النظرية السياسية مستوحاة من حياة الامام علي الهادي عليه السلام
برنامج مؤسسة الابرار الاسلامية
النظرية السياسية مستوحاة من حياة الاaمام علي الهادي عليه السلام
الدكتور بهاء الوكيل
18 يناير 2024
الحديث عن الائمة يتشعب ولكن علينا ان نركز في احد الجوانب.
نتحدث عن الجانب السياسي من سيرة الامام وهل يمكن ان ننتزع نظرية سياسية من ذلك؟ وجدت بعد التحقيق بعض الخطوط العريضة وما يدعمها:
الدعامة الاولى في الجانب السياسي من حيث الممارس او القول والتفكير هو الصبر على ضغوط الحكام وسياسة النفس الطويل. فلو لم تكن لدى الائمة هذه الصفة لانتهى امر الإمام وحدثت المصادمة مع الحكام. هذا الصبر والتحمل والنفس الطويل احدى دعالمات النظرية السياسية.
الدعامة الثانية: استقطاب الامة
لا بد ان يكون له وزن لكي يحذر الحاكم من استهدافه.
الدعامة الثالثة: التصدي للتيارات الفكرية المنحرفة، السياسية او الفكرية. هذا التصدي دعامة للمجتمع الاسلامي.
الدعامة الرابعة: التمهيد للغيبة وتعيين الوكلاء. من خلال الوكلاء بدأت اتصالاته مع الامة في كل مكان ومن ثم التمهيد لغيبة الامام المهدي عليه السلام.
موضوع الصبر على ضغوط الحكام
عاش الامام 20 سنة الاولى من حياته في المدينة المنورة التي ولد فيها.
كل الائمة ولدوا في المدينة عدا امامين: الامام علي بن ابي طالب الذي ولد في الكعبة والامام الاخير، المهدي المنتظر كان في سامراء.
ولد الامام في المدينة وقضى العشرين عاما الاولى هناك. تولى الامامة وعمره ثماني سنوات. كان يافعا، وقد اجاب على كافة التساؤلات حول مدى قدرته في عمره الصغير. بعد ذلك استدعي من قبل المتوكل العباسي.
عاصر الامام ستة او سبعة من الحكام العباسيين: المعتصم والمتوكل والمعتز وغيرهم. نهج هؤلاء جميعا كان واحدا ما عدا المنتصر، كان جيدا وترك الخلافة. اما الآخرون فكان ديدنهم الضغط على العلويين. ماذا فعل المتوكل؟ أتى بالامام من المدينة الى سامراء. قبله كان المأمون والمعتصم يرسلون للائمة وحدهم، اما المعتصم فقد طلب الامام وكل من يحيط به من عائلته.
يحيي بن أكثم الذي بعثه المعتصم على رأس قوة من 300 عسكري وصلوا المدينة فرأوا ردة الفعل الكبيرة بين اهل المدينة احتجاجا على اخذ الامام الى سامراء.
كان الامام محبا للناس ومتفاعلا معهم، ويحل مشاكلهم ويقدم الخدمات لهم ويعلمهم. كان هناك 177 ممن يروي عنه، جعلته محورا لاستقطاب المسلمين.
عندما جاء ذلك القائد لاخذ الامام الى سامراء واجه ردة فعل كبيرة في المدينة، وهذا ساهم في تعظيم مقام الامام في عيني يحيي بن اكثم.
في بغداد كان اسحاق بن يعقوب واليا للمتوكل في بغداد، وقال له المعتصم: هذا حفيد رسول الله وعليكم بمداراته. عندما عبر جسر الرصافة كان الناس واقفين على الجانبين وابدوا الحزن لذهابه الى سامراء. هذا يكشف مدى شعبية الامام ومدى اعتماده على الامة.
الانسان حين يتصدى لأمر ويكون قياديا يجب ان تكون القاعدة هي الاساس، لا ان يفكر في الكبار فحسب، كما حدث عندنا في العراق. كثير من القادة الذين استلموا العراق لم يفكروا في القاعدة، فاصبح هناك تخلف، وليس هناك ارتباط مع الناس، تصوروا ان علاقاتهم الوثيقة مع الكبار يؤمن مكانهم. فلا المقام بقي، ولا الناس تذكرهم بخير، اتحدث عن الاغلب وليس الكل.
وصل الامام الى سامراء، وبدأ الضغط عليه. بقي يوما او اكثر في مكان يطلق عليه “خان الصعاليك” ولم يسمح له بمقابلة المتوكل الا بعد ايام. طلب منه ان يحضر يومي الاثنين والخميس لتسجيل الحضور، وهو امر غير لائق.
الصبر على المكاره كان دعامة اساسية. صبر الامام فاضطر المتوكل لمعاملته بما يليق، فاصبح يستقبله بشكل آخر ويشيد به.
في يوم من الايام كان البطحائي يقوم بوشاية ضد الامام وانه يجمع الاموال في سامراء. في احدى الليالي بعث المتوكل احد وكلائه، سعيد الحاجب، لكبس منزل الامام. فذهب وصعد الى السطح، وكان الامام جالسا على سجادة، فرأه يريد النزول من السطح فاعطاه الشمعة. نزل وفتش المنزل فلم يجد سوى سجادة الصلاة وصرة فيه مائة دينار، كانت ام المتوكل قد سلمته اياه. اخذ الامام على هذه الحالة وادخل على المتوكل في الليلة نفسها. سأله عن الصرة فقال الامام: اسأل والدتك. سألها، فقال: في احد الايام كنت مريضا وعجز الاطباء عن علاجك واستطاع الامام ان يعالجك. لم يشفك الا الامام ونذرت لله ان اعطي الامام ابن الرضا مبلغا، وهذا هو المبلغ. اعتذر المتوكل من الامام واعطاه صرة اخرى.
في ليلة اخرى جاءته وشاية وجيء بالامام في منتصف الليل، وطلب من الامام ان يشاركه في شرب الخمر، فقال: ما خالط جسدي الخمر، ثم طلب منه الغناء فرفض، فطلب منه قول الشعر فقال:
باتوا على قللِ الاجبال تحرسُهم غُـلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ
و استنزلوا بعد عزّ من معاقلهم وأودعوا حفراً يـابئس ما نزلوا
هذه القصيدة كان لها الوقع الكبير على هذا الطاغية، فقد ضربت على الوتر الحساس لديه، فهو افضل مصداق لهذه القصيدة، فأخذ يبكي ورمى الكؤوس واكرم الامام.
كان لدى الامام مرونة ساعدته على تحمل الصدمات والصبر وبذلك شكل ضربة للحكام. هذا احد اسرار نجاح سياسة الامام.
الدعامة الثانية: استقطاب الامة:
كانت المدينة كلها الى جانبه، وكذلك بغداد. وفي سامراء كان موضع حاجات الطالبين، كان يعيش همومهم ويجيب اسئلتهم ويدعو لهم. هذه المواقف جعلت الامام في موضع القيادة الشجاعة والمقدامة عند هؤلاء الناس.
الدعامة الثالثة: التصدي للافكار المنحرفة.
سجن الامام ووضع تحت الاقامة الجبرية ولكنه كان يتصدى لكل القضايا الفكرية المغلوطة التي كانت تذهب بالاسلام والمسلمين شمالا ويمينا، ومنها خلق القرآن. هذه فتنة اسسها العباسيون من ايام المامون والمعتصم والمتوكل. اشغلوا الناس بها وقتلوا المسلمين. اشغلوا الناس بهذه الفتنة وكان من ضحاياها احمد بن حنبل. كانت فتنة اسسها العباسيون، ولدينا الآن فتن تشغلنا عن المطالب الأساسية. كيف كان موقف الامام من هذه الفتنة؟
كانت له رسالة الى احد الشيعة في بغداد: عصمنا الله واياك من الفتنة، والا نهلك. نحن نرى ان الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق الا الله وما القرآن الا كلام الله. بهذه الكلمات لم يستفز الظالمين والحكام ولكنه بين مسائل جوهرية حول القرآن. ثم يقول للسائل: لا تجعل له اسما فتكون من الضالين. لا بد ان نحذو حذو الله والرسول في هذا المجال. ثم يقول: جعلنا الله واياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. هذا الموقف جعل اتباعه بمنأى عن هذه الفتنة.
هذا الاسلوب الايجابي والعلمي في مقارعة التيارات الفكرية كان احد اعمدة سياسة الامام.
الدعامة الرابعة: التمهيد للغيبة وتعيين الوكلاء. كان الامام الهادي يواجه قضية الوكلاء. الوكيل في بغداد، عثمان بن سعيد العمري، اصبح السفير الاول للامام الحجة، وكان معتمدا من قبل والد الامام. عثمان بن سعيد كان تاجرا في الدهن، بين سامراء وبغداد. هذه التجارة ساعدته على تبني سياسة ناجحة، كان يذهب الى الامام كبائع السمن، ويوصل له الرسائل وياخذ منه رسائله لاصحابه، وينقل الاموال الى الامام. هذا الدور الذي قام به عثمان بن سعيد كان ناجحا، وكان حلقة الوصل بين الامام والامة وقد حل الكثير من المشاكل والمفتن. كان هناك 13 وكيل للامام الهادي موزعين على الامصار، بغداد، البصرة، ايران. كانوا حلقة الوصل بين الامام والامة.
برغم الظروف القاسية من اعتقال واقامة جبرية، كان يتصل بالامة ويحس بالمشاكل. لذلك كان هناك تعلق كبير من المسلمين بهذا الامام العظيم.
النقطة الاخرى في قضية الوكالة هي التمهيد للامام الحجة. عندما جعل الناس اكثر اعتمادا على الوكلاء، قلل مجيء الناس الى سامراء. وهذا مهد للامام الحجة، حيث بدأ الناس يعتادون ظاهرة الغيبة. مسألة الغيبة الصغرى ثم الكبرى اصبح الاتباع معتادين عليها ولم تشكل ردور افعال سلبية. هذا نموذج من نماذج التكيف السياسي من جانب القيادة السياسية.
هناك قضية اخرى حدثت في هذا المجال. كان للامام اخ اسمه موسى بن الامام محمد الجواد. كان عازفا وقصافا، كان على الخط الآخر، كان مشغولا باللهو. في احدى الجلسات قال المتوكل: لقد اعياني امر ابن الرضا، فماذا افعل؟ قالوا: هل لك ان ترسل الى اخيه موسى؟ قال: ثم ماذا؟ قالوا: اذا جاء موسى وهو مشغول باللهو والطرب فسوف يقولون ان ابن الرضا يعزف ويغني، وبذلك نشوه صورة الامام، وبذلك نقضي عليه. قال: حسنا. فطلبوا موسى، ولكن الامام التقى به قبل ان يصل الى المتوكل، فاخبره بان المتوكل يريد منك كذا وكذا ولكنه لم يستجب للامام، فقال الامام: ما دمت مصرا، فلن تجتمع معه. وفعلا مكث ثلاث سنوات ثم مات المتوكل ولم يلتق به. فوقى الله المسلمين هذه الفتنة.
هذه خلاصة الوضع السياسي الذي كان الامام يعيشه
شهادته: حينما لم يحصلوا من الامام اي شيء ارادوه منه، ولم يحقق اهدافهم، قرروا الاغتيال. اغتيل بالسم كما حدث لآبائه، وبقي في البيت حتى مات.