
رمضان.. بطاقة دعوة للافطار.. في رحاب الرحمن.. رحمة وعطاء.. للفطرة احياء.. عبادة باطمئنان
د. خالد الشفي
مامعنى ضيافة الله وانا صائم؟
لا شك ان المعنى قريب او ان شئت ان تراه بعيد.
كلنا نعرف حقيقة شهر رمضان الذي انزل فيه القران.. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وفيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر (اكثر من ثمانين عاما من عمر الانسان من بعد التكليف!!).
﴿انا أنزلناه في ليلة مباركة، انا كنا منذرين فيها يفرق كل امر حكيم﴾.
ونعرف أيضا كيف بلغ الرسول الامين بهذه الدعوة في خطبته المعروفة:
إيها الناس ان ابواب الجنان مفتحة.. وان ابواب النيران مغلقة..
ميزة عبادة الصيام عن باقي العبادات انه يدرب الانسان على عدة امور منها الصبر واخرى الاخلاص ومن ثم الانتماء.. الانتماء الى الامة.. إنتماء بالروح والوجدان .
إنتماء خارج الحواجز الجغرافية (أي الدولة والموطن!!) شعور يثبت معنى الاخوة في الاسلام.. والسلام.. اخاء مبني على التوحيد.. انه اخاء الوحده فلا يشعر المسلم عند تقلبه في الاوطان الإسلامية بغربه او عزله..
والصيام يثبت معنى الاخلاص صدق المشاعر بالعمل.. فلا رقيب على الفرد في صيامه الا نفسه. ممارسة يومية للاخلاص والتسليم.. فأي تربية أو تدريب ارقى من هذا.. بل هو رأس التوحيد واذعان للخالق.. وجنة من وساوس النفس ونزغات الشيطان!
فالصيام ليس جوع وعطش لتقويم صحة البدن فحسب وانما هو امتطاء الروح للجسد كي تسمو الى العلا وتطلب من الباري ما عجزت عنه الابدان في زحمة الحياة.. وضيق المكان.. خضوع سري.. وفرح علني عند الافطار.. طريق الهداية الى الصراط المستقيم اذ لا هداية من دون اخلاص.. ولا ايمان ويقين من دون هداية.. ولاي قين الا بالعلم والممارسة.. تصديق ووعي وتسليم ..
الصيام (ترك اللذائذ) اذا هو السبيل لتحقيق الانتماء الحقيقي لهذا الوجود وصانع الوجود.
﴿ان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون﴾.
هذا المعنى الكوني للامة الاسلامية ليس فقط انتماء عقائدي.. وانما هو انتماء الى الوجود كله وصانعه.. ليكون التعايش سهلا مع كل ماهو موجود!. ﴿وما من دابة على الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ..﴾، فلا مجال للشرك العلني او الخفي فكل ما في الكون يسبح بحمده ويأخذ من ورده.. يطمع في جائزته.. تستبدل فيه مخافة الله وخشيته بحنين الرجوع الى رحمته والامل بمغفرته فلا خوف عندئذ ولا تردد في حالة الموت، بل هو انتقال من حالة التعب والعناء في الدنيا الى حالة الارتقاء.. الى رضوانه.. جواره.. عطفه وحنانه ..في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..
اليس هو الرحمن الرحيم؟ فتأمل !! قال تعالى: ﴿يابني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم﴾ ، لئن اشركت ليبطلن عملك.
الصيام اذن علامة الاخلاص من بعد الايمان، ورأس التوحيد.. سنام الاسلام.. تسليم لحكمه وقضائه.. ومن هنا جاء الدعاء في افتتاح شهر رمضان: “اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ”. والتضرع للباري في وقت السحور : “يا عدتي في كربتي ويا صاحبي في شدتي ويا ولي في نعمتي ويا غايتي في رغبتي.. انت الساتر عورتي.. فاغفر لي خطيئتي …
هذه المعرفة قد توجت بالاخلاص ونفت كل انواع الشرك بالخالق.. مفتاح الهداية الى الصراط المستقيم.. انه سمو بالروح.. غذاؤه المعارف الالهيه.. بعيدا عن المطالب الجسديه.. حتى ينتهي المطاف بمعرفة الحق على حقيقته… حق اليقين!. ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ﴾.
التماس لفيض الرحمن والاستزاده من نفحات الايمان.. ودليل الانسجام مع الخلق استعدادا لملاقاته.. فائزا بجنته ..كل قد علم صلاته وتسبيحه!
ومن هنا يكون الدعاء في هذا الشهر هو حديث الروح الى بارئها تتخذ الجسد مطية لها.. مناجات.. وبوح الخلجات.. لتعبر عن ثقة المخلوق بخالقه.. اندماج عميق واستعداد للرحيل.. الى العلا.. العالم العلوي.. عالم الطهر والطهارة.. رحمة واناره.. انقياد طوعي.. وحب الهي.. تتحقق فيه مقدمات الايمان.. لنعمة دائمة مستدامه.. نتيجة الاستقامة.. لنيل الكرامة..
كرامة للانسان وعلو شأنه فوق كل مخلوقاته كما اراد رب العزة.. اقتباس من نوره.. نور على نور.. فلا عناء ولا شقاء.. روح وريحان وجنة نعيم… أمة يتباهى الخالق بها امام مخلوقاته.. في يوم التغابن.. يوم القيامة.. يوم الجزاء.. يوم الرحمة.
النموذج الارقى لتحقيق الخلافة الحقيقية.. وبه يستحق الثناء.. وسجود الملائكة.. غاية الغاية! والله غالب على امره.
طوبى لمن عرف قدره وقدر نبيه وقدر خالقه ، ورزق معنى العبادة والتوحيد واستجاب لدعوة الداع.. فطرة الايمان والشرف العظيم.. يوم يقوم الناس لرب العالمين.
رمضان ..حللت اهلا ونزلت سهلا.. ما اجملك من زائر كريم.. كثير الرحمة والعطاء.. مزيل الشقاء.. حبيب قلوب الراجين والمستهلين والعتقاء.. انك حقا كريم لكل النزلاء.
اللهم بلغنا هذا الشهر المبارك وانعم علينا بفهم معانيه وقوي أبداننا كي نؤدي حقه.
ايها العبد الصالح حان الوقت كي تترجل.. وتنزع عنك جلباب الدنيا.. انخ الناقة واستعد للسجود.. واطلق العنان لروحك.. تسمو في رحاب بارئها كي تنال من نوره وفضله.. مكانا في العلا.. هي اهل له.. طالما تمنته.. تستحقه!!.
ياحنان يامنان.