أ. عباس المرشد: الازمة الاخلاقية في الغرب .. من تفكيك الأسرة إلى تفكيك الإنسان

لعل السؤال الذي يجب أن ننشغل من أجل تقديم إجابة عليه هو كيف يمكن منع وصول حضارة التيه وحضارة المحنة إلى مجتمعاتنا؟ كيف يمكن لنا أن نعيد بناء الإنسان العالمي والمساهمة في انتاج حضارة مستقيمة؟ 

منذ أن كتب كانط كتابه نقد العقل المحض، والأزمة الأخلاقية في الغرب تتضخم، صحيح أن كانط لم يأتي بخلاف ما كان الدين يدعو إليه من عدالة ورحمة وكرامة وإنسانية، بل يمكن القول أن كانط لم يناهض القيم الدينية كقيم ومبادئ وربما يصح في جزء من جهد كانت أنه نقل التعاليم الدينية من حيزها المسيحي المغلق إلى فضاء أوسع. إن القفزة والتجاوز الذي أحدثهما كانط في استبدال المرجعية الدينية بالمرجعية العقلية أو أخلاق الواجب العقلي أو الالتزام كما يقول، كانت بداية القفز إلى حضارة ما بعد الإيمان والدخول في عالم التيه واللا مركزية. 

يمكن التاكد هنا من صحة مقولة  أن فلسفة كانت حررت الشيطان المقيد بقيود السماء وبقيود الدين فغدت الحضارة الغريبة منفلتة في خياراتها غير واثقة بما تتنجه من أفكار. خصوصا وأنه قدم القيم الأخلاقية في طابع مثالي لا يمكن التماشي معه وحول القيم الأخلاقية إلى ميتافزقيا متعالية، ولعله كان مجبرا على هذا الخيار لأن الفسلفة الغريبة مبنية على ثنائية الوجود الصارمة ( الواقعية / المثالية) فكان عليه أن يكون مثاليا  في اطروحته.

 بعد كانط كان الفليسوف نيتشه واحدا من فلاسفة الشر الذين عرفتهم البشرية وكان طموحه أن يقتل الإله في البشرية إلى الأبد ويضع مكانه ما أسماه بالإنسان القوي أو الإنسان الجبروت. عمليا لم يكن نيتشه مبتدعا لافكاره لكنه كان الأقدر على إعادة صياغة الفكر الوثني الروماني بلغة جديدة. وعندما نقول لغة جديدة لا يلتبس الأمر معنا في صياغة مصطلحات أو تفسيرات معينة، فعندما نتحدث عن لغة جديدة فنحن نتحدث عن علاقات اجتماعية وعن رؤية كوينة وعن خطابات تؤطر عمل الإنسان. وفكرة اللغة الجديدة هنا هي استبدال علاقات الدال بالمدلول وكسر اللغة القديمة السائدة وإحلال مفاهيم وعلاقات وأفعال محلها. فعلى سبيل المثال كانت اللغة البشرية تفرق بين الروح والجسد ولكن لغة نيتشه الجديدة تلغي هذا الفارق بين كلا الكيانيين وتعتبر الروح هي الجسد والجسد هو الروح. كذلك فكرة الإله المتعالي وفكرة المقدس وفكرة الخلاص والتطهر الأخلاقي، وفق فلسفة كانط ونيتشه وستورات مل وبيكون وغيرهم، تصبح مفردات بلا محتوى وبلا مدلولات تدل عليها، لأنها لم تعد موجودة أصلا كي يمكن اعتبارها دوالاً أو إشارات تحيل على عوالم أخرى غير العوالم المادية التي يعيشها الإنسان. 

خلال ال 100 سنة التي أعقبت ظهور نيشته ظهرت معالم الأزمة الأخلاقية الكامنة في الحضارة الغريبة، وبالتحديد بعد سنوات الحرب العالمية الثانية حيث قويت إرادة القوة كمسلك حضاري يقود الحضارة الغريبة. وظهرت الفلسفة الوجودية كتيار حياتي وفكر سلوكي قائم على تحقيق اللذة والابتعاد عن الإلزام الأخلاقي باعتبارها قيود تعيق الحياة السعيدة.  

لا يخالنا الشك أن مأزق الحضارة الغربية هو مرجعيتها المسيحية القائمة على التثليث وإسباغ الطبيعة الإلهية على الكائن البشري. فقد ظلت هذا السر الغامض عصيا على التفسير ، يحيل دائما إلى التمرد وإلى البحث عن خلاص عقلي يرفع التناقض الحاصل داخل عقيدة التثليث

وبناء عليه، وجدت مسالك فلسفية وعقلية تنظر إلى الإله كما تنظر إلى البشر، وتعطي للرب صفات البشر وتحاكم فعله وتدخله كما تحاكم الفعل البشري المحدود بالعلم والقدرة، وهذا المسلك قاد كثير من الاتجاهات إلى تعظيم الإنسان والبحث له عن صفات إلهية. ولم ينع ذلك أيضا من تسرب اتجاهات تبحث عن الفكاك الأبدي من تلك المرجعيات وتأسيس مرجعيات واقعية مادية بدلا من الغيب والألهة. فكان كانط واحد من الذين قلبوا الهرم الفلسفي والمعرفي وأسس مركزية الإنسان ومرجعيته في فهم الخير والشر وفي فهم العالم وتركيبه وفق الطابع البشري وإلغاء الجانب الغيبي من الحياة. 

عبر مسار قصير جدا أعيد اكتشاف الأدبيات اليونانية، واعتبرت تلك الأدبيات مرجعية معرفية للحضارة الغربية. لقد اكتشف الغرب في صراع الألهة اليونانية جزء من المعنى الذي يستطيع أن يبرر له المسار المادي الذي تأسس على الواقعية والنفعية والرسمالية الصاعدة في حينها. فنشأت حركة الاستعمار وتأسست مراكز الامبرالية على الأساطير اليونانية.

 أن إنكار الإله، ثم إعلان استقلال الإنسان، كانا من الركائز التي وسمت عصر الحداثة، ومهدت الطريق لتبلور فكرة ” الإنسان الإله”، الذي يخضع الطبيعة، ويسيطر عليها، يضاف إلى ذلك عجز هذه الحضارة عن إجاد سبل للإجابة عن سؤال المعنى، اللصيق بالفكر الإنساني، ، نتيجة رؤيتها القاصرة لمفهوم التقدم، الذي لا مكان فيه لارتقاء الروح، وإنما هو تقدم مادي صرف، مرتبط كما يرى روجيه جارودي “بـ “اللانهائي الكمي”، وهي عبارة تعني النظر للحياة من خلال مقولة الكم (السلع، معدلات الإنتاج، معدلات الاستهلاك)، وأن الهدف في الحياة مراكمة الكم إلى ما لا نهاية”، أما الكيف أو اللانهائي الكيفي الذي فيه إحياء وسمو الروح، وتحقيق لحياة المعنى، فلم تبقي عليه حضارة الكم والتكديس، وتركته وراءها، في عالم ما قبل الحداثة.

مظاهر الأزمة الاخلاقية

عندما نتحدث عن أزمة فإن الحديث يذهب بشكل مباشر إلى النموذج المعرفي الذي نحتكم إليه، وأنه لم يعد قادرا على تلبية الحاجات التي أنشيء من أجلها إذ يصبح هذا النموذج عاجزا عن تقديم اسئلة إشكالية مما يعني الجمود والتكرار، وفي الجتنب الثاني يعجز عن تقديم إجابات للأسئلة الشائكة. يتكون النموذج الأخلاقي الغربي من ثلاثة أضلاع رئيسية هي :

  • الفردية: أي أصالة الفرد وتفضيله على المجتمع وفصل الفرد عن المؤثرات الأخرى. أي استقلالية الإنسان: الفرد باعتباره كل منفصلا.
  • الحرية: ونعني بها القدرة على ممارسة السلوك والاعتقاد والحركة والخيارات دون سقف.
  • العقلانية “النفعية” وهي الفضيلة التي يناضل من أجلها الإنسان الفرد والنتيجة المتوقعة من نيل الحرية.

 ويمكن هنا أن نحدد ثلاث مظاهر من الأزمة الأخلاقية التي أدت إلى تفكيك مفهوم الإنسان ومفهوم القيم الأخلاقية،

المظهر الأول: تفكك نظام الأسرة 

وفق الإحصاءات البيولوجية الأخيرة فإن نسبة المواليد خارج عقود الزواج المدني أو الزواج الديني بلغت نسب عالية جدا بعد أن كانت نسب ضئية ومقبولة بشريا. ففي بريطانيا على سبيل المثال كانت نسب المواليد خارج الزواج قبل 1975 لا تتعدى 4% ونتيجة لتفكك نظام الأسرة وإلغائه كوحدة أساسية للمجتمع بلغت نسبة المواليد خارج الزواج أكثر من 51% والمجتمع البريطاني يعتبر من المجتمعات الاوربية المحافظة نوعا ما مقارنة بالمجتمع الفرنسي او غيره من مجتمعات اوربا الغريبة. هذه النسبة نجدها تصل إلى حدود 60% وما فوق في المجتمع الامريكي والفرنسي والألماني. المدهش هنا أن قراء هذه الإحصائيات يعزون ارتفاع هذه النسبة إلى مؤشر تمكين المرأة وحصولها على مكانة أعلى ولا يرون فيها خطر أخلاقي أو خطر اجتماعي. quoted in 2017 

والحقيقة هنا أن هذا لم يكن يحدث لولا سقوط مؤسسة الأسرة ومؤسسة الزواج من القيم التي تدعمها الدولة وهذا لا يعني أنه لا توجد مميزات لمؤسسة الزواج على غيرها من أشكال المعاشرة، لكن المحاججة هنا في اعتبار قيمة هذه المؤسسة ومنافستها للأشكال المنحلة أخلاقيا. وإذا ما دققنا في فلسفة هذا النزوع فسنجد أن وراءه انهيار فكرة الواجب والرجوع للأنانية التي قواها نيتشه كخيارات يتوجب على المجتمع سلوكها للتحرر من أخلاق الزهد والأخلاق الدينية التي نقدها أشد انتقاد.ولم يعد الأمر مقتصرا هنا على الزواج او المساكنة كخيارات حياتية بل نجد أن التيار ما بعد حداثي أعاد مفهوم الأسرة من خلال اللغة وكسر الدوال وصرنا امام مشهد فوضي لمفهوم الأسرة التي يمكن ا، تقوم على رجل ورجل أو إمراة وإمراة أو مشاركة بين ثلاثة أشخاص وهكذا تفكك مفهوم الأسرة تماما وصار سرابا. النتيجة التي وصل إليها المجتع الغربي هي انفصام الفرد عن السياج الآمن في الأسرة والبحث عن قوة حاية له ممثلة في الدولة التي يتكشف بعد حين أنها عاجزة عن حمايته وأن عليه أن يعيد بناء نفسه منفردا. أما الجزء المخيف في الموضوع فهو نتيجة تفكك مفهوم الأسرة وغيابها عن برامج الدولة باعتبارها وحدة رئيسية للمجتمع فقد شجعت اوضاع الفوضى هذه إلى زيادة معدل الجريمة لدى الأطفال وتعرضهم للاعتدات الجنسية داخل الفضاء الاسري الفوضوي واتجاه نسبة كبيرة من هؤلاء الأطفال غلى الجريمة المنظمة او الاحتيال والانتهازية.

المظهر الثاني: نسب الإلحاد واللا معرفة

الإلحاد قديم قدم البشرية فلم يخلو عصر من العصور من وجود تيار الإلحاد والذي يمكن وصفه بأنه كان التيار الأكثر تماسكا والأشد سطوة على مر التاريخ. في مقابل الإلحاد كانت الوثنية هي الأكثر انتشارا كونها تجمع بين العبادة والشأن الإيماني وبين الإلحاد الرافض لوجود قوى أعلى من الإنسان، فالوثنية هي عبادة الإنسان لنفسه وإخضاع الأخرين لعبادة بشر آخرين وتسخيرهم لهذا الغرض.

مقابل هاذين التيارين كان هناك تيار آخر هو اللإدرية، وكلمة “لا أدري” من جذور يونانية تعني “بدون معرفة”. يمكن للمرء أن يكون لا أدريا بشأن أشياء كثيرة ، لكنه يستخدم بشكل شائع في سياق المعتقد الديني. 

لقد شجعت الحضارة الغربية في القرن التاسع عشر اتجاه اللأدرية مخافة الوقوع في الإلحاد أو الوثنية، وانتشرت في هذا السياق نظريات التطور ية والعلمانية والوضعية المادية والنفعية.

عندما يتعلق الأمر بالإيمان بإله ، هناك موقفان أساسيان يجب اتخاذهما: إما أن تؤمن بوجود الله ، أو يمكنك أن تكفر. عند إجراء مزيد من الفحص لهذه الخيارات> فإن الإيمان والإلحاد يقعان على طيف واسع بدلا من الثنائي الصارم. ريتشارد دوكينز أشاع فكرة طيف الاحتمال الإلهي في كتابه ‏‏، وهم الله‏‏. وقال أن  هناك بالفعل سبعة مراكز للاحتفاظ بها:‏

‏ الإيمان القوي ، الذي يؤكد أن المؤمن يعرف بلا شك أن هناك إلها.‏

‏ الإيمان بحكم الأمر الواقع ، حيث لا يكون المؤمنون متأكدين بنسبة 100٪ من وجود الله ولكنهم يعتبرونه محتملا جدا ويعيشون حياتهم كما لو كان موجودا.‏

‏ الإيمان الضعيف ، حيث لا يكون المؤمن متأكدا تماما ولكنه يميل نحو الإيمان بالإله.‏

‏ اللاأدرية الخالصة أو الحياد الكامل ، حيث من المحتمل أن يكون احتمال وجود الإله صحيحا أو خاطئا.‏

‏ الإلحاد الضعيف ، حيث لا يكون الفرد متأكدا مما إذا كان الله موجودا ولكنه يميل نحو الشك.‏

‏ الإلحاد بحكم الأمر الواقع ، حيث لا يكون الشخص متأكدا تماما من أن الله غير موجود ولكنه يعتبره غير محتمل للغاية ويعيش حياته كما لو أنه لا يوجد إله.‏

‏ الملحدون الأقوياء ، الذين يؤمنون بيقين 100 في المائة أنه لا يوجد إله.‏

والفكرة من إشاعة هذا المدرج الهرمي والتفصيل فيه هي الإشارة إلى أنّ ظاهرة الملحدين تشمل كذلك مصطلحات مختلفة، منها المادّيّون، واللاأدريّون، واللادينيّون، واللامبالون، و”الكافرون”، وغيرهم.

تنشر مؤسّسات ومراكز دراسات عالميّة، كلّ مدّة، إحصاءات حول التديّن والإلحاد في العالم. بغضّ النظر عن غاياتها والأهداف، لعلّ أبرزها المسح الذي أجراه مركز بيو الأميركيّ للأبحاثPew Research Center ، في هذا الخصوص، ونُشرت نتائجه في 12 أيار 2015.

أفاد المركز أنّ عدد البالغين من سكّان الولايات المتّحدة الأميركيّة من المتديّنين المسيحيّين تراجع على مدى الأعوام السبعة المنصرمة، وتحديدًا بين 2007 و2014، من 78.4 إلى 70.6 في المئة، وهو ما نتج أساسًا من الإنخفاض في أعداد الكاثوليك والإنجيليّين (البروتستانت). في الوقت نفسه، زاد عدد الملحدين، في المدّة نفسها، نحو 6 في المئة، ليصل إلى 22.8 في المئة من السكّان، علمًا بأنّ عدد المسيحيّين في الولايات المتّحدة لا يزال أكبر منه في أيّ دولة أخرى، ما دامت النسبة تصل إلى 7 مسيحيّين من أصل 10 أميركيّين. ورد كذلك أنّ الملحدين يشكّلون ثالث أكبر المجموعات في العالم بعد المسيحيّة والإسلام، فكشفت الدراسة عدم انتساب 16.3 في المئة من سكّان العالم، أي نحو مليار و100 ألف شخص، إلى أيّ ديانة، كما أظهرت أنّ نحو 52 في المئة من الملحدين في العالم يوجدون في دولة واحدة، هي الصين. وأبرزت الدراسة كذلك أنّ عدد الملحدين بلغ 76 في المئة من مجموع السكّان في تشيكيا، و71 في المئة في كوريا الشماليّة، و59 في المئة في إستونيا، و57 في اليابان، فخلصت إلى أنّ العالم لا يزال ينزع نحو التديّن.

في العام نفسه، أي 2012، وجد استطلاع أجرته مؤسّسة وين – غالوب WIN-Gallup International أنّ 5 في المئة من السعوديّين، أي أكثر من مليون شخص، ملحدون، وأنّ 19 في المئة من السعوديّين، أي نحو 6 ملايين نسمة، غير متديّنين؛ وترتفع هذه النسبة فتصل إلى 24 في المئة في تونس. وربّما يعود تراجع الدين في عدد من الدول العربيّة إلى الفظائع المرتكبة باسم الإسلام على يد تنظيمات إرهابيّة مثل “داعش” و”النصرة” وغيرهما.

حركة الملحدين الجدد في الولايات المتّحدة الأميركيّة

ثمّة عمومًا أسباب نفسيّة عميقة تقود المؤمن إلى الإلحاد واللادينيّة واللاأدريّة، منها: التطرّف والجمود الدينيّ، غرس الكراهيّة باسم الدين، وجود الشرّ، فكيف يرضى الله بهذا الشرّ؟ وأين عدل الله في كل ما نراه؟ القتل والحروب والعنف الذي يحصل باسم الدين، فكرة القضاء والقدر، الإلحاد كموضة فكريّة، وغيرها. تتلخّص نظرية بول فيتز في أنّ المرء ينظر إلى الله على أنّه أب مثاليّ، وعندما تتشوّه صورة الأب الأرضيّ، تختلّ صورة الأب السماويّ حكمًا، ما يؤدّي إلى الوقوع في الإلحاد والجحود وإنكار الله.

المظهر الثالث: المثلية واضرابات الهوية 

وفقًا للإحصاءات ، بلغ الطلب العالمي على جراحة تغيير الجنس أكثر من 316 مليون دولار أمريكي في عام 2019. وتعتبر الدول الآسيوية الآن خيارًا رائعًا لإجراء جراحات تغيير الجنس. كما تشير الدراسات الإحصائية إلى أن معدل العمليات الجراحية من الإناث إلى الذكور (FTM) أعلى من معدل العمليات الجراحية بين الذكور والإناث (MTF). في الولايات المتحدة ، تم إجراء 6691 عملية جراحية من أنثى إلى ذكر و 2885 عملية جراحية من الذكور إلى الإناث

تبلغ تكلفة الجراحة البسيطة بين الذكور والإناث حوالي 27,000 يورو. الجراحة من أنثى إلى ذكر باهظة الثمن ويمكن أن تكلف بسهولة أكثر من 75,000 يورو.. تايلاند بالنسبة لسعر جراحة تغيير الجنس ، يكفي دفع ما متوسطه 12,000 – 17,000 يورو.

لهذا يمكن القول إن انتشار المثلية وجراحات التحول الجسني تقف من خلف منافع اقتصادية وشركات ادوية ومراكز تجميل وتحول جنسي اكثر من كونها تخص مسألة الحريات الفردية أو الأقليات المضطهدة. وبالتالي فإن الإرهاب الذي تمارسه الجماعات الداعمة والمستفيدة من هذه التجارة تعمل بجهد مكثف إلى توظيف بعض المفاهيم ذات الصلة بالمحددات التي سبق الحديث عنها في أزمة القيم الغريبة لتوسيع هذا الخط الاقتصادي ورفع الاستفادة منه إلى حدود أعلى. وذلك من خلال رصد الاحصاءات الخاصة بعمليات التحول الجنسي وتركزها في الجيل الشباب والصاعد أي الجيل الذي قطع علاقته تماما مع المفاهيم الأخلاقية وتربى في ظل أزمة قيمية خانقة. فأحد الأسباب الرئيسية لتزايد تعريف المثليين مع مرور الوقت هو أن الأجيال الشابة أكثر عرضة لاعتبار أنفسهم شيئًا آخر غير من جنسين مختلفين. ويشمل ذلك حوالي واحد من كل ستة أفراد بالغين من الجيل Z (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و23 عامًا في عام 2020. ويكون تحديد هوية المثليين أقل في كل جيل أكبر، بما في ذلك 2٪ أو أقل من الأمريكيين المولودين قبل عام 1965 (البالغين من العمر 56 عامًا فما فوق في عام .

إن تحليل هذا المظهر لا يخلو من صلة بما آلت إليه أوضاع تنظيم العالم بعد سبعينات القرن الماضي أي سيطرة الشركات العابرة للحدود القومية على مفاصل القرار والتنظيم الدولي حيث لم تعد الدولة القومية هي وحدة التحليل أو القوة الفاعلة والوحيدة بل تحول الأمر إلى أن أصبحت الشركات العالمية هي من تقود الاقتصاد والسياسية على حد سواء. ومعنى ذلك عمليا تحول مراكز القرار من الشعوب او المؤسسات السياسية التمثيلة التي اتسمت بها حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى والثانية إلى نخب أقتصادية صغيرة تنتهج نهج نفعية اقتصادية وتعيش التنافس المحموم في جمع الثروات وتصدر قائمة الأكثر غني والأكثر ثروة على قوائم الأغنياء والشركات العالمية.

خطورة هذه الشركات إنها بدأت تعلب في مفهوم الهوية نفسه وبإيعاز من تيار ما بعد الحداثة الفسلفي والقائم على العدمية والفوضى فباتت مسائل الهوية تعامل بسيولة مائعة جدا ولم يعد هناك ركائز يمكن التعويل عليها لبناء هوية الفرد او المجتمع خصوصا مع سيطرة الاتجاه الفردي وانعدام مجتمع التراحم المجتمعي.

الخلاصة والنتائج

غن ما يعنينا اليوم ليس إصلاح الحضارة الغريبة المرتنحة والمتبلية بالمحن والمتناقضات، فما يعنيننا هو مقاومة وصول هذه الموجة من الحضارة إلى مجتمعاتنا ومحاولة اختراقها وإلحاقها بركب الحضارة المنهارة. وبالعودة إلى تحليل أسباب المحنة في الحضارة الغريبة سنرى أن معاول الاجتياح ستبدأ من الأسرة وتفكيكها ومن ثم التوجه إلى تركيز استقلالية الإنسان عن السماء وعن الدين والقيم الدينية لتمسح لكافة المظاهر الانحلالية بالتواجد والتكاثر ضمن الجيل الجديد وهو الجيل المستهدف. فكما كان الجيل Z في الحضارة الاوربية هو المستهدف من الشركات العالمية العابرة للحدود فإن الجيل Z في المجتمعات الإسلامية والعربية سيكون هو المستهدف أيضا.

  • إننا أمام مهمة صعبة وخطيرة في بناء التحصين المطلوب والذي ينبغي أن يقوم على إعادة صياغة المرتكز العقائدي الخاص بالعدل الألهي كمدخل من مداخل الإلحاد أو التشويه الأخلاقي للدين.
  • كما ينبغي التركيز على النظرة القرآنية لمفهوم التوحيد الإلهي والرؤية القرآنية للتعرج الحضاري وأن الأخلاق لا يمكنها الاستقلال عن الدين وعن النظرة الدينية.
  • أما الأساليب المقترحة في مواجه هذا الغزو الحضاري فيمكن أن تقوم على سرد الوقائع الألمية لمسار التشويه الأخلاقي الذي خضعت له المجتمعات الغربية والمآلات التي انتهت إليها تلك الموجات وهنا أير إلى نقض المحددات الغربية للحضارة وهي المحددات الثلاثة التي عملت بكل قوة على نزع الإنسان من سياقاته البشرية  أي الفردية والحرية والنفعية. وهو ما يعني تقوية الاتجاهات المجتمعية وربط الإنسان بالمجتمع والمؤسسات المجتمعية كالأسرة والحلقات الاجتماعية التعاضدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى