قراءة في البعثة النبوية

تأملات في دعاء ذو الجوشن الصغير للامام الامام موسى الكاظم عليه السلام.

ندوة  مؤسسة الابرار الاسلامية يوم الخميس 8 فبراير 2024

قراءة في البعثة النبوية وتأملات في دعاء ذو الجوشن الصغير للامام الامام موسى الكاظم عليه السلام.

الضيوف: سماحة الشيخ علي مسعود وسماحة الشيخ علي كربابادي

مقدمة سماحة الشيخ علي التريكي:

شهر رجب احد الاشهر الحرم التي يحرّم فيها القتال، الا للدفاع عن النفس كما هو في فلسطين.

هذا الشهر فيه مناسبات عديدة، فقد مرت علينا ذكرى شهادة الامام موسى بن جعفر في 25 من الشهر، وكانت هناك وفاة حامي الشريعة السيد أبوطالب في 26 رجب. وفي هذا اليوم 27 رجب ذكرى المبعث النبوي الشريف، وهي النعمة الكبرى التي انعم الله بها على كل الوجود. فرسول الله رحمة للعالمين، فهو رحمة لكل الوجود.

كان مبعثه في 27 رجب. هناك حديث حول ذكرى الاسراء والمعراج وما اذا كانت في 27 رجب ام في شهر رمضان. كلها ذكريات عزيزة على قلوب المؤمنين تستحق الاحتفاء.

نعيش على مقربة من شهر شعبان الذي ينسب لرسول الله حيث كان يقول: شهر شعبان شهري فمن صام فيه وجبت له الجنة. وفي بداياته ولادة الامام الحسين 3 شعبان، 4 ولادة العباس، وفي الخامس ولادة الامام زين العابدين.

نحتفي اولا بذكرى المبعث النبوي الشريف ثم مجلس حول شهادة الامام الكاظم عليه السلام.

ومضات من تاريخ البعثة النبوية الشريفة

سماحة الشيخ علي مسعود

المبعث النبوي الشريف يستحق الاحتفاء به من الامة الاسلامية، ففيه نزول الوحي لاول مرة على النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم في غار حراء.

ابتدأت الرسالة المحمدية في مثل هذا اليوم. الاختلاف حول تاريخ المبعث النبوي.

روي عن الامام جعفر الصادق عليه السلام ان المبعث النبوي حدث في 27 رجب ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم﴾.

الاسراء والمعراج حدث في شهر رمضان على اغلب الروايات.

فقد أسري بالنبي (ص) في اليقظة، فقد حدث الاسراء والمعراج بالروح والجسد الى المسجد الاقصى ثم الى السماء فالآية تقول: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام﴾.

عبده تعني ان الامر حدث بالروح والجسد. وصل النبي (ص) الى مقام لم يصله احد من الملائكة ﴿فأوحى إلى عبده ما أوحى﴾.

في احدى الرويات عن الامام الصادق (ع): اسري بالنبي 120 مرة الى السماء.

الاسراء حدث في شهر رمضان بعد حلول الليل، فاسري به الى المسجد الاقصى ومنه الى السماء، حيث صلى خلفه الملائكة والانبياء. الاسراء والمعراج يختلف عن البعثة النبوية الشريفة.

سيرة النبي المصطفى تضمنت امورا كثيرة:

الاول: قبل النبوة كان يسمى الصادق الامين، فكان يدعى النبي (ص) لحل المشاكل.

الإسراء حدث ستة شهور قبل الهجرة، وكان عمره اكثر من 50 سنة، بينما حدثت البعثة وعمره 40 سنة. كان الصادق الأمين فكان على الحنفية الابراهيمية.

الامر المهم بعد الهجرة هو بناء الدولة الاسلامية، ومن خلالها يستطيع ان يبشر بدعوته المباركة.

في اول السنوات كان هم النبي (ص) بناء الدولة.

استخدمت قريش الحصار الاقتصادي على بني هاشم ومنعوهم من البيع والشراء، ثلاث سنوات ما بين السنة السادسة قبل الهجرة الى التاسعة. اتحد بنو هاشم لدعم محمد، وفرضت قريش على بني هاشم حصارا كبيرا.

البعض ينصر الحق ولكن وقت المحنة لا يسند الحق. لما وضع بنو هاشم في الحصار الاقتصادي، وقف الكثيرون مع قريش مساندين الحصار ولكن استطاع بنو هاشم تجاوز المحنة.

فترة ما بعد الهجرة شملت الغزوات. ما هي جريمة أبي طالب؟ أنه والد الامام علي عليه السلاسم الذي أذاق قريشا الويل.

في غزوة بدر انتصر الاسلام فيها وكان لعلي فيها قصب السبق في القتال، وفي الخندق قصته مع عمرو بن عبد ود وفي خيبر قلع باب حصنها.

حزب الفضول كان الحلف الرابع لقريش ايام الجاهلية، وكان النبي شابا يتم تكريمه بشكل خاص فكان يسمى الصادق الامين. في حلف الفضول حضر بنو هاشم وبنو زهرة وبنو تيم. كان النبي يحضر لانه يحتوي على فضائل، خاصة الوقوف امام الشرك ووأد البنات. استطاعوا نشر الفضيلة، فكانوا ينصرون المظلوم على الظالم. كانت اهداف الحلف نصرة المظلوم.

دار الأرقم: أسلم الارقم وكان في عنفوان الشاب، جاء الى النبي وقرّبه. كان بيته منطلقا للدعوة الاسلامية لانه خارج مكة، فكان بعيدا عن الانظار. كانت دار الارقم بن أبي الأرقم، يتوجه اليه المسلمون الجدد. لم يتوقعوا ان يكون بذلك البيت ذلك النشاط.

غار حراء هو محل نزول الوحي. كان النبي (ص) يتعبّد فيه على الدين الحنيفي. كانت هناك عناية خاصة من الله للنبي (ص)، وكان يتعبّد في غار حراء، وهبط الوحي عليه هناك.

قصة توبان اليماني، كان مولى للنبي (ص)، ملتصقا به وتحكي القصة العلاقة الحقيقية بين توبان والنبي (ص).

كان توبان مولى للنبي (ص) ثم اعتقه. كان يسأل النبي كثيرا، ومنها: بابي انت وامي يا رسول الله: متى تكون الساعة؟ قال النبي (ص): ماذا اعددت لها يا توبان؟ فيقول توبان الذي كان من العُبّاد: ما اعددت الا القليل اما الكثير فهو حبك وحب الله.

فقال النبي (ص): في تلك الساعة يحشر الانسان مع من أحب. كان النبي (ص) يذكّر اصحابه بهذه الرواية. كان توبان لا يفعل فعلا إلا اذا كان للنبي (ص) فيه رضا وقبول. توبان كان يتألم ويقول للنبي (ص): لك يوم القيامة مرتبة عالية، فكيف اراك. ندعو الله ممن احب النبي قولا وعملا.

الشيخ التريكي يرد على اشكالية المبعث النبوي والاسراء والمعراج ونزول الوحي. يقول العلماء ان ما نزل في ليلة القدر هو نزول القرآن كله. اما في 27 رجب فقد نزلت اولى الآيات على النبي (ص) في غار حراء: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾. إخبار النبي (ص) بانه رسول الله كان في 27 رجب في غار حراء.

ويقول العلماء: نزل القرآن جملة واحدة في قلب رسول الله (ص) وحفظ كل القرآن وهذا هو المقصود: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾.

اما النزول التدريجي آية آية حسب الواقعة والمناسبة. هناك آيات تؤيد هذا المعنى، ان رسول الله (ص) كان ينتقل الى الآية التالية فيقول القرآن: ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾.

مجلس سماحة الشيخ علي الكربابادي

شهادة  الامام الكاظم وتأملات في دعاء الجوشن الصغير

عندنا دعاءان باسم الجوشن: الكبير وهو توسل ودعاء باسماء الجلالة، والذي تدور حوله مجموعة من الابحاث، وهل ان اسماء الله توقيفية، اي هل يمكن للانسان ان يأتي باسم من اسماء الله مما لم يرد في الكتب. وهل ان الدعاء من اقوال الائمة ام من اقوال الشيعة؟ هذا التطويل في دعاء الجوشن يجعله، وحسب وجهة الرافضين، لا يتناسب. وقيل انه منسوب للتصوف.

استخدام كلمة “الجوشن” اشارة للباس الخشن كدرع، ودعاء الجوشن يقول اللهم اجعلني في درعك الحصين. احد الادعية الذي يرجي ان يكون حصنا للداعي. الحصون مختلفة والجواشن مختلفة.

هذا الدعاء الذي دعا به امامنا الكاظم عليه السلام، كما نقل الكفعمي في هامش “البلد الأمين”.

الغرض من هذا الدعاء ان يسأل من الله الفرج والخلاص والحماية والصون، وان يلوذ الى الله في قضايا منها قضية الامن، وهو مطلب انساني. يتوسل بالاسباب المادية من اجل تحصيل هذا الامن.

فقرات هذا الدعاء يمكن ان تقسم الى شقين:

الشق الاول: الذي يبدأ الامام عليه السلام به وكأنما رسم في هذا القسم علاقته بالله سبحانه، في ضمن سياق الامن والحاجة والالتجاء الى الله، وفي ضمن استذكار جميع النعم كالامن والرزق. الانسان اذا اراد ان يبدأ بالدعاء يبدأ بالثناء على الله.

هذا الدعاء يبدأ بالحمد التفصيلي، يقول: انا عبد لك وانت منحتني الامن.

الشق الثاني: الذي يمكن تلخيص فقرات الدعاء فيه، يتحدث الامام فيه عن الآخرين، وفيه جنبتان:

الاولى: جنبة الاستشعار بالآخرين، وما احوجنا الى الاستشعار. الدعاء يثير الفطرة الدفينة في جوف الانسان.

الامام عليه السلام كان في قعر السجون، ولكنه يبدأ بالآخرين. هذا الاستشعار يوجد في ادعية الامام الكاظم لا سيما في دعائه يوم المبعث الشريف.

في المبعث الشريف هناك الدعاء المعروف بـ: يا أمن بالعفو والتجاوز. اللهم اني اسألك بالتجلي الاعظم، ثم يقول: وتفضل علينا بكل حوائجنا. يقول: وتفضل بجميع حوائجنا للدنيا والآخر، وابدأ بآبائنا وأبنائنا في جميع ما سألناك لانفسنا.

في الشق الثاني يتحدث الامام عليه السلام عن الآخرين، فيثير جانب الاستشعار.

حين تجمع تلك الكلمات، من النبي الاعظم (ص) وامير المؤمنين عليه السلام وبقية الائمة، فالامام علي (ع) في رسالته الى مالك الاشتر والامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام تحدث عن جنبة حقوق الأنسان.

الفقرات في هذا الدعاء

يبدأ في الفقرة الاولى بالاعتراف بنصرة الله له، ولم يتركه وحيدا، ولم يسلمه الى اعدائه. وحتى عندما يكون بيدي العدو يخاطب الله ويقول: انك لم تسلمني للعدو.

ان الله موجود وانه في السماء إله وفي الارض إله.

يقول الامام (ع): يا رب انت موجود في هذا المكان. في هذه الظروف القاسية فأين هو الله: نظرت الي…. ووحدتي في كثير ممن ناواني.

العنوان الثاني: يتحدث فيه عن نفسه في حال كونه مطاردا، وعن حال المطاردين. يبدأ بنفسه : اِلهِي وَكَمْ مِنْ باغ بَغاني بِمَكائِدِهِ وَنَصَبَ لي اَشْراكَ مَصايِدِهِ وَوَكَّلَ بى تَفَقُّدَ رِعايَتِهِ، واَضبَأَ اِلَيَّ اِضْباءَ السَّبُعِ لِطَريدَتِهِ انْتِظاراً لاِنْتِهازِ فُرْصَتِهِ وَهُوَ يُظْهِرُ بَشاشَةَ الْمَلَقِ، وَيَبْسُطُ (لى) وَجْهاً غَيْرَ طَلِ.

يقول الامام (ع): الموقف الربوبي باعتبار ان الله هو المتكفل به.

قال: اَرْكَسْتَهُ لاُمِّ رَأسِهِ واَتَيْتَ بُنْيانَهُ مِنْ اَساسِهِ فَصَرَعْتَهُ فى زُبْيَتِهِ وَرَدَّيْتَهُ (اَرْدَيْتَهُ) فى مَهْوى حُفْرَتِهِ وَجَعَلْتَ خَدَّهُ طَبَقاً لِتُرابِ رِجْلِهِ وَشَغَلْتَهُ فى بَدَنِهِ وَرِزْقِهِ وَرَمَيْتَهُ بِحَجَرِهِ وَخَنَقْتَهُ بِوَتَرِهِ وَذَكَّيْتَهُ بِمَشاقِصِهِ وَكَبَبْتَهُ لِمَنْخَرِهِ وَرَدَدْتَ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ وَرَبَقْتَهُ (وَوَثَقْتَهُ) بِنَدامَتِهِ وَفَسَأتَهُ (اَفْنَيْتَهُ) بِحَسْرَتِهِ.

العنوان الثالث: يتحدث الامام (ع) عن تحصين الله اياه تجاه الحاسدين، قضية الحسد والتعوذ من هذا الحسد. الامام (ع) يعترف الى الله في هذا الامر.

اِلـهى وَكَمْ مِنْ حاسِد شَرِقَ بِحَسْرَتِهِ (بِحَسَدِهِ) وَعَدُوٍّ شَجِىَ بِغَيْظِهِ وَسَلَقَنى بِحَدِّ لِسانِهِ، وَوَخَزَنى بِمُوقِ عَيْنِهِ وَجَعَلَنى (وَجَعَلَ) غَرَضاً لِمراميهِ، وَقَلَّدَنى خِلالاً لَمْ تَزَلْ فِيهِ.

الحالة الفيزيائية التي يعكسها هذا الوصف في الكيد والتربص

ضمن هذا العنوان يعترف الامام (ع): انه لا يضطهد من يأوي الى كنفك، ومن يدافع عنه الله لا احد يصل اليه.

المقطع الذي يثني فيه على الله:

فَلَكَ الْحَمْدُ يا رَبِّ مِنْ مُقْتَدِر لا يُغْلَبُ وَذي اَناة لا يَعْجَلُ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاجْعَلْني لِنَعْمائِكَ مِنَ الشّاكِرينَ وَلالائِكَ مِنَ الذّاكِرينَ.

 في ظل هذه الازمة يبدأ الامام بالشكر ومع هذا يقول: يا الله اعني على الشكر وجعلني من آسمائك من الذاكرين.

يريد ان يبرز الشكر على لسانه ﴿واما بنعمة ربك فحدّث﴾.

اظهر هذا الشكر للآخرين.

الفقرة الرابعة: يتحدث فيها عن دفع البلاء واللطف في الحذر، اِلـهي كُمْ مِنْ عَدُو انْتَضى عَلَيَّ سَيفَ عَداوَتِهِ وَشَحَذَ لي ظُبَةَ مُدْيَتِهِ، وَاَرْهَفَ لي شَبا حَدِّهِ، وَدافَ لى قَواتِلَ سمُوُمِهِ، وَسَدَّدَ اِلَيَّ (نَحْوي) صَوائِبَ سِهامِهِ وَلَمْ تَنَمْ عَنّي عَيْنُ حِراسَتِهِ.

كثرة الحوادث التي تلم بالانسان في نفسه وعياله والآخرين، يصل الى قناعة بان الله هو اللطيف الخبير الذي يدفع عنه البلاء. إلهي وكم من سحابة مكروه جلّيتها وسماء نعمة وفرتها، وجداول كرامة أجريتها.

العنوان الخامس: يتحدث الامام (ع) فيه عن رزق الله إياه وكون الله عند حسن ظن الإمام، اي لم يخذله في لحظة من اللحظات.

العنوان السادس: يتحدث عن الاقرار بالتقصير وطلب العون من الله.

يقول: انا اقارن نفسي بين حالتي وحالة الآخرين، يقولون فيها أنه اذا رأيت شخصا مريضا تقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري. الامام (ع) يتكلم في ظروف السجون. الامام (ع) يرى جميع هذه المحن أنها نعم، ويقارن بينها وبين النعم لدى الآخرين. جميع المحن والبلايا من الخير. شكر الصحة من الامراض التي ابتلي بها الآخرون.

تحدث عن المسجونين والمتحيرين خوف الغرق في الصحاري. تكلم عن الامن المتوفر له في مقابل الذين لا أمن لهم. تكلم عن حال المرضى والمعذبين ثم بعد ذلك يبدأ بالطلب: هذا يعطينا منحى من انحاء الآداب.

الامام (ع)  يبين النعم المخصصة له بصفته الخاصة ثم يذهب الى ما لدى الآخرين وبعد ذلك يأتي الى الدعاء، فالدعاء من الله يجعله اقرب اليه.

الله ربما لا يستجيب الدعاء حينما لم تطلب منه شيئا، لذلك يبدأ بالطلب والالحاج على الله، وَعِزَّتِكَ يا كَريمُ لاَطْلُبَنَّ مِمّا لَدَيْكَ، وَلاَلِحَّنَّ عَلَيْكَ وَلاَمُدَّنَّ يَدى نَحْوَكَ مَعَ جُرْمِها اِلَيْكَ.

الفقرة الاخيرة: في حال السجود وطلب الامن من الله والاستقواء بالله والاستكثار الذي “يكفي من استكفاه”. هذه حال الامة. “اللهم إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهم وقد فعلت فلك الحمد”. السجن فرصة اعطاها الله للامام عليه السلام.

بقي الامام يعاني تلك الجسون حتى استشهد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى