النببي محمد (ص).. رحمة للعالمين
الامام جعفر الصادق (ع) وفقه التعايش السلمي
برنامج مؤسسة الابرار الاسلامية ليوم الخميس 19 سبتمبر 2024 بمناسبة ذكرى ولادة النبي محمد (ص) وحفيده الامام جعفر الصادق (ع)
الضيوف: سماحة الشيخ الدكتور حسين شحاده وسماحة السيد مضر الحلو وقصيدة شعرية للدكتور سعيد الشهابي
مقدمة سماحة الشيخ حسن التريكي
ولادة النبي كانت في 17 من ربيع الأول، وهناك رأي آخر لدى المسلمين السنة ان الولادة كانت في الثاني عشر، فتم اعتبار الاسبوع بين الذكريين أسبوعا للوحدة الإسلامية.
سماحة الشيخ الدكتور حسين شحادة، رجل دين وعالم ومفكر ولد في لبنان ودرس فيها وفي النجف الأشرف حتى مراحل البحث الخارج. وساهم في تأسيس رابطة اهل البيت مع سماحة الشهيد السيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم واسس منتدى المعارج لحوار الأديان في بيروت.
كتبه:
اجتماعيات الدين والتدين
نظرة إسلامية للتربية
ملخص كلمة سماحة الشيخ الدكتور حسين شحاده
يسعدني ويشرفني ان اكون معكم احتفالا بمولد النبي محمد (ص)، نبي الرحمة.
البعثة النبوية اضاءت الأرض وقد كانت عند منعطف ظلامي وكارثي. كانت الارض بين مصيرين: اما ان تلقى العذاب الذي لقيته الأمم السابقة، او تفتح صفحة جديدة وميلادا جديدا بمولد نبي الرحمة، محمد صلى الله عليه واله وسلم.
كان اللطف الإلهي رفيقا بهذا الكوكب، فاصطفى نبينا ليكون شاهدا على إنقاذ الارض واخراج الناس من الظلمات إلى النور.
العنوان الأبرز للرسالة السماوية هو عنوان الرحمة: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.
كيف نفهم الآية المباركة؟
في الوضع المعاصر للمسلمين وتحولات العالم من جهة ثانية
الرحمة وهي النقيض المضاد لقسوة القلوب وغلظة الأكباد
الرحمة في معترك الفلسفات والنظم والأفكار وهي النقيض المقاوم لمشاريع الاستعباد والاستبداد.
الرحمة كذلك في المنظومة الأخلاقية هي أصل الأخلاق وأساسها وهي النقيض المباشر لنزعات الظلم والتعسف والجور والتطرف والإجحاف. هذه مقاربة اولية لمصطلح الرحمة.
في معاجم اللغة تقول ان الرحمة هي اللين والرفق والعطف والنعمة والمطر. الرحمة بحسب اللغة لا تقتصر على البشر، فهي تتسع لتشمل الرحمة بالطبيعة وبكل كائن حي. اما في القرآن الكريم فإن الرحمة هي القرآن ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة﴾.
والآيات البينات في كتاب الله الكريم تشير الى الرحمة من خلال فضائلها في الترحم ومن خلال خزائنها في التوحيد والولاية والإخاء، وتشير الآيات الى التراحم في ضوء مشروع تنقية الذاكرة وتطهير الفضاء الداخلي للإنسان، أي تطهير النفس.
الله هو ذوة الرحمة: ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم﴾.
القرآن يطرح الرحمة كاسلوب حياة وطريقة عيش بين الناس وقيم لضبط العلاقات الإنسانية، والرحمة هي صبغة الله، وبدونها لا يمكن لخطابنا الإسلامي ان يتقدم خطوة واحدة وبدونها لا يمكن لرسالتنا السماوية السمحة ان تدخل القلوب والعقول ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.
هذه المقدمة تقودنا الى ان نضيء جانبا من جوانب الآية الكريمة ﴿وما أرسلناك الا رحمة للعالمين﴾. اي وما ارسلناك الا من اجل ان يكون الإسلام مشروعا لبناء الحضارة الانسانية وبناء الانسان الكامل. وما ارسلناك أي من اجل ان يكون الإسلام مشروعا لبناء الحياة الإنسانية على قيم الحرية والكرامة والانتصار لحقوق الانسان، ومن اجل ان يكون الاسلام الرحيم صورة ومرآة كونية بسعة رحمة الله سبحانه وتعالى، هذه الرحمة الكاشفة عن اصل الوجود التي ربطت وشائج القربى بين الأرض والسماء من جهة والتي عقدت الميثاق بين كل النبيين والرسالات توكيدا على ان الدين من اجل الانسان.
لكي نفهم فلسفة الرحمة بمصطلحها القرآني علينا ان نفهم ان الدين من اجل الانسان الكامل الذي اراده الله ان يتخلق بأخلاق أسمائه الحسنى.
كان رسول الله (ص) أسوة وقدوة وعقلا وقلبا نابضا بالرحمة. فماذا جرى امام ينابيع هذه الرحمة؟ وامام قيمها؟ حتى خسر المسلمون النموذج المثال في وعيهم للاقتداء بنبيهم محمد صلى الله عليه واله وسلم. كيف أبعد النبي (ص) القدوة والاسوة عن حياة المسلمين.
هناك مشهديات تظهر انها خطفت الاسلام وحرمته من قدسية الرحمة:
لم ندخل إلى مدينة محمد من الباب. ولم ندخل إلى مدينته كأمة، بل دخلنا الى المدينة كمذاهب وطوائف، فاختلفنا وكسرنا عقد الثقلين وانتجت خلافاتنا تراثا من التفسير والفقه والحديث لا يسعى لاثبات جوهرة الاسلام، بل يسعى لاثبات النزعات الطائفية والمذهبية.
عندما اردنا ان نبحث عن الحل طرحت نظريتان: الأولى إسلام بلا مذاهب في القرن الماضي، والثانية: إسلام ما قبل المذاهب.
الامام الخميني كان مهموما بسؤال الوحدة والاختلاف والعقبات التي وضعت في طريق الرحمة المهداة.
تخيلوا وانتم تنظرون الى واقع ملياري مسلم وعشرات من الدول والانظمة الاسلامية حتى ندرك حجم الكارثة التي وصل اليها المسلمون.
اكاد اقول ان جاهلية ما بعد الإسلام افظع من جاهلية ما قبل الأسلام، لاننا لم ننتبه بعد الى قوله تعالى: ﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾.
زرعوا في عقولنا الفتن وفي انظمتنا الاستبداد والاستكبار
فوقعنا كما هي حال الامة وهي تعيش حالة البؤس والانحطاط والهزيمة، لكن الهزيمة لم تكن هزيمة للاسلام بل للانظمة المتواطئة مع اعدائه واعداء شعوبها.
عندما انتشر الفيلم المسيء لمحمد والرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لجمال نبينا محمد (ص) قلت لبعض الإعلاميين، يؤسفني ان اقول ان بداخل كل مسلم تخلى عن صدقية إسلامه، او يعيش الازدواجية في سلوكه المنافق، هناك فيلم مسيء للرسول (ص).
وما ارسلناك الا رحمة للعالمين، رفعنا الستار عن المشهد المؤلم الذي فجع قلوبنا. كل أمة مسلمة مفجوعة بما يجري لاهلنا في فلسطين وبماجرى بالامس في لبنان. نحن مفجوعون لا على مستوى خرائطنا السياسية فحسب، ولا على مستوى هذا التكاثر الاسلامي الذي بلغ مليارين، والذي لم ينتبه الى مفتاح الخطر الذي يهدد الرحمة.
لا بد ان نكشف شيئا عن الخطر الذي يهدد رسالة الرحمة التي اعطانا القرآن مفاتيح الدفاع عنها قائلا: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾. هذه القوة ليست للسيطرة على العالم وليست اداة من ادوات الاستعباد والاستبداد، انما هي لان العالم ينقسم الى مشروعين: مشروع صهينة العالم، ومشروع روحنة العالم بالاسلام والرحمة. مشروع صهينة العالم المنتج للفتن والحروب والفتن في مقابل مشروع الاسلامي الداعي للرحمة.
نحن امام جبهتين حتى يرث الله الارض ومن عليها
السؤال: من أين نبدأ؟ ﴿ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم﴾. تقول الآية ان علينا ان نبدأ من الانسان فردا ومجتمعا. انسان الخير والتقوى والحق والاستقامة.
في احد المؤتمرات قال احد المسيحيين: الخص كلمة المسيحية بانها المحبة، وقال عالم مسلم: الخص الاسلام بكلمة الرحمة، وقلت: إذا اردنا تلخيص الديانات السماوية بكلمة، فعلينا ان نستخدم كلمة الاستقامة وهي خطابنا اليوم: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾.
علينا مقاومة الوثنيات
ومن الاخلاق نبدأ مقاومة الانحطاط
ومن الحرية لمقاومة الاستبداد
ومن الحق لمقاومة الباطل
ومن الخير لمقاومة الشر
عندما كنا صغارا، وكان الخطيب الحسيني يفتتح مجلسه مناديا الحسين (ع): السلام عليك يا رحمة الله الواسعة، السلام عليكم يا باب نجاة الامة. من الحسين نبدأ: اللهم بحق الحسين وجده وأبيه وامه وأخيه والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه صل على محمد وآل محمد وارحمنا، وتب علينا، واختم لنا بالغفران يا ولي الاحسان
اللهم اغفر النا الذنوب التي تهتك العصم
اللهم ا غفر لنا الذنوب التي تغير النعم
اللم اغفر لنا الذنوب التي تنزل البلاء
نحن ابناء مدرسة لو زلزلت الارض ما لامس قلبها شيء من الشك او الارتياب
انكم بعون الله وتحت رحمة الله
ملخص كلمة سماحة السيد مضر الحلو
الامام جعفر الصادق عليه السلام لم يكن منشغلا عن الناس بالدراسة والفقه، بل كانت لديه رؤية حول موضوع التعايش والتعامل مع الديانات والمعتقدات الأخرى سواء داخل البيت الاسلامي ام مع الاديان الاخرى.
امتاز عصر الصادق بتعدد الفرق ونشوء فرق وتناحر فرق.
كان هناك المعتزلة والمرجئة والخوارج بالاضافة لطوائف المسلمين الاخرى. كان المجتمع فيه اقليات مسيحية ويهودية ومجوسية. كانت لديه رؤية للتعامل مع هذه الاطياف.
حركة اهل البيت (ع) لم تخرج عن نطاق القرآن الكريم. الشواهد التي استشهد بها الصادق في مسألة التعايش:
الاول: لا إكراه في الدين.
اعتبرها الامام تؤسس لمسألة الحرية الدينية، وان الانسان اختار الدين بحرّيّته.
من القصص: جاء احد تلاميذه وقال: اريد ان ادعو جاري المسيحي للاسلام. علق الامام بقوله: لا تكره أحدا على الدين، بل ادعه بالحكمة والموعظة الحسنة.
هذا المحور له علاقة صميمية بواقعنا المعاصر، فأين نحن من الامام الصادق عليه السلام.
من يدّعي انه تابع للامام عليه ان يقتدي بذلك. لا يؤمن بفرض العقائد على الآخرين.
الثاني: ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾. كان للإمام مناظرات كثيرة.
الثالث: إنما المؤمنون إخوة.
كان يتعامل مع المسلمين من هذا المنطق ولا يجوز لاحد ان يهين الآخر، لكي يعزز مبدأ الأخوة والتعايش.
الظروف الدينية والسياسية التي عاشها الامام الصادق عليه السلام، التي أسس فيها اوضح رؤية الإسلام خصوصا انها تنطلق من مفاهيم القرآن وسنة النبي محمد (ص).
هناك كلمات للإمام الصادق عليه السلام عبارة عن مانشيتات تلقي ضوء على مشروعه كقوله: “عليكم بحسن الصحبة مع الناس فإنها شيمة أهل البيت من يتفق معكم او يختلف معكم”.
من يريد ان ينتسب لاهل البيت عليه ان يتخذ ذلك منارا له.
تروي مصادر الحديث عن شخص من رواة الصادق اسمه زيد الشحام، كان رجل ثقة والرواية صحيحة. في احد الأيام خاطب الامام (ع) زيد الشحام قال له: يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فانكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه انكم اذا فعلتم ذلك فسيقولون: انهم اصحاب جعفر. إذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه”.
كيف تعامل الامام الصادق (ع) مع اتباع الديانات الاخرى.
المسألة العقائدية اكثر ما يؤثر على مشاعر الناس. يمكن ان يتفق الناس اذا كانت مصالحهم مختلفة، ولكن الحروب التي تصطبغ بالصبغة الدينية تكون شرسة. للامام (ع) نظرة لطريقة التعامل مع الآخر: تارة يكون من المسلمين، خصوصا انه عاش في حقبة تعج بالسجال الفكري، وكانت هناك مساحة من الحرية نتيجة ضعف الدولة الاموية التي بدأت تتلاشى، وبداية قيام الدولة العباسية، فكانت هناك حرية لطرح المعتقدات. الامام الصادق (ع) واجه هذه المعتقدات باسلوب بلور فيه نظرة الإسلام لمسألة الاختلاف.
عرف عن الامام الصادق عليه السلام قدرته الهائلة على اجادة فن الحوار مع الآخرين. كان يستضيف كبار ائمة تلك المعتقدات ومفكريها ويدعوهم للمناظرة والحوار. بعض المؤشرات لذلك: حواراته مع ابي حنيفة، فكان يسأله عن رأيه في القياس. هل يمكن ان ياتي ابو حنيفة للامام الصادق (ع) ويجلس معه لو لم يكن يعرف مسبقا ان هذا الرجل يحترم الآخر. مالك بن انس امام المذهب المالكي يعبر عن انطباعه بعد اجتماعه معه. ما عرف عن الامام الصادق (ع) انه انجر إلى تكفير اصحاب عقيدة معينة، او امر ان يتعامل معهم بقسوة.
اما التعايش مع غير المسلمين فكان الامام (ع) يؤكد احترام حقوق أهل الذمة الذين كانوا يعيشون مع المسلمين، حتى ورد في احدى الروايات ان احد تلاميذه رأى مسيحيا كبيرا يطلب من الناس، فنقل ذلك للإمام (ع)، فاجاب الإمام (ع): انفقوا عليه من بيت المال فانه من اهل ذمتنا. كان حريصا على ضمان حقوق الأقليات.
شاهد آخر: يروى في سيرته ان نبطيا كان يداوم على حضور مجلس الامام الصادق (ع) لانه كان يحظى باحترام وليس باحتقار او ازدراء. افتقده الامام (ع) يوما فسأل عنه: ما لي لا أراه؟ فانبرى شخص وقال: أنه نبطي. فقال الامام (ع): أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه والناس في آدم متساوون.
ذهب الامام (ع) الى ابعد من ذلك، فيقيم حوارات مع الملاحدة او الزنادقة. رأس الزنادقة في المدينة كان لهم نشاط واسمه ابن أبي العوجاء. دخل هذا الرجل مسجد النبي (ص)، شخص من اصحاب الامام اسمه المفضل بن عمر التقى ابن ابي العوجاء وغضب عليه، ومن جملة ما قال له: يا عدو الله ألحدت في دين الله وأنكرت الباري جل قدسه. قال ابن ابي العوجاء: أن كنت من اهل الكلام كلمناك، فإن ثبتت لك الحجة اتبعناك، وان لم تكن منهم فلا كلام لك معنا. وان كنت من اصحاب جعفر بن محمد الصادق فما كان هكذا يخاطبنا، ولا بدليلك يجادلنا، وقد سمع من كلامنا اكثر مما سمعت، كنا نبسط الكلام في حضرته فما افحش في خطابنا مع اننا نتكلم في كل شيء معه، ولا تعدى في جوابنا وانه الحليم الرزين، العاقل الرصين لا يعتريه خرف ولا طيش ولا نزق، يسمع كلامنا ويصغي الينا ويستعرف حجتنا، حتى اذا استفرغنا ما عندنا وظننا انا قد قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير وخطاب قصير يلزمنا به الحجة، ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه ردا، فان كنت من اصحابه، فخاطبنا بمثل خطابه.
نستفيد من ذلك معطيات كثيرة:
ان الامام لم يواجه من يختلف معه بالقسوة والسباب بل كان يحاورهم بهدوء.
كان يحترم من يحاوره ولم يسع لتسقيطه، ولم يشخصن الحوار.