ذكرى شهادة الامام الرضا عليه السلام
أقامت مؤسسة الأبرار الإسلامية في لندن مساء يوم الخميس المصادف 31/8/2023 أمسية بمناسبة ذكرى شهادة الإمام الرضا عليه السلام، بمشاركة الكتور فراس سليم الحسني – باحث أكاديمي من العراق – عبر الفضاء الإلكتروني، مع كلمة بعنوان (الإمام الرضا (ع) والعصر الذهبي في الدولة العباسية)، وحضورياً الشيخ أبو يقين الخزاعي – باحث وخطيب من العراق- لقراءة مجلس شهادة الإمام الرضا عليه السلام.
مقدمة سماحة الشيخ حسن التريكي:
﴿ولو أن اهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض﴾ نعيش ذكرى استشهاد الامام الرضا. هناك روايتان: 17 صفر وآخر صفر من العام 208 للهجرة. ولد الامام الرضا في 11 ذو القعدة 148 للهجرة وعاش الامام الرضا عليه السلام في الفترة العباسية الاولى.
في الايام الاخيرة من دولة الامويين ظهرت دعوة للرضا من آل محمد، بقيادة عبد الله المحض. كان العباسيون من احفاد عبد الله بن العباس يعملون لاقامة دولتهم. قامت دولة بني العباس. العصر الاول امتد الى سنة 232 للهجرة، وهو ما يعرف بالعصر الذهبي بدأ بابي العباس السفاح والمنصور والرشيد والمأمون. ثم وجهت لها ضربت حتى سقطت على يد المغول في سنة 656 هجري.
عاش الامام الرضا عليه السلام في العصر الذهبي وعاصر ثلاثة خلفاء: 3 سنوات ايام الرشيد، وخمس سنوات خلال حكم الامين وخمس سنوات في حكم المأمون. يحدثنا فضيلة الدكتور فراس سليم الحياوي استاذ التاريخ الاسلامي في جامعة بغداد وبابل وكربلاء ، دكتوراه في التاريخ الاسلامي من جامعة بغداد. يشغل منصب مساعد معاون العميد للشؤون العلمية بجامعة بابل. سيضيء لنا شيئا من العصر الذهبي وعلاقة الامام الرضا عليه السلام بتلك المرحلة. ثم مجلس حسيني للشيخ أبي يقين الخزاعي .
الدكتور فراس الحياوي:
الدولة العباسية سميت كذلك نسبة الى العباس عم الرسول الكريم والتي امتدت من الهند شرقا وايران وخوارزم وبلاد ما وراء النهرين والجزيرة العربية والشمال الافريقي باستثناء المغرب وضمت الحوض الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط وامتدت الى بلاد القوقاز. ثالث خلافة اسلامية: الفترة الاولى كانت بقيادة الخلفاء ثم الحكم الاموي. الدولة العباسية شهدت العصر الذهبي وهو اهم فصول الدولة العباسية. بدأ السفاح سنة 132 هجرية وانتهت بالواثق سنة 232 هجري. خلال عهدي الرشيد والمأمون سميت العصر الذهبي. فترة العباس والمنصور كانت فترة تأسيس. الرشيد حكم ما بين 170 الى 193هجري. استلم دولة مستقرة ولذلك اتجه للعمل والتأليف ونشطت الحركة العلمية والترجمة من الإغريق.
عمل المسلمون في مجال العلم والاختراعات والفلسفة الاسلامية وبرزت اعمال ادبية وعلمية واهمها كتاب الف ليلة وليلة. ساهم في ذلك عدد من اهل الكتاب ايضا. امتاز هذا العصر بقوة الخلافة لان الخلفاء كانت بايديهم كل مفاصل الدولة وعرفوا بالقوة، على عكس العصر الثاني الذي بدأ يضعف تحت سيادة الاتراك، وهناك دور البرامكة وتسلطهم في الدولة . استطاع الرشيد انهاء ذلك، وهذا يدل على قوة شخصيته. في الفترة الاخرى كانت هناك سيطرة مباشرة من الاتراك ويتحكمون في الخليفة نفسه. الدولة ظلت في عهد السلاجقة والبويهيين. في العام 656 دخل المغول الى بغداد ودمروها.
ولد الرضا في العام 148 وتوفي في صفر 203 هجرية. يلقب بغريب الغرباء نظرا لدفنه في طوس. استمرت امامته 20 عاما. ذكره ابن الحجر وابن الاثير بالمديح. عاصر الامام الرضا عليه السلام ثلاثة من حكام الدولة العباسية وهم الرشيد، الامين والمامون. كان العباسيون يكنون العداء للعلويين، فكانت هناك حرب ضدهم، وكان لكل خليفة معركة معهم. في عهد المنصور كان هناك محمد ذو النفس الزكية. لم يسلم اي من الائمة منهم. الامام الكاظم سمي الكاظم لكظمه غيظ الامويين.
قام الامام الرضا عليه السلام بحركة فكرية واسعة. قام بجولة في العالم الاسلامي شملت المدينة والبصرة وكانت هناك ثورة بين الامين والمامون. وجد المامون ضرورة انهاء القطيعة مع العلويين فقام باستدعاء الامام الرضا عليه السلام عن طريق يحيي بن اكثم. بعث بشخص الى المدينة لاقناع الرضا بالذهاب الى بغداد. بدأ المامون ينفق على العلويين. كان المامون يخشى من الامام بشكل كبير ففكر في ولاية العهد . فرض عليه اقامة جبرية في خراسان. الطبري يقول ان المامون هو الذي اتخذ قرار ولاية العهد.
بعد صدور امر الولاية استبدلت الاعلام السود بالاعلام الخضر. اصدر الخليفة قرارا وزعه على الاقاليم قال فيه ان الخليفة بحث عن شخص للولاية فلم يحصل افضل من الامام الرضا. لم يكن صدى البيعة واحدا في كل الاقاليم. كانت هناك معارضة في بغداد لتلك البيعة. تخلص المأمون من الإمام بالسم. بهذا انتهى دور الامام الرضا بوفاته في سنة 203 هجرية. الامام كانت له نشاطات كثيرة. الامام كان قد حصل على امتيازات واستفاد من ذلك. كان للامام دور في القضاء. كان المأمون يجلس في ديوان المظالم يومي الاثنين والخميس وكان الامام يجلس بجانبه، وكان الامام يتدخل لتطبيق القضاء وفق الاسلام الصحيح.
طرح المتحدث بعض الامثلة على قضاء الامام الرضا عليه السلام.
للامام دور في اصلاح الاعمال الادارية، ولم يتدخل الا في الحالات التي يجد فيها مصلحة اسلامية عامة، فكان يبدي توجيهاته القيمة، ومن ذلك تعيين الولاة . الامام اعطى قاعدة مهمة في مسالة تعيين الولاة وقادة الثغور. نشر الامام آراءه السديدة في مختلف جوانب الفكر والعقيدة وفق أهل البيت عليهم السلام. قال المأمون: (أخبرني عن جدك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟ فقال له الرضا عليه السلام: ألم تر وعن آبائك، عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (حب علي إيمان، وبغضه كفر)؟ فقال: بلي، فقال الرضا عليه السلام: فلما كانت الجنة للمؤمن، والنار للكافر، فقسمة الجنة والنار إذا كان على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار. فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك إنك وارث جدك. استطاع الامام اقناع المأمون باحترام أهل البيت ونشر آراء اهل البيت.
قدم الامام نصائح للمأمون، وكان يكثر من وعظه، ويخوفه من الله، فكان المامون يظهر قبول ذلك. دخل عليه وهو يتوضا والغلام يصب عليه: فقال الامام: لا تشرك احدا في عبادتك، فتولى المامون وضوءه بنفسه وقال له: اتق الله في امور المسلمين. كان للامام كرامات استخدمها في الاصلاح. طلب المامون من الامام ان يدعو الله لانزال المطر، ففعل وهطل المطر بكثافة. ظهر للامام كرامات اخرى ايضا، وهكذا ازدادت شعبية الامام بين الناس. كان الامام يشجع الشعراء الذين يذكرون فضائل اهل البيت. نشر هؤلاء دور اهل البيت وظلاماتهم. شجع الامام على نظم الشعر. دخل عليه دعبل الخزاعي وانشد قصيدته
منازل آيات خلت من تلاوة، وختم القصيدة بخروج الامام الغائب ليملاء الارض قسطا وعدلا. ولما فرغ منها وقف الامام واعطاه مائة دينار فرفضها دعبل وقال انما جئت للتبرك بالنظر الى وجهك. الامام الرضا عليه السلام استغل الظروف العصيبة التي عصفت بالامة وتصدى للشرك والكفر، وكان الامام يتصدر لذلك. تصدى للبدع التي ظهرت في زمانه. في طريقه الى خراسان مر بالبصرة ومدن اخرى لبث علوم اهل البيت.
مجلس الشيخ أبو يقين الخزاعي
قال تعالى: ﴿فاقصص القصص لعلهم يتفكرون﴾. أحد اهداف القصص في القرآن التفكر والتدبر، للحصول على العبرة ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾. حين يطلع الانسان على هذه القصص في القرآن او التاريخ لا بد ان يمارس التفكر والتدبر. هذه القصص هي حول الانبياء والائمة . هناك قوى مسيطرة على النفس، وهي اربع: العقل والغضب والوهم والشهوة. لكل من هذه القوى طريق. القوى الشهوية صراطها البهيمية. القوى الواهمة صراطها الشيطنة . يتم تغذية هذه القوى على مدار الوقت من خلال الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. القوى الواهمة تهدف لقلب الاوهام الى حقائق. العقل له غذاء وتمرين. الغذاء هو المعارف الحقيقية وتمرين العقل هو التفكر والتدبر. هنا يسيطر العقل على القوى الاخرى فتفشل في حرف مسار الانسان، وهذا معنى جهاد النفس.
بخصوص قصص القرآن لا بد ان نعمل العقل فيها. احدى هذه القصص قصة امامنا الرضا لانها تمثل جانب الوعي. قصة الامام تعتبر من كبرى الاختيارات التي خاضها العقل الشيعي. في قصة الامام الرضا عليه السلام كان هناك منحى جديد مارسه المأمون. كان هناك اختبار يتم للعقل، وهناك اختبارات حدثت للوعي الشيعي، ومن خلالها يمكن معرفة الوعي الشيعي، لان محور حركة الصراع اليوم هو مرحلة اختبار الوعي. حين ننظر الى المسلمين وقد خاضوا معارك كثيرة، واشهدها ضراوة هي معركة الوعي التي تتفوق على السلاح فكلما قل مستوى الوعي . معاوية نجح كثيرا من خلال الماكنة الاعلامية ومن سياسة العصا والجزرة. بلغ وعي المسلمين في الشام من الهبوط ان الواحد منهم لا يميز بين الناقة والجمل. اثر الوعي الشيعي حتى على اصحاب الامام علي عليه السلام ومن ذلك في معارك التحكيم والجمل.
هناك قوى ومعركة كانت خفية (تسمى اليوم الحرب الناعمة) لضرب الوعي الشيعي. ثورات المختار والحسين صاحب فخ كلها تمثل مرحلة اختيار الوعي الشيعي. كان ذلك الوعي يخسر المعركة .
وأحد الأمور التي نغفلها في فترة الغيبية الصغرى، كان الوعي الشيعي ضعيفا، واعتبرتها غيبة للإمام، وهي امور دنيوية ولا تربط الصورة بالآخرة. احد اسباب الغيبة الصغرى تهيئة الاجواء لظهور الوعي. المامون حاول استحداث حالة جديدة بتوظيف الدين للسياسة. الامام الرضا عليه السلام اراد جعله اداة تساهم في تقوية اركان الدولة. هذا الاختبار الذي واجهه المجتمع الشيعي. كان الوضع حساسا في ذلك الوقت، وكان ذلك من اكبر الاختبارات التي خاضها الوعي الشيعي في زمن الامام الرضا، وهي توظيف السياسي للدين.العارف بزمانه لاتهجم عليه اللوابس، والا كانت هناك ارض خصبة لمن هب ودب. داخل هذه الحركات هناك اناس بشهادات عالية، وبطلانها واضح، وهذا ناجم عن قلة الوعي لدى الانسان. يجب ان نعي هذه القصة لنعرف من هو المدعي ومن هو صاحب الدين.
الامام يقول: كيف بكم اذا اختلفت عليكم الرايات وكلها تدعو لآل محمد. ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ قال أبو الصلت: فلمّا أصبحنا من الغد لبس ثيابه، وجلس في محرابه ينتظر، فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون، فقال له: أجب أمير المؤمنين، فلبس نعله ورداءه وقام يمشي وأنا أتبعه، حتّى دخل على المأمون وبين يديه طبق عليه عنب، وأطباق فاكهة بين يديه، وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه، فلمّا أبصر بالرضا(عليه السلام) وثب إليه وعانقه، وقبّل ما بين عينيه وأجلسه معه، ثمّ ناوله العنقود وقال: يابن رسول الله، هل رأيت عنباً أحسن من هذا؟.
فقال له الرضا(عليه السلام): «ربما كان عنباً حسناً يكون من الجنّة»، فقال له: كل منه، فقال له الرضا(عليه السلام): «أو تعفيني منه»؟ فقال: لا بدّ من ذلك، ما يمنعك منه؟ لعلّك تتّهمنا بشيء؟ فتناول العنقود فأكل منه، ثمّ ناوله فأكل منه الرضا(عليه السلام) ثلاث حبّات، ثمّ رمى به وقام، فقال له المأمون: إلى أين؟ قال(عليه السلام): «إلى حيث وجّهتني». وخرج(عليه السلام) مغطّى الرأس، فلم أكلّمه حتّى دخل الدار، فأمر أن يُغلق الباب فأُغلق، ثمّ نام على فراشه، فمكثت واقفاً في صحن الدار مهموماً محزوناً، فبينا أنا كذلك إذ دخل عليَّ شاب حسن الوجه قطط الشعر، أشبه الناس بالرضا(عليه السلام)، فبادرت إليه فقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟ فقال لي: «الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت، هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق». فقلت له: ومن أنت؟ فقال لي: «أنا حجّة الله عليك يا أبا الصلت، أنا محمّد بن علي».
ثمّ مضى نحو أبيه(عليه السلام)، فدخل وأمرني بالدخول معه، فلمّا نظر إليه الرضا(عليه السلام) وثب إليه وعانقه وضمّه إلى صدره وقبّل ما بين عينيه، ثمّ سحبه سحباً إلى فراشه، وأكبّ عليه محمّد بن علي(عليهما السلام) يقبّله ويساره بشيء لم أفهمه، ورأيت على شفتي الرضا(عليه السلام) زبداً أشدّ بياضاً من الثلج، ورأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه، ثمّ أدخل يده بين ثوبه وصدره، فاستخرج منه شيئاً شبيها بالعصفور، فابتلعه أبو جعفر(عليه السلام)، ومضى الرضا(عليه السلام).