علي… إمام وخليفة وقائد

الدكتور خالد الشفي

عشقتك الجراح حيا وميتا        فرأيناك مثخنا بالجراح

 بين جرح الاقلام تصميك زورا  وجراح السهام وسط الساج (احمد الوائلي، رحمه الله)

لقد كتب عمالقة الادب والسيرة والتاريخ في علي بن ابي طالب ما يغني عن التعريف وما يعجز قلمي المتواضع  عن الاتيان به.. ولا أحسب اني استطيع ان اقول شيأ جديدا.. ولكن استقوفتني امورا في  سيرة هذا النموذج الراقي للاداء الانساني  ونحن في ايام فقده وتأبينه وسأذكر منها امرين:

اولا: علي والقدر (المشيئة)

لو ان الامام علي انتخب كخليفة اول في السقيفة (عن طريق النخبة من الصحابة) وبايعه الناس كما بايعوه بعد مقتل عثمان.. وهذا على الله ليس مستحيل! ثم برز له ابن ملجم وقتله وكانت مدة خلافته هي نفس المدة (اقل من خمس سنين). ماذا كان من امر الاسلام؟.. والكثير من الصحابة هم حديثوا العهد بالإسلام وتطبيقات.. بل ان منهم من ارتد وكان ما كان… من يقوم بحمل اعباء الرسالة ومن هو اهل للمرجعية الربانية حينذاك؟ من الذي يسدد مواقف الصحابة وادارة الدولة واقامة العدل ؟ عنذاك يكون الفشل حليفا للمشروع الرباني… اليس كذلك؟

لكن ميشئة الله اقتضت ان يكون الامام علي هو الرابع من الخلفاء الراشدين.. ووزيرا للشيخين.. مسددا لخطاهم وهم يعرفون ذلك :

لولا علي لهلك عمر ..

كان التعامل بين الصحابة اقرب ما يكون الى السيرة النبوية الشريفة… احترام متبادل.. حفظا على بيضة الاسلام وكل يعرف موقعة من الرسالة والسنة.. وحجمه (قبل ان تكتب الاحاديث النبوية!) حتى الغزوات كانت هدفها نشر الدين (الرسالة السماوية) وليس الحصول على الغنائم او السبايا كما حدث بعد مقتل الامام علي… واصبحت الخلافة حينها ملكا عضوضا.. ارث يتداوله الصبيان والمنافقين.. وادعياء الدين..

هذه السنوات التي قاربت على الأربعين بعد وفاة النبي (سنوات الخلافة الراشدة) هي متممة لسنوات الدعوة الثلاث وعشرون.. ليبدأ فيها  عصر جديد وهو تحمل مسؤولية اداء الرسالة من بعد النبي . بل قل  كانت مرحلة تدريب للصحابة (رض) تحت انظار المؤتمن على الرسالة الا وهو علي (ع)، هارون الامة ووصي رسوله..  كما سماه النبي بل هي تجديد لخلافة ادم (ع) في تحمل مسؤلية الخلافة على الارض من بعد خلقه!

وكان دور الامام علي فيها هو احياء الامة.. احياء الرسالة.. احياء ضمير الرعية.. وبيان دورها في مراقبة وتسديد الحاكم !

كان هذا واضحا عندما اشتكى منه الناس من كثرة الحروب الداخلية ايام حكمه مقارنة بايام الوحدة والطاعة.. ايام حكم الشيخين.. فاجاب:

في خلافة عمر كنت انا الرعية.. انظروا من رعيتي اليوم!

وهي نفس مسؤولية هارون عندما استخلفه موسى في قومه  :

﴿قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني أفعصيت أمري اعصيت امري؟ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾.

وهذا ما حصل ايضا عندما اجتمع الناس على بيعة علي بعد مقتل عثمان اذ لم يجتمعوا على شخص قبله او بعده.. والقوا عليه الحجة في قبول الخلافة وهو امر نأى بنفسه عنه ليس  تنصلا من الواجب الشرعي ولكن زهدا في المناصب وحب الدنيا.. وتأكيدا على دورة في اصلاح الناس والمجتمع .

انا لكم وزير خير لكم من ان اكون عليكم امير.

كان عليه السلام يردد:

اسألوني قبل ان تفقدوني… ثم قبل البيعة.. ولكن بشرط تحمل الامة معه مسؤولية الخلافة عملا بسنة نبيه.

كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. قال(ع)؛ تعينوني بورع واجتهاد.. وعفة وسداد. بيان لدور الامة في محاسبة الحاكم !

وقال ايضا ؛ تشيرون علي فان عصيتكم تطيعوني !. بل تجدد الامر عندما اجبر على التحكيم في صفين.

وبين ان  الخلافة او السلطة (المنصب) تكليف وليس تشريف.. ولكل دوره.. وقال ايضا  :اتقوا الله عباد الله واطيعوا امامكم  وان الرعية الصالحة تنجوا بالامام العادل الا وأن الرعية الفاجرة تهلك بالامام الفاجر!

 ثانيا: علي والعصمة

كيف يكون للانسان ان يكون معصوما وكل بني ادم خطاؤون؟

ليس صعبا ان نفهم ان النبوة اصطفاء وانتقاء وتدريب وتسديد من الباري عزوجل.. وهذا متفق عليه… ولكن السؤال هنا

أيمكن للانسان ان يكون معصوما وهو ليس بنبي.. كيف؟

هناك من كتب عن العصمة وصنفها.. وقسمها ولسنا بصدد التكرار.. ولكن باختصار شديد العصمة هي دليل التقوى ودليل التقوى هو السلوك وفقا لمنهج الاسلام.. ايمان وتصديق ..اذعان وتسليم.. يدل عليه السلوك والمشاعر.. امام الناس وفي الخلوة.. شكر في الرخاء وصبر في الشدائد والسرائر.. لم يجد التاريخ ثلمة في سلوك الامام علي بل كل خصاله دلت على الكمال الانساني وتشابه مع استاذه النبي الامي (ص).. بل هو بذلك دليل على العصمة لمن اراد ان يتيقن او يستزيد.. وقال (ع) عن معلمه رسول الله(ص):

ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل لأمه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما فيأمرني بالاقتداء به!!

ولو لم يكن الامام علي معصوما لكان هذا دليلا على فشل النبي (ص) في اداء دوره في التربية والتدريب والتأهيل.. حاشاه من مبلغ.. وحاشاه من معلم.. بل حاشا للمشروع الالهي ان يفشل في ايصال الانسان الى المراحل العليا في الانسانية.. ولله  الكمال وحده.

فعلي ليس اماما وحسب وانما دليل على القران.. وكفى بالقرآن دليلا عليه!.

وقال ايضا: الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق!

﴿تلك الدار الاخره للذين لايريدون علوا في الحياة الدنيا ولا فسادا﴾. ﴿قل لا أسألكم اجرا الا المودة في القربى..﴾. ليست قرابة النسل فحسب  وانما قرابة الايمان والاخلاص للمشروع الرباني.. واهلية حمل الرسالة واعباءها.. ولا منازع.. فتأمل !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى