الصلة بين الملك والملكوت والبعثة النبوية
ندوة مؤسسة الابرار الاسلامية حول الصلة بين الملك والملكوت والبعثة النبوية
الخميس 30 يناير
الاستاذ عباس المرشد
سأتطرق لثلاث نقاط:
الاولى: محاولة التفكيك.
الثانية: تسليط الضوء على جانب تاريخي بما يتصل بالمبعث النبوي ومفهوم النبوة كما تشكل تاريخيا.
الثالثة: النبوة كما يصفها القرآن الكريم في المبعث.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾.
مفردة أيام الله هي المدخل. فهل عند الله أيام خاصة؟ صاحب الميزان يقول ان الازمنة واحدة عند الله ولكن قوله ﴿وذكرهم بأيام الله﴾ يعني مكانة عليا لبعض الأيام.
حين يتكلم عن موسى فانه يتكلم عن النبوة. ما ينطبق على موسى ينطبق على عيسى وهود وابراهيم عليهم السلام.
هذه الوحدة العضوية (النبوة) أحد مرتكزاتها التذكير بايام الله. المبعث النبوي اكبر هذه المسائل.
هناك مراحل زمنية تمثل عمق الخلق البشري. مرحلة بداية الخليقة، وهو يوم من ايام الله.
الثاني: مبعث النبي
الثالث: ظهور القائم
الامام الباقر عليه السلام فسر ايام الله بانه تقسيم لاوقات.
في سورة الاحزاب: ﴿يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله…﴾. ﴿وبشر المؤمنين بان لهم من الله فضلا كبيرا﴾.
البعثة النبوية وفق هذه الآية هي شهادة، إنذار، دعوة، تبشير ويصف النبي “السراج المنير”.
كلمة السراج تتضمن الضوء، وفي القرآن وردت اربع مرات تصف الشمس ومرة واحدة تصف رسول الله سراجا وهاجا، كثير الاضاءة. السراج تعني الشمس وهي ذاتية الطاقة، على خلاف الاجرام الاخرى التي تعتمد على غيرها. في بداية الله جاءت كلمة “شاهدا”. شهادة الرسول على ماذا؟ الشاهد انه يمتلك الاحاطة والعلم والقدرة على التشخيص.
لا يمكن ان تاتي بشاهد يخطيء او ياخذه الهوى او يضلل بمعلومات خاطئة. اراد الله ان تكون نبوة رسول الله مشتملة على المعالم التي ذكرتها الآية: ﴿شاهدا ومبشرا ونذيرا وسراجا منيرا﴾.
هذا يعني بناء المجتمع، اي ان البعثة او النبوة حين تأتي تهدف لبناء مجتمع. رسول الله (ص) في الرواية انه كان يتعبد في غار حراء.
احدى القصص التي ينقلها المؤرخون انه ارتجف حين نزل عليه الوحي، وانه هرع الى خديجة وان ورقة بن نوفل قال له: ابشر فانك رسول الله. الرواية التاريخية تقول ان رسول الله كان مضطربا في بداية دعوته، انه اضطهاد تاريخي للبعثة، بينما الامام علي عليه السلام يقول: لقد ترك رسول الله التجارة وتصدق بماله وتفرغ للعبادة في غار حراء. لا نعرف طول هذه المدة، هل هي عشر سنوات او اكثر او اقل.
ذهب للتجارة مع عمه ابي طالب، وعندما كان عمره 25 سنة كان يضارب مستخدما اموال خديجة ثم ترك التجارة، وحين نزل عليه الوحي كان مطمئنا، ولم يكن مضطربا
كيف يكون شاهدا وهو مضطرب؟ من اورد هذه الرواية وغرسها في اذهان الاجيال؟ وذلك في مقابل نصوص القرآن.
مفردة النبي وردت في القرآن اكثر من 300 مرة، ومفردة “رسول” كذلك. لم يكن هناك تشكيك او اضطراب في اي موضع. قالوا ان رسول الله مجنون او ساحر. حين ياتيك مسؤول كبير ويعطيك مسؤولية، كم تكون فرحا، بينما رسول الله (ص) الذي يبعثه الله يكون مضطربا وخائفا.
رسول الله (ص) حين ترك التجارة واشتغال بالعبادة هذا لا يعني انه فقد مهارة التجارة.
لقد ادار مجتمع المدينة المضطرب اقتصاديا، بينما كانت مكة عصب التجارة في الجزيرة العربية، جعل المدينة تنافس مكة في المجال الاقتصادي. كيف كان رسول الله يدير الامور وكيف يدير الاقتصاد تحتاج لدراسة.
المسألة الثانية متصلة بمسألة البعثة:
في اي مجتمع بعث رسول الله (ص)؟ في اي ظرف؟ أمام أي تحد؟ حسب الرواية التي غرست في اذهاننا نجدها مختلفة عما جاء في القرآن. الامام علي عليه السلام يصف اجواء ما قبل البعثةظز كان هناك جهل بالتوحيد وعدد من الفتن.
هناك نقطتان نستفيد منهما:
الاول: لماذا بعث رسول الله (ص) في الجزيرة وليس اي مكان آخر؟ احد الأسباب ان الجزيرة العربية برغم حضارتها السياسية كانت تفتقد للوحدة السياسية والحكومة المركزية.
حين تبدأ باية دعوة سماوية وتواجه حكومة مركزية قوية تجد صعوبة في تبليغ رسالتك. لو بعث النبي (ص) في دولة الروم او الفرس لربما لم تنجح الدعوة النبوية.
سورة أهل الكهف كانوا في الامبراطورية الرومانية التي سعت لتصفيتهم. قريش برغم جبروتها لم تلجأ للتصفية الجسدية لرسول الله الا مرة واحدة.
استشهاد سمية ام عمار بن ياسر لها ظروفها التاريخية.
النبوة التي بعث بها رسول الله (ص) عبرت عن صناعة عالم جديد، وهذه القيمة تنسب لرسول الله بان يقوم بتشكيل العالم.
بعد الطوفان تم تشكيل عالم جديدة وبعد بعثة رسول الله (ص) اعيد تشكيله كذلك.
لا بد ان نعيد النظر في المقولات المألوفة.
التحدي الذي يواجه المجتمع البشري أقل من التحدي الذي واجهه رسول الله (ص): فقد استطاع بناء مجتمع. كذلك مستوى الثقافة لدى المجتمع الذي بعث فيه.
كنا نعتقد ان المجتمع الذي نشأ فيه رسول الله (ص) مجتمع جاهلي فكيف تأتي لهم بالقرآن؟ لا يستقيم، القرآن يحتاج الى عباقرة لكي يبرز قيمته وقوته، يحتاج الى اناس بمستوى كبير. هذا التحدي الثقافي الذي يواجه رسول الله (ص).
كان هناك شخص اسمه النظر بن الحارث الذي قتله علي عليه السلام في الحرب.
حين ظهر الرسول (ص) بدعوته سافر النظر الى بيزنطة وقرأ الاساطير وكل الكتب لكي يواجه رسول الله (ص). فكان يجلس ويتحدث الى من حوله بما لديه لكي يتحدوا رسول الله (ص). كان نصف العرب من المسيحيين من كندة والحيرة والبحرين. كان هناك مجتمع يتحدى القرآن، لذلك كانت التبشير بالقرآن يحتاج الى جهد وصراع ثقافي. صحيح انهم جاهلون بالتوحيد ولكنه يقفون على فلسفة. حين تناقشهم لا يناقشك بالخزعبلات، بل بالعلم والنظريات الحديثة. ايضا على زمن رسول الله (ص) كان الامر كذلك.
كانت ظروف البعثة غير هينة، تحدي البيئة المتشبكة مع بعضها. مكث رسول الله في مكة 13 عام ولم يستطع بناء مجتمع كما يقال. والحق انه بنى مجتمعا تصدى لقريش. كانت قوة قريش انها ربطت المسألة الدينية بالاقتصاد، فكان صعبا على رسول الله (ص) اختراق ذلك المجتمع.
كان الناس يفكرون في فئة كبار القوم، ولم يكن هناك من يهتم بالقطاعات العادية. كانت قريش تربط الثروة بالشرف والجاه. كان التخطيط السياسي ان ينقل المجتمع الى الحبشة لحمايته، ثم نقله الى المدينة حينما توفرت الظروف لنشر الدعوة.
ذكرى المبعث تستفز فينا هذه القصة والمعالم الرئيسية لقيمة النبوة.
الامام علي عليه السلام يصف وظيفة الرسول الاساسية: يستاذنهم، يثير فيهم دفائن العقول.
عملية اثارة دفائن العقول هي التي عبر عنها القرآن بالتزكية والتعليم والاستقامة.
القرآن وصف الرسول (ص) بشتى الاوصاف: الرحمة، الاستقامة، الشدة ايضا، الرحمة لا تستقيم بدون شدّة.
المجتمع لا يستطيع التراخي مع الاعداء. لا يمكن ان اشعر بالاسلام ولا اشعر بما يحدث في غزة. ما لم تكن شديدا في المواجهة، تكون ناقصا عن اداء الرسالة.
المبعث يستفز فينا عملية البعث وليس العبث. على مدى 1400 سنة عبث بالتاريخ والمفاهيم. فاذا كنا مهتمين بالبعثة النبوية علينا ان نقوم بعملية بعث حقيقية تبدأ بالمجتمع والتاريخ.
الانبياء في القرآن نماذج مثالية. اذا لم اشعر بالانجذاب للنموذج القرآني فانني انتمي لفئة أخرى.
ثم القى كل من الدكتور سعيد الشهابي والدكتور رشيد معطي قصائد شعرية بهذه المناسبة.