الصراع على الهوية الثقافية للعراق

الدكتور عباس البياتي

كلمة ألقيت في مؤسسة الابرار الاسلامية بتاريخ 12 سبتمبر 2024

(الصراع على الهوية الثقافية للعراق)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على النبي الكريم، واله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ايها الاخوة الافاضل:

أجد من السعادة ان اتواجد بينكم، وان اتحدث اليكم حول موضوع مهم وحساس على الصعيد الفكري والسياسي، فضلا عن الممارسات والتوجهات والخطط والمشاريع التي تحاول ان تكرس نمطية معية وقولبة الهوية، وهو الصراع على الهوية الثقافية في العراق، والذي هو في الواقع صراع وجود لان الانسان موجود عبر هويته المتعددة الابعاد والتجليات، وأن الهوية الثقافية او الهويات الحضارية والدينية والعقيدية والأيديولوجية كلها تعابير قد تبدو شتى، ولكن يبقى المحتوى واحد، فمحور الهوية الثقافية والقيمية هو العقيدة والدين في مجتمعاتنا الإسلامية، وفي العراق، إذ تتدخل الاحكام الشرعية في صياغة المحتوى الداخلي للإنسان ناهيك عن توجيه سلوكه وحركته الصغيرة والكبيرة، ففي الرواية الواردة عن النبي الاكرم – صلى الله عليه واله وسلم- قال: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)،

فإن قوة حضور العامل الديني في البلدان الإسلامية وتدخله في بناء منظومة قيمه الاجتماعية والأخلاقية ونظرته الى الانسان والمجتمع والحياة، والتأثير على عاداته وتقاليده وشؤونه العامة والخاصة الفردية والمجتمعية تؤكد ان العامل الديني والعقيدي هو الأساس والمنطلق لهذه الهوية، فان الدين الذي يعلم افراده كيف يدخلون الى الحمام بتقديم اليسرى والخروج باليمنى ويتدخل في تفاصيل السلوك الإنساني، لا يمكن ازاحته عن بناء شخصية الانسان، او اعتباره رافد وبعدا الى جانب باقي الابعاد والأفكار والأيدولوجيات الأخرى التي  يتم حشرها لكي تكون مؤثرة في السلوكيات الاجتماعية والسياسية.

 فالهوية ليست لباس يتم استبداله بحسب الأوضاع السياسية، او باستخدام بالقوة، وانما هي صيرورة عبر التاريخ، وتعريف الذات على اساس ما يؤمن به الانسان ويسعى من اجل اظهاره، ويبرز في اعماله وممارساته وعواطفه.

ان البعض يرى أن المعاصرة والتقدم تكمن في بناء هويات ثقافية جديدة – بحيث لا يكون للدين دور فيها – عبر استيراد النظريات والقيم، كما يستورد الأجهزة المادية من الموبايل والتلفاز والسيارة وغيرها، وهذه مثل استنبات شجرة في غير تربتها والأجواء الملائمة لها فانها ستموت مهما بذلت لها من الماء والرعاية، فالقابلية على الاستيعاب والاحتضان تتطلب تفاعلا داخليا وعلاقة تفاعلية، وهي ليست صبغة وتلوين او ترديد مصطلحات او أفكارا من قبل نخبة او مجموعة معينة.

الاخوة الأعزاء:

ان الصراع على الهوية الثقافية هو في حقيقته محاولة فرض الهيمنة لنمط من الأفكار والنظريات والسلوكيات والقيم على المجتمعات، حتى تتساوق مع النمط الغربي، وليس من اجل التطوير او تقدم تلك المجتمعات، وانما  استخدام الهيمنة الثقافية طريقا للتحكم بالمصير والمستقبل بإفراغ الشعوب من محتواهم الداخلي او تهجين هذا المحتوى، بغية تأمين المصالح الاستراتيجية وإظهار التفوق الحضاري، وان الدين وحده هو الحاجز المنيع امام الاختراق والنفوذ الثقافي للأخر الى المجتمعات الإسلامية، إذ يمنع من تسرب الأفكار غير المنسجمة مع عقيدة الامة.

وان الصراع الدولي في واقعه هو صراع هويات او حضارات او ثقافات، وهو صراع مفتوح وتأخذ في كل مرحلة تاريخية عنوانا معينا طبقا للقوة الداعمة للأفكار والنظريات السائدة، وما توفرها مراكز هذه القوة من أدوات ووسائل وقدرات وامكانيات مختلفة تحاول من خلالها ان تفرض قيمها على العالم والشعوب والمجتمعات سواء عبر الاحتلال العسكري ام الدعاية والاعلام ام القوة الناعمة، أم تسويق نماذج معينة.

وقد ظهرت عدة اتجاهات فكرية ونظريات وضعية حاولت ان تنمط الهوية الثقافية للشعوب، وتتسلل الى واقع مجتمعاتنا المسلمة خلال القرن الماضي والحاضر، والتي كانت ابرزها، كالاتي:

1- الفاشية والعنصرية والقومية

2-الشيوعية والماركسية

3-الليبرالية والرسمالية

 فبعد الحرب الباردة وانهيار مركز اليسار والاشتراكية في موسكو ظهرت نظرية ” نهاية التاريخ” لـ ” فرانسيس فوكوياما”، إذ يرى أن العالم تسير من خلال تبنى مفاهيم المساوة والكرامة والديمقراطية نحو الليبرالية، لان الشعوب بالنتيجة ستجد في نهاية الطريق والتاريخ نفسه قد وصل الى العالم الحر والرأسمالي.

وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول التي استهدفت مجاميع القاعدة الارهابية الولايات المتحدة الامريكية، برزت نظرية جديدة تحت عنوان: ( صدام الحضارات) او (صراع الحضارات) لـ “صامويل هنتنغتون” ، فقد أثارت هذه الاطروحات الفكرية والسياسية الجديدة جدلا واسعا، إذ حاول ” فوكاياما وهنتنغتون” تقديم رؤية شاملة لمستقبل النظام الدولي، بناء على متبنيات النخبة الأميركية الذي ينتميان اليها؛  فالمحافظين مثَّله “صامويل هَنتيغتون”، والليبرالين مثَّله “فرانسيس فوكوياما”.

فكان تصوَّر فوكوياما شموليا لا يختلف كثيرا عن الشموليات الفكرية للاتجاهات الأخرى، عندما تصور أن النتيجة النهائية ستكون للسيطرة الليبرالية عبر التحرر الغربي والعولمة التي ستوحد المجتمعات البشرية، والتفوق التكنولوجي وتوسُّع التجارة الدولية، فضلا عن الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان، وان الاحداث العالمية بعد مدة وجيزة من سقوط الاتحاد السوفيتي كشفت ان نظرة ” نهاية التاريخ” عبارة عن أحلام وردية، وتعميمات غير واقعية، والاجتزاء من مسار التاريخ، والحكم على الوقائع بتصورات مسبقة.

وفي بداية التسعينيات، نشر “هنتنغتون” أطروحته حول مستقبل العالم متأثرا بتداعيات تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك واستهداف مبنى بنتاغون، منطلقا من أن العولمة ستولِّد الصراع وليس الوحدة كما يعتقد فوكوياما، وأن القوة الصلبة ضرورية لدعم القوة الناعمة، إذ تصوَّر وجود مناطق ثقافية عالمية، بدلا من دول عظمى باعتبارها مراكز القوة، وأن وجودها واندماجها المستمر مع العولمة سيخلق التنافر مع الهيمنة الغربية، إذ قال إن “قوى الاندماج والعولمة في العالم هي على وجه التحديد ما يُولِّد قوى مضادة للهيمنة الثقافية الغربية”.

ووفقا لنظرية ” هنتنغتون”، فإن التحديث والتغريب ليسا وجهان لحقيقة واحدة، فليس بالضرورة يقبل الأجانب القيم الغربية الى جانب السلع الغربية، وعليه فإن تقدُّم الديمقراطية لا يعزز القيم الأميركية او يجعلها قيما عالمية، بل ان الديمقراطية ستفتح المجال لهذه الثقافات المتنوِّعة المحلية عبر صناديق الاقتراع مثلما شاهدنا مع العديد من تجارب التحول الديمقراطي في دول العالم الثالث، وستساعد الحركات السياسية المضادة للغرب من السلطة في بلادها.

ايها السادة الافاضل:

إن العالم الإسلامي كان ضمن تصورات هاتين النظريتين الامريكيتين (نهاية التاريخ) و(صراع الحضارات)، كطرف منفعل ومستهدف بناء على عدم التوزان في معادلات القوة في العلاقات الدولية، فالصراع على الهوية الثقافية هو بين بين اتجاهين: الأول يريد ان يتمسك بهويته وثقافته، والثاني يريد ان يفرض على الشعوب الاسلامية هويته وقيمه ومنظومته الثقافية، وان المشكلة لدى الاخر هو الاعتقاد ان القوة والضغط كفيل بفرض هويته على الشعوب وتنميط حياتهم على وفق القيم والسلوك الغربي، ولا يعرف قوة الدين ودوره في حياة تلك الشعوب.

وان العراق قد تعرض في تاريخه المعاصر الى موجات من الرياح الأيديولوجية المختلفة، حاولت صياغة هويته على وفق قيمها وإدخال شعبه في إطار منظومتها الفكرية.  فقد تم استهدافه عبر عدة تيارات فكرية كانت تجتاح المنطقة الاسلامية بتأثير من مراكز البث العالمي اليساري او الليبرالي الرأسمالي او اليمني العنصري، او من بعض العواصم الإقليمية، والتي من اهمها:

            –  الماركسية الالحادية والاشتراكية.

            – النازية.

            – القومية البعثية او العروبية الناصرية.

وفي التصدي لهذه التيارات الغازية، كانت هناك مواقف تاريخية للمرجعية الدينية والعلماء والواعين لمسؤولياتهم الشرعية والحركة الإسلامية العراقية، إذ واجه العراق تيار الماركسية بفتوى المرجعية الدينية العليا للمرجع الأعلى السيد محسن الحكيم- رضوان اللع تعالى عليه- عندما سد الطريق امام امتداد هذه الثقافة الغريبة على ثقافة الشعب العراقي والصادمة لعقيدته والمستفزة لمشاعره الايمانية، عندما قال: “ان الشيوعية كفر والحاد..”، وهكذا تقهقر التيار الماركسي وفشل في اختراق الهوية الثقافية للعراقيين، التي بقيت عصية على الأفكار الالحادية والغريبة عن واقعه ومخالفة لعقيدته شعبه.

وحاولت النازية الهتلرية كسب مواقع اقدام لها في العراق في اثناء الحرب العالمية الثانية، وخصصت إذاعة خاصة تبث من برلين باللغة العربية وموجهة للعراق والمنطقة العربية، ولكنها لم تلبث بعد خسارة المانية- هتلر الحرب، وهكذا انكفأت وانتهت وبقية رغبات في نفوس البعض من النخب.

 وفي مواجهة البعثيين والقوميين الذين حاولوا إحلال القومية محل الدين ومزاحمته ومحاصرته في زوايا ضيقة من التأثير، عبر نفخ الاتجاه القومي بمحتوى من الأفكار الاشتراكية، فإن المرجع الشهيد الامام السيد محمد باقر الصدر- رضوان الله تعالى عليه- تصدى لهم، وإعلان معارضته لنهجهم المعادي للدين، من خلال نداءاته الثلاثة عام 1980، وأخيرا افتى بحرمة الانتماء الى حزب البعث.

وان الهوية الثقافية في العراق والمستمدة من الدين ستبقى رصينة وغير قابلة للاختراق او المسخ او التأثير عليها، للأسباب التالية:

1-         دور المرجعية الدينية العليا في العراق، وجود أقدم مركز للحوزة العلمية في النجف الاشرف.

2-         فيه ست من مراقد الائمة فضلا عن مراقد العلماء واقطاب الصوفية في العالم مما يمنح الهوية العراقية بعدا روحيا وايمانيا عميقا.

3-         إن العراق في نهاية التاريخ سيكون عاصمة الدولة العالمية المهدوية التي تكون هي الهوية العالمية الدينية الموحدة للبشرية على وجه الأرض.

4-         أن هناك مناسبات تجمع الملايين حولها وتحتفل بها كما نشاهد ذلك في زيارة اربعينية الامام الحسين -عليه السلام- في كربلاء، من حضور كبير، وهذا يكرس الهوية الثقافية أكثر فأكثر.

إن الحركة الثقافية في مواجهة الحركة المقابلة بطيئة وغير متوازنة، فالمطلوب هو التفنن في تعريف الذات للذات وتعزيز المناعة الثقافية وإيجاد شبكة حماية للهوية الثقافية من الاختراق، وأن

جائحة مثل ” كورونا ” جعل العالم اقرب الى الدين، ونسي كل ما كان يدعو له من نظريات وأفكار واصبح نظره متعلقا بالسماء، عندما انعزل الشعوب عن بعضها واصبح الجميع سجين البيت، ويعيش القلق من اقل الاعراض سواء كانت عبارة عن سقوط قطرات من الانف او الحرارة البسيطة في الجسم، وينتظر بخوف ورهبة متى يدق عليه ملك الموت الباب ويقول له تفضل، فقد انتهى حياتك في الدنيا، ولكن عوضا عن شكر الله على زوال تلك الجائحة، واذا بالرئيس الأمريكي الديمقراطي “جو بايدن”  يصرح بأن الولايات المتحدة الامريكية تفتخر بأنها امة المثلية.

  حماية الهوية الثقافية

–           ان للعلماء والحركات الإسلامية والجهاز المرجعي دور في تنمية الاعتزاز بالذات والحفاظ على الهوية الثقافية.

–           التغلب على عقدة النقص، والشعور بالدونية عند المقابلة مع الآخر، وإن لديهم أفضل مما لدينا، وان الآخر متقدم علينا، ونحن المتأخرون عنهم، فإن ذلك تعميم مخل، ولا يستقيم دائما.

–           إن المجتمع العراقي محافظ على تقاليده واعرافه باعتباره مجتمع تعلب العشائر فيها دورا فاعلا في حماية التراث، والدفاع عن القيم، ورفض التغريب، فالعشائر من البنى التحتية وركائز المجتمع العراقي التي تتحصن بهويتها. فالعشيرة والقبيلة جزء أساسي من بنيان وتركيبة مجتمعنا والحامل لقيمه والمحافظ على تراثه وعليه ان دور العشائر وتأثيرها بهذا الصدد امر في غاية الأهمية، فإلغاء العشائرية او التصدي لها من قبل البعض بحجة التحديث هو محاولة تفكيك الهوية والقوة الاجتماعية المؤثرة، فالعشائر في العراق حائط الصد العالي اما تيارات التغريب.

–           لا يكون نبذ الهويات بالرفض والانعزال فحسب، بل لا بد من العمل عبر مشاريع ثقافية على تعزيز القناعة بالذات، والغنى ما في اليد، فالتقدم المادي والتطور التكنلوجي شيء مهم، ولكن الجانب الروحي والانسجام الداخلي والاستقرار النفسي في الشخصية الإنسانية كذلك امر ضروري لاستقرار المجتمع وتوازن الانسان في حركته.

–           إن تحصين الاجيال والعائلة تتطلب حركة ثقافية مستمرة، وإنتاج الأفكار الداعمة للهوية، ومقارعة الاخر بالحوار المتكافئ.

–           ما مدى تمدد منظمات المجتمع المدني في العراق

–           قد تتأسس ويتم رعاية البعض من منظمات المجتمع المدني من اجل الترويج لبعض الأفكار المخالفة والمناهضة لقيم المجتمع او الاتجاه العام الإسلامي فيه واستهداف هويته، وهذا يقتضي أن تبرز منظمات معاكسة لها تتصدى لأطروحاتها بأطروحات إيجابية، فلا ينتشر الهدى الا من حيث انتشر الضلال،

–           يجب ضمن القوانين والتعليمات ان لا يتم منح إجازة للمنظمات المجتمع المهني وغيرها الا بالالتزام بهوية المجتمع واحترام عقيدته، استنادا الى الدستور العراقي الذي ينص في المادة (٢): اولاً: الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع: أ ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الإسلام. ب ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. ج ـ لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور

–           ان المجتمع المسلم في العراق تملك المناعة الثقافية والروحية والدينية، وهو يغذي ويقوي وينمي ثقافته باستمرار عبر مواسم رمضان ومحرم الحرام، وعلى مدى ثلاثة أشهر في السنة، وعليه مهما كانت قوة ودور الأفكار الوافدة أو دور منظمات المجتمع المدني المناوئة المتأثرة بالقيم الغريبة، فإنها لا تؤثر الا بنحو محدود، وفي نطاق ضيق.

–           إن لعلماء الدين والخطباء والحركات الإسلامية دور مهم في تدعيم الهوية الثقافية والتصدي لكل الاتجاهات التي تحاول ان تشوه الهوية الثقافية للعراقيين، ويجب ان يكون ذلك بلغة العصر واسلوبه المؤثر في المقابل والجاذب له، عبر مبادرات ومشاريع تفاعلية بين العالم الديني والشباب.

–           ان المناسبات الإسلامية والتأكيد عليها، تعد من أهم روافد ترسيخ الهوية والتعبير عنها لما فيها من دفق عاطفي وارتباط روحي وتذكير بالقيم، فالاختلاط والاتساع والشعور بالانتماء الممتد عبر التجمعات واللقاءات يجعل الانسان يعتز بهويته ويتمسك بها.

مساحات الاستهداف

إن التركيز في الصراع على الهوية الثقافية ابتداء يكون عبر استهداف جهتين، هما:

–           الأول: الشباب وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة

–             الثاني: المرأة عبر الموضة والانحيازات التي في ظاهرها الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة، ولكن في النتيجة تسهم في تفكيك الاسرة بإيجاد المزيد من الفوارق والاستقلالية التامة بين الرجل والمرأة.

معركة الهوية:

ان النقاش المتصاعد والخلاف المحتدم اليوم في العراق حول قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، هو في الحقيقة صراع على الهوية بين اتجاهين: الاتجاه الإسلامي والاتجاه العلماني، واستحضار الصراع التاريخي، ان المرجعية الدينية العليا كانت لها موقف معارض من قنون الأحوال الشخصية الذي تم تشريعه عام 1959، وكان هذا القانون هو نقطة الخلاف الرئيسة بين المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم- رضوان الله تعالى- وعبد الكريم قاسم، ثم كرر الامام الحكيم مطلب الغاء القانون مع عبد السلام عارف عام 1963، فقانون الأحوال الشخصية ليس مثل قانون المرور او المصارف او الإدارة والتي لا بد ان يكون موحدا، فالأحوال الشخصية جزء من الرسالة العملية – الفتوى الشرعية – الشخصية للمرجع، مثلما ان في العبادات هناك مبطلات الوضوء والصلاة كذلك في قسم المعاملات هناك مبطلات العقود ومنها الزواج والطلاق والارث والحاضنة للأطفال، فلا بد ان يحرص الانسان المؤمن والمكلف على ابرء ذمته من قسم الأحوال الشخصية كما يبرأ ذمته من احكام العبادات، وعليه لا تساهل ولا تراجع عن قانون الأحوال الشخصية التي كل الاثارات حوله هي من اجل التشويش ومحاولة تحريض الرأي العام على الحيلولة دون تشريعه، فليس في القانون زواج القصر ولا ما يشاع عن الأطفال او عن الحضانة، وانما هي محاولات يائسة من قبل المخالفين وهم من العلمانيين والشيوعيين للدفاع عن قانون قد شرع في مرحلة سطوتهم على الشارع العراقي، مع العلم ان القانون الجديد يوسع من دائرة الحرية ويتيح امام الانسان عدة خيارات وذلك بين اعتماده قانون الأحوال الشخصية الشرعية، وبين القانون الحالي.

 وأن الاعتراض على هذا القانون قد سبقه الاعتراض على قزانين اخرى ولكن مضت وشرعت بلا التفاف على أصوات الاحتجاج الخافتة، إذ تم تشريع قانون حظر الشذوذ والدعارة، وقانون التطبيع مع الكيان الغاصب، وعليه ان الاعتراضات على قانون الأحوال الشخصية هو صراع سياسي بالأساس تاريخيا وحاضرا، وفصل من فصول الصراع على الهوية الثقافية للشعب العراقي، ومحاولة فرض رأي معين وهوية خاصة على العراقيين، وكسر إرادة الاخر، فلا ينبغي تسطيح الموضوع وكأنه نقاش وحوار حول نصوص قانونية ومفردات فيها.

 

فديو الكلمة مع مجلس حسيني لسماحة السيد هاشم شبر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى