زيارة الأربعين: نشأتها وتطورها وآفاقها

أحييت مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن مساء يوم الخميس المصادف 7/9/2023 أمسية بمناسبة أربعين الإمام الحسين عليه السلام، بمشاركة السيد محمد طاهر الحسيني عبر الفضاء الإلكتروني وكلمة بعنوان (زيارة الأربعين: نشأتها وتطورها وآفاقها)

مقدمة سماحة الشيخ حسن التريكي
ذكرى الاربعين هي عودة ركب السبايا الى كربلاء ودفن  الرؤوس مع الاجساد. عشنا مع هذه الذكرى، ما حدث يوم العاشر من شهر محرم وما تلاه من سبي لعائلة النبوة الى الشام، حيث استغرقت الرحلة 40 يوما. نعلم ان الحسين يوم العاشوراء حوصر مع اهله واصحابه وقتلوا جميعا وتركت الاجساد عرايا في تلك الصحراء، واخذ القوم عائلة الحسين سبايا. 

يقول الامام السجاد عليه السلام: جعلت انظر  اليهم صرعى ولم يواروا، فيعظم ذلك في صدري ويشتد لما ارى منهم قلقي، وكادت روحي تخرج، فرأت عمتي زينب بنت علي فقالت: ما لي اراك تجود بنفسك؟ فقلت: وكيف لا اجزع ولا اهلع، فقالت: ان ذلك عهد من الله . كم مرة حاولوا طمسه ومحوه. كان من يريد زيارة الامام في ايام المتوكل الذي هدم القبر ثلاث مرات، كان ياخذ من الزوار الضريبة، حتى بلغ الامر ان يقتل من كل عشرة تسعة ويسمح لواحد منهم بالزيارة . 

في الاعوام الماضية تجاوزت تقديرات الزوراء في الاربعين 20 مليونا. هذه الظاهرة والزيارة اردنا ان نضيء على زيارة الاربعين، تاريخها، آثارها، آفاقها، لتكون معينا للاحرار لكي تتحرر النفوس والشعوب كما رفع الامام الحسين عليه السلام ذلك الشعار. 

كلمة الدكتور محمد طاهر الحسيني
الحديث في ثلاثة محاور: نشأة الزيارة، واقعها، آفاقها. زيارة الاربعين: المشهور انها تتصل بعودة عائلة سيد الشهداء من الشام الى كربلاء، ورد الرؤوس ودفنه مع الجسد، فهي معروفة ومشهورة. يقول البيروني المتوفي سنة 140 هجرية الآثار الباقية في القرون الخالية في الحديث المعروف هناك ثلاث روايات لم ار غيرها: 

الاولى: حددت علامات المؤمن ورويت عن الامام العسكري عليه السلام قال فيها: علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين (أي الفرائض اليوميّة وهى سبع عشرة ركعة والنوافل اليومية وهي أربع وثلاثون ركعة)، وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. الثانية: رواها الشيخ الطوسي عن صفوان الجمّال الذي كان يكري جماله لهارون الرشيد. عن الامام الصادق: في زيارة الاربعين تزور الحسين ارتفاع النهار وتقول: السلام على ولي الله وحبيبه. الثالثة: رواها الشيخ الطوسي والشيخ المفيد قبله في كتابه “مسار الشيعة” وفيها يشير الى عودة العائلة الى المدينة وان ذلك يصادف زيارة جابر بن عبد الله الانصاري الى كربلاء. 

في يوم العشرين من صفر كان عودة نساء الحسين من الشام الى مدينة الرسول وفي ذلك اليوم زيارة جابر بن عبد الله الانصاري الى كربلاء. الرواية الاولى المنسوبة للامام العسكري مرسلة. الثانية عن صفوان: معظم العلماء لم يصححها، ولكن تم تصحيحها لانها وردت في كامل الزيارات لابن قولويه وفي تفسير القمي. ذهب بعض الفقهاء لتصحيح الروايات ومنهم السيد الخوئي. فكأن ابن قولوية والقمي تعهدا بتصحيح الروايات. اما الرواية الثالثة فتقول ان ذلك صادف زيارة جابر وليس لها من سند. اما في التاريخ فيبدو لي من خلال المتابعة ليس هناك نصوص تاريخية حول هذه الزيارة. هناك نصوص تاريخية غطت واقعة كربلاء بشكل جيد مثل مقتل ابي مخنف او من تلاه، ثم تسربت تلك النصوص الى كتب الاخباريين والمؤرخين ويمكن ان تتوفر على نصوص تاريخية مهمة. 

توسع الحديث عن كربلاء بشكل كبير. هذه النصوص التاريخية لا تختص بالمدرسة الشيعية بل تحتويها المؤسسة  السنية. ليس هناك نصوص تاريخية تغطي هذه الزيارة. بتقديري انه ليس هناك من دواع لعدم نقلها. بعد تورط يزيد باسرعائلة الحسين الى الشام واكتشاف فضيحته اراد ردهم الى المدينة واوكل بهم النعمان بن بشير واوصاه بالعائلة وان يرفق بهم. النعمان بن بشير كان مسالما، ولذلك عزل عن ولاية الكوفة. هذا السير بهذه الصيغة لو تم ووصلت العائلة الى كربلاء وفي مشارفها مضارب الاسديين فلا اظن ان هناك من هذه المنطقة من لا ينقل الواقعة. قد يشكل البعض ويقول ان المنع قائم وهو يمنع مجاوري المنطقة من الاندماج مع الحدث ولكن التاريخ يؤكد ان دخول العائلة الى المدينة كان سلسا وضجت المدينة عن بكرة ابيها. فمقتل الحسين بعد هذه المسيرة الطويلة كان حدثا كبيرا. في الادب لم ينقل لنا من الشعر والنثر ما يشير الى ذلك. السيد ابن طاووس تحدث عن رجوع الركب ومروره بكربلاء ولكن بدون تحديد السنة، فربما كان في السنة التالية. بعضهم قال ان هذه الزيارة انما كانت من الكوفة الى كربلاء، اي قبل ان ينطلقوا الى دمشق. 

التواريخ التي حددت في النصوص التاريخية: يقول البيروني: وصلوا الى دمشق في اول صفر، وقد لا يكون عودتهم في 20 صفر. النوري له كتاب “النور والمرجان” استبعد ذلك وتصدى لعدد من الاشكالات حول ذلك وبعد ذلك تبعه بعض تلامذته ورد عليه صاحب المستدرك المتوفى في سنة 1320 هجرية. 

قبل اربعين سنة كتب الشهيد محمد علي الطباطبائي الذي استشهد في تبريز على يدي مجاهدي خلق لديه كتاب بعنوان: رجوع الركب بعد الكبر” رد فيه على كتاب “اللؤلؤ والمرجان” وحاول تقريب وجهات النظر حول عودة العائلة الى كربلاء. هذه الزيارة برغم ذلك اشتهرت، كيف تدعمت اركانها وكيف توجه العلماء وغيرها نحوها، متى بدأ الاستمرار بهذه الزيارة، كل ذلك ليس واضحا لي. من المؤكد انها لم تكون كما هي الآن. كانت هذه الزيارة قائمة قبل 200 سنة او اقل او اكثر. 

هناك دول شيعية تعاهدت المناسبات الكربلائية مثل البويهيين والصفويين والفاطميين. لم يعهد منهم تقوية هذه الزيارة، لماذا؟ لا اعرف. هل هناك غياب مقطع تاريخي معين حال دون التعرف على ذلك. ارى ان هذا الجدل حول هذه الزيارة ومستنداتها يحسمه الاتفاق العام من العلماء حول زيارة الامام الحسين عليه السلام، وهذا العنوان يكفي وليس هناك من العلماء من يثير اي اشكال على هذا العنوان، اي زيارة الامام الحسين لان هذا العنوان تأسس على ايدي الائمة ابتداء من الامام زين العابدين ثم الامام الباقر بدرجة اوسع، مع الاتقاء من الدولة الاموية، ثم على يدي الامام الصادق، حيث اتخذ صيغة الاعلان، ثم الامام الكاظم. هناك من يدعي ان الكاظم هو من وضع بعض هذه الطقوس مثل اشهار الحزن في مطلع محرم. ليس هناك من ضير بعد ان ترسخت هذه الزيارة وتلهفت لها هذه القلوب ليس من المهم ان تكون بالعنوان الخاص بل يكفي ان تكون بالعنوان العام.  

المحور الثاني: واقعها. هناك عداوة مضمرة من سلطات الاستبداد وكل ما ينتمي للامام الحسين التي تعد نقيضا سياسيا لانظمة الاستبداد. حتى لو لم تكن هذه الزيارات بصيغة سياسية ولم يوظفها المعنيون بالشأن العام، يشعر المستبدون ان هذه الزيارة تنتمي للمدرسة الحسينية وانها نقيض فكري وسياسي لانظمته. لذلك تصدى المتوكل والسلاجقة والعثمانيون وحتى الشاه من سلاطين الدولة الصفوية حاول منع الزيارة والتصدي لها وصولا الى نظام البعث. نعرف ان نظام البعث مارس اقسى العنف ضدها، وتحديدا زيارة الاربعين ونستذكر انتفاضة صفر في العام 1977، فكان الناس يذهبون بدوافع حسينية محضة. مع ذلك ضاق النظام بها ذرعا وفي 1977 منعها، وكان هناك تمنع من الناس وتمرد وخرجت الجماهير نحو كربلاء، اتذكر كيف اطلق رجال الامن عند خان النص النار على الزائرين واستشهد عدد منهم حتى وصلنا خان النخيلة. اتذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر اوفد مبعوثا حول هذه القضية وصدرت احكام بالاعدام رفضها حتى بعض اعضاء النظام مثل حسن فليح جاسم وعزت مصطفى العاني، وآخرون. 

بعد السقوط حدث التحشيد لدعم الزيارة واصبحت تنطلق من جنوب العراق ووسطه باعداد غفيرة. هناك استهداف من القاعدة والتكفيريين لهذه الزيارة. الآن اهتم الشيعة بالزيارة حتى اصبحت مليونية. اصبحت الزيارة ملتقى عاما، وهو ملتقى مهم لانه يعبر عن سعة هذا التجمع والاهتمام الجماهير به. وكذلك هذا الاهتمام الشعبي بضيافة الزائرين. هناك بعض الاستثناءات ولكن ليس لها اعتبار. انها زيارة مهمة وذات افق عام يمكن ان تنطلق الى افق اوسع، خصوصا انها لا تستبعد احدا، لان عنوانها الحسين الذي هو باب الله، فهي محطة مهمة يتزود الانسان فيها تقربا الى الله وتجاوز الذنوب والآثام، ولذلك فهي محطة جدا. 

لا بد ان ننبه الى ان هذه المحطة وان كانت عامة، ولكن يجب ان لا يتصدرها غير المؤمن. لان النخبة هي التي تسهر على هذه المسيرة وتضمن بقاءها نقية. هذا لا يعني استبعاد احد فهي عباءة الامام الحسين عليه السلام. ولكن من المهم ان من يسهر على صفاء هذه المسيرة هي النخبة المؤمنة والواعية. بعض المحسوبين على المؤسسة الدينية يمتعض اذا اشرت الى ظاهرة سلبية تحدث في هذه المسيرة. البعض يستهدفها من مواقع مفبركة ومقاطع من اماكن اخرى فهي تقض مضاجعهم، لذلك مسؤوليتنا حفظ هذه المسيرة من كل هذا الطيف الذي يدخلها وهو ليس منها.  

الآفاق المستقبلية: هذه المسيرة تشكل ظاهرة مهمة. الشيعة هم الذين قاتلوا من اجل نقاء المسيرة ولكن ليس من مصلحتنا ان تكون ذات بعد طائفي، بل يجب ان يدخلها المسلم وغير المسلم. مسؤوليتنا ان نبتعد عن اللغة المذهبية، كذلك هناك حاجة للخروج من حالة الشرنقة. لاحظت دخول وفود فلسطينية من علماء وسياسيين، بل حتى من غير المسلمين وذلك يبشر بخير. الحسين ليس رمزا للشعية فحسب بل رمز للمسلمين. من سرورنا ان تتسع لتضم ملايين اخرى من المسلمين وتصبح ملتقى لهم ولغير المسلمين وان تكون اكثر تنظيما بعد ان اصبحت اكثر انضباطا، الشعارات بدأت تنضبط. وهنا حاجة لجهود اكبر على المستوى الثقافي والديني.  

مداخلة الاخ نوفل الحمداني
قال رسول الله: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة. الانبياء والشهداء هم شباب الجنة، وهم سادة المجاهدين. هذا الحديث ليس هينا: اللهم أحب حسينا، حسين مني وأنا من حسين. اذا ذهبت الى الحضرة الحسينية اصبحت كعبة الارواح. هذه السنة تختلف كثيرا. راى السيد الحسيني كيف ان هناك دورا لاهل السنة والجماعة خصوصا الوقف السني لتسهيل انتقال الزوار وكذلك نقل الخدمات الانسانية والطبية. احببت المشاركة في فرحة المسلمين بالامام الحسين وان يحشرنا معه آمين.

التسجيل الكامل للبرنامج
https://www.youtube.com/watch?v=FKSQFCWjiVI

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى