على مشارف الديمقراطية

الديمقراطية في ضمير الامة بين معطيات الفكر والعقيدة ومتطلبات المشروع السياسي.

على مشارف الديمقراطية

الدكتور خالد الشفي

الديمقراطية في ضمير الامة بين معطيات الفكر والعقيدة ومتطلبات المشروع السياسي.

قال تعالى؛ ﴿لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون﴾.

وقال رسوله (ص): مثل المؤمنين في توادهم  وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر  الجسد بالسهر والحمى.

وقال الامام علي في وصيته لابنه الحسن عليهما السلام:

واجعل نفسك ميزانا في ما بينك وبين غيرك  فاحبب لغيرك  ما تحب لنفسك..

قبل ان اتكلم عن الديمقراطية وهي مفهوم  دارج ويحب كل الناس تطبيقه علاوة على التشدق به في المجالس….علي ان اذكر بعض المفاهيم، (الظواهر) الدراجة والتي قد تسبب مشكلة او تبني مفهوما معاكسا للديمقراطية مثلا؛

اضافة كلمة أعلى الى كلمة هيئة او مجلس او شخص ما…

كذلك  كلمة أمين السر أو الأمين العام او السكرتير العام او الرئيس الأوحد.. (لحد الان لم يتجرأ أحد من الناس على استخدام كلمة، أحد، وهذا يدل على ان  الناس الذين يميلون الى الدكتاتورية، وان تحدثوا بالديمقراطية، هم ما زالوا موحدين!!).

وهذه المفارقة العجيبة هي حقيقة واقعية ناتجة ليس عن طاعة الله الواحد الأحد وانما عن تقمص شخصية الإله الواحد.. ولكن بغير حق! نوع جديد من الشرك ربما لم ننتبه اليه!. تماما كما يقال في  الاعمال الحرة ان فلانا هو الوكيل الحصري او الوكيل العام… او احذروا التقليد!!

هذه القاعدة موجودة ومتأصلة في المجتمعات التي نمت وترعرعت بل رضعت من ثدي الدكتاتورية (الفردية)… بل ان الرحم الذي ولدت منه الدكتاتورية لايخرج منه تؤم وانما يخرج منه ذلك  الواحد (الأوحد)الذي لاشريك له!.

سمعت من أحد الفضلاء انه عندما يدرس موضوع او مفهوم ما في الحوزات (المدارس) الدينية، يدرس اولا ماهو عكسه او نقيضه بغية استيعاب الفكرة والتمكن من فهمها! مثلا يدرس مفهوم الشرك ومنه نعرف مفهوم التوحيد وفضاءله.. وهكذا…

اذا معرفة الدكتاتورية اولا ثم من بعدها  نتعرف على فوائد الديمقراطية.. ليس فقط من اجل التحدث بها في المجالس والندوات، وانما كي تترسخ الديمقراطية  كمفهوم ثقافي (سلوكي)!! اذ ان كلا النقضين (الدكتاتورية والديمقراطية) عبارة عن  سلوك اجتماعي والذي منه تخرج الحكومة، وأي حكومة  على مر العصور، ماهي الا تعبير حقيقي عن ثقافة هذا المحتمع او ذاك. وسلوك الدكتاتور هو نقيض سلوك ذاك الديقراطي.

الدكتاتور باختصار.. هو انسان اناني تحكمه الحالة النرجسية.. لا يحب الخير الا الى نفسه..الخ.

اما الديمقراطي فهو محب للاخرين كما يحب لنفسه.. ساعيا لرواج الخير وتقاسم الخيرات.. تماما كما وصفها الامام علي (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع): يابني كن ميزانا فيما بينك وبين غيرك…

وعليه هناك  الكثير من المفاهيم يجب مراجعتها من اجل تثبيت مفهوم الديمقراطية كي يتحول الى سلوك يومي ومنها:

الحق العام

والمال العام

الحاكمية

المؤسسات

الاول يقضي على القانون القبلي ويمهد للتصرف والسلوك المدني يعني من البداوة الى المدينة والحق العام اوسع من مفهوم الديه عند حصول جريمة القتل..

الثاني يقضي على مفهوم المال العام كونه مجهول المالك الى مفهوم ان المال ملك الجميع ولايجوز التفريط به!.

الثالث يركز على مفهوم الشورى وينمي مفهوم اهل الخبرة والدراية… أي أصحاب الاختصاص في ادارة امور الناس والدولة (استخدام الخبراء) .

الرابع (المؤسسات)

وهو يضمن نجاح كل النقاط الثلاث الأولى لانه يتابع انجازاتها ويحافظ عليها من هواة السلطة والانتهازيين والسراق بكل اشكالهم..

المؤسسات في الدولة ليست فقط مرجعية الدولة والناس في كافة الامور، بل هي مراكز التطوير والتأهيل للاجيال اللاحقة (colleges)  وتكون صمام الأمان لاستمرارية الدولة في الاجيال اللاحقة… باختصار ضمان مستقبل الامة، لان دورها مراقبة المجتمع والسلطة على حد سواء!!.

المؤسسات هي عبارة عن فروع وروافد للسلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية. كذلك هي مؤسسات لبناء الاحزاب السياسية وتمكينها من تبني المشاريع السياسية لادارة البلاد وشؤون العباد..

هناك نوع اخر من المؤسسات الرقابية وهو الضمير الانساني ومن مجموعة يتكون ضمير الامة ومنه تبرز الصحافة والاعلام (السلطة الرابعة)  لتعبر عما يدور في ضمير الامة (ضمير الامة هو المستودع الثقافي والسلوكي للامة) وهو ما يسمى اليوم بالرأي العام.. وما له من اثر على نشاط الاحزاب السياسية وبه يمكن فحص سلوك الاحزاب في اي فترة على شكل الاستفتاء العام او الخاص .

اذن أين مكان الدين..وهل نحن بحاجة اليه؟ الجواب نعم .الدين هو أساس ضمير الامة، بوصلة التمييز بين الحق والباطل، الطيب والخبيث…الخ. ودور رجال الدين والمؤسسات الدينية هو احياء وتنمية الضمير الانساني والمحافظة عليه.. وعندما يتربى الناس على هذه المفاهيم وتدخل في سلوكهم اليومي..  يطمأن الناس الى عملية الانتخابات وما تفرزه الاصوات، لانها تكون الواسطة العملية لاختيار الاصلح. كذلك يكون هناك معنى للاحزاب السياسية اذ انها قنوات للتعبير عن إرادة الناس (عندما  يكون مفهوم الحزب هو مفهوم خدمي يعنى بادارة شؤون الناس ومصالحهم) وليس اداة لتركيز الطائفية واثارة الفتنة والكراهية وحب الانتقام والاجتثاث.. والسيطرة على موارد الدولة والاستحواذ عليها…..الخ. عندها تترسخ الثقة بالاحزاب ويطمأن الناس اليها… حينئذ يكون تطبيق مبدأ العصا لمن عصى أمر يسعد به كل الناس (المواطنون)… وتكون الحكومة من الناس والى الناس ولخدمة الناس.

بقي سؤال مهم وهو: من أين جاءت الدكتاتورية اذ انها صفة مذمومة ولا تتوافق مع فطرة الانسان. اما الديمقراطية فهي صفة حميدة تتوافق مع الفطرة.

التاريخ يقول ان الديمقراطية بحاجة الى جهد دؤوب للحصول عليها والمحافظة عليها  كما حدث لاول مرة في التاريخ الحديث في مسألة الـ(magna carta) في انكلترا.

وحسب ظني ان الدكتاتورية ليست مجرد استخفاف بعقول الناس ولكنها من وحي النفس الامارة بالسوء وربما وسوسة من الشيطان او بتعبير ادق هي تحايل على إنسانية الإنسان وابتزاز لموارده والقضاء على ارادته كما بينت في بداية الحديث. ولربما يصح القول ان الدكتاتورية تمركزت وتركزت في العالم الشرقي اكثر مما هو في العالم الغربي بفضل إعتناق المغول للإسلام وتحويله الى أداة  للسيطرة على الناس وأمتد هذا السلوك ليشمل الشرق كله من دول إسلاميوة واشتراكية وشيوعية على إمتداد الامبرطورية المغولية!.

للاسف لم يتسنى لدول الشرق التخلص من هذا السلوك بعكس الغرب الذي تمكن من تحرير عقول الناس من سلطة الكنيسة الدكتاتورية على يد الراحل مارتن لوثر .

النتيجة…. في الوقت الحاضر لا تنجح الديقراطية في مجتمعاتنا الا بعد فترة التدريب والتأهيل حتى نمارسها تدريجيا وتتحول فينا الى سلوك يومي.. يبدأ من الاسرة الى أعلى سلطة في الدول!!.

اذن الديمقراطية (كما هي الدكتاتورية) ليست سلعة تباع في الاسواق او هبة الهية…  او حقنة دواء من طبيب او صيدلية، انما هي سلوك يعبر عن ثقافة المجتمع باكمله وجهده نحو حياة افضل  ونحو العدالة الإنسانية.

وأخيرا لابد من وقفة وإشارة سريعة الى نوع اخر من الديمقراطية وحرية الإختيار الا وهي ديمقراطية الضمائر الحية والتي مرجعيتها وحكمها الله تعالى، تحفظها سلامة الفطرة والاخلاص في طاعة الله… مؤسساتها هي  النفوس الزكية التي تردع أصحابها عن كل رذيلة او وسوسة.. انها سلامة الروح ونقاءها من كل الشوائب. فطوبى لاصحابها لما اختاروا..  وما اختاروا  الا رضوان الله سبحانه بغية الفوز بلقائه والقرب منه.. عندها يكون المغزى واضح من قوله تعالى ﴿لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون﴾.

توجيه من الباري ان كل شئ خلقه بانتظام ونظام .. فلا عبث هناك  ولا فشل وكل له دوره المناسب الذي انيط به.. فتأمل!!

سبحان المدبر الحكيم.

اذا لاخير في احزاب خالية من المشروع  ولا خير في تشريع من دون تنفيذ ولا خير في  تنفيذ من دون قضاء ولا خير في قضاء من دون ضمير ولا خير في دين من دون احياء الضمير الانساني  ….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى