. قال: اتحب بقاءهم الى ان يدفع اليك كراءك؟ قال: نعم. قال: من احب عمل قوم اشرك في عملهم، اي ان عملك مساهمة في المشروع العباسي. هناك حساسية في الاشتراك بالدولة. كذلك الامام جعفر الصادق عليه السلام عندما  بعث له ابو سلمة الخلال باستلام الدولة، اخذ الامام الرسالة وحرقها وقال: يقول لك جعفر بن محمد: لا الرجال رجالي ولا الزمان زماني.

الابتعاد عن واقع الدولة ومؤسساتها ما دامت اجهزة الدولة مسيطرة. من يعمل ضمن الدولة لا بد ان يشارك في شؤونها.

الدولة العباسية وقبلها الاموية لم تكونا تعملان وفق الثقافة الاسلامية. هناك جماعة منتفعة. يكتب ابو منصور الدوانيقي للامام الصادق عليه السلام  قائلا: لمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟.. فأجابه ع: ليس لنا ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنّئك ، ولا تراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عندك ؟!.. فكتب إليه : تصحبنا لتنصحنا .. فأجابه : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك .. علق المنصور: لقد ميز عندي مراتب الناس. هناك لقطات كثيرة لهذا الحديث.

الائمة يرون في الواقع مغايرا لمفهوم الإسلام، فكرا وسلوكا وثقافة، هذا الاهتزاز لما سمع الناس به، وان الامام الرضا عليه السلام قد استلم ولاية العهد، حدث لغط. عاتبه احد الشيعة وقال: لم قبلت بولاية العهد؟ قال: كما قبل ابي امير المؤمنين الاشتراك في الشورى. مشاركة الامام في الواقع السياسي القائم امر مرفوض من الائمة. عبد الرحمن بن عوف قال للامام علي عليه السلام: ابايعك على كتاب الله وسنة الشيخين، قال الامام علي عليه السلام: بل على كتاب الله واجتهد برأيي. سيرة الشيخصين تتحول الى شرع. لما بويع علي تصدى له مجموعة من الناس وقالوا: بايعناك كما بايعنا من قبلك. قال: اركب بكم ما أعلم ولا اركب بكم ما تعلمون. لماذا رفض الامام علي سيرة الشيخين؟

اهتزت الامامة في زمن الامام الرضا عليه السلام وحاطت به التحديات للقضاء عليه، وتعرض لمواجهات خطرة من قبل المأمون.

ولد الامام الجواد عليه السلام وصار عمره سبع او ثماني سنوات وتصدى للامامة. قال الامام الرضا عليه السلام: لم يوجد في الاسلام مولود اكبر بركة اكبر من ولدي الجواد. لماذا؟ لان الشيعة اصبحوا في واقع مضطرب يحتاجون لتثبيت الامامة بطريق شبه اعجازي بحيث يتصدى امام عمره ست سنوات لواقع ا جتماعي ويكتسح الافكار والمفاهيم ويفرض نفسه اماما من خلال هذه الحركة. كيف يتأتي لصبي من سبع سنوات ان يكتسح الواقع ويفحم العلماء واصحاب العلوم؟ الحكمة من تأخير ولادة الجواد عليه السلام، فلم يولد الا في اخريات ايام الامام الرضا عليه السلام. كان عمره سبع سنوات، لذلك نجد ان الامام الجواد عليه السلام فرض امامته بالسلوك والعلم. ولذلك وصفه رسول الله (ص): يولد لولدي الرضا مولود فيه شبه من عيسى. عيسى انطقه الله بالنبوة وهو في المهد، وجعلني نبيا وجعلني مباركا. اذا كان الصغير في المهد يثبت نبوته وهو في المهد.

الجانب الحكمي والاعجازي ان الامام الجواد عليه السلام فرض نفسه اماما بقوة الدليل والعلم والمواجهة. هنا انتعش مفهوم الامامة في زمن الامام الرضا عليه السلام.

لو جاء امام شاب في العشرين او الثلاثين فهذا مفهوم، اما ان يأتي شخص حدث السن فانه يعطي جرعة لحالة الامامة بحيوية تقضي على كل التساؤلات التي اشيعت ضد ولاية العهد. من هناك جاءت البركة على التشيع الذي قوامه وجود الامامة في وسطه. مشروع الامامة يعمل لاعادة تجربة الاسلامية الى واقع الحياة بشكل واقعي. بناء الكتلة المؤمنة المتدينة التي تسلك السلوك الاسلامي وتحمل الثقافة الاسلامية، وهكذا اصبح الامام الجواد عليه السلام انموذجا للشخصية الاسلامية، لذلك تم اعداد كتلة التشيع على اساسين: ثقافي وعقائدي.

كيف فهم الامام علي عليه السلام الواقع الموضوعي ولم يستجب لعبد الرحمن بن عوف، ولم يتبع سيرة الشيخين؟ هذا يسمى “إعداد الكتلة المؤمنة” ضمن المنحيين: منحى فكري وعقائدة ومنحى سلوكي. الفكر العقائدي يعني ان نفهم ان الاسلام جاء ليعتبر الانسان هدفه النهائي ويربيه على اساس مفهوم التوحيد الذي يؤشر لله بانه مالك الكون، يربيه وينميه ويحفظه، ويكلأه ويرتبط به ارتباطا وثيقا لان هذا الكون بدون هذه الرعاية والوصاية لا يمكن ان ينتج مجتمعا توحيديا يهدف لبناء الكتلة الموحدة التي تؤمن بالله وان وجود الانسان مرتبط بوجود الله.

﴿يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه﴾. من خلال هذه الكلمات يتحول المؤمن الى شخصية فاعلة ويكون قريبا من الامام باستثناء العصمة.

الامام الصادق عليه السلام اتيحبت له فرصة لفتح المدارس في شتى العلوم، جاءه رسول من الشام ليناقشه، فجلس في مجل الامام وقال له : ساله سؤالا فقهيا؟ قال: يا زرارة: انت اسأله، قال الامام: فان غلبته غلبتني. ما المستوى الذي اوصل جماعته اليه؟ سأل سؤالا آخر حول العقائد. سأل سؤالا عقائديا فاحاله الى هشام بن الحكم.

هذا الموقف يدلنا على تربية الامة على المفاهيم العقائدية التي تركز على ان الاسلام ينتج قيمة رجالية ونسائية بمستوى رفيع:

الامام الجواد عليه السلام لم يترك هذا النهج، لكن اخذ على عاتقه ايجاد الكتلة الشبابية الصعبة. نعيش في اي عالم الذي نعيشه. انها قوة التفتت الى الافضاح. هذا المجتمع الذي نعيشه هنا: البناء لا يتم وفق التصور الغربي. الانسان الغربي اشغلوا الناس والعالم حول مسألة الشباب. لكي تكون فردا عاليا يجب ان ترفع الشعار الغربي والامريكي. لقد دمروا المجتمع رجالا ونساء، واصبحت الموضة هي الغالبة. فأين الله؟ أين تلك الثقافة الحسينية؟ فيروس بسيط  قلب المفاهيم، وكان عامل شؤم وإنذارا لهذا الانسان الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة. ترامب يقول ان عالم ما بعد الكورونا هو عالم ليس كما بعده. نسأل: اتريد كهذا الفتى الذي يتغنى بالموضة ويشرب الكوكا كولا؟

زرارة وهشام بن الحكم ومؤمن الطاق من تلامذة الامام والكتلة التي ارعبت الدنيا. الامام علي عليه السلام ذهب الى اليمن ستة شهور وكان هذا نتاجه. ابوذر ذهب الى جبل عامل فاصبح منطلقا للبطولة.

ابوجعفر المنصور طلب من أنس بن مالك ان يكتب كتابا يجبر الامة على اتباعه، فكتب  كتاب الموطّأ دليل على ذلك.

هؤلاء تمذهبوا قبل أن يكتبوا. يقول الشهيد محمد باقر الصدر: ان ثورات الائمة ازال الحكام المنحرفين. صحيح انه لم يغير حكما، لكن على اقل تقدير استطاعوا ان ينتقلوا بالاسلام ومفاهيمه المسلمة فاوصلوا لنا هذا الفهم الدقيق للإسلام؟