د. علي قباني: ثورة زيد بن علي الشهيد عليه السلام
إن مؤسس المذهب الزيدي هو الإمام العالم العامل الفقيه المجاهد الثائر زيد بن علي زين العابدين ابن الحسين سبط نبي الهدى وشهيد كربلاء وابن زهراء الأمة ًوإمام المتقين علي بن أبي طالب عليهم أجمعين صلاة الله وسلامه وبركاته إلى يوم الدين، وُلِد إمامنا عام ٨٠ للهجرة واستشهد عام ١٢٢ هـ .
هو واحد من نجوم آل البيت المضيئة التي غالبت ظلام الاستبداد، وتصدت للطواغيت وعبدة الطواغيت من أجل الانسان وحريته وعزته وكرامته، مهما لحق بهم من أذى وإفتراء، ومهما لاحقتهم قوى الشر بسمومها و سلاحها.
إنه إمام بدأ كفاحه في مناخ الإحباط واليأس بعد فواجع فشل ثورات الحق، و التي كان آخرها فاجعة كربلاء التي تجلت فيها آيات البطولة والفداء والجهاد، وضربت للبشرية على مر التاريخ مثالاً خالداً في إخلاص التوحيد لله.
سار على نهج جدّه، شهيد كربلاء، في وجوب الخروج على الظالم، فأعلن حربه على الأمويين، وتصدى للطاغية هشام بن عبد الملك، وأشعل الثورة الخامسة في تاريخ الاسلام .. ثورة الإمام زيد عام ١٢٢ هـ . التي انتهت باستشهاده ليلحق بأجداده الشهداء عليهم السلام، أحياء عند ربهم يرزقون. إنها ثورة ستبقى مناراً في تاريخ البشرية على مر الأزمنة والأماكن، وفي أية بيئة يتسلط فيها طاغية على عباد الله، ويستبد فيها بالانسان الذي حرره الإسلام من مذلة العبودية للمخاليق لشرف العبودية للخالق وحده. هذا هو الإمام الثائر للحق والذي قال عنه أحد أئمة الآل : “لقد فتح لنا زيدٌ أبواب الجنة بغير حساب، ذلك أنه فتح باب الاستشهاد في سبيل الله حتى تحيا الأمة بعد موت، وتستيقظ فيها معاني العزّة والكرامة والحرية فلا تُستعبد لأي طاغوت”.
بعد هذه النبذة الموجزة عن مؤسس المذهب الزيدي، يجدر بنا أن نذكر أن الإمام الهادي ، يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، هو أول من أدخل المذهب الزيدي إلى اليمن في نهاية القرن الثالث الهجري ، وقد استطاع الإمام الهادي أن يقيم دولة له في صعده شمالي اليمن، وعليه فقد كان المؤسس الأول للدولة الزيدية، وكان الهادي عالماً فقيهاً مجتهداً، ومعه دخل الفكر المعتزلي الذي أصبح لصيقاً بالزيدية في اليمن، وأصبحت المرتكزات العقدية والفكريةفي المذهب الزيدي تتلخص في : العقلانية – الاجتهادية – الثورية ووجوب الخروج على الظالم.
تولت الزيدية مقاليد الحكم في اليمن لأكثر من أحد عشر قرناً، حتى أسقط الانقلاب العسكري في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، آخر حكامها من الأئمة الزيود، وهو الإمام البدر بن أحمد بن يحيى حميد الدين.
ويجدر بنا أن نذكر هنا أن الإمام يحيى حميد الدين هو أول من غيّر نظام الإمامة الذي كان متبعاً بكل شروطه وأنظمته، وأعلن الملكية نظاماً في اليمن والتي أصبح اسمها “المملكة المتوكلية الهاشمية” وعيّن ابنه أحمد وليّاً للعهد، فأغضب ذلك العلماء والوجهاء والنخبة التي كانت تتولى شؤون الحكم، فأعلنوا الثورة الدستورية بقيادة الإمام عبد الله الوزير والأمير علي بن عبد الله الوزير ومعهم عدد كبير من الثوّار، وعزلوا الإمام يحيى، وبايع العلماء الإمام عبد الله الوزير ليتولى شؤون الحكم، وتم إنشاء مجلس الشورى (البرلمان) برئاسة الأمير علي الوزير، وفي الواقع اختلفت هذه الثورة عن كافة نماذج الثورات في العالم، فلم تكن ثورة جياع ولا محرومين ولا حتى معارضين، بل نخبة المجتمع و وجهائه وعلمائه وكان غالبيتهم يشاركون في الحكم، ولكنهم ثاروا لوجه الله ومن أجل شعبهم لإحقاق الحق وتأسيس مجتمع العدل في المال والشورى في الأمر، و لكن قبل أن تستقر الأمور تسرب خبر قتل الإمام المخلوع، فقلّب أحمد حميد الدين القبائل ضد زعماء الثورة، الذين انقلبوا عليهم ليعيدوا الإمام أحمد للحكم بعد موت أبيه ، واعتقلوا الثوار وألقوا بهم في السجون بعد أن قتلوا زعمائهم.
وقد أسهم تأسيس النظام الجمهوري في تراجع الزيدية وضعف نفوذها خاصة بعد اختراق معاقلها في الشمال من قبل السلفية الوهابية، وحركة الاخوان المسلمين ، بجناحها السياسي المتمثل في حزب الاصلاح تحت قيادة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وقد لعب البترو دولار السعودي دوره في شراء الرؤساء العسكريين، وآخرهم علي عبد الله صالح، ودفع الأموال لزعماء القبائل ورؤساء الأحزاب، حتى أصبح النظام الحاكم في اليمن نظاماً عميلاً للملك السعودي. وفي الواقع كان هناك ضيقاً متزايداً من نمو النفوذ السعودي، وانتشار المدارس الوهابية في كل ربوع اليمن حتى في المناطق الجبلية والمناطق النائية !!
وعندما انفجرت ثورات الربيع العربي، واكبتها الثورة اليمنية ونجحت في خلع ديكتاتور اليمن علي عبد الله صالح، وحدث فراغ في الحكم و بدأت ملامح فوضى مجتمعية تظهر في الأفق، ولكن الحوثيين بالتعاون مع المثقفين والثوار اليمنيين نجحوا في ملء الفراغ والحيلولة دون حدوث الفوضى، وقاموا بحراسة وحماية كل مؤسسات الدولة، ولكن مرة أخرى لم تسمح لهم قوى الثورة المضادة في الداخل والخارج من تثبيت الاستقرار، حتى شنت العربية السعودية حربها العدوانية الشرسة على اليمن وأهله، وقد شاهدنا جميعنا على شاشات التلفاز الغارات البربرية وقتل الأطفال والنساء وكبار السن، حتى هدموا اليمن، ولكنهم لم ينجحوا في قتل روح المقاومة لدى اليمنيين .. ولا تزال الحرب مستمرة، ولكن نصر الله لن يكون في النهاية إلا للشعب اليمني الحر الأبي .. إن الله لا يحب المعتدين.