قبسات من حياة الامام علي الهادي عليه السلام
الباحث: السيد علاء آل عيسى
الإمام علي الهادي عليه السلام، (212 – 254 هـ) هو علي بن محمد بن علي بن موسى، عاشرُ أئمة الشيعة الإمامية والمعروف بالنقي والهادي، وقد امتدت إمامته 34 عاماً منذ وفاة أبيه الجواد (ع) سنة 220 هجرية حتى رحيله سنة 254 هجرية. قضى أكثر سنوات إمامته في مدينة سامراء، وكان ذلك بأمر من المتوكل العباسي.
سجّلت المصادر الحديثية الكثير من الأحاديث المروية عنه في مجال تفسير القرآن والفقه والأخلاق.
ولد الإمام عليه السلام حسب رواية كل من الكليني والشيخ المفيد والشيخ الطوسي وابن الأثير بـ)صُريا( – حاليا لا يوجد لها ذكراً في معجم البلدان ولا في كتب اللّغة. نعم، في مناقب ابن شهرآشوب عن كتاب الجلاء والشفاء، قال قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر عليه السلام – على ثلاثة أميال من المدينة.
وتوفى – كما نقل الشيخ المفيد وغيره – بسرّ من رأى في رجب وهناك من أثبتها في الخامس والعشرين أو السادس والعشرين من جمادى الثانية. وكانت شهادته في عصر الخليفة العباسي الثالث عشر المعتز العباسي.
ذهب البعض إلى إمامة أخيه موسى بن محمد المعروف بموسى المبرقع المتوفى 296 هـ، لكن سرعان ما عادوا للقول بإمامة الهادي عليه السلام. وقد تنفر موسى المبرقع – نفسه – من هؤلاء القوم وطردهم.
كان الأئمّة (ع) يعيشون مع القاعدة في السّاحة، ولم يعش أحد منهم في برجٍ عاجيّ، ولذلك كان الخلفاء يحملون العقدة ضد الائمة عليهم السلام، ولا سيّما من بني العباس، لا يريدون لأيّ رمز إسلاميّ كبير أن يحصل على هذه الثقة الممتدّة في الواقع الإسلامي، وخصوصاً إذا كان الرّمز ممن يعتقد فريق من الأمّة بإمامته، إن المسألة تتحوّل عند ذلك إلى خطر على الكرسي وعلى المُلك.
ولذلك، لو درسنا تاريخ أكثر الأئمّة (ع)، لرأينا الجواسيس تحيط بهم من كلّ جانب، ممن قد يخبرون صدقاً، وممن قد يفترون كذباً، ورأينا أنّ الحاكمين آنذاك يعملون على التعسّف في تصرّفاتهم معهم، فقد يسجنون إماماً هنا، وقد يحصرونه في بيته هناك، وقد يستقدمونه من بلده إلى أماكن سلطتهم ليكون تحت رقابتهم، حتى إنهم كانوا يبعثون بجماعتهم أو بموظفيهم ليهجموا عليهم في منتصف اللّيل، كما فعلوا ذلك مع الإمام الهادي (ع)، حيث وُشِيَ به إلى المتوكّل بأنّ لديه أموالاً وأسلحة.
الخلفاء المعاصرون له
عاصر الإمام الهادي عليه السلام إبّان إمامته عدداً من خلفاء بني العباس، هم:
المعتصم العباسي بن هارون الرشيد (218-227).
- الواثق، ابن المعتصم (227- 232).
- المتوكل، ابن المعتصم (232- 248).
- المنتصر، ابن المتوكل (ستة أشهر).
- المستعين، ابن عم المنتصر (248- 252).
- المعتز، الابن الثاني للمتوكل (252- 255).
المعتصم العباسي
المعتصم هو أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد وأُمه تركية اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد. وكان ذا شجاعة وقوة وهمّة ولكن لا يحمل اي علم يذكر، لقب بالمعتصم وهو ابعد ما يكون من الاعتصام بالله عز وجل.
لقد كان المعتصم محدود التفكير ميالاً للقسوة في تعامله مع خصومه السياسيين وغيرهم، وكان يفتقد كثيراً من مقومات الحنكة السياسية في إدارة شؤون الدولة، وقد تعرّض حكمه لكثير من صور الاضطرابات السياسية في أقاليم عديدة من الدولة العباسية.
وقد هيمن الجيش على الحكم في عصره بعد ان مال المعتصم إلى أخواله الأتراك وكوّن منهم جيشاً خاصاً، وأغدق عليهم الأموال الطائلة مما أثار حفيظة العسكريين العرب، وأثار النزعة القومية في المجتمع.
وتعتبر سياسة المعتصم هذه اخطر ما واجهته الدولة العباسية في مسيرتها. وقد ساءت الأحوال بعد المعتصم، وقاموا بالانقلابات العسكرية على الخلفاء الذين حاولوا تقليص سلطاتهم.
كانت السياسة المعتمدة في البلاط العباسي قبل تولي المتوكل لسدة الحكم قائمة على تأييد المعتزلة ودعم رجالاتها وهي عين السياسة التي اعتمدها المأمون العباسي من قبلُ في مقابل التضييق على أهل الحديث، مما وفّر الأرضية المناسبة لتحرك العلويين سياسياً، إلاّ أنّ تسنم المتوكل لمسند الخلافة قلب الأمور على عقب، وعادت السطحية في التفكير والتضييق على المفكرين والمبدعين مرة أخرى حيث قرب المتوكل إليه أهل الحديث، وأقصى الاتجاه المعاكس لهم المتمثل بالمعتزلة والشيعة مع التضييق عليهم بشدة.
المتوكل وإنْ حاول التظاهر بإكرام الإمام عليه السلام وتبجيله إلاّ أنّه بذل قصارى جهده للتقليل من مكانة الإمام الهادي عليه السلام والحطّ من منزلته بطريقة خفية في الأوساط العلمية والاجتماعية مظهراً للناس أنّه أحد رجال القصر والخادمين للسلطان، وأنّه لا يختلف عن غيره من هذه الحيثية.
هناك رواية تذكر أنَّ المتوكِّل استدعى الهادي إلى مجلس، وعرض عليه الشَّراب، فأنكر الإمام ذلك، وأنشد قصيدةً يعظه فيها، والّتي مطلعها:
باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرُسُهُم غُلبُ الرِّجال فلم تنفعهم القللُ
المنتصر العباسي
بعد وفاة المتوكل العباسي تولى الحكم ابنه المنتصر ستة أشهر، وهو الذي أحدث الانقلاب على أبيه المتوكل بالاشتراك مع قواد جيشه فقطعوه إربا إربا مع وزرائه وندمائه وحاشيته وهم على مائدة الشراب والغناء، وذلك سنة 248 ه. وبمجيئ المنتصر خفّ الضغط على الإمام الهادي عليه السلام خاصة والعلويين عامة في سامراء وأحسن إليهم.
وكان لهذا التخفيف ورفع القيود النسبية عن حركة الإمام عليه السلام دور في إعادة تنظيم واقع الشيعة في سائر البلدان، فكان الإمام عليه السلام يتدخل بسرعة لتنصيب البديل عن الوكيل الذي يعتقل أو يمنع من التحرك في الوسط الشيعي.
مسألة خلق القرآن
من المسائل الرهيبة التي ابتلي بها المسلمون في حياتهم الدينية، وامتحنوا بها كأشد ما يكون الامتحان هي مسألة خلق القرآن حيث أمر المأمون العباسي باعتناق هذه الفكرة.
أمر المأمون بدعوة الناس بقوة السلطان إلى اعتناق هذه الفكرة ببغداد فأحضر والي بغداد (اسحاق) المحدثين والفقهاء فسألهم عن عقيدتهم حول القرآن، وأعلن الكلّ عن اعتناق ما كتبه المأمون ما عدا عدد قليل بقدر اصابع اليد، فأصرّوا على عدم كون القرآن مخلوقاً ومنهم: أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح وغيرهم. فشدوا بالوثاق. لكن الكلّ رجعوا عن عقيدتهم إلّا اثنان وهما: ابن نوح وأحمد بن حنبل، فسيقا إلى طرطوس ليلتقيا بالمأمون، ومات الأوّل في الطريق، وبقي أحمد بن حنبل، وبينا هم في الطريق مات المأمون وترك وصية بها من بعده أن يؤخذ بسيرته في خلق القرآن، وقد تولى الحكم المعتصم، ثمّ الواثق فكانا على سيرة المأمون في مسألة خلق القرآن.
من هم المعتزلة والاشاعرة؟
المعتزلة من الاتجاهات المذهبيّة الكلاميّة ذات النزعة العقليّة، ذُكرت إحتمالات عدّة لتسمية المعتزلة بهذا الاسم؛ فقيل أن التسمية جاءت تبعاً لجماعة اعتزلوا عن الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية وهو رأي ضعيف، وقيل لأجل اعتزال واصل بن عطاء وهو إمام المعتزلة مجلس الحسن البصري.
وأمّا الأشاعرة: واحدة من المذاهب الكلامية الإسلامية والتي يتبع نتاجاتها الفكرية أكثر أهل السنة في هذا الزمان. ومؤسس المذهب الأشعري هو أبو الحسن الأشعري
سببت فكرة خلق القرآن فتنة كبيرة أريق فيها الكثير من دماء المسلمين؛ وقد نهى أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم من الحديث في مسألة خلق القرآن.
فقد اتهمت الفرق الإسلامية الشيعة بأنهم لا يهتمون بشأن القرآن الكريم، ويؤمنون بتحريفه وعدم حجيته؛ ومن هنا انبرى الإمام الهادي عليه السلام لتفنيد هذه الشبهة وبيان مكانة القرآن في فكر المدرسة الإمامية، وأنّ القرآن الكريم هو المصدر الأول للمسلمين والحجة في جميع التشريعات والمواقف التي يعتمدها الشيعة، وأنّ الروايات المخالفة للقرآن الكريم تعدّ من زخرف القول الذي يضرب به عرض الجدار.
جذور مسألة كلام الله غير مخلوق أو قديم
يقول (أبو زهرة تاريخ المذاهب الإسلامية، ص 294 – 296:) كثر القول حول القرآن الكريم في كونه مخلوقاً أو غير مخلوق، وقد عمل على إثارة هذه المسألة، النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي وعلى رأسهم يوحنا الدمشقي، الذي كان يبث بين علماء النصارى في البلاد الإسلامية طرق المناظرات التي تشكّك المسلمين في دينهم، وينشر بين المسلمين الأكاذيب عن نبيّهم واعتنق ذلك الرأي بخلق القران الخليفة العباسي المأمون.
النظريات في مسألة كلام الله تعالى
نظرية المعتزلة
قال الفخر الرازي: ان الأمة متفقة على إطلاق لفظ المتكلم على الله تعالى، إلا أن هذا الإتفاق ليس إلاّ في اللفظ، وأما المعنى فغير متفق عليه.
والمعتزلة يقولون: انه تعالى إذا أراد شيئا أو كره شيئا خلق هذه الأصوات المخصوصة في جسم من الأجسام؛ لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدا لذلك الشئ المعين، أو كارها له، أو كونه حاكما به بالنفي أو الإثبات، وهذا هو المراد من كونه تعالى متكلما، فالمعتزلة لايثبتون لله كلاما بحرف أو صوت، وإنما يثبتون القدرة على الكلام في أي وقت … والمعتزلة يقولون: ان القرآن تكلم عن الله بلسان بني آدم، فنُسب إليه أن الله يتكلم كما يتكلم بنو آدم، وليس من مشابهة حاصلة بين الله وبين خلقه حتى نُثبت لله كلاما بحرف وصوت ككلام البشر، والقرآن مخلوق ومحدث لان الله قادر على كل شئ.
نظرية الحكماء
إنّ كلامه سبحانه لا ينحصر فيما ذكره، بل مجموع العالم الإمكاني كلام اللَّه سبحانه، يتكلّم به، بإيجاده وإنشائه، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته، فيكون تكلّمه سبحانه من أوصاف فعله، لا من صفات ذاته.
نظرية الحنابلة
كلامه حرف وصوت يقومان بذاته، وأنّه قديم، وقد بالغوا فيه، حتى قال بعضهم: إنّ الجلد والغلاف قديمان.
نظرية الأشاعرة
قال الآمدي في كتابه غاية المرام: ذهب أهل الحقّ من الإسلاميين إلى كون الباري تعالى متكلّماً بكلام قديم أزلي نفساني، أحدي الذات، ليس بحروف ولا أصوات وهو – مع ذلك – ينقسم بانقسام المتعلقات، مغاير للعلم والإرادة وغير ذلك من الصفات.
وقال القوشجي في شرح التجريد: إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو إخبار أو استخبار أو غير ذلك، يجد في نفسه معاني يعبر عنها، نسمّيها بالكلام الحسي، والمعنى الذي يجده ويدور في خلده ولا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع والاصطلاحات ويقصد المتكلّم حصوله في نفس السامع على موجبه، هو الذي نسمّيه الكلام.
موقف أهل البيت (ع)
بسبب الفتنة التي وقعت بين المسلمين بسبب مسألة خلق القرآن التي أريقت بسببها الكثير من الدماء عمد أهل البيت عليهم السلام إلى منع أصحابهم من الخوض في تلك المسألة، وقد وردت الكثير من الروايات التي تؤكد هذا المنع، ومنها:
عَلِيُّ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ الصَّادِقَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالَ: هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَقَوْلُ اللَّهِ، وَكِتَابُ اللَّهِ، وَوَحْيُ اللَّهِ، وَتَنْزِيلُهُ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
عن سُلَيْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيُ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ مَنْ قِبَلَنَا، فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ فَقَالَ عليه السلام: أَمَّا أَنَا لَا أَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا يَقُولُونَ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل.
عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: كَلَامُ اللَّهِ لَا تَتَجَاوَزُوهُ، وَلَا تَطْلُبُوا الْهُدَى فِي غَيْرِهِ فَتَضِلُّوا.
ومن هنا حذّر الإمام الهادي عليه السلام شيعته من النزول إلى تلك المعركة التي ضلّ فيها الجدليّون ضلالاً كبيراً، فلم يشترك الشيعة في ذلك النزاع حول صنع الله عزّ وجلّ وحول كلامه الكريم، وبيّن لهم الموقف في رسالته التي جاء فيها: “عصمنا الله وإياك من الفتنة، فإن يفعل فأعظم بها نعمة، وإن لا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فيتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عز وجل، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين”. وبهذا وضع عليه السلام النقاط على الحروف في هذه المسألة الحساسة وجنّب شيعته الوقوع في فتنة كبيرة وفخّ خطير كادت دماؤهم أن تراق بسببه.
الجبر والتفويض
ومن جملة المسائل الهامة التي ثار الجدل حولها – أيضاً – في ذلك العصر، وكثر الأخذ والردّ مسألة الجبر والتفويض التي أدّت إلى انقسام المسلمين انقساماً كان ذا خطرٍ دخل في صميم العقيدة، إذ نسبت فئة منهم، وقوع الذنب من العبد، إلى الله – والعياذ بالله من ذلك – محتجّة بأنّ الذنب يقع بعلمه تعالى وتقديره، وبإقدار العبد على ذلك بما خلق له من آلاتٍ يباشر الذنب بواسطتها، وبأنّ العبد لا اختيار له في تجنّب الذنب؛ لأنّه محمول عليه قد كتبه الله تعالى وقضى به عليه!. ثم أنكرت فئة أخرى ذلك، وقالت بأنّ للعبد أن يختار، وهو الذي يرتكب الذنب بتمام إرادته، وبكامل اختياره، وبواسطة الآلات الّتي منحه الله تعالى إيّاها لطاعته لا لمعصيته.
وقد تكلّم إمامنا الهادي عليه السلام في هذا الموضوع الهامّ كما تكلّم آباؤه جميعاً – وجدّاه الصادق والرّضا (ع) بالخصوص- لئلاّ يقع شيعته في فخّ الكفر وزخرف القول. ثم تكلّم عليه السلام في الجبر والاختيار كلاماً بليغاً يقطع كلّ جدلٍ ونقاش، مبيّناً رفضه للجبر والتفويض معاً وموضحاً أن هناك حالة وسطية هي الأمثل وهي: “لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين”. علماً أنّ أكثر الروايات الاحتجاجية الواردة عن الإمام الهادي عليه السلام منصبة على مسألة الجبر والتفويض.
نظام الوكلاء في زمن الإمام الهادي
رغم التشديد والحصار الذي فرض على الشيعة في آخريات عصر الأئمة (ع) والمتثمل بموقف خلفاء بني العباس من أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، عمل الإمام الهادي عليه السلام على اتّخاذ الوكلاء وتأسيس شبكة الممثلين له في شتى البلدان التي يقطنها الشيعة كإيران ومصر واليمن والعراق، حيث عمد إلى اتخاذ وكلاء يوثّقهم ويمدحهم ليكونوا الواسطة بينه وبين الشيعة في التواصل المعرفي ومعالجة المعضلات الكلامية والفقهية والتفسيرية. بالإضافة إلى استلام الحقوق الشرعية وإيصالها إلى الإمام عليه السلام، وربط الشيعة بالإمام الفعلي وتوجيههم إلى الإمام اللاحق عند رحيل السابق.
وقد قسّم الامام الهادي عليه السلام الوكلاء حسب المناطق الآهلة بأكثر عدد من أتباع أهل البيت (ع) إلی أربع مناطق:
بغداد، المدائن، السواد والكوفة
البصرة والأهواز
قم وهمدان
الحجاز، اليمن، ومصر
وكان الوكلاء يتواصلون مع الإمام عليه السلام عن طريق المكاتبات بواسطة الثقات من الشيعة.
موقف الإمام الهادي من الغلاة
اتخذ الأئمة الأطهار وشيعتهم مواقف صريحة من الغلو والغلاة. وكان للإمام الهادي عليه السلام موقف صارم منهم لانتشارهم في عصره، وقد حذر الإمام الهادي عليه السلام أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بهم. ومن الغلاة المعاصرين للإمام الهادي: عليه السلام علي بن حسكة وتلامذته القاسم الشعراني اليقطيني، والقاسم بن يقطين، والحسن بن محمد بن باب القمي، وفارس بن حاتم القزويني، ومحمد بن نصير الفهري النميري، ومحمد بن موسى الشريفي. وممن لعنهم الإمام الهادي عليه السلام محمد بن نصير النميري وفارس بن حاتم القزويني، كما وأظهر براءته من محمد بن باب القمي وغيره الذين ادعوا أن الإمام الهادي عليه السلام هو الربّ الخالق للكون، وأنّه بعث ابن حسكة ومحمد بن نصير الفهري وابن بابا وغيرهم أنبياء يدعون الناس إليه، وطالب عليه السلام بقتلهم.
وكان محمّد بن نصير النميريّ يدّعي أنّه نبيّ بعثه أبو الحسن الهادي عليه السلام، وكان يقول بـالتّناسخ والغلوّ في أبي الحسن، ويقول فيه بـالربوبيّة، ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً. وقد حذر الإمام الهادي عليه السلام أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بهم.
ومن كبار المغالين في عصر الإمام الهادي عليه السلام أحمد بن محمد السياري الذي ذهب أكثر الرجاليين إلى وصفه بالغلو. ويعد كتابه القراءات من أبرز المصادر التي سطر فيها روايات التحريف. ومنهم أيضاً حسين بن عبيدالله المحرّر الذي أخرج من مدينة قم لغلوه.
اذا فالإمام الهادي (ع) وقف أمام كلِّ هذا الاستغلال الّذي يستغلّه الغلاة الّذين يعملون على التحرك في خططهم بالطريقة الّتي ينسبون فيها إلى الأئمّة أشياء ليست من الإسلام في شيء، وليست منهم في شيء في قضايا الغلوّ وما إلى ذلك، ولقد وقف الأئمَّة (ع) في عهودهم كلّها ضدّ ذلك، وعلينا أن نفهم ذلك على أساس أن لا يستغلّ أحد محبَّة أهل البيت (ع) في الانحراف عن الخطّ مما يأتي به أناس لا يعرفون عمق الخطِّ الأصيل لأهل البيت الّذي هو خطّ الإسلام.