الصبر والنصر في القرآن الكريم
ندوة مؤسسة الابرار الاسلامية بعنوان الصبر والنصر في القرآن الكريم
الضيف: فضيلة الدكتور بهاء الوكيل
التاريخ: 31 اكتوبر 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين﴾.
هذه الاية جاءت في سياق ايات كثيرة من سورة ال عمران تتحدث عن معركة أحد وهي من الحروب التي فيها الكثير من الدروس والعبر. عندما نمر في هذه الايام على الظروف العصيبة، يجدر بنا ان نرجع الى هذه المعركة والى الايات التي تحدثت عن هذه المعركة كأنها تتحدث عن واقعنا التي فيها الكثير من العبر والدروس. الهزائم والخسائر ليس كلها من ادوات الفشل او عوامل الهزيمة او الاستكانة. ربما الهزائم فيها من الدروس والعطاء اكثر من الانتصارات، وهذه الحقيقة تمثلت في هذه معركة أحد.
الله سبحانه وتعالى عندما يتحدث ﴿كأين من نبي ….﴾، كأين هذه الاداة تستعمل للكثرة، كم من اناس جاهدوا مع الانبياء ربنيون نسبة الى هؤلاء قريبون من الله بثباتهم وعطائهم وقيادتهم وكل هذه العناصر جعلتهم قريبين من الله سبحانه وتعالى. ولهذا الله سبحانه وتعالى وصفهم بالربيون، لذلك قاتلوا مع الانبياء وقتلوا وخلدوا في التاريخ والانبياء بحد ذاتهم ايضا قتلوا مثل زكريا ويحيى وكثير منهم قتلوا واولاد الانبياء واوصيائهم كذلك وسلسلة القتل والعداء مستمرة على مدى التاريخ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول ﴿اننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد﴾.
نحن في جانب نرى الانبياء قتلوا، الذين امنوا عذبوا وكذلك الحال الآن لكن الله سبحانه يقول اننا ننصر رسلنا والذين آمنوا، متى النصر في القتل والنصر يوم القيامة. الله سبحانه يقول اننا ننصر رسلنا والذين امنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد.
هل مفهوم النصر انه يجب ان اغلب فيها وانتصر عسكريا؟ وهل مفهوم النصر حينما اقاتل اناس يجب ان اقتلهم؟ هل مفهوم النصر هو انه رفع العدو الراية البيضاء؟
مفهوم النصر في القرآن الكريم لا يتمثل بالمفاهيم الدنيوية وهي الغلبة بالسيف وبالقوة والا لكان الامام الحسين سلام الله عليه مهزوم ويزيد هو المنتصر، لكن الامام الحسين عليه السلام انتصر بمبادئه وقيمه وبما مثله من دروس وعبر الذي مضت للاجيال عبر الزمان والمكان. اذاً مفهوم النصر عند الله المحافظة على القيم والثبات على المبادئ. ﴿ولا يزال الذين كفروا يقاتلون حتى يردوكم عن دينكم﴾.
اذا الذين كفروا لهم قابلية ان يردونا عن ديننا. هذا هو النصر لهم والهزيمة لنا، فاذاً النصر عندما نثبت على الدين وعلى المبادئ.
اذاً هذا هو مفهوم النصر في القران الكريم. الله سبحانه تعالى ذكر هؤلاء الربيون جملة من هذه الصفات والاوهو صبرهم.
ما هو الصبر؟ الصبر هو الثبات والصمود. مانراه الان من المقاتلين والمجاهدين حقيقة يتمثلون بهذا العنصر، عنصر الثبات رغم كل الهزائم، رغم كل الخسائر الني خسروها من القادة والمقاتلين الى الحاضنة التي ترفدهم بالامداد والحاضنة التي تهيئ كل اسباب النجاح. هذه كلها ضحوا بها، مع ذلك فهم صابرين. لا زلت اتذكر الكلمة الخالدة للقائد الجديد الهزيمة “لمن يقول آآخ لمن يشكتي اخ او يصرخ اولاً”. عدم الصراخ معناه الصبر والثبات.
هذا هو السبيل الى النصر. الايات في سورة ال عمران حينما يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾.
﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾. يجزي الله الشاكرين وجاءت وسنجزي الشاكرين. هاتان الاياتان بحق امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يقول الحمد لله الذي ثبتني. ولم ينهزم وبقى صامدا وسيجزي الله الشاكرين وسنجزي الشاكرين الخطاب الثاني كان ابلغ لانه الله يفاخر هؤلاء بنفسهم سنجزي الشاكرين، حينما يقول الله سبحانه أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم. هذه الآية مهمة، كيف؟ على عظمة الرسول (ص)، لكن فقدانه لا يعني فقدان الرسالة؟ الرسالة يجب ان تستمر، فقدان اي قائد لا بد انه استمرارية لرسالة وللخط ويجب ان تستمر.
الاية تقول أفإن مات او قتل… هذه أو هي معناها “واو”. اي بل قتل لماذا؟ المفسر الرازي حينما يأتي الى اية في سوة الصافات التي تصف يونس عليه السلام يقول ﴿وارسلناه الى مائة الف او يزيدون﴾، يقولون المفسرون كانوا 130 الف واحد، لكن الله يعرف الرقم الدقيق، بل يزيدون بالتأكيد هم اكثر من مائة الف.
هذه الاية مثل ما بينا تتكلم عن ثلاثة اصناف ممن حار في سقوط ازاء الكافرين كيف؟، يقول الله فما وهنوا لمن اصابهم. هذه ثلاثة صفات للناس الذين ثبتوا مع رسول الله وفي نفس الوقت ينتقد ثلاثة فئات اخرى الذي اصابها الضعف والوهن والاستكانة. من هؤلاء لا بد كل له معنى. والا لماذا يستعمل الله المترادف في اية واحدة؟ فما وهنوا لما اصابوهم الوهن وهو الضعف المعنوي الذي يصيب الهمم والعزائم. الفئة التي تضعف امام الامور سوى كانت الخوف او الطمع هذا هو الوهن والضعف المعنوي. ربما كان الابطال الاقوياء الشجعان في اجسامهم لكنهم اصابهم الوهن والضعف. من هؤلاء اصحاب الجبل في معركة احد حيث قال احدهم من جيش قريش قتل محمد فضعفوا وذهبوا.
الفئة الثانية التي استكانت وما ضعفت ولكن كان الضعف المادي. الضعف امام بعض الامور المادية التي ينهزم الانسان امامه. من هؤلاء؟ الذي فروا من الجبل، هؤلاء الرماة الذين وضعهم النبي ليحموا الجبل الذي يحمي ظهر المسلمين وما ان وجدوا المسلمين في تقدم وغلبة، بدأوا يحصلون على الغنائم رغم ان قائدهم استشهد وبقى في مكانه نبأهم لا بد ان تثبتوا وطلب منهم الثبات لكنهم هؤلاء اصابهم الضعف ونزلوا وقتلوا وقتل من ورائهم الكثير من المجاهدين والمقاتلين.
الفئة الثالثة هي الفئة الذين وما استكانوا؟ الاستكانة هي التذلل امام الاعداء الضعف والخوف. هذا الذي صار يحكي وضع المنافقين. هذه الفئات الثلاث كلها موجودة في هذه المعركة الله سبحانه حينما يمتدح الناس المخلصين المجاهدين الثابتين، في نفس الوقت اكتشف هؤلاء الفئات الثلاثة وبالنتيجة وسيجزي الله الشاكرين .الشاكرون هم الذين بقوا مع رسول الله (ص) الى اخر لحظة وحموه من القتل.
اذاً هي الامور الاساسية في اي معركة وانه الثبات امام القوى والمغريات وعدم الخوف بالنتيجة سيكون الغلبة لهؤلاء. هذه الايات مثل ما بينا توضح وضعهم الان سوى كان انتصارات او هزائم . يوم لنا ويوم علينا. الذي يحتاجه الانسان ونحن لسنا من المقاتلين، نحن لسنا من المهجرين، والذين اصابهم البلاء حينما نتصور ما مدى البلاء اهالينا في غزة ولبنان وما جرى عليهم من ويلات بعد سنة او اكثر من سنة. هذه الحقيقة ما يمكن ان يتصورهم كيف يواجهون كل هذا الطغيان وهم جياع وعطاشى ومكروبين ومعذبين ومشردين, على اية حال حقيقة فقط الله تعالى يحميهم ويصبرهم.
هذه الامور امامنا هذه الدروس التي جرت التي نستخلصها كالدروس التي جرت في معركة احد مثل هؤلاء الذين استكانوا وضعفوا وصار واضحاً كان كثير منهم يتمنون الموت. في احدى الايات كانوا يتمنون الموت عندما تأتي المعركة انهزموا.
الان المعركة انكشف المنافقين وعراهم. ما اظن مضت فترة او امتحان الذي اكتشف هؤلاء لهذا الامتحان وتبين من هو الصادق ومن هو الكاذب.
اما بالنسبة الى موضوع الدروس الاخرى التي ممكن نستفيد منها من هذه الايات الكريمة انه يقول هؤلاء الذين امنوا ربنا اغفر ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا، يعني ما علاقة هذا الطلب بالمعركة وما يجري غفران الذنوب. هنا هو اعترف من هؤلاء معناته. نحن اذا هزمنا لا نحمل الاخرين هذه الهزيمة. يعني بدون ان يضعون شماعة لوضع كل اسباب الفشل عليها. طلبوا من الله المغفرة وانه يعفوهم ما قاموا به من اخطاء. هذه هي دلالة الدرس. الانسان يجب ان يكون متواضع ويتحمل المسؤولية في الخسارة والربح، في الربح واضحة. الله سبحانه يعلمنا في هذه القضية اين نكون صريحين مع انفسنا. نتحمل المسؤولية نسال الله المغفرة ما قمنا به من اخطاء التي ادت الى هذه القضية.
اذاً نرجع ونقول انه ازاء هذه الايات الكريمة الله سبحانه وتعالى واعدنا بالنصر والثبات ﴿ان تنصر الله ينصركم ويثبت اقدامكم ، وان كنتم تألمون…. واذا اصابكم قرح … وتلك الايام نداولها بين الناس﴾.
هذه كلها دروس وعبر تجعل من عدنا صابرين وداعين الى الله بالثبات للوصول الى مرحلة النصر. مرحلة النصر تعتمد على مقومات وهذه المقومات هي اساسها الصبر والثبات كما بينت هذه الايات الكريمة.