مكانة الانسان في الاسلام

‏الدكتور خالد الشفي

قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾.

وقال سبحانه: ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد﴾.

لا يمسك بهذا الدين الا من أحاط به النبي محمد(ص).

الله الله في القران لايسبقنكم احد بالعمل به. الامام ﴿علي بن أبي طالب(ع)

رسالة من العليم الخبير اؤتمن عليها رسوله (ص)، ومن بعده ابن ابي طالب(ع) والصحابة المخلصين…وحصلواعلى المكانة الرفيعة في الدنيا والآخرة بعدما تمكن الإسلام منهم واستقر في قلوبهم ونطقت به مشاعرهم… وجوارحهم.

في السيرة النبوية العطرة هناك مواقف تدل وتحث على هذه المكانة ولا يسعنا إلا أن نختطف منها صور سريعة علها تنير القارئ وتغني عن الشرح المطول:

ففي خطبته (ص) إلى الأنصار بعد ان وجدوا في أنفسهم، بعدما اعطى الرسول غنائم حنين إلى العرب، حديثي الإسلام (وهم المؤلفة قلوبهم) قال: “‏يامعشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم؟ ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فهداكم الله بي يقتل بعضكم بعضا… ثم اردف وقال ما يمنعكم ان تجيبوني… اما والله لو شئتم لقلتم فصدقتكم وصدقتكم.. أتينا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك.. إلى ان قال اما ترضون ان يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله الى رحالكم. ثم اردف وقال لولا الهجرة لكنت من الانصار.. ثم دعا لهم.. عندها بكى الصحابة بكاء شديدا وقالوا رضينا برسول الله نصيبا وحظا..

ثم في موقف اخر يدعوا وينادي ربه مصرا على الدعوة والمضي فيها مهما كلف الامر، من بعد ما أوذي من اهل الطائف في بداية الدعوة، وقال (ص) مناجيا ربه وقد ادميت قدماه الشريفتان: اللهم اشكو إليك ضعف بدني وقلة حيلتي وهواني على الناس… إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني ام قريب ملكته أمري… ان لم يكن بك علي غضب فلا ابالي… لك العتبى حتى ترضى.

اذن ما هي المكانة؟ وما هي مكانة الانسان في الاسلام ؟ وماهي مكانة الاسلام في الانسان؟ وبكلمك أخرى لماذا الاسلام ولماذا نختار الاسلام عم من سواه؟

المكانه كما نعرفها هي المنزلة والاسلام كما نعرفه… وكما حدده الباري تعالى

هو التسليم، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

وفي ضوء هذه الاية قيل، ان افضل الإسلام هو الايمان، وأفضل الايمان هو الإسلام! والحديث عن مكانة الانسان في الاسلام هو حديث عن قصة الخليقة ومسيرة الايمان في نفس الانسان وفي ثنايا التاريخ… بل هو الغاية من الوجود كله ولولا الانسان لما كان الاسلام كذلك الاسلام هو الغاية من خلق الإنسان! ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ!﴾.

والحديث عن الاسلام يتطلب معرفة علاقة الانسان بكل ما في الوجود. كل ما في الكون، بل معرفة الله من خلال صفاته…اذ ان اول الدين معرفة الله!.

والمكانه درجات مثلما هو الايمان والاسلام او

قل مراحل للمكانه في المسيرة الانسانيه..

مسيرة الانسان في الدنيا …ومن الدنياحيث يعرج لملاقاة ربه!.

مسيرة محفوفة بمنازل ومحطات على الطريق قد تثبت الانسان او تحرفه ..مسيرة لها زادها الخاص يعينها على الثبات .. ثبات على المبادئ والقيم العليا..

انها قصة الايمان وصراع الانسان بين دعوة الرحمن وهديه …..وتحريف الشيطان وزيغه وتزيفه …كذلك هي نتيجة ومسؤولية الاختيار الواعي… انها قناعة واختيار.

﴿اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾.

لا اريد ان أكرر ما نعرفه او ما نتوقعه من منزلة عالية وكريمة للانسان في حضن الاسلام فهذه تفاصيل لها مصادرها ومراجعها المتخصصة ولا مجال لها في مقالتي القصيرة..

اول دعوة إلى هذه المنزلة كانت في بيعة العقبة وتبعها وضوح تجلى في وثيقة المدينة حيث شددت كل من البيعة والوثيقة على حرمة دم الانسان ودفع الحيف والظلم عن الناس..إلخ، بل كل ما كان فيها يفتخر به اليوم من مبادئ وحقوق للانسان في المنظمات الدولية في وقتنا الحاضر… ولكن ينظر اليه اليوم وكأنه اكتشاف جديد! وباختصار، هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويكفي ان تذكر ما قاله الباري ما وعده للانسان عن هذه المكانة: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾، ووصف رسوله الكريم وهو القدوة : ﴿وانك لعلى خلق كريم﴾، بل ان القرآن المكي كان يدعوا الناس إلى تطهير النفوس وتزكيتها ثم جاء القرآن المكي من بعده ليشرح الروابط والثواب الاجتماعية والعلاقات الدولية لحفظ هذه المكانة والكرامة من عبث العابثين. كذلك بينت لنا السيرة العطرة كيف اختار الأنصار الاسلام عن وعي واطمئنان كما بيناه اعلاه في خطبة النبي بعد موقعة حنين. والانسان بفطرته يحب المنزلة والمكانة الرفيعة التي وهبها له الله تعالى في الدنيا والآخرة.. وكررتها الرسالات السماوية… وتشدق بها كل الناس على اختلاف اهواءهم وطموحاتهم.. ولكن الإسلام رصد لهذه المكانة ميزان أخلاقي مصداقه الفطرة السليمة منذ النشاة الأولى ومنذ ان امر الخالق الملائكة بالسجود لأدم أجلالا واكراما لمسؤوليته والمكانة الرفيعة المعدة له… انها خلافة الله على الارض.. بل ان هذه الفطرة تذكر الانسان بهذه المكانة مهما كانت عقيدته ومهما حاول الإنكار… بل هي واحة الرجوع إلى الله والى التعفف عن كل ما تنكره النفس او توسوس به من سوء..

اذا لا بد أن تكون هذه المكانة عاليه ليس في الاداء فحسب وانما في النتائج لان من يمثل الباري عز وجل لا بد له قبس من نوره ومن صفاته.. وتسديد من هديه .. بل لا بد من استعداد للعبد يؤهله لهذه المكانة الرفيعة والمسؤولية العظيمة في حسن التعامل مع كل ما في الكون… وكل ما هو مسخر له. ﴿يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه﴾. استعداد.. وحسن في الاداء… ومن ثم اللقاء ‏واي لقاء افضل من لقاء الله واي تكريم افضل من هذه المنزله ﴿في مقعد صدق عند مليك مقتدر﴾.

ثم يأتي السؤال ليطرح نفسه او ربما اسئلة متوالية: اذا كانت المكانة رفيعة وعالية وبهذه الصفات… وهذه النتائج اذا كيف اصل إليها؟ كيف استعد لها؟ وما هو الزاد وما طول المسافة (الطريق)؟

نبدأ بالاستعداد وهو ما أشار اليه القرآن الكريم في اعداده لانبياءه بعد ان بينوا استعدادهم لحمل الرسالة وقال: ﴿ان الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين ..ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم﴾. اصطفاء من بعد الاستعداد… عند الانبياء والصديقين… بل لكل المخلصين.. والسيرة النبوية العطرة تبين بوضوح كيف اعد نبينا محمد نفسه للرسالة وكيف اعده الله وأتمنه عليها.. عندما كان يتفكر في خلق السموات والارض ومغزى الوجود… بل كيف أصبح رحيما بقومه عندما اذوه عن جهل وغرور… كلما دعاهم للاسلام… رحمة ورأفة بهم! هذا الاعداد والاستعداد عطاء بعطاء متبادل بين العبد والمعبود (خالقه) حتى وصف الباري جل علاه المهاجرين والانصار وبين درجتهم ومكانته عن خالقهم: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. فتامل اي منزلة ومكانة اعدت لهم.. انه وصف رائع… انه اختيار واستحقاق! كذلك في وصف إلامام علي للمتقين : ينظر الناظر اليهم ويحسبهم مرضى وماهم بمرضى ولكن خولطوا ولقد خالطهم امر عظيم.. هنا يبين الامام علي (ع) نوع الزاد والحاجة اليه لمواصلة المسيرة والحفاظ على المكانة وهو التقوى فتأمل.. مكانة عالي تتطلب استعداد للاداء.. وزاد… وأي زاد؟… فتامل ..

اما الطريق او المسافة فهي من بداية الخلق مرورا بالابتلاءات في الحياة الى الممات والبعث… ما زرعت فيها… فحصادك منه !.

اذن ايها القارئ العزيز كيف بك والمنزلة؟! ما عليك الا ان تنهل قبسات من وحي التنزيل واضاءات من سيرة المصطفى والائمة وكل الصالحين للاقتداء.. تغذي بها نفسك وتصقل بها فطرتك لينبض بها قلبك وتسري رويدا رويدا في عروقك وتنمو في وجدانك حتى تتحرك فيها جوارحك وتصدقها أفعالك وخلجات نفسك.. فيكون لباسك حلة من الايمان يكسبك المنعة من حباءل الشيطان ووساوس الانس والجان… فيكون خير الزاد زادك.. وهو التقوى. ﴿وتزودوا فان خير الزاد التقوى﴾، وتكون اورادك وردا واحدا تسقى من فيض الرحمن وفقا لغاية الوجود وهدي المعبود…

‏مكانتك في الاسلام اذا تحددها مكانة الإسلام في قلبك ووجدانك ….. ﴿ ‏ولكم في رسول الله أسوة حسنة﴾. ﴿قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا اول المسلمين﴾. عندها تكون في لهفة للقاء الباري… في عز وتعالي لا تخشى الخزي والعار وفي كل ساعة بل وفي كل الثواني.. انت مستعد لهذا اللقاء كي توفق للجائزة. ﴿ يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر﴾، وتكون في روح وريحان وجنة نعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

طوبى لأصحاب هذه المكانة والدرجة الرفيعة.

نسأل الله التوفيق لنا ولكم…… في حسن المكانة في الدنيا.. وطيب اللقاء مع الباري عز وجل!

‏لندن 25/6/23

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى