كيف نربي ابناءنا على القيم الاخلاقية التي جسدها الائمة عليهم السلام

ندوة مؤسسة الابرارالاسلامية بمناسبة ذكرى ميلادة الائمة عليهم السلام في شهر شعبان المبارك.

الضيوف: الدكتور عبدالله الموسوي والدكتور جلال فيروز

التاريخ: 6 فبراير 2025

كلمة الدكتور عبدالله الموسوي

أبرز القيم الأخلاقية المشتركة بين الإمام الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام وكيف نربي جيل أبناءنا عليها.

تقترن القيم الأخلاقية الفاضلة في سلوك قائمتنا عليهم السلام بقيم السماء مترجمة في مفردات كتاب الله العظيم (القرآن الكريم ) والأحاديث الصادرة عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم كونه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى,

ومن هذه القيم الأخلاقية، كان الامام الحسين عليه السلام يخاطب حامل لوائه أخي العباس عليه السلام “يا عباس اركب بنفسي أنت”. في الوقت الذي يخاطب أتباعه قائلا “قوموا يا كرام ويخاطبهم أيضا صبرا بني الكرام فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم على البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة”.

القيم الأخلاقية في النهضة الحسينية

جاءت الرسالة الإسلامية الخاتمة لهداية الإنسان وتحريره من جميع أنواع الانحراف من فكره وسلوكه وتحريره من خلال الأوهام ومن عبادة الآلهة المصطنعة وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع ،وتهذيب نفسه من بواعث الأنانية والحقد والعدوان وتحرير سلوكه من الرذيلة والانحطاط.

وقد اختصر رسول الله صلى الله عليه وآله الهدف الأساس من البعثة النبوية بقوله المشهور “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

وقد واصل الأوصياء والأئمة من أهل البيت عليهم السلام تبني وتطبيق هذه المهمة لتترجم في الواقع في أعمال وممارسات وعلاقات ولهذا كانت الأخلاق هي المحور الأساسي في حركاتهم.

وقد جسد الإمام الحسين عليه السلام في نهضته المباركة المفاهيم والقيم المشتركة الأخلاقية الصالحة وضرب لنا وأصحاب وأهل بيته أروع الأمثلة وأصدقها في درجات التكامل الخلقي.

ويمكن أن نلخص أبرز القيم الأخلاقية المشتركة من خلال مسار النهضة الحسينية المباركة لتكونوا لنا نبراسا لحياتنا، وأن تتولى الجهات المعنية في المؤسسات التربوية تبنيها لهذه القيم حفاظا على الجيل القادم من تبعات التكنولوجيا الهادفة إلى إفساد عقول الناشئة بعد استغلال صغر أعمارهم ومحدودية تفكيره وقصر نظرهم لصغر سنهم من خلال الدروس الحسينية المترجمة بعلاقة الإمام الحسين بأخيه العباس عليه السلام.

أولا: مراعاة حرمة الكعبة فقد رفض الإمام الحسين عليه السلام اللجوء إلى الكعبة المشرفة لكي لا تستباح حرمتها وكان عليه السلام يقول لمن طلب منه لالتجاء إليها إن أبي حدثني “أن لها كبشا به تستحل حرمتها، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش”.

وقال لأخيه محمد بن الحنفية “يا أخي خفت أن يغتالني يزيد إبن معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت” وقال لعبد الله ابن الزبير “يا بن الزبير لأن أدفن في شاطئ الفرات أحب إلي من أن أدفن بفناء الكعبة”.

ثانيا: الوفاء بالعهود والمواثيق وهي من الأخلاق الفاضلة في جميع الأديان السماوية الاهية كانت أم وضعية، وقد جسدت النهضة الحسينية هذه القيم الأخلاقية في أشد المواقف خطورة. فبعد اتفاق الإمام الحسين عليه السلام مع الحر بن يزيد الرياحي على أن يسايره فلا يعود إلى المدينة ولا يدخل الكوفة، طلب منه الطرماح بن عدي من ينزل قبيلة (الطي) ليلتحق به 20 ألفا طائي، فقال له الإمام عليه السلام “إنه كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف”، فقد وفى عليه السلام بعهده وإن كان قد أفقده 20 ألفا ناصرا له وهو بحاجة إلى أي ناصر.

ثالثا: الرحمة والشفقة على الأعداء أن اتباع أهل الحق يقاتلون من أجل هداية الأعداء إلى المنهج الرباني لتحكيمه في التصور وفي السلوك وفي واقع الحياة وهم لا يقاتلون إنتقاما لذواتهم وإنما حبا للخير، ونصرة للحق، ولذا نجد نجدهم رحماء شفوقين حتى مع أعدائهم ليعودوا إلى رشدهم ويلتحقوا بركب الحق والخير.

وقد جسد الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام وأصحابه الكرام أروع ملاحم الإنسانية والرحمة والعطف، ففي طريقه إلى كربلاء التقى بأحد ألوية إبن زياد وكانوا ألف مقاتل مع خيولهم وكانوا عطاشا فأمر أتباعه بسقي الجيش وقال لهم “اسقوا القوم وأرووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا، وقد سقى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه (ابن طعان المحاربي).

رابعا: الايثار ونكران الذات. أنكر أتباع الإمام الحسين عليهم السلام ذواتهم وذابوا في القيادة التي جسدت المنهج الإلهي وفي واقعها المعاش، فلم يبقوا لذواتهم أي شيء سوى الفوز بالسعادة الأبدية. فكان الإيثار والتفاني من أهم الخصائص التي اختصوا بها لما رأوا أنهم لا يقدرون أن يمنعوا الحسين عليه السلام ولا أنفسهم فتنافسوا بأن يقتلوا بين يديه.

وقبل المعركة وصل برير ومعهم جماعة إلى النهر فقال لهم حماة النهر بعد أن عجزوا عن قتالهم اشربوا هنيئا مريئا بشرط أن لا يحمل أحد منكم قطرة من الماء للحسين عليه السلام فكان جوابهم “ويلكم نشرب الماء هنيئا والحسين وبنات رسول الله صلى الله عليه وآله يموتون عطشا لا طاب ذلك أبدا”.

وفي شدة العطش رفض العباس عليه السلام شرب الماء قبل الإمام الحسين عليه السلام وقال قولته الذي ذهبت مع مسار السنين:

يا نفس من بعد الحسين هوني    وبعده لا كنت أن تكوني

هذا حسين وارد المنون          وتشربين بارد المعين

خامسا: العلاقة بين القائد والأتباع في كل نهضة هناك قيادة وطليعة وقاعدة ترتبط بروابط مشتركة؟. والقيادة دائما هي القدوة التي تعكس أخلاقها على أتباعها. ففي النهضة الحسينية تجسدت الأخلاق الفاضلة في العلاقات والروابط حيث الإخاء والمحبة والتعاون بين القائد وأتباعه وبين الأتباع أنفسهم، ولنا في أهل البيت عليهم السلام قدوة حسنة في تنشأة الأجيال وتربيتهم.

كلمة الدكتور جلال فيروز

بمناسبة مولد الإمام  علي السجاد عليه السلام

قال الله تعالى في القرآن الكريم:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”

عــمّ الـبـرية بـالإحـسان فـانـقشعت عـنـهـا الـغـيـاهب والإمــلاق والـعـدم

إذا رأتـــــه قـــريــش قــــال قـائـلـهـا إلـــى مــكـارم هـــذا يـنـتهي الـكـرم

**”سَجِيّتُه العُليا تُعلِّمُنا الهدى** 

**وتَسمو بِنا نحوَ الكمالِ سُلوكا”**

كيف نربي أبناءنا على القيم الأخلاقية التي جسدها الإمام زين العابدين عليه السلام؟

نتحدث اليوم عن موضوع بالغ الأهمية، وهو كيف نربي أبناءنا على القيم الأخلاقية التي جسدها الإمام زين العابدين (عليه السلام). في عالم اليوم، حيث تكثر التحديات والانحرافات الأخلاقية، يصبح من الضروري أن نستلهم من سيرة العظماء كيف نغرس في أبنائنا القيم التي تصنع منهم أفرادًا صالحين ومؤثرين في المجتمع. والإمام زين العابدين (عليه السلام)، بسيرته وأقواله، يقدم لنا نموذجًا مثاليًا للتربية الأخلاقية.

الإمام زين العابدين «عليه السلام» :(وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم انّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه)

خمسة مطالب

أولًا: القدوة الحسنة في التربية

من أهم أسس التربية الناجحة أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهم. فالأبناء يتعلمون بالمشاهدة أكثر من التلقين. وكان الإمام زين العابدين (عليه السلام) مثالًا حيًا للأخلاق الفاضلة، ومنها: الصدق، الحلم، التواضع، العفو، والعبادة.

  1. 1. تعليم الأبناء برّ الوالدين من خلال القدوة

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أبرّ الناس بأمه، حتى قيل له: “إنك من أبرّ الناس بأمّك، ومع ذلك لا تأكل معها في صحن واحد!” فقال (عليه السلام):

“أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.”

🔹 الدروس التربوية:

تربية الأبناء على برّ الوالدين لا تكون فقط بالكلام، بل بالقدوة العملية.

غرس مفهوم الاحترام العميق للوالدين حتى في أبسط التصرفات اليومية.

تعليم الأبناء أهمية بر الوالدين

من أهم القيم التي أكد عليها الإمام زين العابدين (عليه السلام) بر الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الأعمال.

يقول (عليه السلام):

  1. 8. “أما حق أمك فتعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدًا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدًا.”

كان من دعائه لأبويه -: اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرهما بر الام الرؤوف، واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما أقر لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن، حتى أوثر على هواي هواهما

تربية الأبناء على احترام الوالدين وطاعتهما تنعكس إيجابًا على كل تصرفاتهم في المستقبل.

يقول الإمام (عليه السلام):

  1. 1. “إيّاك والكذب الصغير منه والكبير، في جدٍّ أو هزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير.”

وهذا يبين لنا أهمية الصدق في تنشئة الأبناء منذ الصغر.

ثانيًا: غرس قيمة الإحسان والتسامح

التربية على التسامح والعفو تخلق جيلًا قادرًا على التفاعل الإيجابي مع المجتمع. وقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) مضرب المثل في العفو حتى عن أعدائه.

  1. 3. تعليمه للأبناء قيمة العفو والتسامح

يروي المؤرخون أن خادمًا للإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يساعده في ترتيب أغراضه، فأسقط إناءً كان يحمله، فانكسر. ارتبك الخادم وقال: “يا مولاي، والکاظمین الغیظ.” فرد عليه الإمام مبتسمًا: “قد كظمت غيظي.”

ثم قال الخادم: “والعافین عن الناس.” فرد الإمام: “عفوت عنك.”

ثم قال الخادم: “والله یحب المحسنین.” فقال الإمام: “اذهب، فأنت حرّ لوجه الله.”

🔹 الدروس التربوية:

تربية الأبناء على ضبط النفس، والتسامح بدل الغضب والانفعال.

التعامل مع الأخطاء بحكمة وتعليم الأبناء اللطف والرحمة.

يقول (عليه السلام):

  1. 2. “إنّ أحبكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عند الله أوسعكم خلقًا.”
  2. 3. “اعلم أن لك أعداءً يطلبون عثراتك، ويُبغضون أن يجدوا لك حسنة، فكن أوثق ما تكون بالله.”

تربية الأبناء على التسامح تعزز فيهم الثقة بالنفس، وتبعدهم عن الحقد والانتقام، وتجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع المشكلات بحكمة.

ثالثًا: تعليم الأبناء الأدب وحسن الخلق

  1. 4. حرصه على تعليم أبنائه العلم والأخلاق

يُروى أن أحد أبناء الإمام زين العابدين (عليه السلام) سأل والده عن سبب اجتهاده في طلب العلم، فقال (عليه السلام):

“يا بني، العلم مقرون بالعمل، فمن علم عمل، ومن عمل نجا.”

🔹 الدروس التربوية:

تعليم الأبناء أن العلم لا يكون نافعًا إلا إذا اقترن بالعمل الصالح.

غرس حب المعرفة والسعي الدائم لفهم أمور الدين والدنيا.

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) نموذجًا في الأدب والاحترام، وكان يدعو إلى تهذيب النفس.

يقول (عليه السلام):

  1. 4. “خير مفاتيح الأمور الصدق، وخير خواتيمها الوفاء.”
  2. 5. “من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس.”

علينا أن نعلم أبناءنا آداب التعامل مع الناس، وكيف يكونون محترمين في حديثهم وسلوكهم، لأن حسن الخلق هو مفتاح القلوب.

رابعًا: التربية على الصبر والتحمل

الحياة مليئة بالصعوبات، ويجب أن نعلم أبناءنا الصبر عند الشدائد. وقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) مثالًا للصبر، خاصة بعد واقعة كربلاء.

يقول (عليه السلام):

  1. 6. “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.”
  2. 7. “إذا جمع الله الأولين والآخرين يُنادي منادٍ: أين أهل الصبر؟ فيقوم فئامٌ من الناس، فتستقبلهم الملائكة فيقولون لهم: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة.”

علينا أن نغرس في أبنائنا أهمية التحمل في مواجهة الأزمات، وألا يستسلموا للإحباط واليأس.

  1. 5. حرصه على تربية أبنائه على الكرامة والعزة

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يعلّم أبناءه العزة والكرامة، ومن ذلك قوله لأحدهم:

“لا تَطلب حاجتك إلى من لا يحبّ نجاحها لك.”

🔹 الدروس التربوية:

تربية الأبناء على الثقة بالنفس وعدم التذلل للآخرين.

تعويدهم على الاعتماد على الله في طلب الحاجات.

خامسًا: تعليم الأبناء أهمية الدعاء والتوكل على الله

  1. 2. دعاؤه من أجل صلاح الأبناء

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يدعو كثيرًا لأبنائه في “الصحيفة السجادية”، ومن ذلك قوله:

“اللهمّ ومُنّ عليّ ببقاء ولدي، وبإصلاحهم لي، وبإمتاعي بهم.”

🔹 الدروس التربوية:

أهمية الدعاء للأبناء بالصلاح والاستقامة.

تعليم الأبناء التوكل على الله، والاعتماد عليه في كل الأمور التربوية.

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) معروفًا بكثرة الدعاء، حتى أنه ترك لنا كنزًا عظيمًا في “الصحيفة السجادية”.

يقول (عليه السلام):

  1. 10. “اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا تسلبني ستر إحسانك.”

يجب أن نربي أبناءنا على اللجوء إلى الله في كل أمورهم، وأن يكونوا دائمًا على صلة بربهم، لأن هذا سيمنحهم الطمأنينة والراحة النفسية.

ختامًا: مسؤوليتنا في تربية الأبناء

إخوتي وأخواتي، إن تربية الأبناء ليست مجرد مسؤولية، بل هي أمانة سنُسأل عنها أمام الله. وعلينا أن نستفيد من تعاليم وسيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) في غرس القيم النبيلة في نفوسهم.

إن عــد أهــل الـتـقى كـانـوا أئـمـتهم أو قـيل مـن خير أهل الأرض قيل همُ

لا يـسـتـطيع جـــوادٌ بــعـد جــودهـم ولا يــدانــيـهـم قـــــومٌ وأن كـــرمــوا

هـــم الـغـيـوث إذا مــا أزمــةٌ أزمــت والُسد أُسد الشرى ، والبأس محتدمُ

لايـنـقص الـعسر بـسطاً مـن أكـفهم سـيّـان ذلــك : إن أثــروا وإن عـدمـوا

نسأل الله أن يوفقنا جميعًا لتربية جيل صالح، يسير على درب أهل البيت (عليهم السلام)، ويكون نورًا للمجتمع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى