الامامُ عليٌّ (ع) وَالمَعاييرُ الرَّقمِيَّةُ

الشيخ زعيم الخيرالله
لاشَكَّ ولاريبَ أَنَّ الأَرقامَ تَلعبُ دوراً مهماً في العلوم، كعلمِ الرياضِيّاتِ وعلمِ الفلكِ والفيزياءِ والكيمياء. بل-كذلك- تلعبُ دوراً كبيراً في حياتنا اليومية، وترتيبِ مواعيدنا وساعاتِ عملنا، بل وحتى البنوك ومؤسسات الصيرفة تعتمد الارقام ودقة الحسابات في عملها. بل ان الدول تضع ميزانياتها معتمدةً على الارقام .
الموضوعُ الذي اُريدُ اثارتَهُ في ذكرى مولدِ أمير المؤمنين (ع)، هو هَلْ أَنَّ النجاجً وَالفَشَلَ نتعاملُ مَعَهُ بمعاييرِ الارقام؟ في حياتنا الماديِّةِ، يُقاسُ النَّجاحُ والفَشَلُ بمعاييرِ الارقام. في اللعبَةِ الديمقراطِيَّةِ، يعتمدون المعيار الرَّقمي في تحديد الفائز والفاشل في الانتخابات، فمن يأتي ب51% هو الفائزُ والذي يأتي ب41% من الاصوات، هو الفاشِلُ وفقَ هذهِ المعايير الرَّقميَّة. وكذلك في الالعاب الرياضية، فالجريُ في السباقاتِ، الجميعُ يركضُ ولكن الفائزَ سيكونُ واحداً، وهو الذي يتقدمُ ولو بخطوةٍ واحدةٍ على أَقرانِهِ. وفي البورصة ومزاد الاسهم يُحَدّدُ وفقَ معاييرِ الارقام. والكاتبُ الجَيِّدُ هو من تحوزُ كتبهُ أَعلى نسبَةٍ في المبيعات. استطلاعاتُ الرأي، كذلك، تعتمدُ على الارقامِ. ولكن، هل-حقاً- النَّجاحُ والفَشَلُ يعتمدُ المعاييرَ الرَّقميَّةَ؟
لَقَدْ ظُلِمَ عليٌّ (ع) بهذهِ المعايير؛ فعليٌّ هو أَوَّلُ من أسلم، ولكن قالوا عن اسلامه أَنَّهُ اسلامُ الصِبيانِ، أي: لاقيمةَ لهُ وفقَ المعايير الرَّقميَّةِ السائِدَةِ . ومن الاسبابِ التي ذكروها في عدم استحقاقِهِ للخلافةِ هي صِغَرُ سِنِّهِ، بهذه المعايير الرَّقميةِ نَفَوا استحقاقَهُ وَجَدارَتَهُ بالخلافةِ، وقدَّموا عليهِ مشايخَ قريشٍ الذين كانوا يرجعون اليه في الازمات، حتى قال الخليفةُ الثاني: لولا عليٌّ لهلك عمر، وقال: ما كنت لمعضِلَةٍ الا ولها أبو الحسن. وكذلك شُكِّكَ بامامة الجواد (ع) بسبب هذا المعيار الرقمي (صغر السن) .
النبيُّ (ص) رفضَ هذا المعيارُ الرَّقميُّ بتقديمه على رأس الجيش الذاهب لحرب الرُّوم، أُسامةَ بن زيد، الشاب الذي لم يتجاوز عمُرُهُ الثمان عشرةَ سنةً .
القرآنُ الكريم يرفض المعيار الرَّقميَّ في النجاح
القُرآنُ الكريم لم يعتمدْ المعيارَ الرَّقميَّ للغَلَبَةِ والفوز؛ فليستْ الارقامُ هي التي تحدد الغلَبَةَ والفَوزَ. الله تعالى يقول في كتابه الكريم :
﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. البقرة: الاية: (249). ويقول الله تعالى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.الانفال: الآيَة: (66). هنا الآيةُ تتحدث عن كون الصبر عاملاً مهماً من عواملِ الغلَبَةِ والنَّجاحِ. وقوله تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.آل عمران:الآية: (160). هنا، الاية تتحدث عن نصر الله، كعامل من العوامل المهمة للنجاح والغَلَبَة.
الامامُ أمير المؤمنين (ع) حينما تصدق بخاتمهِ نزل فيه قولُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. المائدة: الاية: (55). الذين حسبوا أَنَّ المسألَةَ معاييرُ رقميَّةُ، تصدقوا بخواتِمَ غاليةَ الاثمانِ علَّ الله تعالى يُنزلَ فيهم آيَةً. ولكن حسابات الله تعالى ليست رقميَّةً، ولكنها تقيس العملَ بمعايير الاخلاص .
والامامُ عليٌّ (ع) حينما تصدقَ بارغفةِ الخبز الخمس، أنزل الله فيه وفي الزهراء والحسنين قُرآناً يتلى، لا لاجل خمسة ارغفة، فالله ليست معاييرُهُ رقميَّةً، ولكن نظر الله تعالى الى قلوب هؤلاء الاطهار المفعمة بحبه وبالاخلاص له . يقول الله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾. الانسان: الاية:8و 9 .
فهنا الآيةُ تتحدث عن معايير لا يمكن ان تقاس بالارقامِ، كحب الله ووجه الله .
علي وفاطمة والحسنان قالوا: ﴿انما نطعمكم لوجه الله لانريدُ منكم جزاءً ولاشكورا﴾، والله تعالى أجابهم :
﴿إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾. الانسان: الآية: (22).
ولو كان النجاح تحدِّدُهُ الارقامُ، لما قالَ عليٌّ (ع) عندما ضربه ابن ملجم :
(فزتُ وَرَبِّ الكعبَةِ)، اذ أيُّ فوزٍ-بالمعايير الرقميّة- حصلَ عليهِ عليٌّ بعد عمرٍ قضاهُ بالجهاد والكدح والمعاناة ومواجهة الفتن، ثم تكون نيجة ذلك ان تنتهي حياتُهُ بهذا الشكل المأساويِّ الفاجعِ. عليٌ عندما قال: (فزتُ وَرَبِّ الكعبةِ) يشيرُ الى معنىً عظيمٍ أشارت اليه الاية: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. التوبة: الآية: (111). عليٌ (ع) انما قال: (فزتُ وَرَبِّ الكعبةِ)، لانَّهُ وفَى بعده مع الله وباعَ نفسَهُ لله، وفي ذيلِ الآيةِ كانت النتيجةُ وذلكَ هوَ الفوزُ العظيم.
الشخصياتُ الالهية لايمكن ان نقيسها بمعايير الارقام؛ لانها قاصرة عن كشف حقيقَةِ هؤلاءِ العظامِ، ولذلك، فنحن حينما ندرس علياً (ع)، يجب ان لا ندرسهُ بمعايير الارقام وانما بالمعايير الالهية .