الامامة والولاية في الفكر الاسلامي

احتفالية مؤسسة الابرار الاسلامية بمناسبة ذكرى ولادة الامام علي عليه السلام.

الضيوف:

سماحة الشيخ الدكتور مرتضى فرج، الاستاذ امير البصري.

القصائد الشعرية: الاستاذ رشيد معطي والدكتور سعيد الشهابي.

الاهازيج: الاخ جعفر حسابي

التاريخ 25 اكتوبر 2024

المقدمة: الاستاذ عباس المرشد:

استفرد الامام علي بانه ولد في الكعبة، وهذا يعني انه محور الكون ونهاية حياته كانت في محراب العبادة.

يخاطب النبي(ص) الامام علي (ع): يا علي انا وانت ابوا هذه الأمة. هذا مثير للانتباه، ماذا تعني الأبوّة؟

مفهوم الأبوّة هنا متميز. الخطاب هنا خطاب تأسيسي وليس تبجيليا.

القرآن منطق تأسيس، كل مفهوم فيه يسعى لتأسيس بنى اجتماعية او سياسية. فماذا يريد الرسول أن يؤسس هنا؟

الامام الرضا (ع) يتكلم عن مفهوم الإمامة. الامام الانيس الرفيق والوالد الشفيق.

هناك ربط بين مفهوم الامام الرضا عليه السلام وخطاب النبي صلى الله عليه واله وسلم.

يقول احدهم: انه لا يعصى أبدا.

هناك مجالان في روايات النبي (ص): مرة يتكلم عن حق، ومرة يتكلم عن وجوب. هناك حق الطاعة وهناك وجوب الإمامة. من حق الأبوة عليك ان تحترم أباك او أمك، ولكن ليس واجبا ان تحترم الناس، ولكن هناك اناس لهم حق الطاعة والاحترام. لذلك نسعى للتفكير في حقوق أهل البيت وواجباتنا تجاههم.

يقول شخص: واجب علينا احترام اهل البيت عليهم السلام ونشر علومهم وزيارتهم، كل ذلك جيد، ولكن ما حق اهل البيت؟

النبي (ص) يؤسس حق أهل البيت علينا ليس في الاعتقاد فحسب،

ما هي حقوقهم علينا؟ الحق هو ما يطلب الامام ان نكون عليه، ثم يقول النبي(ص):

هل لدى خطبائنا مثلا حقوق تجاه اهل البيت عليهم السلام؟

العلاقة الوالدية: ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما.

قيل لعلي: ان بسر بن أرطاة هجم على احد ثغور المسلمين، فيقول: لو ان المرء مات حسرة ما كان مأسوفا عليه.

ما مدى تواصلنا مع بعضنا البعض. الامام حسن العسكري (ع) يقول: قال رسول الله (ص): أفضل والديكم وأحقهما بشكركم محمد وعلي.

الامام علي عليه السلام يتطلب نموذجا عاليا من البشرية. مستوى العلاقة معه يجب ان تكون راقية ومتقدمة. رسول الله يشبه العلاقة بالعلاقة الوالدية. محمد وعلي هم الآباء المؤسسون للدين.

ملخص كلمة سماحة الشيخ الدكتور مرتضى فرج

قال تعالى: ﴿ثم لتسألن يومئذ عن النعيم﴾.

روى العياشي: سأل ابو حنيفة الامام جعفرالصادق عليه السلام عن هذه الآية، فقال له: ما النعيم عندك يا نعمان؟  قال: القوت مع الماء البارد. فقال: لئن اوقفك الله وسألك عن كل أكلة أكلتها سيطول وقوفك بين يديه: فما النعيم جعلت فداك؟  قال: نحن أهل البيت، النعيم الذي انعم الله به على العباد، وبنا هداهم الى  الاسلام. والنعمة التي لا تنقطع، وجاء في تفسير البرهان عن الامام محمد الباقر عليه السلام: النعيم ولاية علي بن ابي طالب.

ما افضل النقاط التي اقدمها هدية للاخوان؟

انها ثمرة بحوث امتدت ثلاثة عقود من قراءة سيرة الامام علي عليه السلام:

النقط الاولى: طرق تقييم مدعي النبوة. قال العلماء ان اهم الطرق التعرف على أبرز مصدقية ومستواه العقلي وصفاتهم الاخلاقية، من باب: من ثمارهم تعرفونهم. الانبياء الصالحون غالبا ما يلتف حولهم المستضعفون. المستكبرون يجدون انفسهم وجها لوجه مع الانبياء. اتحدث عن القدرات الذهنية والعقلية والصفات العقلية.

يمكن ان نستحضر ثلة من اصحاب النبي (ص) ومنهم ابوذر وسلمان والمقداد وحذيفة وجابربن عبدالله الانصاري.

اذا ركزنا على شخصية الامام علي عليه السلام واردنا تقييمها

من خلال نهج البلاغة، واذا اردنا ان نقيم صفاته الاخلاقية علينا ان نقرأ دعاء كميل ودعاء الصباح. واذا اردنا تقييم نبوة النبي (ص) نقيمها في ضوء شخصية النبي (ص).

حين نجد شخصا مثل الامام علي عليه السلام صدق بنبوة النبي (ص) نسأل: ما هي الحقائق التي انكشفت لعلي؟  هذا عنصر مهم وشاهد لصدق نبوة النبي (ص).

النقطة الثانية: من الطرق التي اقترحها الباحثون لتقييم نبوة مدعي النبوة، دراسة الآليات والبينات التي جاء بها. مثلا النبي موسى عليه السلام جاء بآية العصا الي تنقلب حية تسعى. النبي سليمان عليه السلام كان يكلم الطير والنمل وسخر له الجن. النبي عيسى عليه السلام كانت لديه آيات بينات، كان يبريء الاكمه والابرص. آية النبي (ص) هي القرآن الكريم لبلاغته وفصاحته وما ينطوي عليه من علوم ومعارف، ولكن للنبي آية اخرى محسوسة يحاول الكثيرون التشويش عليها، وهي الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، فهو آية من آيات الله العظمى. كانت مواقفه تكشف عجز الآخرين عن مجاراته. سلوكه ومواقفه كانت تعجز الآخرين عن القيام بدور شبيه بدوره في شجاعته وتقواه وعلمه تجد له حضورا بارزا.

طوال بعثة النبي (ص) 23 سنة، كان لعلي في كل منعطف أثر واضح. حديث الدار: ﴿وانذر عشيرتك الاقربين﴾ عندما جمع بني هاشم وقال لهم: “يا بني عبد المطلب، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟”. فأحجم القوم عنها جميعا، وقال علي (ع): أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال: “إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا” هذا في بداية البعثة، مرورا بمبيته بفراش الرسول (ص): ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله﴾.

في غزوة بدر كان اكثر من نصف قتلى بدر كان على يدي الامام علي عليه السلام، هو وحمزة كان لهما دور بارز. عندما ارادت قريش الانتقام كانوا يستدفون النبي وعليا وحمزة. النبي (ص) جرح، وحمزة استشهد ولكن عليا كان سريع الحركة فلم يصلوا اليه. نزل جبرئيل في أحد قائلا: لا فتى الا علي ولا سيف الا ذو الفقار.

في غزوة الخندق وكيف عجز الجميع عن اختراق الخندق الا خمسة. النبي (ص) دعا المسلمين: أيكم يواجه عمرو بن عبد ود؟ لم يستجب احد الا علي.

في قلع باب خيبر وكيف بعث النبي (ص) الاول فرجع ولم يفتح عليه، وبعث الثاني فرجع ولم يفتح عليه فقال النبي (ص): لابعثن غدا رجلا كرارا غير فرار وهناك اعلان البراءة من المشركين، وقال جبرئيل: لا يؤدي هذه المهمة الا علي. اعلن البراءة عند الجمرة الكبرى. كانت فرصة ليتحدى الامام علي (ع)  كل وثنيي الجزيرة العربية، ولم يجرؤ احد على الوقوف واعلان البراءة من المشركين الا علي. في فتح مكة كسر أكبر الاصنام. في حجة الوداع، وفي غدير خم، كان لعلي الدور البارز.

تصديقه بالنبي له قيمة كبيرة. ان عليا بذاته آية كبرى للنبي (ص).

النقطة الثالثة: لكي نقيم نبوة اي نبي لا بد ان تتوفر لدينا معلومات كاملة عنه. توفرت معلومات غير قليلة عن النبي (ص) وسيرته، وزودنا القرآن بالكثير منها. السيرة المنقولة عن النبي (ص) تم عن عمد تشويهها. كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي جاء بشيء موجود في التراث لتشويه النبي (ص). اربعون سنة من حياة النبي (ص) لا نعرف عنها شيئا.

افضل كاشف عن شخصية النبي (ص) وعقله هي شخصية الامام علي عليه السلام. اللافت كما نقل عن الخليل بن احمد عندما سئل عن علي: ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين و ذين ما ملأ الخافقين.

الامر اللافت ان الباحث عندما يبحث في التاريخ وكتب السيرة يجد تاريخا واسعا ابتداء بولادته في الكعبة، ليس هناك شخص لدينا معلومات تفصيلية عن حياته كالمعلومات المتوفرة عن الامام علي عليه السلام. علي الذي سب على المنابر عقودا ومع ذلك تصلنا هذه المعلومات المذهلة عنه.

كلمات لعلي في نهج البلاغة عن نشأته في كنف النبي:

وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما.

أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه.

يرفع لي كل يوم من اخلاقه علما. كان يجاور كل سنة بنفسه في حراء، ولم يجمع بيت في الاسلام بيتا. إنك تسمع ما اسمع وترى ما ارى، وانك على خير.

شخصية الامام علي عليه السلام من اعظم مفاتيح معرفة ابعاد اساسية في نبوة النبي (ص).

 

من وحي الغدير وذكرى الميلاد الفريد

قبوريون أحياء.. وأحياء ميتون

ذكريان في العام يزدان بهما المرقد العلوي الشريف بذكر الله وحمده على نعمته العظمى بميلاد سيد الأولياء والوصيين في الثالث عشر من شهر رجب الأصب.. والثانية في عيد الولاية الكبرى.. الغدير الأغر في الثامن عشر من ذي الحجة الحرام…

الحشود الجماهيرية على موعد كل عام مرتين بابتهاج وفرح غامرين تترى وتغذ السير راجلة وراكبة باتجاه المرقد العلوي المقدس.. بزيارتين حاشدتين يقدم فيها الزائرون رجالا ونساءا من كل الأعمار ميممين صوب الضريح الشريف ترى في عيونهم وهم يقتربون تطلعات الحب والشوق للقاء بالمولى الحبيب.. والإمام الفيصل بين الحق والباطل.. وشعلة الضياء الإنساني الأول بعد رحيل النور المحمدي في عتمة الأحداث والتاريخ والصراع.

وحتى أن يدخلوا تنبري وتتعالى أصواتهم بالدعاء أو البكاء أو الصلوات ما عدا أمر واحد ميز ويميز هاتين الزيارتين.. هو صوت الهلاهل والزغادير لبعض النسوة اللاتي لا تمنع نفسها خشية جلال ووقار المكان أن لا تشارك آل البيت فرحتيهما بالولادة الفريدة الإعجاز في بيت الله الحرام داخل الكعبة.. أو ببيعة الولاية والإمامة الكبرى لعلي العلى أميرا للمؤمنين.. لا تمنع نفسها و بطريقتها العفوية التي تجد فيها الأكثر قدرة على التعبير عن جياش عاطفتها بالفرح الغامر حبا ومودة.

وهذه الإحتفاليات والعواطف تجري وفق الفطرة السوية السليمة لأي أمة تعظم رموزها وعظماءها.. وكيف إذا كان الرمز والعظيم (علي)! وما أدراك ما علي !! نفس الرسول وخليفته، حبه إيمان وبغضه كفر ونفاق.. باب العلم وواحد الفصاحة والأدب..  زوج الزهراء سيدة النساء البتول وأبو الحسنين.. مضرب الأمثال وواحدها في الشجاعة وقاتل صناديد الكفر.. أبو الأيتام.. وبه العدل قام.. وبه الحق ومعه يدور..و.. وماشئت فعدد وليعدد العادون ويحصي المحصون.. من الصفات أعلاها ومن الفضائل أسناها..

هذا الحب والمودة حد العشق والهيام لآل محمد لا يروق لمدرسة الدين الأموي التيمي الوهابي فيبحثون عن ثغرة هنا أو هناك وهم المتخصصون بالإنحراف والتشوية والإضعاف في مكامن قدرات وقوى هذه الأمة وطاقاتها التي يفجرها هذا الدين فاخترعوا تهمة (القبوريين) والشرك وحرمة تعظيم القبر لهذا الراقد المقدس فيه وهم يعلمون أن التعظيم هو لصاحب المرقد ودينه وقيمه وتاريخه وليس للقبر فيستذكرون به المبادىء في العبادة والذكر ويستزيدون به الخير والراحة لأرواحهم المتعطشة لنوره والمتعبة والمنهكة في الدنيا ومشاغلها.. ولإيمانهم واعتقادهم بقرب صاحب هذا المقام من الرب والإله الجليل الرحيم يبثونه شكاواهم ويستشفعون به في نيل حوائجهم ولأنهم يدركون إذ يخاطبونه فلأنهم يعتقدون ويؤمنون بحياته كونه إماما شهيدا حيا في ملكوت الله في مقام عظيم عنده يفوق ما للشهيد كما ينص كتاب الله ﴿أحياء عند ربهم يرزقون﴾ ولأن الله خص رسوله وأولياءه بميزة الشفاعة ﴿.. ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾.. والحقيقة أن الروح الإنسانية عند الله أو هي في ملكوت الله أكثر قدرة وهيمنة وإتساعا في التواصل والتلقي والتأثر فيها.. ربما أكثر منها وهي في الدنيا حبيسة الجسد والعلاقات وهذه الحياة بكل محدودياتها… ولكن أنى لعميان البصيرة أن يذعنوا لتجليات الحق.. والفهم السليم .. فكم وكم في سيرة العقلاء وتاريخ الأمم والشعوب من نصوص وآثار وفاعليات في الحياة الإنسانية، هي من وحي هذا التلقي الروحي واستمدادات الطاقة واستشعارات القوة النفسية مع العظماء الراحلين وهم في ملكوت الله.. وكم وكم مما نجد مما كتب من نثر وشعر وفكر استفاض من وحي هذا التفاعل الروحي والعقلي والنفسي مع هؤلاء الراحلين العظماء.. سيما ونحن نعتقد يقينا أن الصفوة من هؤلاء العظماء هم الأعلون المخلدون منذ الخلق الأول في عالم الوجود الإنساني والملكوت السماوي الذي تجلى في أقوال وعيان مشاهدات النبي الرسول الخاتم في إسرائه وحتى معراجه في السموات السبع وصولا للعرش…

كان ذلك منذ أيام الدعوة الأولى للإسلام وهذا الدين يريد ويستهدف أن يأخذ بنا وأرواحنا إلى حيث السموات وحيث تجليات الروح وكأنه يريد أن يقول في إسراء الرسول وعروجه السماوي أن مسيرتنا ينبغي أن تتطلع أمامها دائما حيث السماء ﴿إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه﴾..

عند علي أمير المؤمنين وسيدهم وباب مدينة العلم النبوي كيف لا يجد الإنسان نفسه عندما يكون متحررا من أوضار الدنيا وأغلالها.. أنه في حضرة الله وعرشه؟!.. كيف لا يستشف أصل المعنى الإنساني للوجود البشري على هذه الأرض وهو في حضرة الرجل الإلهي الذي لم تدنسه الدنيا بشرك في الله مطلقا معلنا خلوص هذا التوحيد منذ اللحظة الأولى لولادته في بيت الله الحرام.. كيف؟! قف عند علي ها هنا.. قيم السماء تتجلى ومبادىء رسل الله وأنبيائه والإنسانية ها هنا شاخصة لا تحتاج إلى قراءة وتفسير ما دمنا قد التقيناه.

وهذه آيات الله تتلى وثقافة القرآن تصدح في إثارة الجانب الحسي وإعتماده في تجليات المعاني والسمو الروحي أثناء العبادة والتعبد.. ففي الصلاة والحج وحيث الحديث المباشر مع الله ومناجاته لم يترك الرب عباده من غير وجهة وجهة مكانية وقبل.  يتوجهون اليها ﴿وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾… ومن قبل يأمر نبييه موسى وهارون أن يجعل بنو إسرائيل بيوتهم قبلة لصلاتهم.

وكم يمكن أن يستثيرنا هذا المعنى.. معنى أن يجعل الله بيتي موسى وأخيه هارون قبلة فيما نحن بصدده من تعظيم مرقد المولى سيد المتقين.. ولماذا ولأي غرض يخص الله بيتي موسى وهارون قبلة لليهود المؤمنين لولا أنه سبحانه يريد أن يضع موسى وهارون و إيمانهما وسيرتهما نموذجين شاخصين وطريقين لاحبين مضيئين لليهود وبني إسرائيل في عبادتهم لله سبحانه.

ولأن الإنسان دائما بحاجة ماسة للمثال والنموذج الإنساني الأعلى والأكمل والأطهر ليقتفي أثره ويتبع سيرته.. وهنا يكمن معنى وفلسفة السنة الشريفة مصدر التشريع الثاني بعد كتاب الله (قول النبي والإمام المعصوم وفعله وتقريره) إذ الإنسان كما هو إبن العقل والفهم والعلم برسالة الله ودينه.. لكنه ذات الوقت إبن الواقع المحسوس الذي يحتاج الى تجلي فهمه هذا للمبادىء والقيم والأخلاق والتشريعات من حيث تطبيقاتها الواقعية وأمثلتها العملية في الحياة.. وليس غير النبي والإمام المعصوم من هو الأعلم والأقدر على أداء هذه المهمة الكبرى.

الإنسان في الحياة والتأتيرات فيها عليه.. أساسا وبصورة عامة وقانون عام ينطبق على جميع الإنسانية والمجتمعات البشرية.. يقع بين النظرية أو الفكر والقيم وبين الواقع الذي يعكس تجليات النظرية والفكر والقيم في واقع حياة الناس وسلوكياتها وتعاملها وعلاقاتها.

ومن هنا دائما كانت الرسالات السماوية كما تعتمد تبليغ الرسالة وإيصالها للناس كالقرآن والإنجيل والتوراة وصحف الأنبياء كنصوص ربانية مؤتمن على إيصالها الأنبياء والرسل وأوصياؤهم .. ذات الوقت كانت تعتمد سيرة هؤلاء المبلغين وأقوالهم ومواقفهم في بيان وتبيين مقاصد هذه الرسالة وصدقيتها وحيث تمثل المثال والنموذج الأعلى لهذه الرسالات السماوية وتطبيقاتها.. ولذلك كانت السنة النبوية الشريفة الممتدة في الولاية للأئمة من أولي الأمر.. كانت في الإسلام المصدر الثاني للتشريع..

وما كان من غير معنى وغاية وأساس في تركيبة وعي الإنسان كسنة خلقية (بفتح الخاء) فطرية فيه، وسنة مترشحة ثابتة في الرسالات السماوية جميعا، أن حفظ الرسالة واستمرارها يتوقف على عاملين أساسيين مترابطين هما في رسالة الإسلام الخاتمة الخالدة.. الثقلان اللذان طالما أوصى بهما رسول الله بصور شتى ومواقع عديدة وتعبيرات مختلفة كثيرة.. وحديث الثقلين منها الذي يجسد ضمانتي عدم ضلالة الأمة أبدا ما تمسكت بهما: الكتاب أي الفكر والمبادىء والرسالة، والعترة أي التجسيد الكامل التام لها من الوقوع في الخطأ.. إذ مع افتقاد العترة الطاهرة لم ولن يتحقق كمال الإسلام وهداية الناس إليه كأفكار ومبادىء وسلوكيات واقعية.. الإسلام الذي يريده الله سبحانه.

﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا..﴾(الأنبياء – 73).. ألا نتساءل لماذا هذا الجعل الإلهي للأئمة.. ألا يمكن أن يبعث الله ملكا رسولا يوصل للناس كتابا فيه كل الدين وكل ما يريد الله إيصاله للناس.. ؟ والجواب يأتي من الله سبحانه ﴿ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون.. ﴾. إذن لا بد من رجل وإنسان نوعي خاص وليس أي رجل وأي إنسان يجعله الله إماما يهدي بأمر الله.

هل ثمة معنى صريح ووضوح أي وضوح لمعنى الإمامة في القرآن كما في قوله الآنف سبحانه ﴿وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا﴾.. وعليه ها هنا سنجد الإمامة والقيادة الربانية لهؤلاء الأئمة الذين يهدون بأمرنا.. وحيث هنا وهنا فحسب سنضمن كوننا حقا أمام أمر الله ودينه ورسالته.. ألم يكن هذا شرط موضوعي احترازي من الدين ومخطط رسالي لضمان سلامة المسيرة في بيان أمر الله وأحكامه؟

أكثر من هذا عندما يصرح القرآن في ست كلمات..  ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد﴾ ألا يطرح قانونا وحقيقة في تاريخ الإجتماع الإنساني الرسالي ينبغي أن تستوقفنا وتضع أمامنا الكثير الكثير من علامات الاستفهام؟!! من هو هذا (الهاد) ومن هم هداة هذه الأمة.. بعد المنذر النبي ص.. ؟ والسؤال الثاني لماذا هذا الهاد وضرورته في قانون رسالة السماء التي لا تكتفي بالمنذر صاحب الرسالة الأول ومبلغها؟

منذ اليوم الأول للرسالة عندما يجمع النبي ص أهل بيته وعشيرته عندما نزلت آية الإنذار ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ ويسألهم عمن ينصره ليكون وصيه ووليه من بعده في تبليغ وحفظ الرسالة وينبري علي (ع) أول المسلمين بعد البعثة بالتصدي وحتى أن يعلنه رسول الله (ص) وصيه ووليه وخليفته من بعده ويكرر الأمر ذاته أو بقرينه ودلالته مرات ومرات وبمواقع ومناسبات وألفاظ مختلفة وقبيل وفاته بشهرين في جمع المسلمين كافة بعد حجة الوداع مباشرة في حديث الغدير.. فإنما ليؤكد عمليا إلزام الأمة الإسلامية بذات هذا القانون الإلهي.

لقد تظافرت النصوص القرآنية وأحاديث النبي (ص) على توكيد وبيان هذه الحقيقة.. حقيقة من هم أولياء الأمر بعده وحتى قيام الساعة ما دامت رسالة الإسلام خاتمة الرسالات والتي تكفلت بمعالجة الحاجة الإنسانية الطبيعية للمثال والنموذج الكامل للهداية إلى دين الله تعالى..

ومن مظاهر توكيد هذه العلاقة بالمثال والنموذج شرع استحباب الزيارة للنبي والأئمة (ع) ومراقدهم الشريفة وكانت إحدى أهم وسائل توثيق الرابطة بهم.. فتحولت مراقدهم إلى مهوى للقلوب والعشق.. ومنارات للعلم والعبادة منذ زمن الأئمة (ع) دعوا وأمروا بزيارتهم وفي سيرتهم ذكرت لهم نصوص زيارات وردت عنهم لأمير المؤمنين أو الحسين عليهما السلام عن بعد أو عند مراقدهم حتى صارت هذه المراقد مقاصد للمؤمنين يجددون فيها العهد مع دينهم وأئمتهم والزيارة لهم كجهد إنساني هي سياحة في الأرض وقصد وحج تستحضر الذاكرة في وعي الرسالة وتاريخها وعظماءها وسيرتهم وشهادتهم.. وهي تطهير للنفس والروح عندما تحيى هذا الإستحضار والإستذكار.. بخاصة وهي تؤمن بحياة هؤلاء الأولياء في ملكوت الله والحديث معهم كأنهم يخاطبونهم عيانا.

وهكذا نرتقي هنا كثيرا وكثيرا جدا عن عادات الشعوب التي درجت في تعظيم رموزها ومراقدهم لأن الزيارة هنا أخذت أبعادا أخرى أكثر سموا وأعظم شأنا.. إنها سيرة تعبدية وعقائدية وثقافية وتاريخية واجتماعية وسياسية يمكن أن نلحظها وبوضوح في نصوص الزيارات وسردياتها في مخاطبة الأئمة (ع) بخاصة الواردة عنهم كزيارة عاشوراء وبحسبنا زيارة أمير المؤمنين في عيد الغدير التي نعيش في فقراتها ونحن نخاطب الإمام عليه السلام في نصوص أدبية غاية في البلاغة والدقة والوصف لكل محطات حياة الإمام الرسالية والجهادية وكأننا نستحضر تاريخ عصر الرسالة الأول ومواطن القوة والضعف فيها ونستجلي منها المواقف الشرعية والمبدأية عن المنحرفة لخط النبوة والولاية.. إنها بحق تبث فينا وعيا عميقا في العقيدة والتاريخ.. وما أعظمه من درس وتعليم يحصل عليه الزائر أي زائر وهو يقرأ نصوص هذه الزيارة بدل أن نعقد الندوات والمؤتمرات ومراكز التعليم لهذا الغرض تختصره الزيارة ويحصل عليه الزائر ويستوعبه من نص الزيارة ومدلولات كلماتها بروح الإيمان والمودة للإمام عليه السلام.. لأن الدين للناس عامة والزيارة تمثل جانبا من الرابط الجماهيري الشعبي للناس مع قادة هذا الدين.

وعندئذ وحيث الزيارة بهذه المثابة والأهمية والشأن فلا غرو ولا عجب أن نسمع من أعداء الولاية تهمة الشرك والقبوريين ما دامت تنطوي على هذا الوعي والتأثير..

وبطبيعة الحال لا بد أن نستدرك هنا ملاحظة مهمة وأساسية فيما نعنيه ونقصده من هذه الزيارات للمراقد المقدسة وأن المخصوص بها والمتعين منها في حديثنا مراقد المعصومين الطاهرين والأولياء الصالحين وزيارتهم وأدابها كما وردت وأسس لها أئمة أهل البيت عليهم السلام وليس مما استحدثة الجاهلون والمنحرفون من مراقد لأدعياء لم تثبت تاريخيا وإذ يسوق هؤلاء الجاهلين والمنحرفين فهم قاصر ومشوه عن معنى الزيارة في مفاهيم الشريعة والدين.. وكان جهل هؤلاء وانحرافهم بخاصة في عصر الفتنة التي نعيشها وما استحدثوه من بدع في الزيارة مما ساعد على ترويج واستساغة هذه التهمة.

ولطالما اختلط في ممارسات الشعائر الدينية الباطل بالحق. ولنا مثال تاريخي وقرآني شاخص في صور حج عرب الجاهلية الأولى للكعبة البيت الحرام وطوافهم بها مكاءا وتصدية ومنهم طوافون عراة معظمين للأوثان و نشهد ذات الوقت كان من الطائفين بها موحدون حنيفيون على الديانة الإبراهيمية.. فلا يلغي أو يشوه طواف الصنميين الكافرين.. طواف المؤمنين الموحدين. وسبحان الله شتان بين الفريقين فلكل منهما وجهة هو موليها !!

إذن منذ طواف أعراب الجاهلية الأولى والموحدين الإبراهميين حول الكعبة.. هناك فرق بين رؤيتين: الجاهلية الأولى لا تستطيع أن تدرك مغزى ومعنى الطواف حول الكعبة بيتا لله سبحانه لا شريك له.. لا يستطيعون أن يرتقوا إلى فهم المعاني والرموز فيه للطواف حوله في عبادة الله سبحانه إلا بتجسيد آلهة وأوثان تقربهم إلى الله زلفى.. ورؤية الموحدين الذين يطوفون ويقدسون بيت الله عبادة لله سبحانه وارتقاء روحيا وتقربا إليه.. وليس للمكان والبيت والكعبة وأن كانت هي مقدسة ومباركة لأنها كانت بأمر الله ورسم شريعته وتجليات ملكوته ونوره.

كذلك هؤلاء الذين يتهمون المؤمنين بزيارة النبي والأئمة.. بتهمة الشرك والقبوريين لم يستطيعوا لدورانهم بذات الإطار الوثني أن يرتقوا لفهم أن الزيارة ليست للقبر وإنما لصاحب القبر وما يعنيه من دين وقيم وأفكار. أضف لذلك الرابطة العاطفية العميقة التي أرسى الإسلام أسسها مع هؤلاء الرموز في كثير من نصوص القرآن والسنة المحمدية ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾.. فأين وأنى لهذه المودة والحب أن نراها تتجسد إن افتقدنا المحبين عن زيارة محبيهم ومراقدهم وهم أحياء عند ربهم يرزقون وهم الأولياء لهذه الأمة والشهداء عليها…؟!

ولنا أن نسأل أخيرا أليس هؤلاء القبوريون هم الأحياء بضمائرهم ومشاعرهم وزياراتهم التعبدية لله سبحانه عند مراقد أوليائه ؟! وأن من يتهمهم بالقبوريين هم ميتوا المشاعر والضمائر فكيف يحيى الدين عندهم؟!

وفي ختام الحفل القى كل من الاخ رشيد معطي والدكتور سعيد الشهابي شعرا بهذه المناسبة. كذلك ألقى الاخ جعفر حسابي بعض الاهازيج والاناشيد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى