
الدعاء: موقعه في التشريع ودوره في الحياة
الدعاء: موقعه في التشريع ودوره في الحياة
الخميس 15 مايو 2025
الاستاذ أبوذر الصغير
الدعاء أبسط الطرق للوصول إلى الله، فليس هناك شرط لطلب الحاجة من الله، وليس هناك تحديد في الزمان او المكان، قياما او جلوسا، لان ابواب السماوات مفتوحة لك، فانت تستطيع أيها الانسان ان تتصل بالمخفي وهو الله سبحانه وتعالى،
فهو لا يدلل على نفسه بمخفي آخر.
تقرّب المسألة بالعلاقة الفردية بينك وبين الله، فأنت عبد لرب يسر لك الامور كلها، فتوجه الى الله. لحظات الدعاء هي لحظات تجلي روحي اذا أديتها بشكل صحيح. فالانسان اذا انفصل عن عالم المادة والتزاحم اليومي يتجه الى الله فتصبح كالجوهرة في النفس، وهذا يؤدي الى تذليل المصاعب حتى لوكانت صعبة تربك حياتك اليومية، فقد سلمت امرك الى الله.
الدعاء قد يكون اخطر من حالة الصوم والصلاة والحج، فهي عبارات مفروضة، ومحاسب اذا تركتها، اما الدعاء فلست محاسبا على تركه.
اريد ان اتطرق للجوانب الروحية والفلسفية في جوانب الدعاء، ربما تريد ان تفلسف قضية ما.
الف حاج ذهبوا الى مكة وهم يعرفون شخصا مريضا يحتاج للدعاء، ألف حاج يدعو له ولكن ليس لهم وزن عند الله. كان بامكانهم ان يساعدوه قبل استفحال المرض فيه.
يجب ان تخلص النية في الدعاء وكذلك في الفعل كذلك، فاذا بلغت مرحلة تدعو فيها الى الله، هذه حالة الدعاء، حين ترنو الى الله في الليل وتطلب منه ليس ان يشافيك او يرزقك، بل ان يهييء لك محتاجا فتقضي حاجته.
أن تدعو الله حينما تريد ان تصل بالقيمة الموضوعية للدعاء، ان تطلب من الله وانت في كامل الفرح والزهو. ان يقيض لك محتاجا فقتضي حاجته. اذا وصلت هذه الحالة فتصل الى حالة من مراحل النبوات بالمعنى الصوفي، لانك تمارس هذه العادة مع اولادك. هل نصرف على اولادنا وبيتنا بتمنن؟ أم بلذّة؟ عليك ان تخرج من دائرة البيت الى دائرة المحتاجين.
مبدأ الحاجة، ترى الجائع فتعطيه الاكل. كيف لا يرق قلبك لإنسان محتاج؟ اذا وصلت مرحلة ان تطلب من الله ان يهييء لك محتاجا لتقضي حاجته، تعرف حينئذ ان الدعاء عملية اتصال بالله واصبحت الواصل لذلك، فالمحتاج رفع يده الى السماء وقال: رب اليك المشتكى، فقد عجزت تماما عن توفير حاجتي. هنا يأتي العطف الإلهي على من يملك المبلغ ويستيطع مساعدة ذلك الرجل. حين تعطي المحتاج، حين يتجلى الله لك، تشعر ان هذا المحتاج هو المتفضل عليك. اذا شعرت بانك تمن عليه خرجت من دائرة الله، لانك تشعر انك تملك الشيء وتعطيه، بينما يقول الله ﴿وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾.
فالله جعلك احد مصاديق دعائه، فلا تبخل بذلك، بل حافظ عليه. يأتيك شخص ويصف لك حاله فتصل الى مراحل تستنفذ فيه رصيدك الأخلاقي لكي تساعد الآخرين. ليس عندي مال ولكن املك صديقا لديه المال، فإذن أملك حل حاجة المحتاج، والا يحل علينا العذاب من حيث لا ندري. البعض يقول: ان الفلوس ليس فيها بركة. هارون وقارون ملكوا الدنيا والذهب.
المال انما هو دورة مائية، وانت بالذات تصف نفسك أنك انسان متقي وورع. الورع والتقى حينما تخشى ان تؤذي عبدا من عباد الله. تسمع في الحرم المكي: عليك باليهود والرافضة. هل جئت لتهلك العالم؟ الفكر شيء والعمل شيء آخر.
نجيب الكيلاني كتب كتابا “فطير الصهيون”، شخصية معروفة يدعو الناس الى المطعم، فتدفع مالا كبيرا، يذهب ريعه للمحتاجين. أنت تسعى لتعبيد طريقك الى الجنة بقتل الناس، لا تجعل ديدنك طريقا الى الكره. حينما تدعو للآخر، وتمسي وتقول: رب هييء لي من هو محتاج. هذا يعادل الحج والصيام والعبادة لانك اصبحت في دائرة الله من حيث لا تدري.
يقول الحديث: من نعم الله عليكم حاجة الناس إليكم. انها عملية تدافع.
هناك مظاهر نستغرب منها. شخص تعرفه وهو رجل بسيط، فاذا به يثرى بشكل فاحش، فكما انك نمّيت في نفسك حب الفقير وانك في هذا العالم جزء من النشاط الالهي والفطرة الإلهية والكونية، انت تخدم الآخر فأنت جزء من منظومة الله في هذا الكون. يقول الامام علي عليه السلام: يا دنيا غرّي غيري.
المسألة التغييرية ليست صعبا على الانسان. منذ ان ولدت حتى اليوم لم تشعر بالجوع او العطش يوما ولم تحتج للعيش في الشارع. انك تجمع اموالا ستصبح مجموعة اصفار في البنوك. ما الفائدة؟
يقول الامام علي عليه السلام: يعيشون عيشة الفقراء ويحاسبون حساب الاغنياء. انك بدعائك لست تتوصل وتتضرع فحسب، بل ان لديك نظرة بعتب نحو الله.
دخل أعرابي مكة ووجد شخصا يتعاتب مع ابيه. الله خالق الكون هل تحاسبه انت؟ قصة الشخص الذي ذهب الى مكة وقال شعرا يعاتب فيه الله. لا تخف من بعض العبارات التي تستعصي عليك احيانا. هذا الانسان اصبح غنيا بعد ما كان فقيرا فسألوه كيف حدث ذلك فقال “خدعت كريما فانخدع”.
حين يعطي الإنسان، يعتقد أن ما لديه سينضب. تريد ان تنافس الله في كرمه. الله في عليائه لا يسمح لأحد بان يكون أكرم منه. الحسنة لها عشر امثالها، والله يضاعف لمن يشاء. نقول ان الفقير حيبب الله، فاذا حللت له مشكلة، فعطاؤك لم يذهب سدى. يأتي العبد الى الله فيجد اعمالا كبيرة منسوبة اليه، فيستغرب. انك عبدتني في الدنيا فأخرت ثوابها عنك، والآن اثيبك. اترك السجادة مفروشة في احدى زوايا بيتك، وصل بها وادع الله منها. عملك لا يذهب سدى، والوصول الى الله بسيط. اسهل الطريق الى الله أن تمسح دمعة طفل، او تذهب غم شخص مغموم.
اريد عمل الخير ينتشر علنا وليس بالسر، تنفق علنا، ولكن لا تفضح. تستطيع ان تضمن مردود العطاء من الله. هذه العطاءات قمت بها بصدق وأمانة، فهنا يتجلى العطاء الالهي والتجلي الروحي، فحين يحدث عندك تنازع بين عملية الأخذ والعطاء، تجد ان الانسان يتلذذ بالعطاء ولا يتلذذ بالاستلام، فهو يعرف حاجة الآخرين ويسعى لمساعدتهم. الله يحفظك من طامّة كبرى حين تنقذ عائلة من وضع صعب، فكفأتك بان ترفع عينها الى الله وتدعو لك.
انظر الى المعاني الصوفية والأخلاقية: حين تعطي شخصا وهو جالس في بيته، فانت الرابح، فقد شاركت الله الذي جعلك واسطة في الأرض، وانت تقوم بعمل جبار أمام قدراتك، لانك تظهر جهدك برضاك. اذن الدعاء ليست لقلقة باللسان، بل عملية فعل. يقال: دعاء المظلوم مستجاب.
هناك اسباب ودواع لرفض الدعاء او الاستجابة له. الدعاء هو الملاذ الأخير في عملية الصلة بالله، بعد ان تؤدي طقوس الدنيا اليومية، لكن حينما تتعرض لمشكلة اممية، هنا يبدأ دورك، والعمل للأمة ومعها بمساندة الدعاء.