العـيـد في الدين والأدب والتراث

العيد في الدين والأدب والتراث

احتفال مؤسسة الابرار الاسلامية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك بتاريخ 11 ابريل 2024

الضيوف: سماحة الشيخ حسن التريكي والاستاذ هادي الحداد والدكتور سعيد الشهابي

كلمة سماحة الشيخ حسن التريكي

كلمة العيد جاءت من “عود” اي تكرر عودة المناسبة.

في اللغة:  في المعجم الوسيط: العيد هو ما يعود من هم أَو مرض أَو شوق أَو نحوه، وكل يوم يحتفل فِيه بذكرى كرِيمة أَو حبيبة، وجمعه أعياد.

وقال ابن الأعرابي: سمي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد.

في الاصطلاح: العيد مناسبة للفرح والإبتهاج، تحتفل بها كلّ الأمم والملل وقد تكون لمناسبة عامّة أو خاصّة، سواء كانت دينيّة أو ثقافيّة وأحياناً سياسيّة وتعبويّة.

اعتادت الامم والشعوب على اعياد تبتهج بها وتستعيدها. نقول: نسأل الله العود، اي نعود مرة اخرى لهذه المناسبة. الاعياد لدى الامم والشعوب ارتبطت بعبادات او تضحيات كبيرة.

ومن أهم أعياد المسلمين عامة عيد الفطر وعيد الأضحى، وتهتم الشیعة اهتماما خاصا بعيد الغدير، وهو يوم قام النبي (ص) بنصب علي بن أبي طالب (ع) خلیفة ووصيا له، فقال «من كنت مولاه فعلي مولاه».

يبتهج المسلمون بعيد الفطر بعد 30 يوما من العبادة، وبعد انجاز المهمة يفرح الصائمون. وفي الحج كذلك يفرح المؤمنون بعد انجاز تلك العبادة. ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. الانجازات العظيمة هي التي تقرب الانسان من الله.

الاعياد في القرآن الكريم:

هناك حادثتان اشارت لهم القرآن:

الأولى: في قصة موسى (ع) مع فرعون.

كان لفرعون يوم للزينة، وهو يوم عيد لاهل مصر ويجتمع الناس فيه ويتزينون ولذلك اختار الله يوم الزينة لان فيه اجتماعا عظيما، فانقلب السحر على الساحر وكان النصر لموسى عليه السلام.

قال تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} سورة طه: 57 ـ 59

الثانية: في قصة عيسى (ع) مع الحواريين.

والمناسبة الاخرى مع النبي عيسى عليه السلام :طلب الحواريون من عيسى ان يدعو الله ان ينزل علهيم مائدة من السماء. قال تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سورة المائدة: 112 ـ 114

فطلب عيسى ان يكون ذلك يوم عيد وابتهاج.

المشكلة في الاخبار المكتوبة انها لا تنقل المشاعر. طلب الحواريين: هل كان طلبا مخالفا للقواعد؟ هل كان طلبهم كطلب بني اسرائيل عندما قالوا: (أرنا الله جهرة) فأنزل الله عليهم الصاعقة؟

ولكن بما ان الله استجاب لعيسى استجابة لطلب الاحباب المقربين منه، فهذا يدل أن طلبهم لم يكن طلبا مخالفا للقواعد والأداب. قالوا: (نريد ان نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا)، اي ان قصدهم طيبا، وطلبهم طلبا شريفا. لذلك نقل عيسى عليه السلام هذا الطلب، و استجاب الله لهم وانزلت المائدة.

في الاسلام جعل الله للمسلمين اعيادا. وقد وضح الأئمة (ع) فلسفة الأعياد في الأسلام.

فقد سئل الامام الرضا عليه السلام: لم جعل يوم الفطر العيد؟

فقال (ع): “لان يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه ويبرزون لله تعالى فيحمدونه على ما من عليهم، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع و يوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرع، ولانه اول يوم من السنة يحل فيه الاكل و الشرب، لان اول شهور السنة عند اهل الحق شهر رمضان، فاحب الله تعالى ان يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدسونه…”. [الصدوق: علل الشرائع/269، و المجلسي: بحار الانوار90/362 (وفي ط.بيروت 87/362)]

فأهل العرفان وأهل الحق يختمون عامهم بطاعة الله بالصيام والامساك عن الاكل والشرب. بعد ذلك يناديهم المنادي: أن اغدوا إلى جوائزكم.

وسمّاه رسول الله (ص) بيوم الجوائز، فقد روى جابر عن الإمام الباقر (ع) قال: «قال النبي (ص): “إذا كان أوّل يوم من شوّال، نادى منادٍ: أيُّها المؤمنون أُغدوا إلى جوائزكم”، ثمّ قال: “يا جابر، جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك”، ثمّ قال: “هو يوم الجوائز”».

وفي الرواية عن ابي جعفر (ع) قال: “… اذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون ان اغدوا الى جوائزكم فهو يوم الجائزة‏”. ثم قال (ع): “اما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم‏”.  المجلسي: بحار الانوار96/360 (وفي ط.بيروت 93/360). .

يقول الشيخ المفيد: وانما كان عيد المؤمنين بمسرتهم بقبول اعمالهم وتكفير سيئاتهم ومغفرة ذنوبهم، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. لذلك جعل الله هذا اليوم يوم سرور.

فمن الذي يحق له الفرح؟

روي عن امير المؤمنين (ع) انه قال: «انما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد». الشريف الرضي: نهج البلاغة، قصار الحكم/428.

وقال (ع): “ليس العيد لمن لبس الجديد، وإنما العيد لمن أمن يوم الوعيد”.

 لكننا نرى الذين يقلبون الدنيا بالاحتفالات والمهرجانات في العيد هم الذين ملأوا الدنيا بالمعاصي.

أما أولياء الله فيوم العيد لديهم يوم حزين وموحش لانهم يعتقدون ان العيد الحقيقي هو شهر رمضان. ومن وفقه الله للصيام والقيام يحق له أن يفرح بهذا العيد.

هذا العيد في فلسفته هو طوال السنة فكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد. فكيف نحافظ على انجازات رمضان؟

لا يكون مثلنا مثل عبد الملك بن مروان الذي طوى القرآن بمجرد ان وصله خبر وفاة أبيه مروان ين الحكم، ووصول الخلافة لها، فطوى القرآن وقال له: هذا فراق بيني وبينك!!.

يجب ان تكون لنا علاقة مستمرة مع القرآن.

 

 د. هادي الحداد

﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.

هناك تفسيران لهذه الأية المباركة والحادثة: مسيحي وإسلامي:

التفسير الاسلامي يتلخص بان عيسى(ع) لم يصلب وأنما غاب او رفع الى الملكوت الاعلى وحين عاد بعد الغيبة الى الحواريين لم يصدقوا به. عندئذ وبعد جدال طويل طلبوا منه معجزة فدعا ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء، فكانت المعجزة.

التفسير المسيحي: هو ان الحواريين اجتمعوا مع السيد المسيح قبل الصلب وتناولوا مائدة فيها (العشاء الاخير)  ثم أعدم.

قسم من المسيحيين يذكرون ان المسيح (ع) رجع بعد الصلب بثلاثة ايام وتناول العشاء وهذا هو (عيد الفصح).

في الجاهلية كانت الاعياد عند العرب على قسمين:

اعياد مكانية واعياد زمانية.

حتى السومريون في العراق القديم كان عندهم مثلا (عيد جز الصوف) حيث يأتي الرعاة الى المدينة لجز الصوف مثلا في سوق الغنم (وهو مكان).

الصابئة المندائيين: مثلا عندهم (عيد الازهار) وتتم الطقوسد الانهار مكانا.

بعض الامم يذهبون الى الجبال او الوديان او المناطق الاخرى.

الاعياد الاسلامية:

كل المذاهب الاسلامية تحتفل بعيد الفطر وعيد الاضحى ويوم الجمعة. ومدرسة أهل البيت تحتفل بالاعياد آنفة الذكر وأعياد أخرى.

هناك (عيد الغدير) وهو عيد الله الاكبر.  و(المولد النبوي الشريف) في شهر ربيع الاول وعيد (المبعث النبوي) يوم 27 رجب،  وعندما كنت صغيراً كان هذا العيد زيارة أهل مدينة الحلة الى النجف.

الاعياد اليهودية: أهم الاعياد اليهودية (عيد كيبور) العيد الكبير في شهر اكتوبر وفيه صيام، وعيد (هانوكا)عيد الانتصار: عيد انتصار اليهود على الاغريق.

 في كتابه “يهود الدونما” للدكتور (جعفر هادي حسن)، كان رئيس اليهود المدعو (شبناي)، قد أسس الحركة في مدينة (سالونيكا) في اليونان وانتقل بعدها اليهود الى (إزمير) في تركيا ومن هناك انتشروا في العالم. وهؤلاء (الدونمة)  يظهرون الاسلام ويخفوان اليهودية.

الهندوس: لديهم عدة اعياد حيث ان في الهند عدة أعياد وفي زيارة الاستاذ محمد اقبال في جامعة بغداد عام 1964 ذكر ان في الهند اكثر من 150 دين و150 قومية و150 لغة او لهجة.

أهم دين عند الهندوس هو (ديوالي) عيد النور ويستمر خمسة ايام بين اكتوبر ونوفمبر.

العيد في الشعر العربي

كتب عنه الكثير

المتنبي يتحدث عن العيد. كان في قصر كافور الاخشيدي، وحيث انه لم يعطه ما اراد قام بهجائه

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ                         بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ                            فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها              وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ

وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً                   أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ

محمد مهدي الجواهري كتب شعرا لمحمد علي كلاي:

شِسْعٌ لنعلِكَ كلُّ مَوْهِبةٍ                              وفداءُ ” زندِك ” كلُّ موهوبِ

وصدى لُهاثِكَ كلُّ مُبتَكَرٍ                           من كلِّ مسموعٍ ومكتوبِ

من كلِّ ما هَجَسَ الغواةُ بهِ                         عن فرط تسهيدٍ وتعذيبِ

يا سالبا بِجِماعِ راحتِهِ                               أغنى الغنى، وأعزّ مسلوبِ

 

في نهاية القصيدة هناك ابيات نابية

من الشعراء الذين كتبوا عن العيد مصطفى جمال الدين كتب قصيدة عن العيد.

اكثر مدائح الشعراء تاتي يوم العيد للسلاطين. المتنبي مدح سيف الدولة الحمداني ولا زالت الاعياد مثلك في الورى.

اشجع السلمي المتوفى سنة 195 هجرية استقبل العيد بعهد جديد.

قال ابن الرومي

للناس عِيدٌ وَلي عِيدانِ في العِيدِ                    إذا رأيْتُكَ يا ابن السَّادَةِ الصِّيدِ

إذا هُمُ عَيَّدُوا عِيديْن في سَنَةٍ                        كانت بوجهك لي أيامُ تَعْييدِ

قالوا اسْتَهَلَّ هِلالُ الفطْر قلتُ لهم                  وجْهُ الأمير هلالٌ غيرُ مفْقُودِ

بدا الهلالُ الذي اسْتقبْلتُ طَلْعَته                    مُقابَلاً بهلالٍ منك مَسْعودِ

أجْدِدْ وأخْلِقْ كلا العيديْنِ في نِعَمٍ                   تأبَى لهنَّ الليالي غير تجديدِ

قصيدة رمضان سفر الخلود

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى