النَّفْسُ هيَ الطريقُ الاقربُ لمُواجَهَةِ الحَقِيقَة

الشيخ زعيم الخيرالله

الحقيقةُ التي يبحثُ عنها الانسانُ هي موجودةٌ وَمُتَحَقِقَةٌ، ولكنَّها صَعبَةُ المَنالِ وتحتاجُ الى بَحثٍ وَاكتشافٍ. نحنُ نَكتَشِفُ الحَقيقَةَ؛ لِانَّها موجُودَةٌ، ولانخترعُها كما يقولُ القائلونَ بِنِسبِيَّةِ الحقيقةِ.

قانونُ الجاذِبِيَّةِ -على سبيلِ المثال- هو حقيقةٌ موجودةٌ في الكَونِ ونيوتن قامَ باكتشافِ هذه الحقيقة.

والحقيقةُ لها طريقانِ، طريقُ الخارج وَطريقُ الداخل، وقد عَبَّرَ القرآنُ الكريمُ عن هذينِ الطريقينِ، بالآفاقِ والانفسِ، يقول الله تعالى :

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾. فصلت:الآية: (53)

فهناك طريق خارجي للوصول الى حقيقة الحقائق وَالهِ هذا الكون، وهو عالم الآفاق، اي العالم الخارجي الذي يحيطُ بنا، ولكنَّهُ طريقٌ أَطول، تقعُ فيه المغالطات، وتستخدم فيه طرقُ الخداعِ وَأَساليبُهُ، وهناك طريقٌ داخِلِيٌّ للوصولِ الى الحقيقةِ وهو عالَم الأَنفس، الذي هو الطريقُ الأقربُ للوصولِ الى الحقيقة؛ لأَنَّهُ يجعلكَ وجهاً لوجهٍ في مواجَهَةِ الحقيقة، فهو طريقٌ لايقبلُ الالتواء والخداع والمغالطة.

فابراهيم (ع) لما حَطَّمَ الاصنامَ ووضع الفأسَ على رقبةِ كبير الاصنام وقالَ:﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾. الانبياء:الآية: (63).

وبعد تفكيرٍ وَتَأمُلٍ ورجوعٍ الى النفس أَقَروا بالحقيقةِ التي صدمهم بها خليلُ الرَّحمن:﴿فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾.الانبياء:الآية: (64).

في عالم الخارج كانوا يضللون الناس ويخدعونهم، ولكن حينما رجعوا الى أَنفسهم اقرّوا بالحقيقةِ الصادمة بلا خداعٍ ولا التواء.

وكذلك الأَمرُ معَ فِرعونَ وحاشيته وزبانيته وكل الجوقة المحيطة به، بعد أن كذَّبوا موسى ونعتوهُ بكلِّ النُّعوتِ السيئة وقالوا بأنَّهُ ساحرٌ، ولكنَّ القُرآنَ الكريمَ كشفَ لنا دواخلَهم وما انطوت عليه انفسهم من الحقيقة، يقول الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.النمل:الآية:(14)

وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يوسف:الآية:(53)

وسواء كان هذا القول ليوسف عليه السلام أم لامرأة العزيز فالنتيجة أنَّ الانسانَ يعرفُ نفسه ان كان بريئاً أَو مُذنباً، وهذه الطريقة، طريقة الرجوع الى النفس ليجرد الانسان ذاتَهُ من الاكاذيب والاباطيل والخداع، ليجدَ نفسهُ وجهاً لوجهٍ امام الحقيقة بلا رتوش ولا التواءات.

وفي هذا السياق، اتحدث عن الجرائم التي يرتكبها الصهاينَةُ ضد أَهلنا في غزة، التي تتعرض لابادة وكوارث انسانيَّة وازهاق للارواح أمام سمع العالم المتحضر وبصره، هذه القوى الاستكبارية تعرف الحقيقة ولكنّها تزيّف وتدجل وتكذب لحجب الحقيقة. وقد قلنا الطريق الخارجي يقع فيه التضليل والخداع والاكاذيب، ولكن هذه القُوى تدركُ تماماً ان اسرائيل ظالمة ومجرمة وان الفلسطينيَّ المتشبث بأرضه ووطنه هو صاحب الحق .

﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعُلُواً﴾. النمل: الآية:14.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى