
بيان معاني القُرآنِ الكريمِ في ضَوْءِ التَّحْليلِ اللُّغُوِيّ
محاضرة ألقيت في مؤسسة الابرار الاسلامية
الدكتور عبدالكريم الزبيدي
التاريخ: 6 مارس 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رَسُولِهِ الأمينِ الذي أَنْزَلَ إليه القُرآنَ الكريمَ بلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ، وعلى آلِهِ الطّاهرينَ، وأصحابِهِ المَيامِينَ، وبعد؛
فقد رأيتُ أنَّ تفاسيرَ القُرآنِ الكريمِ المُطَوَّلَةَ على اخْتِلافِ مناهِجِها لا تُبَيِّنُ المعنى الذي يَكْشِفُ عَنْهُ نَظْمُ كُلِّ آية من آياتِ القُرآنِ وَفْقَ أساليبِ العَرَبِ في الكلامِ، بَلْ رَأيتُ أنَّ المُفَسِّرين حينَ يَتَناوَلُونَ تَفْسِيرَ آيةٍ أو مَجْمُوعةٍ من آياتِ القرآن يَتَشَعَّبُونَ في اتّجاهاتٍ كثيرةٍ، ويَحْشُدُونَ في تفاسيرِهِم أحادِيثَ وأقوالاً بعْضُها يُخالِفُ بَعْضاً، ولا يُمَكِّنُونَ مَنْ يُريدُ مَعْرِفَةَ معنى آيةٍ أو مَجْمُوعةٍ من آياتِ القرآن من الوُصولِ إلى المَعْنَى الذي يَكْشِفُ عَنْهُ نَظْمُ كُلِّ آيةٍ من آياتهِ وَفْقَ أساليبِ العَرَبِ في الكلامِ، كما رأيتُ أنّ تفاسيرَ القُرآنِ الكريمِ المُخْتَصَرةَ مِثْلَ تَفْسِيرِ الجلالين (جلال الدّينِ مُحَمّد بن أحمد المحلّي، المتوفّى سنة 864 هـ، وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفّى سنة 911 هـ)، وتَفْسيرِ شُبّر (السيد عبد الله شُبّر، المتوفّى سنة 1242 هـ) لا تُقدّم المعنى الذي يكشفُ عنه نَظْمُ كُلِّ آيةٍ من آياتِ القرآنِ وَفْقَ أساليبِ العَرَبِ في كلامِهم.
ورأيتُ أنَّ أغْلبَ المُفسِّرين يَجْعَلُونَ معاني آياتِ القُرآنِ مُقْتَرِنَةً بالأحاديثِ والرّواياتِ التي يَسْتَعِينونَ بها لبيان معاني آياتِ القُرآنِ، وقد ظَهَرَ بسَبَبِ ذلك جماعةٌ من المُشْتَغِلينَ بالدِّينِ مِمَّنْ ليس عِنْدَهُم عِلْمٌ بأساليبِ العَرَبِ في الكلامِ التي نَزَلَ بها القُرآنُ الكريم يَجْتَهِدونَ في ضَوْءِ المعاني التي بَيَّنَها المُفَسِّرونَ في ضوءِ الأحاديثِ والرّواياتِ، فخَرَجَتْ منهم فتاوى لا تَسْتَنِدُ إلى المعنى الذي يَكْشِفُ عَنْهُ نَظْمُ كُلِّ آية من آياتِ القُرآنِ وَفْقَ أساليبِ العَرَبِ في الكلامِ، بَلْ تَقُومُ على المعنى الذي أوْحَتْهُ الأحاديثُ والرّواياتُ التي اسْتعانَ بها المُفَسِّرونَ لبيان معاني آياتِ القُرآنِ، فظَهَرَتْ بسَبَبِ تلك الاجْتِهاداتِ والفَتاوَى جَماعاتٌ مُتَشَدِّدَةٌ مُتَطَرِّفَةٌ في الدِّينِ تُجيزُ تكفيرَ غيرِهِم مِمَّنْ لم يَعْتَقِدُ بما يَعْتَقِدُونَ، ولا يَرَوْنَ رَأْيَهُم، وتُجيزُ قَتْلَهُم وأخْذَ أموالِهم واسْتِحلالَ نِسائِهِم، ويَدَّعُونَ افْتِراءً على اللهِ أنَّ القُرآنَ نَزَلَ بذلِكَ، ولا سَبيلَ للخُرُوجِ من هذا الانْحِرافِ عن دِينِ اللهِ السَّويِّ المُعْتَدِلِ إلّا بفَهْمِ معانِي كتابِ اللهِ العزيزِ كما فَهِمَهُ العربيُّ المُعاصِرُ لنُزُولِ القُرآنِ الكريمِ بناءً على معرفتِهِ نظامَ كلامِهِم، وأسالِيبَهم في التّعْبيرِ .
ولمّا كانَ القرآنُ الكريمُ قد أنْزَلَهُ اللهُ على رَسُولِهِ الأمينِ مُحَمّدٍ (ص) بلِسانِ العَرَبِ وأساليبِهِم في الكلامِ فَقَدْ جَعَلْتُ نفسي – لكونِي مُتخَصِّصاً باللُّغةِ العَرَبِيّةِ، وقَصْرِي عليها جهْدِي وبَحْثِي – مَوْضِعَ العَرَبيِّ الذي عاصَرَ نُزُولَ القُرآنِ الكريمِ على الرَّسُولِ الأمينِ مُحَمَّدٍ (ص)، فأقْرَأُ الآيةَ أو مَجْمُوعةَ آياتٍ تُعَبِّرُ عن مَوْضُوعٍ، وتَنْتَظِمُ في سِياقِهِ، وأُحاوِلُ أنْ أفْهَمَها كما فَهِمَها العَرَبِيُّ الذي سَمِعَها من الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (ص) وهو يَتْلُوها على قَوْمِهِ العَرَبِ.
ولأجْلِ أنْ أفْهَمَ معنى كُلِّ آيةٍ من آياتِ القرآنِ أقومُ بتَحْلِيلِها وَفْقَ نظامِ ائتلافِ ألفاظِ الجُملةِ في كلامِ العرب، وأساليبِهم في التَّعبير، لأنَّ اعتمادَ طريقةِ التَّحليلِ اللُّغَوِيّ لكُلِّ آيةٍ مَطْلُوبٌ في زَمانِنا الحاضِرِ بسَبَبِ ابْتِعادِ العَرَبِ في الزّمَنِ الحاضِرِ عن عَصْرِ نُزُولِ القُرآنِ الكريمِ، وعن عَصْرِ مَعْرِفَةِ العَرَبِيِّ نظامَ ائتلافِ ألفاظِ الجُملةِ في كلامِ قومِهِ العَرَبِ، ومعرفَتِهِ أساليبَهم في التَّعْبِيرِ .
ولأجْلِ أنْ أُمَكِّنَ مَنْ يُريدُ مَعْرِفَةَ معانِي القُرآنِ من الوُصُولِ إلى المَعْنَى الذي يكشفُ عنه نَظْمُ كُلِّ آيةٍ من آياتِهِ الكريمةِ وَفْقَ أساليبِ العَرَبِ في الكلامِ قُمْتُ – بَعْدَ التَّوَكُّلِ على اللهِ – ببَيانِ معاني آياتِ القرآنِ الكريم بالاعْتِمادِ على تَحْلِيلِها وَفْقَ نظامِ ائْتِلافِ ألفاظِ الجُملةِ في كلامِ العرب، وأساليبِهم في التَّعبيرِ بعيداً عن مَناهِجِ تَفْسِيرِ القُرآنِ بالرواياتِ والأقْوالِ وأسبابِ النُّزُولِ، والقَصَصِ المَرْوِيَّةِ، مُجَرِّداً نَفْسِي من كُلِّ مَذْهَبٍ أو رَأْيٍ سابِقٍ، أو اعْتِقادٍ سابِقٍ، لكي لا يَكونَ المَعْنَى الذي أُحاوِلُ تَقْدِيمَهُ لقارِئِ القُرآنِ مُؤَوَّلاً بما يَتَوافَقُ معَ مَذْهَبٍ، أو رَأْيٍ سابِقٍ، أو اعْتِقادٍ سابِق، ونأيْتُ بنَفْسِي عن كُلِّ رِوايةٍ أو حَديثٍ اسْتَعانَ بِهِ المُفَسِّرُونَ في تفاسيرِهم، واعْتَمَدْتُ في بيانِ معاني آياتِ القرآنِ على التَّحْليلِ اللُّغَوِيِّ فقط، وأسْمَيْتُ عَمَلي هذا (بيان معاني القُرآنِ الكريمِ في ضَوْءِ التَّحْليلِ اللُّغُوِيّ)، وغايتي من عَمَلِي هذا فهْمُ معاني كتابِ اللهِ كما فَهِمَها العَرَبِيُّ الذي سَمِعَها من الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (ص) وهو يَتْلُوها على قومِهِ العَرَبِ، ومَنْهَجِي في هذا العَمَلِ أُوَضِّحُهُ بالنّقاطِ التَّالِيَةِ :
1 – اعْتَمَدْتُ على النَّصِّ القُرآنِيّ الموجودِ في المُصْحَفِ الشَّريفِ المُتَداوَلِ بخَطِّ عُثمان طه، والقراءةُ التي اعْتُمِدَتْ في هذا المُصْحَفِ هي القِراءَةُ المُعْتَمَدَةُ عِنْدِي .
2 – تَناوَلْتُ كُلَّ آيةٍ من آياتِ القُرآنِ الكريم بالتّحليلِ اللُّغَوِيّ من جميعِ نَواحِي نصِّها، من ناحيةِ ائْتِلافِ ألفاظِها الذي تأخُذُ كُلُّ كَلِمَةٍ فيه موضِعَها الإعرابيَّ في نَصِّ الآيةِ حَسبَ ما يَقْتَضِيه المَعْنَى المُرادُ إيصالُهُ، ومن ناحيةِ تقديمِ بعضِ كَلِماتِ نَصِّ الآيةِ، أو بعضِ مقاطِعِهِ من مواضِعِها الأصليّة إلى موضِعٍ آخَرَ حسبَ ما يَقْتَضِيه المعنى المُرادُ إيصالُهُ من تَسْلِيطِ الاهْتِمامِ، أو لَفْتِ الانْتِباهِ إلى هذهِ الكَلِمَةِ أو ذلك المَقْطَعِ، ومن ناحيةِ حَذْفِ بعضِ كلماتِ الجُملةِ جوازاً أو وجوباً على ما تَقْتَضِيه أساليبُ كلامِ العَرَبِ، أو حذفِ كلامٍ لأجلِ الاختصارِ بِناءً على عِلْمِ المخاطَبِ أو السّامعِ به، ومن ناحيةِ أساليبِ كلامِهم في التَّوْكيدِ، والمَدْحِ والذمِّ والتعَجُّبِ والنِّداءِ، وغيرِها، ومن ناحيةِ الوَصْلِ بين الجمل، وما يُحقّقُهُ من معاني مِثْل إشْراكِ ما قبلَ حرفِ العطف وما بَعْدَهُ في الحُكم الإعرابي، أو الرَّبْط بين الجُمَلِ التي يَجْمَعُها سِياقٌ واحدٌ، أو موضوعٌ مُشتركٌ، ومن ناحية الفَصْلِ بين الجُمَلِ، وما يُحقِّقُهُ من المعاني، مِثْل أنْ تكونَ الجملةُ حالاً ممّا قبلها، أوصفةً لما قبلها، أو توكيداً لما قبلها، أو تفسيراً لها، أو بياناً لها أو بدلاً منها، أو تعليلاً لها، ومن ناحيةِ الأساليبِ التي يَسْتَعْمِلُها العَرَبُ في تَوْضِيحِ معاني كلامِهم، مِثْل التَّشْبِيهِ بأصنافِهِ، والاسْتِعارَة بأصنافِها، والكِنايةِ بأصْنافِها، والمَجازِ بأصْنافِهِ، ومعاني الاستفهامِ والأمْرِ والنَّهْي والنَّفْي، وهو ما اصطُلِحَ عليه بعُلوم البلاغة التي تشتملُ على علومِ البيانِ والمعاني، ومن ناحيةِ المعنى المُعْجَمي للألفاظ والحُروفِ المَوجودَةِ في النَّصِّ، وبَعْدَ التَّحْليلِ اللُّغَوِيّ للآيةِ من جميع نواحِي نَصِّها يَبْرُزُ معناها الذي يُطابِق نَظْمَها .
3– إذا اختلفتْ أعاريبُ المُعربينَ في كلمةٍ من نَصِّ الآيةِ، أو جُملةٍ منها فإنّي أعتمدُ الإعرابَ الذي يُوافِقُ التَّحليلَ اللُّغَوِيَّ لنّصِّ الآيةِ وَفقَ أساليبِ العَرَبِ في الكَلامِ، ويُوافِقُ السِّياقَ، وأطرحُ بقِيَّةَ الأعاريبِ، ولا أُلزِمُ نفسي بالأخْذِ بالإعْرابِ المُعْتَمَدِ لدى عُلماءِ النّحْوِ البصريين، أو علماءِ النَّحْوِ الكوفيين، وقد يكونُ لي رأيٌ مُخالفٌ لما ذَكَرَهُ مُعْرِبُو القُرآنِ لآيةٍ أو أكثرِ إذا كان ما ذكروه لا يُوافِقُ التَّحليلَ اللُّغَوِيَّ لنّصِّ الآيةِ وَفقَ أساليبِ العربِ في الكلام، ولا يُوافِقُ السِّياقَ .
4 – لم أعْتَنِ بإعرابِ آياتِ القرآنِ إعراباً مُفَصَّلاً، كما لم أعتنِ بذِكْرِ علاماتِ الإعرابِ الظاهرةِ والمُقدّرَةِ للألفاظِ ، لأنّ الغايةَ من التَّحليلِ اللُّغَوِيّ الذي اعْتَمَدْتُهُ هي الكشْفُ عن مَعْنَى نَصِّ الآيةِ، ولكنْ يُمكنُ أنْ يجدَ طالبُ إعرابِ القُرآنِ بُغْيَتَهُ في الإعرابِ الذي ذكرتُهُ.
5 – وجدتُ أنّ نصَّ القرآنِ الكريمِ نصٌّ مُوجَزٌ غايةَ الإيجازِ، ويعتمدُ إيجازُهُ على حَذْفِ كلمةٍ أو أكثر، أو حَذْفِ جُملةٍ أو أكثر في نصّ الآية، وهذا الإيجاز يُسَمَّى في لغة العرب بـ(إيجاز الحذف)، أو يعتمدُ إيجازُهُ على نَظْمِ الآيةِ في كلماتٍ قليلةٍ تُعبِّرُ عن معانٍ كثيرةٍ، وهذا الإيجازُ يُسَمَّى في لغةِ العَرَبِ بـ(إيجاز القَصْر)، والإيجازُ في آياتِ القرآنِ بنَوعَيْهِ يَعْتَمِدُ على مَعْرِفَةِ المُخاطَبِ أو السّامِعِ العربيِّ نظامَ الإيجازِ في لُغَةِ العَرَبِ المُعْتَمِدَ على مَعْرِفَةِ القرائِنِ الحاليَّةِ التي تَحُفُّ بالكلامِ وَقْتَ قولِهِ، ومنها معرفةُ المُخاطَبِ السابقةُ بالأمْرِ أو الحادثَةِ التي يتحدّثُ عنها المتكلّمُ، فيُوجِزُ المتكلّمُ كلامَهُ بحذفِ كلمةٍ أو أكثر، أو جُمْلةٍ أو أكثر بناءً على عِلْمِهِ أنّ المُخاطَبَ أو السّامِعَ قد عَرَفَ تفاصيلَ الحادثةِ أو الأمْرِ الذي يَتَحَدَّثُ عنه، ومنها كونُ المُتَكَلِّم قد تَحَدَّثَ عن أمْرٍ أو حادِثةٍ في مناسباتٍ مُتعدّدةٍ، فيُوجِزُ المُتُكَلِّمُ كلامَهُ بحَذْفِ كلمةٍ أو أكثر، أو جُمْلَةٍ أو بَعْضِ أجزائِها، أو أكثر من جملةٍ اكتفاءً بما تحَدَّثَ به عن الأمْرِ أو الحادِثَةِ في كلامٍ سابقٍ لَهُ، ومنها القرائِنُ اللَّفْظِيَّةُ التي تُجيزُ للمتكلّم أو توجبُ عليه حَذْفَ كلمةٍ أو جملةٍ، وهو ما اصطُلِحَ عليه بالحَذْفِ الجائز أو الواجب، ومنها قرينةُ السِّياقِ، فيُوجِزُ المتكلّمُ كلامَهُ بحذفِ كلمةٍ أو أكثر، أو جملةٍ أو بعضِ أجزائِها، أو كثر من جملة اكتفاءً بدلالةِ سِياقِ كلامِهِ عليها، والإيجازُ بنَوْعَيْهِ يُعَدُّ عندَ العَرَبِ من أسُسِ كلامِهم المُهِمّة، ويَدُلُّ على فَصاحَةِ المُتكلّم، ولا يُعَدُّ العَرَبِيُّ فصيحاً إذا لم يسلُكْ طريقَ الإيجازِ في كلامِهِ، ويجبُ تقديرُ المحذوفِ لأجْلِ إبْرازِ المَعْنى الكامِلِ لنَصِّ الآيةِ، وقد اجْتَهَدْتُ أنْ يكونَ تقديرُ المَحْذُوفِ بناءً على تِلكَ القرائِنِ .
6– اعْتَمَدْتُ في بيانِ معاني كلماتِ الآياتِ على المعاجمِ اللُّغويّةِ، وتتبَّعْتُ تطوّرَ معنى الكلمةِ تاريخيّاً من خلالِ ذِكْرِ معانيها في المعاجم اللغويّة، وإذا كانت المعاجِمُ اللُّغَوِيَّةُ قد ذكرتْ للكلمةِ القُرآنيةِ أكْثرَ من معنى فإنّي أنْتَقِي المعنى الذي يُناسِبُ النّظْمَ والسّياقَ، ولم أغفلْ عن ظاهِرَةِ التّضْمِينِ في لُغَةِ العربِ، وتعني: (إيقاعُ لفظٍ موقعَ غيرِهِ، ومُعاملتُهُ مُعاملتَهُ، لتضمُّنِهِ معناهُ، واشتمالِهِ عليه) .
7 – اجتهدتُ في أنْ يكونَ معنى الآيةِ مُطابقاً للتَّحْليلِ اللُّغَوِيّ وفي حُدودِ المعاني التي تَدُلُّ عليها ألفاظُ الآيةِ المذكورةِ في المعاجم، أو المعاني التي تَتَضَمَّنُها بعضُ ألفاظ ِالآية، والمعاني التي يَدُلُّ عليها التَّقْدِيمُ والتّأخيرُ في ألفاظِ الآيةِ، والمعاني التي تَدُلُّ عليها أساليبُ الاسْتِفهامِ والأمْرِ والنّهْي والنِّداءِ والمَدْحِ والذَّمِّ والحَصْرِ والقَصْرِ والاسْتِثْناءِ والتّحذيرِ والإغْراءِ والاختصاصِ والتّشبيهِ والاسْتِعارَةِ والمجازِ والكنايةِ، والمعاني التي يُحَقِّقُها البَدَلُ والصِّفَةُ والتّوكيدُ والعَطْفُ، ومعاني (إنّ) وأخواتِها، ومعاني (كان) وأخواتِها، ومعاني أفعالِ المُقارَبَةِ والرَّجاءِ والشُّروعِ، ومعاني أدواتِ الشرط، وحروفِ النّفي والنّهْي، وبقيّةِ حروف المعاني، والمَعْنَى الذي تَدُلُّ عليه الجُملةُ الاسميّةُ، والفِعْلِيّةُ، والمعنى الذي يَدُلُّ عليه الفِعْلُ المُضارعُ والماضي والأمْرُ .
8 – اعْتَمَدْتُ المعنى الذي يُبْرِزُهُ التَّحْليلُ اللُّغَوِيُّ لنَصِّ الآيةِ فقط، ولم أعتنِ بما ذَكَرَهُ المُفسّرون من الاختلافِ في أقوال الأوائل الذين اشْتَغَلُوا بتَفْسِيرِ القرآن الكريم مِثْلِ ابنِ عباس وقتادة ومُجاهد وعِكْرِمَة والسُّدّي وغيرهم، كما لم أعتنِ بما ذَكَرُوهُ من الاخْتِلافِ في أسبابِ النُّزُولِ، ولم أعتنِ أيضاً بالرّوايات والأحاديثِ أو الأقوالِ التي اعْتَمَدَها بعضُ المُفَسِّرِينَ في تَفْسِيرِ آياتِ القُرآنِ الكريمِ كما ذَكَرْتُ سابقاً .
9 – قَدْ يَدُلُّ المعنى العام للآيةِ في ضَوْءِ التَّحْليلِ اللُّغَوِيّ على أمورٍ أو معانٍ فَرْعِيَّةٍ يَسْتَطِيعُ القارِئُ المُتَدَبِّرُ للمعنى أنْ يَسْتَنْبِطَها منه، وقد وَضَعْتُ ما اسْتَطَعْتُ أنْ أسْتَنْبِطَهُ من المعنى العامّ للآيةِ في ضَوْءِ التَّحليلِ اللُّغَوِيّ بين قَوْسَيْنِ، وباللَّونِ الأحْمَرِ، لتَمْيِيزِهِ عن المعنى العام الذي يُبْرِزُهُ التَّحليلُ اللُّغَوِيُّ لنَصِّ الآيةِ الكريمةِ .
وأدعو الذين يَهْتَمُّونَ بتَرْجَمَةِ معاني القرآن الكريم إلى اللّغات الأخرى أنْ يَعْتَمِدُوا في تَرْجَمَةِ القُرآنِ على المعنى الذي يُبْرِزُه التَّحليلُ اللّغَوِيُّ للآيةِ القُرآنِيَّةِ، وأنا على ثِقَةٍ بأنَّ اعْتِمادَ المَعْنى الذي يُبْرِزُهُ التَّحْليلُ اللُّغَوِيُّ في تَرْجَمَةِ معاني القرآن إلى اللُّغاتِ الأخرى سيُحْدِثُ أثَرَاً طيّباً عِنْدَ قُرّاءِ القُرآنِ الكريمِ من المُسلمينَ غيرِ العَرَبِ، وسَيَفْتَحُ بصائرَ غيرِ المُسلمينَ نَحْوَ الإسلامِ .
ومن الجَدِيرِ بالذِّكْرِ هنا أنْ أذكُرَ انَّ عَمَلِي هذا ليس تفسيراً للقُرآنِ، إنّما هو (بيانُ معاني القرآنِ الكريم في ضوء التَّحْليلِ اللُّغَوِيّ)، ومن الجَدِيرِ بالذِّكْرِ أيضاً أنْ أرْجُوَ من عُلماءِ المُسلمين المُحترَمين أنْ لا يَفْهَمُوا أنِّي أرْفُضُ ما صَحَّ من الرّواياتِ والأحاديثِ جُمْلَةً وتَفْصِيلاً، ولكنّي أحاوِلُ في هذا العَمَلِ أنْ أصِلَ إلى معانِي القُرآنِ التي يُبْرِزُها التَّحْليلُ اللُّغَوِيُّ لنَصِّ الآياتِ فقط، ولقد بذلتُ غايةَ الجُهدِ في تحليل نَصِّ كُلِّ آيةٍ، وفي إبرازِ معناها في ضَوْءِ التَّحْليلِ اللّغَوِيّ، وأسأل اللهَ تعالى أنْ يَجْعَلَ المَعنَى الذي يُبْرِزُهُ التَّحْليلُ اللّغَوِيُّ لكُلِّ آيةٍ قريباً من المَعْنَى الذي يُريدُهُ اللهُ تَعالَى، وإنْ لم يكُنْ كذلِك فأسألُهُ الثَّوابَ لي جزاءً على بَذْلِي غايةَ جهدِي في هذا الأمْرِ، وهو وَلِيُّ التَّوفيقِ، وهو الغايَةُ .
سُورَةُ الرَّحۡمَٰن
بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
ٱلرَّحۡمَٰنُ ١ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ ٤ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ ٥ وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ ٦ وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ ٧ أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ ٨ وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ ٩ وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ ١٠ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ ١١ وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ ١٢ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٣ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ ١٤ وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ ١٥ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٦ رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ ١٧ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ١٨ مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ ١٩ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ ٢٠ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢١ يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ ٢٢ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٣ وَلَهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشََٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ ٢٤ فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٢٥
المعنى في ضوء التحليل اللغوي :
1 – أقْرَأُ السُّورَةَ بالاسْتِعانَةِ باللهِ المَوْصُوفِ بأنّهُ الرَّحمنُ الذي أتْقَنَ برَحْمَتِهِ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ لأداءِ وَظيفَتِهِ التي خَلَقَهُ لأدائِها، المَوْصُوفِ بأنَّهُ الرَّحِيمُ الذي جَعَلَ وَظِيفةَ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ في حُدُودِ قُدْرَتِهِ واسْتِطاعَتِهِ، الرَّحْمَنُ – 2 – عَلَّمَ الإنسانَ القِراءَةَ برَحْمَتِهِ (الرَّحْمن) صِفَةٌ اخْتَصَّ بها اللهُ تعالى، ولا تُقالُ لغَيْرِهِ، ومَعْناهُ : اللهُ الذي أوْجَدَ الخَلْقَ برَحْمَتِهِ، وخَلَقَ لأجْلِهِم كُلَّ شَيْءٍ برَحْمَتِهِ عَلَّمَ الإنْسانَ القِراءَةَ برَحْمَتِهِ، ويَدُلُّ تَعْلِيمُ اللهِ الإنسانَ القِراءَةَ على تَعْلِيمِهِ الإنسانَ الكتابةَ بالتَّلازُمِ، لأنَّ تَعْلِيمَ القِراءَةِ والكِتابَةِ مُتلازِمانِ) – 3 – خَلَقَ الإنْسانَ وأبْدَعَ صُنْعَهُ برَحْمَتِهِ – 4 – عَلّمَ الإنْسانَ الكَلامَ الذي يَكْشِفُ عَنِ المَعانِي والمَفاهِيمِ برَحْمَتِهِ (أي: عَلَّمَهُ أنْ يضَعَ لِكُلِّ شَيءٍ لَفْظاً مُؤَلَّفاً مِنْ أصْواتٍ يَدُلُّ بِهِ عَلَى مَعْناهُ يُسَمَّى (كَلِمَة)، ليَسْتَحْضِرَ بِها مَعْنَى الشَّيْءِ، وإنْ غابَ عَنْ إدْراكِهِ بحَوَاسِّهِ، وعَلّمَهُ أنْ يُؤَلِّفَ مِنَ الكَلِماتِ كَلاماً يُعَبِّرُ بِهِ عَنِ المِفاهِيمِ التي يُرِيدُها، ويَتَفاهَمُ بِهِ مَعَ الآخَرِينَ مِنْ بَنِي الإنسانِ برَحْمَتِهِ) – 5 – الشّمْسُ والقَمَرُ يَجْرِيانِ بتَدْبِيرٍ وحِسابٍ دَقِيقٍ برَحْمَتِهِ (لأجْلِ حُدُوثِ اللّيالي والأيّامِ والأسَابِيعِ والشُّهُورِ والسِّنينَ برَحْمَتِهِ، ويَدُلُّ (بحُسْبانِ) أيضاً على عَدَدِ الشُّهُورِ والسِّنِينَ وجَمِيعِ الأوْقاتِ) – 6 – والنَّباتُ الذي يَطْلعُ مِنْ الأرْضِ، ولَمْ يَقُمْ على ساقٍ (مِثْلُ العُشبِ والبَقْلِ وغَيْرِهِما)، والشّجَرُ الذي يَقُومُ عَلَى ساقٍ، (مِثْلُ النَّخْلِ والزَّيْتُونِ والرُّمانِ، وغَيْرِها) يُطِيعانِ ويَنْقادانِ لنِظامِ خَلْقِهما الذي خَلَقَهُما اللهُ عَلَيْهْ – 7 – والسَّماءَ التي يُلفِتُ اللهُ انْتِباهَكُم إلى أهَمِّيَّتِها أعْلاها فَوْقَكُم بلا عَمَدٍ برَحْمَتِهِ (المُرادُ بالسّماءِ هنا طَبقاتُ الجَوِّ التي تَحْفَظُ الأرْضَ مِنَ النّيازِكِ والشُّهُبِ التي تَسْقُطُ عَلَيْها مِنَ الأجْرامِ السَّماوِيَّةِ، وتَحْفَظُها مِنْ حَرارَةِ الشَّمْسِ الضَّارَّةِ) وأثْبَتَ العَدْلَ في الأرْضِ (العَدْلُ : المُساواةُ والمُوازَنَةُ والمُعادَلَةُ، وهُو نِظامٌ إلهِيٌّ أثْبَتَهُ اللهُ تعالى في الأرْضِ، وأثْبَتَهُ في كُلِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فيها، فهو جارٍ على الإنْسانِ والحَيَوانِ والنَّباتِ والجَماداتِ، ويَشْمَلُ هذا النِّظامُ الإلهِيُّ المُعادَلَةَ المَوازَنَةَ الكِيمياوِيَّةَ والفِيزيائِيَّةَ والبَيُولُوجِيَّةَ في الأشْياءِ التي خَلَقَها اللهُ في الأرْضِ) -8 – لكي لا تَتَجاوَزُوا حَدَّ العَدْلِ (يَدُلُّ المَعْنَى عَلَى أنَّ تَجاوُزَ حَدَّ العَدْلِ الذي أثْبَتَهُ اللهُ في الأرْضِ يُؤَدِّي إلى ضَرَرٍ كَبِيرٍ فِي الأرْضِ يَطالُ الإنْسانَ والحَيَوانَ والنَّباتَ) – 9 – وأظْهِرُوا بالعَدْلِ الحَقَّ والمُساوَاةَ في الأرْضِ، وأنْهاكُم عَنْ أنْ تُنْقِصُوا العَدْلَ في الأرْضِ (أي: أنْهاكُم عَنْ عَدَمِ إقامَةِ العَدْلِ مُوَفَّىً حَقَّهُ بأنْ تُقِيمُوهُ في زَمَنٍ وتُعَطِّلُوهُ في زَمَنٍ، أو تُقِيمُوا العَدْلَ لناسٍ، وتُعَطِّلُوهُ عن ناسٍ) – 10 – والأرضَ التي يُلْفِتُ اللهُ انْتِباهَكُم إلى أهَمِّيَّتِها ذَلَّلَها لجَمِيعِ خَلْقِهِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ الذين خَلَقَهم عَلَى الأرْضِ برَحْمَتِهِ – 11 – حالَةَ كَوْنِها فِيها فاكِهَةٌ (أي: ما يُتَفَكَّهُ بِهِ مِنْ أنْواعِ الثِّمارِ)، وفِيها أشْجارُ النّخْلِ صاحِبَةُ السّعْفِ واللِّيفِ والجِذْعِ التي تُغَطِّي جُمَّارَها – 12 – وفِيها الحَبُّ (أي: نَباتُ الحَبِّ) صاحِبُ الوَرَقِ المُجْتَمِعِ الذي يَكُونُ فيه السُّنْبُلُ (كالحِنْطَةِ والشَّعِيرِ وغَيْرِهِما)، وفيها النباتاتُ الطيّبَةُ الرائحة (تَذْلِيلُ اللهِ الأرْضَ كائِنٌ بجَعْلِها صالِحَةً لعَيْشِ جَمِيعِ خَلْقِهِ عليها، وبإخْراجِ نَباتِها ومائِها وثَرَوَاتِها التي في بَطْنِها والتي على ظَهْرِها لإدامَةِ حَياةِ جَمِيعِ خَلْقِهِ عَلَيْها) – 13 – فإذا كانَ اللهُ قَدْ أوْجَدَ ذلكَ كُلَّهُ لخَلْقِهِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ برَحْمَتِهِ، فبأيِّ نِعَمِ ربِّكُما مِمّا ذَكَرَهُ لَكُما تُكَذِّبانِ أيُّها الإنْسُ والجِنُّ (يَدُلُّ المَعْنَى على: لا تَقْدِرُونَ عَلَى إنْكارِها، فلِماذا لا تَتَفَكَّرُونَ في مُوْجِدها، فتَصِلُوا إلى أنَّهُ الإلهُ الواحِدُ المُنْعِمُ عَلَيْكُم بهذِهِ النِّعَم، فتُوَحِّدُوهُ وتُخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ ؟ وهَلْ يَدُلُّ خَلْقُ الأرْضِ وتَذْلِيلُها لجَمِيعِ خَلْقِهِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ الذين خَلَقَهم عَلَيْها برَحْمَتِهِ، وجَعْلُهُ فِيها لأجْلِهِما أنْواعَ الفاكِهَةِ وأشْجارَ النَّخْلِ وأنْواعَ الحُبُوبِ والنَّباتاتِ الطَّيِّبَةَ الرّائَحةِ، وجَعَلَ ما خَلَقَهُ لَهُما نِعَماً لَهُما، ثُمَّ وَبَّخَهُما على إنْكارِهِما نِعَمَهُ عَلَيْهما عَلَى أنَّ الجِنَّ مُشْتَرِكُونَ مَعَ الإنْسِ في هذِهِ النِّعَمِ لإدامَةِ حَياتِهما عَلَى الأرْض؟ بلَى، يَدُلُّ النَّظْمُ والسِّياقُ عَلى ذلكَ، واللهُ أعْلَمُ) – 14 – خلَقَ الإنْسانَ (أي آدَمَ وزَوْجَهُ اللَّذَيْنِ أنْتُمْ مِنْ نَسْلِهِما) مِنْ صَلْصالٍ كالفَخَّارِ (أي: خلَقَ الإنسانَ الأوَّلَ (وهو آدَمُ وزَوجُهُ) مِنْ طِينٍ أسْوَدَ مُنْتِنٍ مُمَلَّكٍ قَدْ تَماسَكَ ولَزَقَ بَعْضُهُ ببَعْضٍ مِثْلِ الفَخّارِ، و(الصّلْصالُ) مِنْ كُلِّ شَيءٍ: المُنْتِنُ، قالُوا: (صَلَّ اللَّحْمُ) و(أصَلَّ): أنْتَنَ، و(الطِّينُ الصَّلْصالُ): الطِّينُ الأسْوَدُ المُنْتِنُ، و(الفَخّارُ): الطِّينُ المُخَمَّرُ المُمَلَّكَ المُتَماسِكُ تُصْنَعُ مِنْهُ جِرارٌ وأوانٍ ونَحْوها، وتُسَمَّى تلك الجِرارُ والأوانِي المَصْنُوعَةُ مِنْ ذلك الطِّينِ إذا جَفَّتْ ويَبَسَتْ فَخَّاراً باسمِ الطِّينِ الذي صُنِعَتْ مِنْهُ، فإذا أُحْرِقَتْ بالنّارِ بَعْدَ جَفافِها سُمِّيَتْ خَزَفاً، انْظُرْ: بَحْثٌ في خَلْقِ آدَمَ وزَوْجِهِ في ضوء آياتِ القُرآنِ والحَقائِقِ العِلْمِيَّةِ التي تَوَصَّلَ إليها عُلَماءُ الأجَنَّةِ، (البقرة : 33) – 15 – وخَلَقَ الجانَّ (أي: الجانَّ الأوَّلَ الذي هُو أبُو الجِنِّ) مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (أي: مِنْ طاقَةٍ حَرارِيَّةٍ لَطِيفَةٍ لا تَراها عَيْنُ الإنْسانِ، ولها القُدْرَةُ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَواطِنِ الأمُورِ) – 16 – فإذا كانَ اللهُ قد أنْعَمَ على الإنْسانِ بخَلْقِ أصْلِهِ مِنْ طِينٍ أسْوَدَ مُنْتِنٍ مُمَلَّكٍ قَدْ تَماسَكَ ولَزَقَ بَعْضُهُ ببَعْضٍ مِثْلِ الفَخّارِ ليُناسِبَ وَظِيفَتَهُ التي خَلَقَهُ مِنْ أجْلِها، وأنْعَمَ عَلَى الجِنِّ بخَلْقِ أصْلِهِ من طاقَةٍ حَرارِيَّةٍ لَطِيفَةٍ لا تَراها عَيْنُ الإنْسانِ، ولها القُدْرَةُ عَلَى الدُّخُولِ فِي بَواطِنِ الأمُورِ، ليُناسِبَ وَظِيفَتَهُ التي خَلَقَهُ مِنْ أجْلِها، فبأيِّ نِعَمِ ربِّكُما مِمّا ذَكَرَهُ لَكُما تُكَذِّبانِ أيُّها الإنْسُ والجِنُّ؟ لا تَقْدِرُونَ عَلَى إنْكارِها، فلِماذا لا تَتَفَكَّرُونَ في نَعْمَةِ خَلْقِكُما على ما يُناسِبُ وَظِيفَةَ كُلٍّ مِنْكُما التي خَلَقَهُ مِنْ أجْلِها، فتَصِلُوا إلى أنَّهُ الإلهُ الواحِدُ المُنْعِمُ عَلَيْكُم بهذِهِ النِّعَم، فتُوَحِّدُوهُ وتُخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ ؟ – 17 – هُو مُدَبِّرُ جِهَتَيْ شُرُوقِ الشَّمْسِ على نِصْفَي الكُرةِ الأرْضِيَّةِ برَحْمَتِهِ، ومُدَبِّرُ جِهَتَيْ غُرُوبِها على نِصْفَي الكُرةِ الأرْضِيَّةِ برحمتِهِ – 18 – فإذا كانَ تَدْبيرُ اللهِ جِهتَيْ شُرُوقِ الشّمْسِ، وجِهَتَيْ غُروبِها نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ فبِأيِّ نِعَمِ رَبِّكُما مِمّا ذَكَرَهُ لَكُما تُكَذِّبانِ أيُّها الإنْسُ والجِنُّ؟ لا تَقْدِرُونَ عَلَى إنْكارِها، فلِماذا لا تَتَفَكَّرُونَ في نَعْمَةِ تَدْبِيرِ شُرُوقِ الشَّمْسِ وغُرُوبِها في نِصْفَي الكُرةِ الأرْضِيَّةِ عَلَيْكُما، فتَصِلُوا إلى أنَّهُ الإلهُ الواحِدُ المُنْعِمُ عَلَيْكُم بهذِهِ النِّعَم، فتُوَحِّدُوهُ وتُخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ ؟ – 19 – هو أرْسَلَ البَحْرَيْنِ (أي: البَحْرَ العَذْبَ والبَحْرَالمالِحَ) حالِةَ كِوْنِهِما مُتلاقِيَيْنِ مَتَجاوِرَيْن – 20 – وحالُهُما أنَّ بَيْنَهُا حاجِزاً، فبسَبَبِ هذا الحاجِزِ لا يَتَجاوَزُ أحْدُهُما على الآخَرِ فيَخْتَلِطُ بِهِ (أي: لا يَتَجاوَزُ الماءُ المالِحُ على الماءِ العَذْبِ فيَخْتَلِطُ بِهِ، ولا يَتَجاوَزُ الماءُ العَذْبُ على الماءِ المالِحِ فيَخْتَلِطُ بِهِ، وهذا ما يُشاهَدُ حِينَ يَصُبُّ ماءُ النَّهْرِ الواسِعِ العَذْبِ في البَحْرِ الواسِعِ المالِحِ، فيَلْتَقِي ماءُ النَّهْرِ العَذْبُ بماءِ البَحْرِ المالِحِ، فيُشاهَدُ الماءُ العَذْبُ لا يَخْتَلِطُ بالماءِ المالِحِ مَعَ كَوْنِهِما مُتَجاوِرَيْنِ مُتلامِسَيْنِ، وذَكَرَ اللهُ هذِهِ الظاهِرَةَ لأنَّها مِنْ دَلائِلِ قُدْرَةِ اللهِ ونِعَمِهِ على خَلْقِهِ، فاللهُ تبارَكَ وتعالى جَعَلَ في الماءِ العَذْبِ والماءِ المالِحِ خَاصِّيَّةَ تَكْوِينِ مادَّةٍ عَلَى سَطْحِهِ إذا لامَسَ سَطْحَهُ ماءٌ آخَرَ يَخْتَلِفُ عَنْهُ في الكَثافَةِ، ولاحَظَ العُلَماءُ أنَّ هذِهِ المادَّةَ التي تَتَكَوَّنُ عَلَى سَطْحِهِ إذا لامَسَ سَطْحَهُ ماءٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ عَنْهُ في الكَثافَةِ هِيَ عِبارَةٌ عَنْ صفائِحَ مَرْصُوصٍ بَعْضُها إلى بَعْضٍ، ولا حَظُوا أنَّ تَرْكِيبَةَ الماءِ ذَرَّتانِ مِنَ الهَيْدروجِين وذَرَّةٌ واحِدةٌ مِنَ الأوكسجِين، أمّا المادَّةُ التي تَتَكَوَّنُ عَلَى سَطْحِهِ إذا لامَسَ سَطْحَهُ ماءٌ آخَرُ يَخْتَلِفُ عَنْهُ في الكَثافَةِ فقَدْ لاحَظُوا أنَّ تَرْكِيبَتَها الجُزَيْئِيّةَ ثلاثُ ذَرّاتٍ مِنَ الهَيْدرُوجِين وذَرّتانِ مِنَ الأوْكْسِجِين، وهذِهِ المادَّةُ هي التي تَحْجُزُ الماءَ العَذْبَ عَنْ الماءِ الماءِ المالِحِ إذا الْتَقَيا أو تلامَسا، وتَمْنَعُهُما من اخْتِلاطِ أحَدِهِما بالآخِرِ، وهَذِهِ المادَّةُ هِيَ البَرْزَخُ أو الحاجِزُ بَيْنَ الماءَيْنِ، ولاحَظَ العُلَماءُ أنَّ هذِهِ المادَّةَ أو البَرْزَخَ تَتَكَوَّنُ عَلى سَطْحِ ماءِ البِحارِ وماء الأنْهارِ بفِعْلِ عَوامِلَ جَوِيّةٍ كالرّياحِ والأشِعَّةِ فوق البنَفْسَجِيَّة، فتُساعِدُ الأجْسامَ الكبِيرَةَ مِنْ أنْ تَطْفُوَ فَوْقَ سَطْحِ الماءِ كالسُّفُنِ العَظِيمَةِ التي شَبَّهَها اللهُ بالجِبالِ العظِيمَةِ، فيكُونُ تَشَكُّلِ هذا البَرْزَخِ فَوْقَ سَطْحِ الماءِ مِنْ دَلائِلِ قُدْرَةِ اللهِ، ومِنْ نِعَمِهِ على خَلْقِهِ) – 21 – فإذا كانَ اللهُ قَدْ خَلَقَ في الماءِ خَاصِّيَّةَ تَكْوِينِ حاجِزٍ عَلَى سَطْحِهِ إذا لامَسَ سَطْحَهُ ماءٌ آخَرَ يَخْتَلِفُ عَنْهُ في الكَثافَةِ، وإذا كانَ اللهُ قَدْ خَلَقَ في الماءِ خَاصِّيَّةَ تَكْوِينِ حاجِزٍ عَلَى سَطْحِهِ بفِعْلِ العَوامِلَ الجَوِيّةٍ يُساعِدُ السُّفُنَ العَظِيمَةَ على أنْ تَطْفُوَ فَوْقَ سَطْحِهِ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَى خَلْقِهِ فبِأيِّ نِعَمِ رَبِّكُما مِمّا ذَكَرَهُ لَكُما تُكَذِّبانِ أيُّها الإنْسُ والجِنُّ ؟ لا تَقْدِرُونَ عَلَى إنْكارِها، فلِماذا لا تَتَفَكَّرُونَ فيها، فتَصِلُوا إلى أنَّهُ الإلهُ الواحِدُ المُنْعِمُ عَلَيْكُم بهذِهِ النِّعَم، فتُوَحِّدُوهُ وتُخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ ؟ – 22 – يَخْرُجُ مِنْهُما (أي : مِنَ البَحْرَيْنِ المالِحِ والعَذْبِ حالِةَ كِوْنِهِما مُتلاقِيَيْنِ مَتَجاوِرَيْن) اللُّؤْلُؤُ (وهُوَ الدُّرُّ، ولَوْنُهُ أبْيَضُ مُشْرَبٌ بصُفْرَةٍ، وهُوَ في الأصْلِ حَيَوانٌ بَحْرَيٌّ يَتَكَوَّنُ داخِلَ بَيْتٍ صَدَفَيٍّ لَوْنُهُ أبْيَضُ، وهو ما يُسَمَّى بالمحارة، ويُسْتَعْمَلُ اللُّؤْلُؤُ في صِناعَةِ حُلِيٍّ ثَمِينَةٍ يُتَزَيَّنُ بِها) والمَرْجانُ (وهو كائِنٌ بَحْرِيٌّ يَجْمَعُ بَيْنَ صِفاتِ النَّباتِ والحَيَوانِ، ويَنْمُو في البَحْرِ على عُمْقٍ يَتَراوَحُ بَيْنَ خَمْسَةَ أمْتارٍ وثلاثمائةِ مِتْرٍ، ويُثَبِّتُ نَفْسَهُ مِنَ الأسْفَلِ على الصُّخُورِ أو الأعْشابِ البحرية ويَنْتَشِرُ في البَحْرِ مُكَوِّناً ما يُسَمَّى بالجُزُرِ المَرْجانِيَّةِ، وهي ذاتُ ألوانٍ مُخْتَلِفَةٍ يَغْلِبُ عَلَيها اللَّوْنُ الأحْمَرُ، ويُصْنَعُ مِنَ المَرْجانِ خِرَزٌ صِغارٌ وكِبارٌ تُسْتَعْمَلُ في صِناعَةِ حُلِيٍّ ثَمِينَةٍ يُتَزَيَّنُ بها، وقَدْ أثْبَتَ المُخْتَصُّونَ في اللُّؤْلُؤِ والمَرْجانِ أنَّ اللُّؤْلُؤَ يَتَكَوَّنُ غالِباً في المِنْطَقَةِ التي يَلْتَقِي فيها الماءُ العَذْبُ بالماءِ المالِحِ، أو يَتَكَوَّنُ في أماكِنِ مِياهِ البِحْرِ السّاكِنَةِ التي تَكُونُ مُعَرَّضَةً لنُزولِ ماءِ المَطَرِ العَذْبِ عَلَيها، فيكُونُ الماءُ العَذْبُ الذي يتلاقَى مَعَ ماءِ البَحْرِ المالِحِ أو ماءُ المَطَرِ العَذْبُ الذي يَنْزِلُ على ماءِ البَحْرِ المالِحِ في أماكِنِ مِياهِ البَحْرِ السّاكِنَةِ سَبَباً لتَكَوُّنِ اللُّؤْلُؤِ، وكذلك يَتَكَوَّنُ المَرْجانُ في تِلْكَ الأماكِنِ مِنَ البِحارِ، فعِبارَةُ القُرآنِ (يَخْرُجُ مِنْهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ) دَقِيقَةٌ، هذا وقَد اكْتُشِفَ المَرْجانُ مُؤَخَّراً في مِياهِ نَهْرِ الأمازون بمِساحاتٍ واسِعَةٍ) – 23 – فإذا كانَ اللهُ قَدْ خَلَقَ في ماءِ البَحْرَيْنِ خاصِّيَّةَ تَكَوُّنِ البَرْزَخِ عَلى سَطْحِ ماءِ البِحارِ وماء الأنْهارِ، وجَعَلَهُ حاجِزاً بَينَ الماءِ العَذْبِ وبَيْنَ الماءِ المالِحِ، فلا يَتَجاوَزُ الماءُ المالِحُ على الماءِ العَذْبِ فيَخْتَلِطُ بِهِ، ولا يَتَجاوَزُ الماءُ العَذْبُ على الماءِ المالِحِ فيَخْتَلِطُ بِهِ نِعْمَةً مِنْه، وإذا جَعَلَ اللهُ اللُّؤْلُؤَ والمَرْجانَ يَخْرُجانِ مِنَ البَحْرَيْنِ المالِحِ والعَذْبِ حالِةَ كِوْنِهِما مُتلاقِيَيْنِ مَتَجاوِرَيْن، لتَصْنَعُوا مِنْهُما حُلِيَّاً ثَمِينَةً، فتَزْدَهِرُ صِناعاتُ الجَواهِرِ الثَمِينَةِ نِعْمَةً مِنْه، فبِأيِّ نِعَمِ رَبِّكُما مِمّا ذَكَرَهُ لَكُما تُكَذِّبانِ أيُّها الإنْسُ والجِنُّ ؟ لا تَقْدِرُونَ عَلَى إنْكارِها، فلِماذا لا تَتَفَكَّرُونَ في نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُم، فتَصِلُوا إلى أنَّهُ الإلهُ الواحِدُ المُنْعِمُ عَلَيْكُم بهذِهِ النِّعَم، فتُوَحِّدُوهُ وتُخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ ؟ – 24 – ولَهُ (أي: للهِ) تَدْبِيرُ جَرْيِ السُّفُنِ العَظِيمَةِ الحامِلاتِ الرَّافِعاتِ الشُّرُعِ في ماءَ البَحْرَيْنِ المالِحِ والعَذْبِ حالَةَ كونِهِنَّ مِثْلَ الجِبالِ العِظيمَةِ (ارِتِباطُ هذِهِ الآيَةِ بسياقِ آيَةِ خَلْقِ اللهِ خاصِّيَّةَ تَكَوُّنِ البَرْزَخِ عَلى سَطْحِ ماءِ البِحارِ وماء الأنْهارِ يَدُلُّ على أنَّ البَرْزَخَ المَذْكُور هُوَ الذي يُساعِدُ الأجْسامَ الكبِيرَةَ كالسُّفُنِ العَظِيمَةِ التي شَبَّهَها اللهُ بالجِبالِ العظِيمَةِ على أنْ تَطْفُوَ فَوْقَ سَطْحِ الماءِ، فيكُونُ جَرْيُ السُّفُنِ العَظِيمَةِ الحامِلاتِ الرَّافِعاتِ الشُّرُعِ في ماءَ البَحْرَيْنِ المالِحِ والعَذْبِ مِنْ دَلائِلِ قُدْرَةِ اللهِ، ومِنْ نِعَمِهِ على خَلْقِهِ) – 25 – فإذا كانَ ذلك مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ فبِأيِّ نِعَمِ رَبِّكُما مِمّا ذَكَرَهُ لَكُما تُكَذِّبانِ أيُّها الإنْسُ والجِنُّ ؟ لا تَقْدِرُونَ عَلَى إنْكارِها، فلِماذا لا تَتَفَكَّرُونَ في نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُم، فتَصِلُوا إلى أنَّهُ الإلهُ الواحِدُ المُنْعِمُ عَلَيْكُم بهذِهِ النِّعَم، فتُوَحِّدُوهُ وتُخْلِصُوا لَهُ العِبادَةَ ؟
التّحليل اللُّغَوِي :
1 – (الرحمنُ) مُبتدأ – 2 – (علّم القرآن) خبر، (علَّمَ) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الرحمن)، و(الرَّحْمن) صِفَةٌ اخْتَصَّ بها اللهُ تعالى، ولا تُقالُ لغَيْرِهِ، (القُرآنَ) مفعول به ثان، ومفعول (علّم) الأول مُقدّر، أي : (علّم الإنسانَ القرآنَ)، و(القُرْآنُ) مصدر (قَرَأَ) بمعنى (القِراءَة)، وتعليم القراءة مُلازِمٌ لتعليم الكتابة، فالدلالة بالتلازم على تعليم الكتابة – 3 – (خلق الإنسان) خبر ثانٍ – 4 – (علّمه البيان) خبر ثالث، (علَّمَهُ) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الرحمن)، والهاء مفعول به أوّل، (البيانَ) مفعول به ثان، و(البيان): الكلامُ الذي يَكْشِفُ عن المعاني والمفاهيم – 5 – (الشمسُ.. بحُسبان) مستأنفة في سياق بيان آثار رحمته، (الشَّمْسُ) مبتدأ، (والقمرُ) عطف عليها، (بُحسبان) مُتعلّقان بمُقدّر خبر المُبتدأ، والتقدير: (يجريان بحُسْبان)، و(الحُسبان): الحِسابُ والتَّدْبِيرُ الدَّقِيقُ – 6 – (والنجم.. يسجدان) عطف على ما قبلها، (النّجْمُ) مُبتدأ، (والشّجَرُ) عطف على (النّجْم)، (يسجدان) خبر المُبتدأ، (يسجدان) مُضارع مرفوع بثبوت النون، و(ألف الاثنين) فاعلُهُ، يقال: (نَجَمَ النباتُ) إذا طلع من الأرض، و(النّجْمُ) : النبات الذي يطلع من الأرض، ولم يَقُمْ على ساق، مثل العُشب والبقل، و(الشجر) النبات الذي يقوم على ساق، مثل أشجار النخل والزيتون والرمان، وغيرها، و(سجَدَت السفينة) أطاعت ومالتْ – 7 – (والسماءَ رفعها) عطف على ما قبلها، (السماء) مفعول به مقدّم في أسلوب الاشتغال، (رَفَعَها) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الله)، و(ها) ضمير عائد إلى (السماء) لتوكيد تقديمها في أسلوب الاشتغال، (ووضع الميزان) عطف على ما قبلها، (وَضَعَ) فعل ماض، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الله)، (الميزان) مفعول به، و(وَضَعَ الشيءَ) : أثبتَهُ، و(المِيزان) هنا: العَدْل، و(العدْلُ) : المُساواةُ والمُوازَنَةُ والمُعادَلَةُ – 8 – (ألّا) هي (أنْ) المصدرية الناصبة، و(لا) النافية، (تطغوا) مُضارع منصوب بحذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (في الميزان) مُتعلّقان بـ(تطغوا)، والمصدر المُؤوّل مجرور بحرف جرّ مُقدّر بمعنى التعليل، والجار والمجرور مُتعلّقان بـ(وَضَعَ)، والتقدير: (لِئَلّا تَطْغَوا)، و(طغى): تجاوَزَ الحدّ – 9 – (وأقيموا.. بالقسط) عطف على ما قبلها، (أقيموا) أمْرٌ مبني على حذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (الوزنَ) مفعول به، و(الوَزْنُ) هنا: ما يُوضَعَ في كَفَّةِ المَيزانِ ليُعادِلَ بهِ المَوزون ويُساوِيهِ، واسْتُعِيرَ هُنا للحَقِّ والمُساوَاةِ، (بالقِسْط) مُتعلّقان بـ(أقيموا)، و(القِسْطُ): العَدْلُ، و(أقامَ الشيء): أظْهَرَهُ، (ولا.. الميزان) عطف على ما قبلها، (لا) ناهية، (تُخسِروا) مُضارع مجزوم بـ(لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، (واو الجماعة) فاعلُهُ، (الميزان) مفعول به، و(خَسِرَ الشَّيْءَ، وأخْسَرَهُ): أنْقَصَهُ – 10 – (والأرض.. للأنام) عطف على (والسماءَ رفعها) ومثلها في القول، (للأنام) مُتعلّقان بـ(وَضَعها)، و(الأنام): ما خَلَقهُ اللهُ على الأرض مِنَ الإنْسِ والجِنِّ، و(وضع) هنا بمعنى: ذلّل – 11 – (فيها فاكهةٌ) حالٌ من الأرض، (فيها) مُتعلّقان بمُقدّر خبر مُقدّم، (فاكهةٌ) مُبتدأ مُؤخّر، (والنخلُ) عطف على (فاكهة)، (ذاتُ) صفة لـ(النّخل) مُضاف إلى (الأكمام)، و(أكمامُ النخلة): ما غَطّى جُمّارها من السّعَفِ والليفِ والجِذْعِ – 12 – (والحبُّ) عطف على (فاكهة)، (ذو) صفة لـ(الحب) مرفوع بالواو لأنَّهُ من الأسماء الخمسة، وهو مُضاف إلى (العصف)، و(العصف): الورق المُجتمع الذي يكون فيه السُّنبل، (والريحانُ) عطف على (فاكهة) أيضاً، و(الرّيحان): كلّ نبات طيّب الرائحة – 13 – (فبأيّ … تُكذّبان) مُرتبطة بما قبلها بالفاء الفصيحة، (بأيّ) مُتعلّقان بـ(تُكَذّبان)، و(أيّ) اسم استفهام مُضاف إلى (آلاء)، والاستفهام بمعنى النفي والتوبيخ، و(آلاء) مُضاف إلى (ربّكما)، و(الآلاء): النِّعَم، ويدلّ سياق السورة التي ذكرت الإنس والجنّ على أنّ الخطاب في الآية للإنس والجن، (تُكذّبان) مُضارع مرفوع بثبوت النون، و(ألف الاثنين) فاعله، و(كَذّبَ بالأمْرِ): أنْكَرَهُ – 14 – (خلق.. كالفخار) مستأنفة في سياق تعدّد نعمه على خلقه، (خَلَقَ) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى (الرحمن)، (الإنسان) مفعول به، وهو في الأصل مُضاف إليه قام مقام مُضاف مُقدّر، والتقدير: (أصْلَ الإنسان)، (من صَلْصالٍ) مُتعلّقان بـ(خَلَقَ)، و(الصّلْصالُ) مِنْ كُلِّ شَيءٍ : المُنْتِنُ، قالُوا: (صَلَّ اللَّحْمُ) و(أصَلَّ): أنْتَنَ، و(الطِّينُ الصَّلْصالُ): الطِّينُ الأسْوَدُ المُنْتِنُ، (كالفخّار) الكاف بمعنى (مِثْل) صفة لـ(صلصال)، وهو مُضاف إلى (الفخّار)، و(الفَخّارُ): الطِّينُ المُخَمَّرُ المُمَلَّكَ المُتَماسِكُ تُصْنَعُ مِنْهُ جِرارٌ وأوانٍ ونَحْوها، وتُسَمَّى تلك الجِرارُ والأوانِي المَصْنُوعَةُ مِنْ ذلك الطِّينِ إذا جَفَّتْ ويَبَسَتْ فَخَّاراً باسمِ الطِّينِ الذي صُنِعَتْ مِنْهُ، فإذا أُحْرِقَتْ بالنّارِ بَعْدَ جَفافِها سُمِّيَتْ خَزَفاً – 15 – (وخلق… نار) عطف على ما قبلها، وتقدّمَ القولُ في مثل (خلقَ الجانّ)، (من مارِجٍ) مُتعلّقان بـ(خَلَقَ)، و(المارج): الحرارة التي تنبعثُ من النار، وهي تُحْرِقُ ولا تُرى، (من نار) مُتعلّقان بمُقدّر صفة لـ(مارج) – 16 – (فبأيّ… تُكذّبان) تقدّم القول في مثلها – 17 – (ربّ.. والمغربين) مستأنفة في سياق ما تقدّم، (ربُّ) خبر لمبتدأ مُقدّر، تقديرُهُ: (هو ربُّ)، و(ربُّ) مُضاف إلى (المشرقين)، (وربُّ المغربين) عطف على (ربُّ المشرقين)، و(الرَّبُّ) هنا بمعنى: المُدَبِّرُ، والمُرادُ بـ(المشرقين والمغربين): جِهَتَا شُرُوقِ الشَّمْسِ على نِصْفَي الكُرةِ الأرْضِيَّةِ، وجِهَتَا غُرُوبِها على نِصْفَي الكُرةِ الأرْضِيَّةِ – 18 – (فبأيّ… تُكذّبان) تقدّم القول في مثلها – 19 – (مرج.. يلتقيان) مستأنفة في سياق ما قبلها، وهي خبر لمبتدأ مُقدّر، تقديره: (هو مرج..)، (مَرَجَ) فعل ماضٍ، وفاعلُهُ ضمير عائد إلى الضمير (هُو) الذي هو كناية عن (الله)، (البحرين) مفعول به، و(مَرَجَ الدّابّةَ): أرْسَلها، (يلتقيان) حال من (البحرين) – 20 – (بينهما برزخٌ) حال من ألف الاثنين في (يلتقيان)، (بينهما) ظرف مكان مُتعلّق بمُقدّر خبر مُقدّم، (بَرْزَخٌ) مُبتدأ مُؤخّر، و(البَرْزَخُ) : الحاجِزُ بين شيئين، (لا يبغيان) تعليل لقولِهِ (لا يبغِيان)، (لا) نافية، (يبغيان) مُضارع مرفوع بثبوت النون، و(ألف الاثنين) فاعلُهُ، و(بغى): تجاوز الحدّ – 21 – (فبأيّ… تُكذّبان) تقدّم القول في مثلها – 22 – (يخرج.. والمرجان) مستأنفة في سياق ما قبلها، (يخْرُجُ) مُضارع مرفوع، (منهما) مُتعلّقان بـ(يخرُجُ)، (أي: مِنَ البَحْرَيْنِ المالِحِ والعَذْبِ حالِةَ كِوْنِهِما مُتلاقِيَيْنِ مَتَجاوِرَيْن)، (اللُّؤْلُؤُ) فاعلُهُ، (والمرجان) عطف على (اللؤلؤ) – 23 – (فبأيّ… تُكذّبان) تقدّم القول في مثلها – 24 – (وله… كالأعلام) مرتبطة بما تقدّم بالواو، (له) مُتعلّقان بمُقدّر خبر مُقدّم، (الجوارِ) مبتدأ مُؤخّر مرفوع بضمّة مُقدّرة على الياء المحذوفة تخفيفاً، وإذا وَقَفْتَ على (الجواري) وقَفْتَ عليها بالياء، والمراد بها: السُّفُن الجارية على الماء، (المُنشآتُ) صفة لـ(الجواري)، ومعناها: الحاملات الرّافعات الشُّرُع، (كالأعلام) الكاف بمعنى (شَبِيه أو مِثْل) حال من (الجواري)، ومُضاف إلى (الأعلام)، و(الأعلام) : الجبال – 25 – (فبأيّ… تُكذّبان) تقدّم القول في مثلها .