طأطأت الرأس وعالم التكنولوجيا الحديثة

أ. علاء آل عيسى

شهد العالم في السنوات الأخيرة ثورة تكنولوجية هائلة شملت العديد من المجالات التي تختص بحياة الإنسان اليومية، وأدت هذه الثورة إلى ابتكار العديد من الأجهزة والوسائل التقنية التي ساعدت في إيجاد طرق أبسط لحل المشكلات، وعلاج الأمراض، والتنقل بين المدن، وأسهم دخول الإنترنت إلى عالم الاتصالات في إحداث نقلة نوعية في استخدام الهاتف المحمول، حيث أصبح بالإمكان التواصل مع الأشخاص في كل أرجاء العالم من خلال تطبيقات خاصة، مما جعل بعض مستخدمي هذه الهواتف يطيلون النظر في هذه الأجهزة إلى حد التأثير على العين، وفي هذا المقال سيتم تناول معلومات عن أضرار الهاتف المحمول على العين. 

إن النظر إلى الأسفل (طأطأة الرأس اي خفضه) لفترات طويلة خلال الإمساك بالهاتف الجوال يتسبب بآلام في الرقبة، بالإضافة إلى الشعور بتيبس الرقبة وشد في عضلاتها، وقد يتطور الأمر إلى آلام بالأعصاب والتي قد تمتد إلى الظهر أو إلى الكتفين ثم الذراعين. لذا ينصح بأخذ راحة من الإمساك بالهاتف الجوال كل 20 دقيقة على الأقل، كما ينصح بعدم إمالة الرقبة إلى الأسفل والجسم إلى الأمام أثناء إمساكه. حيث يفضل إمساك الهاتف الجوال إلى أعلى خلال تصفح الإنترنت أو كتابة الرسائل خلال الدردشة مع الأصدقاء. كذلك هناك مخاطر صحية لانشغال الوالدين بالجوال عن الأطفال وانعدام التواصل يؤدي إلى السلوك السيئ لدى الصغار نتيجة تجاهل احتياجاتهم. 

وخلافاً لما يعتقد الكثيرون حول علاقة استخدام الهاتف الجوال بالصحة، فإن التأثيرات الصحية السلبية والحقيقية في الجانب النفسي قد تفوق في الأهمية التأثيرات الصحية السلبية المحتملة في الجانب البدني. وفي مجلة “نمو الطفل”  Child Development، نشر الباحثون من جامعة ولاية إلينويز الأميركية تأثيرات إفراط الوالدين في استخدام الهواتف الجوالة (الموبايل) على سلوكيات أطفالهم، خصوصاً حول مدى تفشي سلوكيات نوبات الغضب والمظاهر الأخرى لسوء السلوك عند الأطفال، وذلك ربما نتيجة لشعور الأطفال أن الانشغال المفرط للوالدين باستخدام الهواتف الجوالة هو نوع من التجاهل والازدراء لاحتياجات الطفل للرعاية والاهتمام من قبلهما، وبالتالي حصول تغيرات سلوكية لدى أطفالهما، كما لاحظ الباحثون. 

وعلقت على الدراسة البروفسورة سوزان نيومان، أستاذة في تعليم الطفولة ومحو الأمية بجامعة نيويورك، بالقول: kids-on-phone“أثني على الدراسة التي تسلط الضوء على استخدام الوالدين للتكنولوجيا بدلاً من الدراسات التي تركز على استخدام الأطفال لها، وهي الدراسات التي يتم إجراؤها بشكل متكرر”. وأضافت قائلة: “كثيرا ما أرى أن الآباء يتجاهلون أطفالهم تماماً، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى نشوء السلوك السيئ بين أولئك الأطفال، لأن احتياجاتهم يتم تجاهلها تماماً من قبل الوالدين، والأطفال بحاجة إلى التفاعل مع الوالدين، وعندما يعزل الآباء والأمهات أنفسهم عن طريق اللهو بهواتفهم الجوالة فإن الأطفال لا يحصلون على هذه الحاجة الإنسانية الأساسية، وهي الاهتمام بهم في أوقات معينة”. 

وكانت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (APA)، قد حدّثت نشرتها الخاصة باستخدام الوالدين للهاتف الجوال بعنوان: “والدين الأطفال الصغار: ضعوا هواتفكم الجوالة جانباً”. وقالت إن الالتهاء الكبير بالتكنولوجيا وإجراء القليل من الحديث مع الأطفال يُعيق النمو الطبيعي للتواصل لدى الأطفال. وأضافت في حديثها الموجه للوالدين: “تنفقون الكثير من الوقت للتأكد من تناول أطفالكم للطعام بطريقة صحيحة، وللتأكد من تلقيهم للقاحات اللازمة ولنيلهم القسط الكافي من الراحة، ومع ذلك فإن نمو تواصلهم الاجتماعي بشكل طبيعي هو أمر لا يقل أهمية عن تلك الجوانب الصحية البدنية. إن الأطفال يكتسبون مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية من خلال الاستماع والحديث والقراءة واللعب مع والديهم، وهذه التفاعلات كلها تضيع حينما تكونون مشغولين بالهواتف الجوالة”. 

وأفادت نشرات منظمة الصحة العالمية (WHO) بأن “الهواتف الجوالة تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من وسائل الاتصال الحديثة. والملاحظ، في كثير من البلدان، أنّ أكثر من نصف السكان يستعملون الهواتف الجوالة، وأنّ سوق تلك الهواتف في نمو مستمر. 

لقد شهدت مبيعات الهواتف نمواً استثنائياً في سنوات ما قبل عام 2020، حيث ارتفعت شحنات الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم من 173 مليون هاتف في عام 2009، إلى 1.56 مليار هاتف في عام 2018. 

ولكن مبيعات الهواتف الذكية بدأت تتراجع مع ظهور فيروس كوفيد-19 في نهاية 2019، ليستمر هذا التراجع حتى عام 2022 الذي سجلت خلاله شحنات الهواتف في العالم انخفاضاً نسبته 12 بالمئة، إلى 1.2 مليار هاتف. 

ويبدو أن المسار التراجعي لمبيعات الهواتف سيستمر في 2023، حيث أظهرت البيانات تراجع شحنات الهواتف الذكية حول العالم بنسبة تفوق 13 بالمئة إلى نحو 268 مليون هاتف ذكي خلال أول 3 أشهر من 2023. 

 كذلك هناك امر مهم الا وهو التأثير على صحة الانسان نظرا إلى العدد الكبير لمستخدمي الهواتف الجوالة، حيث يجب إجراء التحرّيات الصحية اللازمة بشأن تلك الهواتف والسعي إلى فهم ورصد آثارها المحتملة على الصحة العمومية. ومعلوم أن الهواتف الجوالة تقوم بالاتصالات مع بعضها بإرسال موجات راديويةRadiofrequency Waves عبر شبكة من محطات الهوائيات الثابتة. وموجات التردّد الراديوية تلك هي مجالات كهرومغناطيسية  Electromagnetic Fields لا يمكنها كسر الروابط الكيميائية أو إحداث تأيّن في جسم الإنسان، على عكس الإشعاع المؤيّن Ionizing Radiation من قبيل الأشعة السينية أو أشعة غاما. 

وأفاد الباحثون من جامعة ولاية إلينويز في دراستهم الحديثة بأن الأطفال الصغار الذين ينشغل والديهم عن الاهتمام بهم خلال الأوقات التي من المفترض أن يقضيها معاً أفراد الأسرة، هم أطفال أكثر عُرضة لإساءة التصرف وعدم التحلي باللياقة والآداب العامة، كاللجوء إلى تحطيم الأشياء وإظهار نوبات الغضب وكثرة الصراخ والعويل في المنزل وخارجه. 

والواقع أن ثمة كثيراً من الدراسات التي بحثت في تأثيرات وسائل التكنولوجيا بأنواعها على سلوكيات الأطفال، ووفق ما تشير إليه نتائج الإحصائيات فإن الأطفال ما بين عمر 8 و18 سنة يقضون نحو سبع ساعات ونصف يومياً في مواجهة شاشات الترفيه، سواء كانت شاشات التلفزيون أو الكومبيوتر أو الهاتف الجوال أو الكومبيوتر اللوحي وغيرها. 

وشمل الباحثون في دراستهم الحديثة 170 أسرة، ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن 50 في المائة من الوالدين ينقطعون عن التواصل مع أطفالهم أكثر من ثلاث مرات خلال اليوم الواحد بسبب الانشغال بإحدى وسائل التواصل التقني، خصوصاً الهواتف الجوالة، وأن ذلك مرتبط بارتفاع وتيرة نوبات الغضب والصراخ وإساءة السلوك من قبل الأطفال. 

السؤال الاخر هو كيف غيرت الهواتف الذكية عاداتنا داخل وسائل المواصلات؟ 

تجذب الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية اهتمام ركاب الحافلات والقطارات هذه الأيام. لكن هل يعني ذلك أنهم “غائبون” عن واقعهم؟ وماذا يفعل الركاب الذين لا يستخدمون مثل هذه الأجهزة خلال تنقلاتهم؟ 

إذا كنت تستقل حافلة أو قطارا في زمننا هذا، ستجد أنك محاط بركاب يتنقلون يومياً إلى أعمالهم وهم يتطلعون إلى ألواح من الزجاج والمعدن في أياديهم. لعل وسائط النقل العمومية هي أكثر الأماكن التي تجد فيها جمهوراً واسعاً يقع حقاً تحت أسر التكنولوجيا. ومع ذلك يشكو الكثير منا من شعور مزعج ينتابه نتيجة الاعتماد على الهواتف باعتبارها ضارة نوعا ما. 

نرى ان اكثر الركاب لا يأبهون بما يجري حولهم. انهم يتطلعون الى الاسفل الى هواتفهم النقالة.  فعندما يخرج القطار فوق الارض والشمس مشرقة فان اكثر المسافرين لا يشعرون بما حولهم من المناظر الطبيعية الخلابة. 

ومن المؤسف جدا انه نرى الكثير من مستخدمي الجهاز النقال يقضون اكثر اوقاتهم على الالعاب الموجودة على هاتفهم او يستمعون الى الموسيقى ولكنهم لا يقرأون اي كتاب ولا يواكبون الاحداث الجارية حولهم، انهم يستمعون فقط الى الموسيقى وما شاكل. 

كما انه هناك انحساراً متزايداً في قدرات الطلبة على القراءة وإعارة الانتباه بسبب نمو التكنولوجيا. هناك بلا شك احباط في هذا المجتمع. لن تستطيع رؤية العالم من حولك إذا كنت تنظر نحو الأسفل طول الوقت. 

هناك اعتقاد سائد، وفي الواقع قلة من الأدلة التي تدعم ذلك، مفاده أننا إذا ألهينا أنفسنا، أو “عشنا اللحظة” فسوف يتولد لدينا إحساس أفضل. لكن، وكما يبين العديد من ركاب قطارات الأنفاق، تستطيع استعمال هاتفك لهذا الغرض أيضاً. هل راجعت نفسك يوما ما عندما نفذت بطارية جهازك واضطررت الى ان تتطلع حولك؟نحن ننعزل ونضع أنفسنا في جوّ من الوحدة. نعير الانتباه على الدوام لأجهزتنا التي يُضرب بها المثل، وتركنا كل شيء آخر، سواء كانت تأملاتنا، أو قراءة صحيفة ما، أو أي شيء كان. 

تفكك المجتمع، ابتعد الاولاد عن ابائهم، لا نرى بعضنا البعض، انها الحضارة والتكنولوجيا التي ادت الى خسران اولادنا، اصدقاءنا وربما انفسنا ايضا. نحن نسير نحو المجهول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى