الرحيل إلى الآخرة: محطات حضارية، ثقافية ودينية

ندوة مؤسسة الابرار الاسلامية بتاريخ 20 فبراير 2025

الرحيل إلى الآخرة: محطات حضارية، ثقافية ودينية

الضيف الدكتور هادي حداد (باحث مختص بعلم اللغة الشعرية)

من المسلمات الواضحة هي نهاية الإنسان إلى الدار الآخرة ولا دخل للزمان أو المكان أو التكوين على إعاقة أو إلغاء تلكم التجربة. والمحطات المذكورة في العنوان هي في الحقيقة بوتقة واحدة ولا يمكن فصلها ووضع حواجز بين محطة وأخرى.

فمثلا حين يتوفى أو يموت أي إنسان في أي مجتمع إنساني، تجتمع هذه العناصر الثلاثة في مراحل التوديع حتى المرحلة الأخيرة من الدفن في التراب أو الحرق cremation أو رميه في البحر أو النهر أو الدفن السماوي، Sky Burial  وقد تستمر الإجراءات حتى بعد الخلاص من الجثمان في أكثر بقاع العالم لأيام بعد الرحيل (بعض الشعوب تحتفل بذكرى الـ40 والذكرى السنوية للميت كالمسلمين، أما الهندوس فيستمر الحزن لمدة سنة عندهم أيضا علما أن حزنهم الأولي يستمر 13 يوما بعد الرحيل. والبوذيون في الصين واليابان عندهم يستمر الحزن لـ 49 يوما حتى تنتقل روح المتوفى إلى العالم الآخر بنهاية المدة).

وهدف هذا البحث إلقاء الضوء على ما ذكرناه أعلاه من معلومات أو بحوث في بعض بقاء العالم حيث تتوفر المعلومة الخاصة بالموضوع ولا يمكن أن نغطي كل الدنيا التي فيها 8 مليارات إنسان أو أكثر.

يتكون هذا البحث من ثلاثة أبواب أو فصول هي:

أولا كيف تتعامل الديانات المختلفة مع هذا الموضوع وهو الرحيل أو الموت؟

ثانيا ما ذكره رموز الأمم عظماؤها وفلاسفتها عن الرحيل؟

ثالثا:  كيف يتعامل الأحياء مع من رحل من الناس عند الموت؟

ويكتمل البحث بالخلاصة الموجزة:

الفصل الأول كيف تتعامل الديانات السماوية والديانات الأرضية لهذا الموضوع؟

من أوضح الحقائق المذكورة في الكتب السماوية هي الحياة والموت. في القرآن الكريم وردت كلمة الحياة وما يدور حولها 145 مرة والموت 145 مرة أيضا ومن هذه النماذج بسم الله الرحمن الرحيم ﴿كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام﴾.

وفي الكتاب المقدس The Bible الذي يدين به أهل الكتاب (اليهود والمسيحيون) وردت كلمة الموت والفناء بين(400-500) مرة.

ففي سفر التكوين Genesis الفصل الثاني الآية 17 ورد مثلا خاطب الرب آدم في اليوم الذي تأكل من هذه الشجرة ستموت”.

أما في كتاب الصابئة المندائيين أتباع نبي الله يحيى عليه السلام المسمى (كنزا ربا) ومعناها (الكنز العظيم) أو الكنز الرباني ورد ما يأتي:

باسم الحي العظيم: ” الإنسان يحمل مادة في جسده هي نسمة النور(نَشمتّا)  وهي الوحيدة التي لا تموت ولذلك تخرج من الجسد بعد الموت لتعود إلى عالم النور، أما الجسد فيفنى”.

من الأشياء المهمة عن كتاب (كنزا ربا) هو أن الصحفة اليمنى تحتوي على التعاليم والقصص والحوادث بينما الصفحة اليسرى من الكتاب عن الحياة والموت؟ ولم يصلنا أي شيء من الكتب السماوية الأخرى. وهناك من يعتقد أن المجوسية والبوذية من الديانات السماوية ولكن لم يثبت لي ذلك لحد الآن والبحث مفتوح للمناقشة.

وقد تناولت الديانات الأرضية مثل الهندوسية والسيخ والزرادشتية (الزرادشتية فرقة من المجوس وكتابهم (أفستا) يعتقدون أن بعد الموت الروح تهيم ثلاثة أيام قبل الذهاب للعالم الآخر) والبوذيون بما في ذلك أتباع الفيلسوف كونفيشيوس Confuciousالمتوفى في الصين عام 479 قبل الميلاد.

مثلا ذكر في كتاب الهندوس فيداس  Vedas”أن الموت جزء لا يمكن الخلاص منه في الفوضى ويجب تجنبه أقصى ما يمكن”.

أما السيخ يعتقدون أن الجسد وحدة يفنى في كتابهم Guru Sahib.

الفصل الثاني ما ذكره رموز الأمم وعظمائها وفلاسفتها

فقد ذكر الإمام علي عليه السلام “الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا”.

وذكر الإمام الحسين عليه السلام “خط الموت على ابن آدم مخط القلادة على جيد الفتاة.”

أما أرسطو المتوفي 322 قبل الميلاد قال “الموت سقوط البدن وبقاء الأشياء الأخرى”.

وأفلاطون كذلك رأى “أن الروح باقية أما جسد فيفنى وتوفي 348 قبل الميلاد”.

الفيلسوف الفرنسي Rene Descartes المتوفي 1650 ميلادية فقد قال “الروح تبقى في ما بعد الموت والجسد هو وحده يموت”.

أما الفيلسوف والاقتصادي البريطاني Thomas Malthusالمتوفي عام 1834 قال إن نمو عدد السكان في العالم سيؤدي إلى عدم كفاية المواد الغذائية. لذلك يجب تقليص عدد السكان في الحروب والأمراض والمجاعة.

وأخيرا الفيلسوف الهندي (طاغور) المتوفي عام 1941 أعتقد أن الموت هو أقرب أي شيء للإنسان ولذلك خاطب الموت: خاطبه كعشيقه بقصيدة عن الموت “لقد نسجت الأزهار كي تكون طوقا يلف العريس وهذا هو الموت”.

الفصل الثالث كيف يتعامل الأحياء مع من رحل عنهم؟

يعتقد كثير من الكتاب أنا أول جريمة حدثت في التاريخ هي عندما قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل وفي هذا إشارة أولى لعملية الدفن عند البشرية للموتى، وفي سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾.

ومن هنا بدأ المسلمون تغسيل الفقيد والصلاة عليه بعد تكفينه ثم يوارى تحت التراب وهناك تفاصيل جمة في كل خطوة مع وجود بعض الاختلاف البسيط جدا بين المدارس الإسلامية ويكون الدفن باتجاه القبلة لان المسلمين هم اهل القبلة!

امام الصابئة المندائيين فيغسلوا موتاهم ويكفنوهم بخمس قطع من القماش الأبيض و يدفنوهم في التراب باتجاه الشمال حيث يعتقد الصابئة أن الشمال مصدر النور. وهناك أدعية خاصة بهم (الصابئون يلفون جثمان الميت بالقصب، ومن تداخل العادات، أن أهل جنوب العراق كانوا أحيانا يلفون جسد المتوفى بالقصب قبل نقله إلى مقبرة النجف الأشرف (وادي السلام).

وكذا اليهود يغسلوا موتاهم ويكفنوهم قبل الدفن.

المسيحيون الشرقيون فيغسلوا موتاهم ويلبسوهم أجمل ثيابهم مع العطور قبل دفنهم في التراب.

وحتى المسيحيون في الغرب فيغسلوا موتاهم وقسم منهم يدفن الموتى وقسم يتم حرقه Cremation قد أصبح قانونيا في بريطانيا عام 1874. وقسم من المسيحيون في الغرب لا يغسل الموتى.

اما الهندوس والسيخ والبوذيون بشكل عام فيحرقون موتاهم، وهناك بعض السيخ يدفنون موتاهم، كما أن هناك طائفة من البوذيين في التبت وجبال الهملايا وفي النيبال وهؤلاء يمارسون ما يطلق عليه (الدفن السماوي) (Sky Burial) حيث يحملون جثمان الفقيد إلى أعلى الجبال فيتركوا الجثة للنسور والطيور الجارحة لالتهامها مع اهاجيز وأدعية المعزين، وكانت الزرادشتية يمارسون هذه الطقوس سابقا، وقد غيروها لاحقا.

وكانت هناك طقوس دينية عند الهندوس سابقا كأن تحرق الزوجة مع زوجها الميت وفي نفس المكان ولكن هذه توقفت بعد صدور القوانين المانعة عام 1828 في الهند وتسمى هذه القضية (Sati)،  وهناك حوادث قليلة جدا يمارس (الحرق) فيها لحد الآن بعيدا عن أنظار الحكومة الهندية.

الخلاصة:

موضوع الحياة والموت واسع من جدا ولا يمكن تغطيته في محاضرة واحدة. عند النظر لما مر في البحث، يجد الباحث إنه انتهى إلى بعض النقاط الأساسية:

أولا: كل شعوب العالم ودياناتها تعتقد حتمية الموت.

ثانيا: كل شعوب العالم ودياناتها تعتقد بحتمية الموت كل حسب الأعراف والتقاليد والدين كإقامة العزاء ولون الملابس وغيرها.

ثالثا: على مر العصور قد تتغير أنماط التعامل مع الموت. فمثلا عام 1874 سن قانون (الحرق) في بريطانيا.

وفي الهند عام 1828 سن قانون يمنع حرق الزوجة مع زوجها المتوفى. وكان الزرادشت يمارسون الدفن السماوي وتوقفت الآن باستخدام تغليف الميت بغلاف معدني أو في قبر كونكريت.

وفي خاتمة البحث لا بد من ذكر بيتين من الشعر لأمير البلاغة علي بن أبي طالب عليه السلام

دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ

وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير

وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى