نشاطات المؤسسة

حصاد شهر رمضان

حصاد شهر رمضان

الدكتور بهاء الوكيل

التاريخ 20 ابريل 2023

قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

النظرة الاولية لهذه الآية يجب ان يكون هناك تغيير يبدأ من الإنسان .

شهر رمضان يختلف عن سواه، فبدلا من نأكل ثلاث وجبات نأكل أقل.

هنالك اختلاف عن الشهور الاخيرة، ينجم عن هذا الاختلاف ضرورة إحداث تغيير في الاكل والنوم مثلا.

هذا التغيير ينبغي ان يصاحب بتغيير روحي.

فاذا التزم بهذا التغيير الروحي شهرا كاملا فبامكانه تمديدها الى بقية الشهور والسنوات.

الله يقول: لعلكم تتقون. اي هناك مزاوجة بين الاعداد للتقوى والحصول عليه.

التغيير حينما يقوم به الإنسان، فالسؤال: هل ان هذا التغيير يتماشى مع فطرة الإنسان او فوق طاقته؟

هل الانسان مهيأ لهذا التغيير؟ أم انه غيرعملي؟

التغيير موافق لفطرة الانسان. حينما شرع الله الصوم فهو خالق الانسان ويعرف مدى قدراته.

الانسان له عدة عناصر: الروح والقلب والعقل والجسم. كلها قابلة للتغيير.

الجسم يتغير من الطفولة الى الشباب والكهولة. خلقكم أطوارا.

في الدقيقة الواحدة هناك ملايين الخلايا التي تموت والتي تتولد. انه عملية تغيير مستمرة.

القلب يتغير كذلك، انما سمي القلب لانه يتقلب، ساعة الانسان فرح، وساعة يصبح حزينا. انه تقلب القلب، فهو ليس بمستوى واحد من التوجه. يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على  دينك.

قال تعالى: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا.

الامام الكاظم: ان للقلب اقبالا وادبارا، فإذا أقبل فاحملوه على النوافل، واذا أدبر فالفرائض. العقل: كذلك متغير.

قال تعالى: فلما بلغ أشده وبلغ اربعين سنة قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك. هذا مرتبط بنمو العقل والطاقات العقلية. فكل هذه تتغير.

الزمان والمكان من العوامل المؤثرة على روح الانسان وهما متغيران: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.

شخصية الانسان شخصية متغيرة والمطلوب ان يكون التغير نحن الافضل. وقد يكون نحو الاسوأ، حينما يصاحب اصدقاء غير صالحين، كالمصعد صعودا ونزولا.

حينما امرنا الله بالصيام، فانه بمستطاع الانسان ان يقوم بها خير قيام. فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل ..

الفطرة والتغيير منسجمان ومتماشيان.

النقطة الأخرى: ما أهداف هذا التغيير؟

اولا: تقوية الإرادة، فهي من الكرامات  التكوينية للانسان: ولقد كرمنا بني آدم. هذه هي الكرامة التكوينية.

يمتاز الانسان بامتلاكه إرادة (انا هديناه النجدين، اما  شاكرا واما كفورا). قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.

الله اعطى  الانسان الارادة التي يستطيع بها اختيار الخير او الشر، هذه الارادة تتقوى في رمضان. حين يمتنع الانسان عن الحلال وهو بحاجة اليه، كشرب الماء مثلا، فإن من الأولى ان يمتنع عن الحرام في بقية الشهور. هذا يجعل الانسان صلبا امام الشهوات. الارادة تجعل الانسان صاحب توازن. التوازن بين المصالح الشخصية والعامة، بين الشهوة العاجلة والآجلة. الانسان بطبيعته محب لنفسه، والله جعل الانسان يحب نفسه، ولكن بشرط ان لا يتعارض مع الآخرين. احيانا يطلب الله ان يفضل الآخرين على نفسه. وفي اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. يحب الانسان ان يكون له حب السعادة ولكن عليه ان يتذكر المحرومين، بهذا يصبح الانسان متوازنا بين حبه نفسه وحبه الآخرين.

قال رسول الله: واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة، وارحموا صغاركم. الانسان في شهر رمضان يجب ان يكون متزنا بين حب الذات وحب  الآخرين. وكذلك الأمر بالنسبة للشهوات. حب الغريزة قد يتحقق بالعفة، ولكن قد يقوم الانسان بالاعمال المنكرة.

اذا حافظ الانسان على هذه الشهوة باتزان، يتذكر القبر والموت وماعند الله. هناك شهوة آجلة وليست عاجلة.

تتجلى لدى الانسان مفاهيم الحياة الأخرى. سيكون هناك اتزان بين الشهوة  العاجلة والشهوة الآجلة.

الثاني: موضوع الكرامة

يمكن ان تكون تشريعية او تكوينية، عامة او خاصة.

الكرامة كالرحمة ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”.الرحمة الخاصة سيكتبها للذين يتقون. الرحمن، رحمة عامة، الرحيم، وكان بالمؤمنين رحيما.

 

الكرامة العامة: ولقد كرمنا بني آدم وهي تشريعية وتكوينية. التكوينية هي التي كرم بها الانسان: ولقد كرمنا بني آدم.

التشريعية: حين يقول الله: يا ايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن… أيحب أحدكم ان يأكل لحم اخيه…

شرع الله هذه النقاط لكي يحافظ الانسان على شخصيته، فلا تنتهك حكمته، ولا يحكم عليه من خلال ظواهر غير حقيقية، او بالكلام عليه من وراء ظهره.

الكرامة الخاصة: وهي ما تتضح في شهر رمضان المبارك.

قال رسول الله (ص): شهر دعيتم فيه لضيافة الله وجعلتم فيه من اهل كرامة الله.لا ضيافة يضفي الله عليها كرامة خاصة. كيف نعرف هذه الكرامة؟ انفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة. هذه كرامة. نومكم فيه عبادة. عملكم فيه مقبول. الاعمال احيانا بها توجه، واحيانا ليست كذلك.

حين استمع الدعاء، قد اكون مشغولا بالدعاء، ليس هناك نية الاقبال على الله. في بقية الشهور هذا غير مقبول ولكنه في رمضان مقبول لانه صادر عن حب الصوم.

هذه جميعا تجعل الصائم له كرامة خاصة.

بعد هذه الايجابيات، علينا ان نتحاسب. كل انسان يجب عليه ان يخلو مع نفسه ويسألها عن ماذا كسب.

القرآن والادعية الشريفة تجعل الانسان قريبا من الله.

قد يكون هناك نقص. هذا النقص قد يمكن تلافيه بطرق عديدة.

بعد شهر رمضان وقراءة القرآن والادعية يتحقق الانسان ذلك.

الموضوع الأخير: توديع شهر رمضان

السؤال الذي يطرح: كيف نجعل ايام الشهر المعدودات أياما ممدوات؟

لدينا شعار: كل يوم عاشوراء. منطلق هذا الشعور ان نعيش حالة عاشوراء بشكل مستمر، حينها ستصغر ابتلاءات الدنيا. حين نتذكر الحسين وطفله الرضيع الذي يقتل بسهم، نعيش هذه الاهوال تصغر الدنيا في اعيننا. حين نقول: كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء، نستطيع ان نجعل ذلك شعارات لشهر رمضان: امتنعنا عن الحلال في رمضان، فلنمتنع عن الحرام في الشهور الأخرى. (وانزلنا من السماء ماء فسالت اودية بقدرها). شخص لديه وعاء صغير يحصل كمية قليلة. قال تعالى: وان ليس للانسان الا ما سعى. قل كل يعمل على شاكلته.

هذا يجعل الانسان تتفاضل وتتنافس للحصول على فوائد شهر رمضان.

في توديع رمضان: السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب. واذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

في شهر رمضان تقرآ القرآن براحة، لان الشياطين مغلقة، النيران مغلقة.

حين نودع هذا الشهر نودع هذه الرحمة “السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب”. ما كان امحاك للذنوب. السلام عليك ما احرصنا بالامس.

اللهم اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا.

نسأل الله ان يكتبنا من الفائزين في هذا الشهر المبارك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى