الفكر المهدوي: فكر تخدير ام تغيير؟

احتفال مؤسسة الابرار الاسلامية بمناسبة ذكرى ولادة الامام المهدي (عج) بتاريخ 22 فبراير 2024

المتحدث: الدكتور هشام الحسني

مقدمة:  هناك بضع نقاط من المفيد ذكرها:

١. أفضل استعمال كلمة الثقافة بدل الفكر، لأن الفكر يعني مجموع التصورات والمفاهيم بينما الثقافة تعني مجموعة المعارف والممارسات الاجتماعية والسلوكية في مختلف الميادين. ليشكل طريقة أو منهج حياة. إذن نتحدث اليوم عن الثقافة المهدوية، هل هي تخديرية أم تغييرية؟

٢. كل منا من ذكر أو أنثى من آمن بالله ورسوله واتبع علياً وأولاده المعصومين كقادة وأئمة فهو من جنود الإمام المهدي و أصحابه بالقوة والإمكان. ولا يكفي الادعاء أو الانتماء حبا أو نسبا (يقول الإمام الصادق عليه السلام ولايتي لعلي بن أبي طالب أحب إلي من ولادي منه). ولذا علينا تفعيل هذا الإمكان ليصبح واقعا فعالا. وما اجتماعُنا هذا إلا خطوة على هذا الطريق.

وإنما قلتُ كل منا ذكرا أو أنثى لأنه سيكون من أصحاب الإمام عليه السلام مجموعة من النساء ، فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام أن من أصحاب المهدي ع الـ٣١٣ خمسين امرأة. (وليس هذا مستغربا لاننا لا نتحدث عن قادة عسكريين او مقاتلين فقط بل قادة في كل ميادين الحياة.. السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والادبية  وغيرها. كما لا يبعد ان يكون كل القادة الـ313 حكاما لاقطار الارض ومنهم خمسون امرأة).

٣. نصرة الإمام والإعداد لها ليس خياراً للمؤمن الحق بل هو قدر مقدور وموقع محتوم وهو مسؤولية طبيعية. وحقيقةُ أن الأصحاب الخاصين الـ 313 مع بقية الجموع المؤمنة المناصرة للإمام المهدي تكون من بين ظهرانينا ناشئة من حقيقة التكامل في خط الدين وخط الإنسان.

أ: خط الدين من يوم تصدى آدم عليه السلام عليه السلام لحمل الأمانة، ثم بلغ الخط ذروته ببعثة خاتم الأنبياء (ص)، ويمتد حتى يبلغ الذروة القصوى بقيام الإمام المهدي عليه السلام حيث يظهره الله على الدين كله.

ب: خط الإنسان: تكامل الإنسان على خط الخلافة لله على أرضه حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، وعرج به إلى مقام فاق مقام جبرائيل، ثم يتواصل تكامل الإنسان المؤمن الموالي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وعنرته حتى يبلغ درجة أنصار المهدي الذين وصفهم الرسول الأعظم (ص) بأنهم إخوانه الذين يشتاق اليهم ووصفهم بصفات سامية عديدة، وقال فيهم الإمام الصادق عليه السلام: طوبى للصابرين في غيبته وطوبى للمقيمين على محبته.

٤. ما هي الثمرة العملية لمعرفة هذا الأمر أو لتذكره أو التفكير به؟ إنها تقييم مواقع أقدامنا ومدى تحملنا المسؤولية (كمثل من يعطى مقاما في دولة أو أمة أو شركة فإنه يجب أن يؤدي هذا المقام حقه لأنه أمانة وتكليف وليس مجرد وسام أو تشريف. وهكذا يندرج في هذا السياق اجتماعنا هذا واحتفاؤنا بصاحب الذكرى عليه السلام.

٥. من أراد البحث عن أسباب الغيبة وأسرار العمر الطويل للإمام المهدي وسواهما من المسائل فله أن يراجع “بحث في المهدي” للمرجع الشهيد محمد باقر الصدر الذي كتبه مقدمةً لموسوعة الإمام المهدي لتلميذه الشهيد الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر، ومن أراد التوسّع فلْيراجع الموسوعة.

 

والآن نتحدث عن الثقافة التخديرية:

من الطبيعي أن يرتاح الإنسان للتخدير حين يواجه آلاما شديدة أو صعوبات بالغة ولا يختلف الأمر كثيرا اذا واجه أزمة أو إمتحانات صعبة أو حين يمر بظرف يقتضي منه الكثير من الاستعداد والمرابطة. وإذا كان هذا الامتحان أو الظرف متعلقا بدين الإنسان فهنا يتدخل إبليس وجنوده من شياطين الجن والإنس ليحرفوه عن الصراط المستقيم وعن مسؤولياته أمام ربه ودينه. فقد مارس إبليس هذا الدور مع أبوينا آدم وحواء ليرتكبا المعصية الأولى (وإن كان ذلك دون قصد المعصية منهما). يقول عز وجل ﴿فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين. وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين﴾. فقد مارس إبليس التضليل والخداع مع آدم وزوجه، ولما رأى أنهما ترددا في الاستجابة سارع ليقسم لهما (كذبا) أنه من الناصحين، ولم يكن آدم وزوجه يتصوران أن هناك من يكذب او من يقسم كذبا. وكذلك يقول ربنا سبحانه عن إبليس: ﴿قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى﴾.

فقد ضرب إبليس (لعنه الله) على اوتار حب الملك والخلد في نفس آدم ثم خدعه بأن له من الناصحين. وهذه هي نفس الأوتار التي يتلاعب بها إبليس في نفوسنا أو نفوس غيرنا من أبناء آدم، فنتنازل عن المبادئ والقيم والمسؤوليات أولا ثم نستمرئ ذلك ونراه أمراً مقبولا، ثم إذا واصلنا التخلي عن الاستقامة نبدأ نشرعن للباطل ثم نرى المنكر معروفا والمعروف منكرا (كما أنبأ بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله). وهكذا فإن الثقافة المهدوية عرضة لاستهداف إبليس وجنوده لتتحول إلى أداة تخدير وانحراف عن نصرة الإمام المهدي ع.

فمن مصاديق وتطبيقات الثقافة التخديرية:

أولا: تناسي المبادئ والتخلي عن المسؤوليات ثم فقدان الإحساس بالمنكر وصولاً إلى ارتكاب المنكرات وانتهاءاً بالتنظير لقبولها والتبرير لممارستها واختلاق أسباب وذرائع ضبابية حتى إعطائها عناوين المصلحة العامة وما إلى ذلك.

ثانيا: تبني الحالة السلبية للإنتظار والاكتفاء بدعاء وطقوس وانطواء وانعزال ثم التركيز على نقاط الضعف والإنحسار في الفرد والأمة.

ثالثا: مواجهة وتسقيط (أو تشكيك) بالأعمال والنشاطات التي تحرك المؤمن والأمة باتجاه نصرة الإمام المهدي.

رابعا: قيام أفراد وجماعات بدوافع ذاتية أو خارجية بدعاوى باطلة للانتساب للإمام المهدي (عج) مثل: المهدوية، الحجتية، اليماني، ابن الإمام، أو ادعاء وجود اعلاقة خاصة به وما شاكل.

خامسا: الدعاوى للخضوع لحكام الكفر بذريعة الضرورة أن تملأ الأرض ظلما وجورا.

سادسا: الدعوة إلى فصل الدين عن السياسة والحكم.

سابعا: الدعوة إلى تعطيل العمل بالشريعة الغراء إذا قامت دولة مسلمة بهذا الأمر.

ثامنا: انتقاد مراجع التقليد حين يتصدون للشأن السياسي أو الإداري العام والانتقاص منهم.

تاسعا: و غير ذلك كثير.

الثقافة المهدوية التغييرية

حين نتحدث عن الثقافة المهدوية التغييرية فإننا نتعامل مع منهج ذي رؤية استقرائية صائبة لما كان ولما هو كائن، كما أنها إستشراف للمستقبل. وهي إذن تمتلك خطة استراتيجية ذات أبعاد فكرية واضحة وأصيلة. وهكذا فنحن نحتاج إلى مراجعة ثقافتنا المهدوية من أجل تقويمها وتعزيزها. كما نحتاج لتشخيص معوقات التغيير لمعالجتها. وبما أن الثقافة هي مزيج من أفكار وعواطف وأعمال تجتمع في ممارسات وسلوكيات في مختلف الميادين، فسنتحدث عن أهم المجالات و الصعد:

اولا: الصعيد العاطفي\النفسي\الوجداني:

 حالة الانتظار: عن النبي صلى الله عليه وآله:

“أفضل أعمال أمتي انتظار”. ومن تطبيقاتها:

١- الدعاء له ع: (الندبة، آل ياسين، العهد، الخ.)

٢- السلام عليه يوميا وفي مختلف الظروف.

٣- مناجاته مخاطبته وطلب مساعدته (أدركني).

٤- التصدق عنه.

٥- إهداء ثواب ختم القرآن والصلوات النافلة وأعمال نافلة أخرى.

٦- الاشتياق إليه والتعبير عن الشوق،(بنفسي أنت)، أرواحنا فداه..الخ.

ثانيا: الإعداد الفكري:

أ‌. وعي الذات + قضية الانسان + مسيرة الدين.

ب‌. محاولة معرفة قضية الإمام (عج) في القرآن، وفي الواقع السابق والحالي وفي المستقبل: ويشمل هذا العلامات القريبة للظهور: (اليماني، السفياني، الصيحة، قتل النفس الزكية، الخسف بالبيداء). و المتغيرات الكبرى في الواقع الانساني والقضايا المتعلقة بالانصار والاعداء.. الخ

ج‌. التعرف على (الطيبين من الطوائف والأديان الأخرى والمنظمات الإنسانية… الخ و محاولة كسبهم من خلال ما يعتقدون (المسيحيون، طائفة حراس المدينة/ناطوري كارتا، وغيرهم).

د. معرفة المواثيق التي تربطنا بالإمام (وبآبائهم الطاهرين (ع)) لاسيما ميثاق الطاعة وميثاق النصرة.

ها. معرفة سنن التغيير وسنن النصر (في القرآن وفي الواقع وفي كتابات المفكرين كالشهيد الصدر الذي يقول لا تتخيلوا أن النصر حق إلهي لكم بل هو حق طبيعي لكم بقدر ما توفرون من مستلزمات النصر. ويقول: الجماهير اقوى من الطغاة وقد تصبر ولكن لا تستلم.

و. الارتباط بالقرآن (عدل الامام والعترة/الثقل الاكبر) وفهم وحفظ الايات المرتبطة بشأن الإمام عج، مثلا ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر…﴾ الانبياء 105. ﴿وعد الله الذين امنوا وعملوا…﴾ النور 55. ﴿ونريد ان نمن على الذين استضعفوا…﴾ القصص 5 الخ وغير ذلك كثير.

ثالثا: الإعداد العملي للفرد وللجماعة.. تربية وتثقيف، والتقييم والتقويم ألمستمرَّين.

رابعا: الصبر واليقين ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا موقنين﴾.

خامسا: المصابرة و المرابطة والتقوى ﴿يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله …﴾. عن الباقر عليه السلام (اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوكم ورابطوا امامكم المنتظر).

سادسا: الاعداد العلمي والعملي لنصرته ع.

سابعا: التعبئة: المحلية (في الأمة) والعالمية ومن ذلك تغذيةُ وادامة زخم الطوفان البشري الحالي الذي قوامه رفض الظلم ونصرة المظلوم.

نسأل الله ان يعجل فرج وليه الأعظم وان يرزقنا معرفته وصحبته وخدمته ولا يحرمنا رضاه ودعاءه وشفاعته.

والحمدلله رب العالمين

 

 

قصيدة شعرية للدكتور سعيد الشهابي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى