المنبر الحسيني بين التأصيل والتطوير

الضيوف: فـضـيـلـة الـدكــتـور حــمــزة الـحــســن

(باحث أسلامي وإعلامي من المنطقة الشرقية)

والرادود مهدي سهوان (من البحرين)

التاريخ: الخميس 4  يوليو 2024

تقديم: الاخ عباس المرشد

في رواية عن علي بن ابراهيم عن الريان بن شبيب: دخلت على الامام علي الرضا عليه السلام في الأيام الاولى من شهر المحرم، فقال: يا ابن شبيب، هل انت صائم؟

ثم قال: يا ابن شبيب: ان المحرم هو الذي كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه الظلم. لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته وسبوا نساءه  فلا غفر الله لهم. يا ابن شبيب: ان كنت باكيا لشيء، فابك للحسين فإنه ذبح كما يذبح الكبش. انها رواية قبلها  علماؤنا وهي طويلة.

انها تضع ثورة الامام الحسين عليه السلام في سياقها الكوني والمجتمعي والعقائدي.

التسمية هي نهضة الامام الحسين عليه السلام لتشمل ابعادا اوسع من الثورة التي تنحصر احيانا بالجانب السياسي.

في بداية كل مناسبة يبدأ الجدل حول مشروعية شعائر عاشوراء ومدى فائدة الإحياء، وهنا جدل داخلي حول تطوير المناسبة. تبرز عندنا مسألة التأصيل والتطوير.

المنبر الحسيني ظاهرة اساسية في الظاهرة الحسينية، وهناك تأصيل تاريخي لنشوء المنبر الحسيني ومتى نشأ. محصلة 1400 سنة جعلت المنبر ركيزة من ركائز عشرة عاشوراء. بعض المنابر يثير اختلافات وربما عنفا، واحيانا يأتي من الخارج، ليكون المنبر مستهدفا بالعنف.

يقال انه في القرن الثالث والرابع الهجري استمرت مظاهر العنف عشر سنوات. اليوم هناك داعش ومنظمات وحكومات.

عندما سيطر السلاجقة على الحكم ارهبوا الشيعية ومنعوهم من اقامة شعائرهم.

نستضيف الباحث والكاتب الدكتور حمزة الحسن والرادود المعروف مهدي سهوان.

الدكتور حمزة الحسن

اعتدنا قبل استقبال عاشوراء ان ينتابنا مشاعر سجلها الشعراء القدماء، فكأن غمامة سوداء تأتي على القلب.

الشريف المرتضى لديه الكثير من الاشعار حول دخول محرم.

كأن الدنيا منقلبة، وكأننا نعيش كربلاء نفسها. تتغير المدن والألوان، ويصبح العالم غير العالم، فكأن هذه المدن تشارك النهضة الحسينية. القيود الاجتماعية تتغير. النهضة الحسينية او الثورة الحسينية تحير المرء. ماذا يختار للحديث بشأنها.

في عاشوراء هناك عنف موجّه للمشاركين في احياء عاشوراء. في الغالب اذا هوجموا من الهندوس او المسلمين الآخرين فانهم يردون. نحن مشغولون بهذه الممارسات الطقوسية او الشعائر، ولكن الآخر هو الذي ينزعج، فلماذا ينزعجون؟

فكرة المحاضرة: ما الذي يزعج الأخر حولك؟ ليست لدينا مشكلة مع الآخرين.

في عيد الغدير كان هناك هجوم غير معتاد عندما رأوا الاحتفالات في صنعاء. عند الزيديين يحتفون بعيد الغدير بشكل يتجاوز ما يقوم به الشيعة. بلدة دمّاج التي تحولت الى قلعة للوهابية تثير بكاء الوهابية. هذه السنة الاحتفالات اثارت السعوديين الذين يرون الآخرين كفارا. لماذا ينزعجون من ممارسات من يعتبرونه كافرا؟ ما دمت اخرجت الشيعة من الاسلام، فلماذا تنزعج حين يقومون ببعض الممارسات.

نفهم لماذا الحكومات يزعجها الاحتفال بعاشوراء. ما يطلق عليه شعائر عاشوراء كان له بعد سياسي.

اول من القى الشعر عند الحسين عليه السلام هو جابر ابن عبدالله الانصاري فاختلف ذلك القبر عن بقية القبور. لم يكن موضوعا عباديا، بل السلطات نظرت له مركز تحريض ويشجع على الثورة، ومن يقوم بزيارة ذلك القبر فهو عازم على الثورة. ثورة التوابين بدأت بزيارة قبر الحسين عليه السلام.

قبر الحسين مكان يعلمك التضحية ومواجهة الظالمين. ليس فقط حكام الامويين او العباسيين بل من جاء بعدهم كذلك، حتى في عهد الحكومات المتآخرة وحكومات الاستعمار.

المناسبة العاشورية توفر مناخا ضد الطغاة والظلم والاستعمار، ولان هناك جمهورا، فلا بد ان يكون هناك خطاب سياسي.

الناس في هذه المناسبة لديهم عواطف تجعلهم مستعدين للتضحية.

محرم كان مرحلة انعطافة في الثورة الاسلامية في ايران. احيانا تنطلق الثورات من شهر محرم. نفهم لماذا لا يعجب ذلك الحكام، لذلك كانت هناك محاولات منع او تحديد او الاحتواء. في بعض الدول توزع وزارات الداخلية السيوف وادوات العزاء وبعض الحكام يزورون المآتم. هذه بعض اوجه الاحتواء. الملك فيصل الاول ترك الشيعة يحتفون بعاشوراء، وكان يوزع على المآتم الدعم ويدفع للرواديد.

نوري السعيد وصالح جبر كانا يفكران كيف يحتويان المآتم. في لبنان استخدموا عاشوراء لمقاومة الفرنسيين.

الكثير مما يمارسه الشيعة لا يثير الجدل، كما ان شعارات الصوفية وممارساتهم لا تثير الجدل. هذه الممارسات تثير الجدل خصوصا اذا جاء من فئة مهمشة ومثيرة للجدل. في كل سنة هناك زيادة، يتبعها مطالب بخفض الصوت ففي السابق مثلا في لبنان وكذلك في السعودية هناك المدّاح يمر على البيوت ليقرأ على ابوابها، ويبدأ في الحديث. كان هناك عرضة في المجلس مثلا وجلسة في المجلس.

المشاركة في الطقوس الشيعية والاحتفالات خصوصا في عاشوراء تستفز الآخر الطائفي حتى لو لم يكن متدينا. الحشد بذاته مشكلة، يعتقد الآخر انه يجب ان يكون مهمشا ولا يعطى فرصة.

الأقلية المتصهينة من حيث التفكير يرى انه لا يوجد فلسطين ولا شيء اسمه فلسطيني، يعني الاستئصال.

يرى اولئك ان حضور الشيعة يعني حضورا للهوية. احد الباحثين السعوديين يقول: لا يوجد شيعة.

عندما تسأل الشيعي: لماذا تحضر في الشعائر؟ قد يجيبك بشكل او آخر. انه تعبير عن الهوية والانتماء. انا موجود، ثقافتي موجودة، هذا يمثل اشكالا كبيرا للآخر. حجم الحضور له علاقة بثلاث قضايا:

اولا: القمع سواء بالسجن او ازالة اليافطات او غلق الحسينيات.

ثانيا: التحدي والاستجابة للقمع. يقول الاكاديميو: كلما كان الحضور السياسي في الحكم كبيرا كانت المشاركة في عاشوراء. اذا رأيت الشيعية كثيرين فانه تعبير عن تمثيل سياسي واسع. هذا ينطبق على العراق، فقد خرجت مسيرات الاربعين الى كربلاء بعد سقوط النظام السابق، وارعبت الاحتلال الامريكية وبعض الانظمة العربية. رأوا ان من يمسك بخيوط تلك الجماهير فانه يملك العراق. كل ما فعله صدام كان هباء منثورا.

في السعودية تقرأ الحكومة بطريقة مختلفة. يقولون ان الحضور الكثيف يعتبر تحديا، فكأنهم يقولون: لسنا قلة، ولدينا تراث ولا نقبل ان نكون مهمشين، حتى لو تحدثت عن الحسين فقط فان النظام لا يتحمل.

اوقفوا احد الخطباء وسألوه عن تفصيلات عاشوراء. هذا الحشد يعني حضور الهوية ويسبب ازمة للنظام.

كتب أحد الاعلاميين مقالا في الشرق الاوسط حول عيد الغدير، يقول: اذا الشيعة يحتفلون بالامام علي فعلى السنة ان يحتفلوا بغيره. الصراع في القرنين الثاني والثالث الهجري كان تعبيرا عن صراع مذهبي.

امين الريحاني يسأل ابن سعود: انتم تضطهدون الشيعة؟، قال: لا نضطهدهم. ان يعلن انه وهابي فله الحق، ولكن ليس من حقك ان تعلن انك شيعي. ظهور الحشود يستفز الآخر.

بداية التمثيل الديني في القرن الرابع الهجري كان مستفزا للآخر. العباسيون رأوا ان قبور العلويين والشهداء كانت محط عناية وزيارات والبناء، فبنوا مقبرة “الخيزرانة” ولكن لم يبق من ذلك شيء.

في محاولة اخيرة قامت بها “سباه صحابة” وهي الجناح الوهابي المتطرف في باكستان، كان يستثيرهم عاشوراء، حيث كان هندوس يحضرون، وكذلك بعض السنة، وهذا الامر موجود في لبنان حيث يشارك المسيحيون في الاحتفاء بعاشوراء. قالوا ان هذه الاحتفالات اخطر علينا من المجموعات المسلحة. سباه صحابة بدأوا يقرآون بعض الاحاديث. الهوية دائما مشكلة. الحكومات لها دور في ذلك، في القرن التاسع عشر قالوا: اذا كان الشيعة يريدون ان يؤذوا انفسهم فليفعلوا ذلك. كنت اسمي ذلك “طقوسا مضادة”.

اول سنة بعد سقوط صدام، استعرض تلفزيون العربية والجزيرة الجماهير التي شاركت في زيارة الاربعين ولكنها توقفت الآن تماما، كان يؤلمهم ذلك الحضور. كان واضحا ان الحضور العام للطقوس تصفع الآخر. الحضور القوي وان ينشر في التلفزيون بهذا الشكل، فان ذلك يعتبر تحديا لك.

لدى الشيعة جدل حول مدى فائدة هذه الطقوس او ضررها. انه جدل عقيم. المسيرات العزائية كانت سائدة في القرن الرابع الهجري. احد المشاريخ ذهب الى تونس قبل بضع سنوات وقال: رأيت الشيعة في احد المصليات. البعض الآخر يتحول للتشيع بعد الاطلاع.

 

الاخ مهدي سهوان:

ذكر الله انه الحافظ للقرآن. لا يستطيع احد ان يلغي ذكر الامام الحسين عليه السلام. حب الامام الحسين عقيدة قرآنية ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾.

خلق الله هذا الكون من اجل عبادة الله ومعرفته. “حسين مني وانا من حسين أحب الله من أحب حسينا”.

هناك من يريد الارتباط بالله بقوة، ولا يمكن يحقق ذلك الا عبر الميزان الالهي في حب الحسين، لانه وارث الانبياء بعد وفاة ابيه واخيه. لا يمكن لاحد محو نور الحسين عليه السلام. دور المنبر الحسيني: مكمل لهذه العبادة. “احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا”.

على المنبر ان يكون واعيا، يطرح طرحا مناسبا. ان يكون داعية الى الله من خلال قضية الحسين. يجب ان يكون هناك وعي واطروحة. يجب ان يكون الحسين دافعا للعبرة والعَبرة. الامام الخميني يقول: كل ما لدينا من عاشوراء.

اذا اراد الانسان ان يكون مؤمنا صالحا فلا بد ان يكون منطلقه الحسين عليه السلام. الحسين هو السبب الاول لتغيير الفساد الى الصلاح. حين يظهر الامام المهدي سينطلق من مقولة: يا لثارات الحسين.

هناك من يقول ان المنبر انما هو للرثاء ولا علاقة له بالسياسة ، فما رأيك؟ لو كان موضوع الحسين من اجل ان نبكي عليه لحجّمنا حركة الامام الحسين عليه السلام. “انما خرجت لطلب الإصلاح”.

حارب الامام الحسين عليه السلام يزيد عصره لكي يسطر لنا مسيرة المتشرعين، في كل زمان. هناك حسين، وهناك يزيد.

المنبر يجب ان يكون واعيا وان يطرح قضية الحسين كقضية عاطفية وكقضية مرتبطة بالأخلاق والقيم. يجب ان اكون حسينيا وان امثل منهج الامام الحسين عليه السلام.

جاء في وصية الامام علي عليه السلام لوالديه: كونا للمظلوم عونا وللظالم خصما. كلما كان هناك ظلم وظالم فيجب علي ان احارب الظلم والظالمين. الحسين امام معصوم تحرك ضد يزيد، والامام المهدي سيقصي نظام يزيد وممثليه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى