محنة الأمة: تزييف التاريخ وصناعة البطولات*
الاستاذ محمد رضا الصغير
الحديث عن كتابة التاريخ وما وصلنا منه وما وصلنا اليه نحن شيء مربك، لاننا في أمة نصنع التاريخ ولا نكتب التاريخ. ما نريد وما لا نريد. صناعة التاريخ تختلف كلية عن كتابة التاريخ. لماذا؟ لانك اما تصنع انتصارات وبطولات وهمية او هزائم وهمية للاخر. ما دام أن الأمور تتجه بهذا الاتجاه فان الأمم لا تتقدم بناء على هذه الفلسفة. لأن الأمة التي لا تعتمد على تاريخها لا يمكن ان تنهض. فسرعان ما تتحرك النزعات الفئوية والحزبية لتؤثر على قراءة التاريخ.
فهناك الكثير من الاختلافات في مولد النبي والائمة والوفيات ايضا. لم نكن ولادة الرسول (ص) حدثا مهما في حينها لأنه لم يكن معلوما للناس أنه نبي حين ولادته..
وعبر التاريخ أخفيت الكثير من الامور برغبة الحاكم. ويعتبر أبان بن عثمان المتوفى سنة 105 هجري هو احسن من كتب في التاريخ. فقد أمره سليمان بن عبدالملك قبل ان يكون خليفة أن يكتب له شيئا عن الرسول (ص) فلم يعجبه لماذا؟ لانه وجد أنه يفضح الجناح الأموي آنذاك.
بعده كتب عروة بن الزبير المتوفى سنة 90 هجري وكان يأخذ من ام المؤمنين عائشة. وهو احد المهمين في معركة الجمل. وكان توجهه واضح، فقد كان مناوئا لاخيه عبدالله بن الزبير. اذا الهوى كان هوى أمويا. فمن يروي الرواية سواء كانت تاريخية او حديثية، فهو يروي بناء على رغبة الحاكم، ولذلك عندما تأتي الرواية في زمن العباسيين او الامويين فكل رواية تلاحظ الحاكم. لماذا؟ لان الاعلام بيد الحاكم.
في سوق الوراقين في بغداد عندما تريد رواية يسألك الشخص هل تريدها قوية سندا او متنا؟ اذا كان السند تريده قوي تعطي مبلغ والكذب على رسول الله (ص) مبلغ وهكذا. هؤلاء كانوا يكذبون لرسول الله ولا يكذبون عليه كما يقولون. اذ شرعنوا نظرية الكذب. رعك أن الرسول (ص) قال كثرت عليه الكذابة.
البخاري روى 600 الف حديث ولكن بعد الغربلة والبحث انتهت ب6 الالف حديث. ويقال أن احمد بن حنبل جمع مليون حديث عن الرسول (ص). المصيبة انهم كانوا يأخذون هوى الرجل. لهذا محمد ابن سحاق كان متهم في دينه لماذا؟ قالوا لأنه كان عندما يصلي في المسجد فانه يلتحق في الصف الاخير قريبا من النساء. ومرة اخرى لانه كان يقدم علي على عثمان فضعفوا روايته. دخل مرة على المنصور وقال له المنصور اعلمت هذا (ابنه المهدي)؟ قال نعم انه المهدي. فقال المنصور أريدك ان تكتب له سيرته وسيرة اجداده. المشكلة انه جلس وكتب من دون دراسة واستشارات. هذه صارت سيرة نبوية ولكن المنصور احتفظ بها وقال اكتب سيرة مختصرة. المصيبة الكبرى في تاريخنا أنه لا يؤرخ لحالة اجتماعية واقتصادية ولكن للحاكم فقط.
ابن هشام كتب السيرة النبوية. على اي ميزان كتبها؟ عند الاطلاع على التفاسير ترى هناك اختلاف في اسباب النزول وهي تنمية للعقل.
عندما تحدث ثورة في زمن معين فمن يقوم بتدوين هذه الحادثة؟ انه النظام الحاكم. فمثلا ثورة الزنج قام بها علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بين امير المؤمنين. عندما تقرأ عنها تجد: “وقد ادعى النبوة واصله فارسي مجوسي…” اذا كان هذا نسبه فكيف يكون مجوسي؟ هو ثار مع مجموعة محتاجين فكيف يدعي النبوة؟ فهي مثل نظرية المؤامرة حاليا. الفرقة الاسماعيلية (توصيف) فهي تطورت وبنوا القاهرة المعز. فلو تقرأ عن المتأخرين فانك لا تجد احدا ينصف المظلوم. واسماعيل هو ابن الامام الصادق (ع). التشكيك في الانسان كانت ظاهرة موجودة في فترة الامويين والعباسيين ولا زالت لحد الان يتهمون البعض بانهم يهود او مجوس وهكذا.
الوليد بن عبدالملك جلب ما يقارب من 80 الف اسيرة سبايا الى الشام من بلاد المغرب.
يدافع عن الخلافة العثمانية مع العلم بان اي من الخلفاء لم يذهبوا الى الحج الا بعدد الاصابع. بينما يذهبون الى الشام للسمر والسهر. هؤلاء الانكشارية كانوا يشربون الخمر. 34 خليفة لم يذهبوا الى الحج ولم يشاهدوا مكة. هم يفتخرون بان سيف الرسول عندهم. هؤلاء نفسهم من ذبح ما يسمى بخليفة المسلمين. اقرأ التاريخ بشكل جيد واسمع راغب السرجاني ماذا يقول ونظرية الحقد التي يحملها. امثال هؤلاء اصبحوا يفتون بقتل المسلمين في العراق والشام. اما اذا تقرأ التاريخ عن الجيش العثماني فان مأونتهم اكثرها من الخمور. لانهم مرتزقة انكشارية. حينما صارت الانتفاضة في العراق عام 1991 كتبت في الصحف صفحة الغدر والخيانة. الامة تصنع التاريخ ولا تؤرخ فهي لا تنهض.
اذا انت تظل تسمع هذا التاريخ فان الامة لا تتطور لان كل حزب بما لديهم فرحون. القران يقص علينا القصص للاستفادة منها وانكم كفرتم اناسا وقتلتم اخرين. اذا الدين اصبح تجارة بيد الحاكمين والتاريخ مع الاسف اسود. لو اخذنا اي ثورة ونؤرخها فلا يقرأها احد الا القليل. يأخذ الدين من خلال خزينة الحاكم بدلا من الناس. الحاكم يكتب كما هو يراه فهو يضيف ويحذف حسب رغبته. نحن بحاجة الى الصدق الحقيقي في حياتنا.
* كلمة ألقيت في مؤسسة الابرار الاسلامية بتاريخ 26 اكتوبر 2023