ولايةُ عَلِي (ع) والمائدةُ الآلهيَّةُ
برنامج مؤسسة الابرار الاسلامية بمناسبة عيد الغدير
الضيوف: سماحة الشيخ زعيم الخيرالله. الشاعر حسن سامي العبدالله. الشاعر هادي المانع والرادود احمد الوداعي
التاريخ: 27 يونيو 2024
مقدمة سماحة الشيخ حسن التريكي
﴿اليوم يئس الذين كفروا من دينكم﴾
﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾
نعيش بين مناسبتين، عيد الغدير ونحن على مقربة شريفة وعظيمة وهي ذكرى المباهلة الشريفة.
في السنة الاخيرة بعد ان اكمل النبي محمد (ص) فتح مكة وسيطر على الجزيرة العربية بدأ النبي بمراسلة الملوك والحواضر يدعوهم الى الاسلام، ومنهم نصارى نجران، وكانت اشبه بالفاتياكان في جزيرة العرب.
جاء وفد من النصاري يجادلون حول النبي عيسى عليه السلام وانه ابن الله. حاورهم النبي (ص) بمنطق القرآن، وكان الوحي على اتصال، فأجابهم ان كانت حجتهم انه ولد من غير اب، فمثله كمثل آدم ولد من تراب ثم قال له كن فيكون. فالتجأوا الى المباهلة، أي الملاعنة اي ان يقدم كل طرف خيرة افراده ويدعون الله ان ينزل العذاب على الكاذب منهما، فانزل الله: ﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم….﴾
اتفقوا على ذلك وعلى موعد في اليوم التالي. عندما اصبحوا خرج النبي (ص) وهو يحمل الحسين بيد ويجر الحسن باليد الاخرى وخلفه فاطمة وعلي عليه السلام وحثوا للمباهلة، فلما نظر رئيس النصارى المشهد قال “إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة”، فتنازل النصارى. قال النبي (ص): اما والله لقد تدلى على نصارى نجران، ولو باهلوا لاضطرم عليهم الوادي نارا ولما بقي نصراني على وجه الارض.
عرف النصارى النتيجة والعاقبة فانسحبوا وصالحوا النبي (ص). كان ذلك في 25 من ذي الحجة في العام التاسع او العاشر من ذي الحجة.
اردنا ان نسلط الضوء على سر عظمة اهل البيت خصوصا كبير اهل البيت، الامام علي عليه السلام. هذه الشخصية التي عبر عنها ابن ابي الحديد بانها مجمع الاضداد. تجمعت الكمالات في علي عليه السلام حتى ما عاد يقاس به احد من الناس. هذا ما نص عليه القرآن الكريم: ﴿وانفسنا وانفسكم﴾،
لذلك لا يقاس بها احد من الناس.
من ظلامات اهل البيت عليه السلام ان يتم التعامل مع هذه الحوادث انها مجرد فضائل، بينما هي تبين مقامات اهل البيت عليه السلام.
عندما يتحدث الله عن النبي (ص): ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم…﴾. هذا مقام لرسول الله وليس فضيلة فحسب وعندما يقول: وانفسنا وانفسكم، فهذا مقالم للامام.
كلمة سماحة الشيخ زعيم الخيرالله
سورةُ المائدةِ من آخر ما نزل من القرآن الكريم، وسميت بسورة المائدة لورود لفظة ” المائدة” التي طلبها الحواريون حيث سألوا النبيَّ عيسى عليه السلام أن يدعو الله في أن يُنَزِّلَ عليهم مائدةً من السما، وهذا ماحكاه القرآنُ الكريمُ عنهم. يقول الله تعالى:
﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾. المائدة: الآيات(112-115).
بدأ الحواريون طلبهم بشكلٍ غيرِ لائقٍ (هل يستطيعُ ربُكَ)؛ لأنَّ المفروضَ بالحواريين المؤمنينَ أن يعرفوا أنَّ الله تعالى قادرٌ على كل شيء، وأنَّ قدرتَهُ غيرُ محدودةٍ . طلبهم أشبه بطلبات بني إسرائيلَ مع موسى عليه السلام:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾. المائدة: الآية:24.
بعضُ المفسرين أَوَّلَ الآيةَ (هل يستطيعُ ربَكَ) بـ”هل يطيعك ربُكَ”، ولكن جواب السيد المسيح (ع) لهم ينفي هذا المعنى؛ اذ أجابهم المسيح عليه السلام على ماحكى الله عنه: ﴿قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين﴾، وهذا يدلُّ على أنَّهم صدر منهم عملٌ لا يليق.
الحواريون قدَّموا تبرراتِهم لطلب المائدة بأنَّهم:
- يريدون أن يأكلوا من المائدةِ تبركاً
- ويحصلون على إطمئنانِ القلب
- ويعلمون عِلماً يقينياً بصدق عيسى عليه السلام
- ويكونون شهوداً على نزولِ هذه المائدة السماوية.
وبعد ذلك دعا المسيح ربَّهُ لينزلَ هذهِ المائدة، المسيح عليه السلام بدأ دعاءهُ: ( اللهم ربنا)، ليعلم الحواريين أدب التخاطبِ مع الله، لأَنّ الحواريين قالوا: (هل يستطيعُ ربُّكَ)، فالمسيح يريد ان يقول هو ليس ربي وحدي بل ربي وربكم ورب الناس والخلائق كلها.
ونزول هذه المائدة السماوية ينبغي ان يكون عيداً لأولِنا وآخرِنا. ثم نقل لهم المسيح عليه السلام عن الله تعالى أنَّ من يكفر بهذه المائدة السماويَّةِ سيعذبه الله عذاباً لا يعذِّبه احداً من العالمين.
هذه مائدةُ طعامٍ طلبها الحواريون، وسألوا السيد المسيح ان يدعو الله تعالى لينزلها عليهم وجعلَ اللهُ نزولَها من السماء عيداً لأولِهم وآخِرِهم .
فلماذا لا تكون المائدة المعنويَّةُ عيداً؟ لماذا لا تكون الولاية هي المائدة السماوية المعنوية، مقابل مائدة الطعام المادية الظاهرية هي عيدٌ أيضاً؟
ولذلك؛ جاء رجلٌ الى عمر بن الخطاب وقال له: (انكم تقرأون آيَةً في كتابكم لو نزلت لدينا لا تخذنا ذلك اليوم عيداً وهي: ﴿اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الاسلام ديناً﴾.
مائدة الطعام التي طلبها الحواريون كانت عيداً وجاءت في سورة المائدة وآيات ولاية أمير المؤمنين عليه السلام كانت عيداً وجاءت كذلك في سورة المائدة .
آية الولاية جاءت في سورة المائدة :
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. المائدة:الآية:55.
وآيَةُ البلاغ في سورة المائدة:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾. المائدة:الآية:67.
وآيَةُ الاكمال والاتمام في سورة المائدة:
﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾. المائدة: الآية:3.
كل هذه الايات تؤكد أنَّ ولاية علي عليه السلام هي المائدة السماويَّةُ المعنوية، وهي النعمة الآلهية التامة التي غمرت البشر ببركاتها .
في مائدة الطعام الظاهرية التي أنزلها الله على الحواريينَ، من يكفر بهذه المائدة ينالهُ عذابٌ عظيمٌ :
﴿فمن يكفر بعدُ فاني أعذبُهُ عذاباً أليماً لا أعذبه أحداً من العالمين﴾.
وفي مائدة الولاية المعنوية من ينكرها له عذاب اليم كما في قوله تعالى:
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾1-3. وقصة النعمان بن الحارث الفهري هي كالآتي:
(لمّا شاع وانتشر قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم “من كنت مولاه فعليّ مولاه” فَبلغ الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى النبيّ على ناقته وكان بالأبطح، فنزل وعقل ناقته وقال للنبيّ وهو في ملأ من الصحابة: يا محمّد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلنا منك، ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام وقال: ثمّ لم ترض بهذا حتّى مددت بضبعي ابن عمك وفضّلته علينا وقلت من كنت مولاه فعليّ مولاه” فهذا منك أم من الله؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم “والله الذي لا إله إلاّ هو، هو أمر الله” فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامّته وخرج من دبره، وأنزل الله تعالى ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾.
فانكار كلتا المائدتين مدعاة لنزول العذاب الالهي .
هناك طعامٌ ماديٌّ وطعامٌ معنويٌّ ففي قوله تعالى : ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾. عبس: الآية: 24. ورد عن الامام الباقر عليه السلام في معنى: ﴿فلينظر الانسان الى طعامه﴾، طعامهُ علمهُ الذي يأخذُهُ عمن يأخذه. وفسر الامام محمد الباقر عليه السلام كذلك ﴿لاسقيناهم ماءً غَدَقاً﴾، قال الامام عليه السلام : الماء الغدق هو ولاية علي بن ابي طالب والائمة من ولده عليهم السلام.
وفي الختام ان ولاية علي عليه السلام التي كمل فيها الدينُ وتَمّت النعمةُ هي المائدة السماوية فعلينا التمسك بها وعدم الكفر بها .
كما ألقيت قصائد شعرية لكل من الشاعر حسن سامي العبدالله والشاعر هادي المانع ومراثي للرادود احمد الوداعي. (يمكن الاستماع الى القصائد في الفديو ادناه).