الرؤية القرآنية عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر

ندوة الخميس 4 ابريل  عن الرؤية القرآنية عند الشهيد السيد محمد باقر الصدر

المتحدث: سماحة العلامة السيد حسن النوري

التاريخ: 4 ابريل 2024

مقدمة سماحة الشيخ حسن التريكي

﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

نعيش الأيام المتبقية من شهر رمضان المبارك بعد ان مر الشهر سريعا. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هو شهر العبادة.

تحل كذلك ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر واخته آمنة (بنت الهدى). نستذكره ونستذكر جهوده في مجال القرآن الكريم. الآية الكريمة جمعت بين الشهادة والقرآن الكريم.

الشهيد الصدر كان متميزا في مجالات العلوم التي كتب فيها. ما يزال كتابه في الفلسفة الاسلامية متميزا. حتى الكتب الصغيرة ما تزال متميزة.

حاول في سنواته الاخيرة ان يتوجه للقرآن وبدأ بحثه في هذا المجال في محاضراته ولكن كما توقع ان هذا الموضوع يحتاج وقتا طويلا وكان يشعر ان ايامه معدودة. لم تمهله يد الاجرام كثيرا حيث تم اعدامه من قبل صدام التكريتي.

يشرفنا ان نستضيف احد تلامذته السيد حسن النوري.

الرؤية القرآنية لدى الشهيد الصدر

الحديث عن السيد الصدر من الواجبات العينية على طلابه ومن يعرف عن افكاره البكر التي لا تزال عميقة وتحتاج لتفصيل. وقع على كتبه وجهوده بالدم، لا يعرف الانسان وهو يتحدث عنه هل يتحدث عن الاصولي الفقيه، عالم الاقتصاد ام العالم في مجال التاريخ والسيرة ام العالم في مجال التفسير الذي ابتكر طريقة في التفسير الموضوعي.

لم يمهله العمر ليكتب تفسيرا للقرآن ولعله كان يتمنى ان يكتب في التفسير الموضوعي وليس التفسير التجزيئي.

القى 14 محاضرة في مجال التفسير الموضوعي وطبقه على  السنن التاريخية في القرآن ودفع ذلك البعض للاعتقاد بان ذلك كان مقدمة لكتاب “مجتمعنا” الذي لم يكتبه وانما كتبه لاحقا السيد منذر الحكيم.

له طريقتان في طرح التفسير: التجزيئي والموضوعي.

مجموعة ما انتجه الشهيد الصدر صدرت باسم “الموسوعة القرآنية”.

كان مبدعا في طرحه لموضوع المعجزة عندما طلب منه السيد مرتضى العسكري منهجا لعلوم القرآن، فكتب مجموعة بحوث قرآنية وكان تلميذه الشهيد السيد محمد باقر الحيكم يلقيها في كلية اصول الدين في بغداد الذي اكمل منهج السنة الثالثة والرابعة وطبع بكتاب “علوم القرآن”.

السيد الصدر تحدث عن التفسير الموضوعي.

الشهيد الصدر تحدث في الاجابات على تساؤلات طرحها الطلاب اللبنانيون: هل للاسلام برنامج في شؤون الحياة كالاقتصاد مثلا؟ الشهيد كتب ستة بحوث حول ذلك وهي تمثل آخر ما كتبه وتمثل فكره عن الانسان والوحي والنبوة.

تحدث السيد عن الموضوعات القرآنية في البحوث القرآنية والاصولية فمثلا ﴿واعلموا انما غنمتم من شيء﴾، فسرها الشهيد ان ذلك يتصل بالحرب.

تحدث عن الظهور القرآني في مقابل الطرح الاخباري، وقال اذا وجدنا آية تفسر آية أخرى نستطيع تقديم تفسير وتحدث عن كيفية تفسير الروايات. هل القرآن يتحدث عن نفس الموضوع الذي تتحدث عنه الرواية؟

في موضوع الاراضي والطهارة هناك بحوث قرآنية.

ابدع في سن مبكرة في طريقة الاقتصاد والمذهب الاقتصادي واننا لسنا كآدم سميث او ماركس. علينا ان نصنع مذهبنا الاقتصادي. هناك حالات ذاتية تفرض على المجتهد ان يبذل جهده ليخلص للنص.اعجب بهذه البحوث علماء السنة والشيعة.

اقتصادنا مجموعة من البحوث في ابواب عديدة. اصبح الكتاب بحثا عن الانتاج والتوزيع ومواضيع البنوك. اقتحمها الشهيد بمصطلحات من علم الاقتصاد.

الاستاذ محمد المبارك قال اننا للمرة الاولى نجد باحثا يستخدم مصطلحات الاقتصاد.

الامر الاخر ان هناك موضوعات نشرها في مجلة “الأضواء” مثل الحرية في القرآن، ليلة القدر. هذا كله مجموع في المدرسة القرآنية.

اما التجديد في بحوث الشهيد الصدر، فنجد له صدى عند مالك بن نبي حيث يقول: انا عربي من الجزائر ولا استطيع ان افهم الاعجاز الادبي للقرآن.

الاستاذ محمود شاكر كتب مقدمة من 50 صفحة تتحدث عن ان كثير القرآن وقليله معجز وان الاعجاز انما هو الجانب الادبي.

الشهيد الصدر طريقته في معالجة المعجزة والاعجاز بشكل متعدد.

الشيخ محمد جواد مغنية حصل على نسخة من منهاج الصالحين، فقال: الصدر لا يخرج من الطريق الذي سلكه، بل يبحث عن طرق اخرى، لذلك عالج المعجزة من طرق شتى.

يقول القدماء ان المعجزة ان ياتي صاحبها بشيء مخالف للعادة. العلم يتحدث عن العلاقة المضطردة.

المعجزة هي القدرة على العمل في مجرى العلم المضطرب.

مطهري كان يقول ان النار ليست علة للحرارة. الشهيد الصدر كان يقول ان المعجزة ان يتحدى صاحب المعجزة الاضطرار الواصل بين العلة والمعلوم فهي كرامة حين تكون بدون ادعاء.

الامام الحسين عليه السلام دعا على شخص بأن لا يرتوي بالماء، فحدث ذلك فكان يشرب ولا يرتوي.

كان السيد الصدر يرى ان بالامكان ان نقول ان الكون يدار ليس بقوانين السببية والعلية بل بقانون العناية والسلطة الالهية. الله يجعل النار حارة في الوضع الطبيعي. ولكن حين يكون هناك تحد للارادة الالهية تكون النار بردا وسلاما كما حدث مع النبي ابراهيم عليه السلام. هذه سلطنة إلهية. الشهيد الصدر بحث في المعجزة بطريقة مختلفة للمعجزة.

السيد ابو القاسم الخوئي ذكر ابواب المعجزة القرآنية وقال ان منها:

البلاغ والبيان واسرار الخليقة وان القرآن الكريم لم يقع في اي تناقض بين آياته واستقامة المعاني او الاتقان واسرار الخليقة والبلاغة. هذا هو المنهج الساري.

الشهيد الصدر قال: لننظر الى الدليل الذي نستخدمه كل يوم لاثبات شيء ما. دليلنا هو العلم والتجربة وحساب الاحتمال.

هل وجدنا شخصا اميا ليس لديه تجربة في مجالات العلوم والتشريع، كيف وأنى له ان ياتي بهذه العلوم؟

السيد الطبطبائي في كتاب الميزان قال: هل يمكن ان يصدر هذا الاحصاء العجيب في رجل أمي لم يترب الا في حجر قوم لم يكن لهم نصيب كبير من الانسانية هل يستطيع ان يكتب كتابا كالقرآن؟

الشهيد الصدر يبين ان حساب الاحتمال هو دليلنا لعقائدنا.

الكلمة الاخيرة في الاسس المنطقية للاستقراء ان الطريق واحد لاثبات العقيدة ووجود الله.

حرر القلوب من الجاهلية ومن الشهوات وعلم العرب الذين لا يحسنون التاريخ. هذه عوامل مهمة. تأثير القرآن في هذه المجالات دليل انه معجزة. لم يرد في القرآن كلمة معجزة بل تحدث عن “آية”. ﴿أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون﴾. ﴿مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالًا نّوحِيَ إِلَيْهِمْ﴾.

الصدر قارن بين المكي والمدني بالطريقة التالية: لنفصل عن المكي والمدني بالهجرة وليس بالاسلوب. لنجعل الهجرة هي الفاصلة وليس المكان.

الشهيد الصدر ميز بين نوعين من التفسير. هناك تفسير الالفاظ وهناك تفسير المعاني. عندما يسمع المتكلم آية تتحدث عن آية تتكلم عن لفظة غريبة “مدهامتان” مثلا او “الروح”.

القرآن ليس به كلمة غير واضحة المعنى. في القرآن هناك تسميات اعجمية، لم يأت بفعل اعجمي او عرّبه. العرب يفهمون لغتهم، ويحبونها. كانوا يعتزون بهذه اللغة.

نحن مع القرآن الكريم الذي هو مجموعة مركبات لغوية او جمل. نحتاج لتفسير الفاظ القرآن الكريم. اين الصعوبة في القرآن الكريم؟ الصعوبة انما هي في المعاني القرآنية.

ما معنى الملائكة مثلا؟ انا محتار بالمعنى وليس بالمفردة او الجملة. لدينا التعريفات اللفظية، المفردة ومعناها كما يفعل القاموس. الجملة تتكون من مجموعة مفردات. ليس من المعقول ان لا يعرف العربي ما يراد من لغته فهي لغته.

المثال الذي اطرحه هو التالي:

ان شاء الله هذا المجلس وكل مجلس مثله اذا كنا نؤمن بالغيب واللطف الالهي فانه مجلس تحضره الملائكة. هل يحتاج المرء ان يعرف كيف تحضر الملائكة؟ الشهيد الصدر حضر عنده تلميذه السيد كاظم الحائري وكانوا يتدارسون كتاب “فلسفتنا” فقال الشهيد: لا أعرف مجلسا كمجلسكم هذا تحضره الملائكة. يكفي ان نعرف معاني الالفاظ.

تفسير المعنى ماذا يعني؟ ﴿ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها﴾. نفهم ان عيسى من خلق الله ، لم يأت من أب بل من أم. ﴿ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب…﴾. هذا معنى غيبي. ومن يسعى لطرح معنى حسي فهو داعية زيغ.

معاني القرآن على نحوين: واضحة ومعان غيبية. المتشابه عند الشهيد الصدر هو الآيات الغيبية ولا يجوز اعطاؤها معنى حسيا. الله لا يمكن ارجاعه الى جانب حسي. نقول يخطيء من يقول ان الله يمكن رؤيته بالعين يوم القيامة.

تفسير الالفاظ وتفسير المعنى. لا تجعلوا الناس ينفرون من القرآن ولا يجوز ان يقول احد انه يفهم القرآن كاملا. امرنا ان نتدبر بالقرآن وتعرض عقولنا عليه. هل نؤمر بذلك والقرآن غير مفهوم؟

اهم شيء في التفسير ان يعيش المفسر روحا اسلامية. انه ليس نصا تاريخيا بل نص ألهي نزل بضرب الامثال يستفيد منه الناس بمختلف طبقاتهم.

عندما درسنا علوم الكيمياء والفيزياء كانوا يعطونناعلى قدر عقولنا. كذلك نحتاج ان نميز بين العادات الجاهلية التي كانت حسنة ومرغوبة والعادات التي جاءت بسبب الانحراف.

مالك بن نبي في كتابه الظاهرة القرآنية يذكر ان القرآن في قصة يوسف يتفق مع التوراة في بعض التفصيلات.

القرآن هو المهيمن: هذا لسان عربي مبين.

موضوع التفسير مهم. اشير الى الجديد في منهج الشهيد  وهو التفسير الموضوعي. تفسير موضوعي للكلمة والسورة وموضوع للحياة.

سورة الانفال مثلا تطرقت لموضوع الجهاد. في ظلال القرآن تحدث سيد قطب عنها.

الشهيد اقترح الاطلاع على تفاسير في ظلال القرآن والميزان وتفسير الرازي.

الفخر الرازي منحه شرح صدر ولكنه يختار اختيار الاطفال.

ما يريده الشهيد الصدر هو موضوع من مواضيع الحياة: السنن الاجتماعية والسنن الكونية.

كيف عالجها القرآن، هل لها علاقة بالاختيار، هل لها استثناء؟ ما الجديد في التفسير الموضوعي الذي طرحه الصدر؟

انه لا يذهب للقرآن الكريم كما فعل مكارم شيرازي الذي جمع موضوعات.

الشهيد الصدر يقول: لناخذ موضوعا كالموضوع السياسي، ونقرأ ما كتب عن هذا الموضوع، وستظهر لنا تفصيلات، ثم نذهب للقرآن ونسأله عن تفصيلات الاجابة على الاسئلة التي اصبحت لدينا. نتحدث ونتحاور مع القآن الكريم ونستنطقه. القرآن سيكون هو المهيمن في هذه الحالة.