لمحات من سيرة الامام الحسن المجتبى عليه السلام وذكرى معركة البدر الكبرى

ندوة أقيمت في مؤسسة الابرار الاسلامية بتاريخ 6 ابريل 2023
الضيوف السيد علاء ال عيسى وفضيلة السيد زيد الوزير
السيد علاء آل عيسى
يقول بعض الاخوة لماذا تتحدث عن التاريخ والاحداث التي مرت على الامة الاسلامية؟ هم يستشهدون بالاية الكريمة ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. ويمكن القول بان هناك فرق بين مكان الواقعة التاريخية التي لا تؤثر كثيرا اين وقعت والعبرة والدروس من هذه الواقعة فنحن نعتمد على الاية الكريمة ﴿فاعتبروا يا أولي الالباب﴾. اذا العبرة من الواقعة التاريخية هو أساس البحث.
قد يتحدَّث النّاس، أنَّ الامام الحسن (ع) كان الإنسان المسالم الّذي لا يعيش في شخصيّته معنى التحدّي، وربّما تطرَّف بعض النّاس فقالوا، إنّه كان يعيش الضّعف في شخصيّته، لأنّ هؤلاء درسوا مسألة الصّلح ولم يدرسوا ما قبله!
عندما نقرأ الرّسائل التي تبادلها مع معاوية، ونقارن بينها وبين الرّسائل التي دارت بين الامام عليّ (ع) ومعاوية، فإنّنا لا نجد أيَّ فرق في كلمات القوّة والمسؤوليّة والوعي والرساليّة والتحدّي.
ولد الامام الحسن (ع) في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك في السنة الثالثة للهجرى ودخل ساحة الصّراع بكلّ قوّة، وعمل على أن يستكمل من أجل الحقّ ما بدأه الامام عليّ (ع)، ولكنّ المشكلة التي واجهت عليّاً في آخر أيّامه من خلال هذا الاهتزاز في جيشه، عادت لتتمثّل في أقسى ما يكون في جيش الامام الحسن (ع). مدة إمامته 10 سنين (40 – 50 هـ).
عاش سبع سنين مع النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وشارك في بيعة الرضوان، وحضر مع أهل البيت في المباهلة مع نصارئ نجران.
لم ترد معلومات كثيرة عن حياته في عهدي ابي بكر وعمر، إلا أن عمر عيّنه كشاهد على الشورى السداسية لتعيين الخليفة الثالث، وفي فترة خلافة الإمام علي عليه السلام رافقه إلى الكوفة، وكان أحد قادة جيشه في معركتَي الجمل وصفين.
تولى الامام الحسن بن علي (ع) الإمامة في 21 رمضان سنة 40 هـ بعد استشهاد الإمام علي (ع)، وبايعه في اليوم نفسه أكثر من أربعين ألف شخص.
ذكر البلاذري أن عبيد الله بن عباس خطب بالناس بعد دفن الإمام علي (ع)، ونعى لهم استشهاد الإمام، وقال: إن إلامام “قد ترك خلفا رضيا مباركا حليما” فإن أحببتم فبايعوه.
ذكرت المصادر التاريخية أنَّ الإمام الحسن (ع) ذكر شروطا لمبايعته فقد قال: (تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت)، وعندما سمع الناس هذا الكلام من الإمام الحسن عليه السلام ذهبوا إلی الإمام الحسين (ع)، وطلبوا منه أن يبايعوه، فرفض ذلك، فرجعوا، وبايعوا الامام الحسن عليه السلام، وذكر المؤرخون أنَّ قيس بن سعد لما أراد مبايعة الإمام الحسن (ع) اشترط أنه يبايعه على كتاب الله وسنة نبيه، وأضاف أنه يُحارب أيضا من أحل دماء المسلمين، فلم يرض الإمام الحسن (ع) بالشرط الأخير، واعتبره داخلا ضمن كتاب الله وسنة نبيه، وبناء على هذا، اعتبر البعض أن الإمامَ الحسن (ع) كان رجلا مسالما يبتعد عن الحرب، وسيرته وسلوكه تخالف سيرة أبيه.
ويعتقد رسول جعفريان صاحب كتاب حياة الائمة الفكرية والسياسية أنَّ مثل هذه الشروط لا تدل على أن الحسن بن علي (ع) كان رجلا مسالماً لا يرغب في الحرب، بل كان يريد المحافظة على سيادته واقتداره كحاكم المجتمع، حتى يتمكن من خلالها أن يتخذ قرارات حاسمة، كما أن إجراءاته اللاحقة كشفت عن أنه كان يصر على الحرب، ويؤيد ذلك الأخبار التي تتحدث عن ارتفاع راتب جنوده بنسبة مئة في المئة، الأمر الذي يعد من أوائل القرارات التي اتخذها الإمام إبان حكمه.
لقد صرح الإمام الحسن (عليه السلام) برأيه في أهل الكوفة مرارا قبل الصلح وبعده، ووبخهم كما وبخهم أبوه (عليهما السلام):
في كتاب الخرائج للراوندي… والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي؟! وكيف أطمئن إليكم وأثق بكم؟! إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن فوافوني هناك. فركب وركب معه من أراد الخروج، وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه وبما وعدوه….
جيش الإمام عليه السلام
لقد قسّم المؤرّخون جيش الإمامِ الحسن عليه السلام إلى الأقسام التالية:
الأوّل: الشيعة المخلصون الذين اتّبعوه عليه السلام لأداء واجبهم الديني وإنجاز مهمّتهم الإنسانية، وهم قلّة.
الثاني: الخوارج الذين كانوا يريدون محاربة معاوية والحسن عليه السلام، فالآن وقد سنحت الظروف فليحاربوا معاوية حتّى يأتي دور الحسن عليه السلام.
الثالث: أصحاب الفتن والمطامع، الذين يبتغون من الحرب مَغنماً لدنياهم.
الرابع: شكّاكون لم يعرفوا حقيقة الأمر من هذه الحرب، فجاؤوا يلتمسون الحُجّة لأيٍّ تكون يكونون معه.
الخامس: أصحاب العصبية، الذين اتّبعوا رؤساء القبائل، على استفزازهم لهم على حساب القبيلة، والنوازع الشخصية.
هذه هي العناصر الأساسية للجيش، وهي طبعاً لا تفي لإنجاز المهمّة التي تكون من أجلها، حيث إنّ الحرب تريد الإيمان والوحدة والطاعة.
ماذا حدث لجيش الامام الحسن قبل الاتفاق على هدنة الصلح؟
بعث بأوّل سرية لتشكّل مقدّمة الجيش تحت إمرة عبيد الله بن العباس، الذي فُضّل لهذه المهمّة من جهاتٍ شتّى:
أوّلها: لأنّه كان الداعية الأوّل للحرب.
ثانيها: لأنّه كان ذا سُمعة طيّبة في الأوساط.
ثالثها: لأنّه كان موتوراً بولديه العزيزين الذين قتلهما جنود معاوية في اليمن.
رابعها: كانت له قرابة مع الإمام عليه السلام ابن عمه.
عبيدالله ابن العباس اخوه هو عبدالله ابن العباس الذي كان واليا على البصرة من قبل الامام علي عليه السلام، وعبدالله بن عباس اخذ الجمل بما حمل من بيت مال المسلمين في البصرة وذهب الى الحجاز. يمكن مراجعة خطبة الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة حيث قال له: (أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي، وأداء الأمانة إلي. فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كٌلب…. ففارقته مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين. فلا ابن عمك آسيت ولا الأمانة أديت… فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم.. فحملته إلى الحجاز…. فسبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟ أو ما تخاف نقاش الحساب؟… كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد. فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار. ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل من مظلمتهم)ا.
الامام الحسن عليه السلام كان يبعث الخطباء المفوّهين، والوجهاء البارزين إلى الأطراف، يدعوهم إلى نصرته، ولكنّ الكثير من أهل الكوفة لم يستجيبوا لهذه الدعوة لأنّ الحروب الطاحنة التي سبقت عهد الإمام عليه السلام – من الجمل إلى صفّين والنهروان – قد أنهكتهم. وقد أعرب الإمام الحسن عليه السلام عن هذه العلّة التي تثبّط عزيمة أهل الكوفة عن الخروج معه، قائلاً: “وكنتم تتوجّهون معنا ودينُكم أَمام دنياكم….”
وهناك الحرب النفسية من قبل معاوية
فعلت المكائد التي حاكها معاوية فعلها، حيث كان قد سخّر طائفةً غير قليلة من ذوي الأطماع، يدبّرون له مؤامراته، فيبثّون الشائعات عن قوّة جيش الشام وقلّة جند الكوفة وضعفه، وعدم القدرة على مقاومته.
وعملت الدنانير والدراهم عملها الخبيث، فإذا بالعدّة المعتمد عليها من قُوّاد جيش الإمام الحسن عليه السلام ينهارون أمام قوّة إعلام معاوية، أو قوّة إغرائه.
ورغم أنّ قيادة السرية من جيش الإمام عليه السلام كانت حكيمة تحت لواء عبيد الله بن العباس، فقد ذهبت ضحية مكر معاوية وتغرير القائد، حيث أرسل الإمام الحسن عليه السلام ابن عمّه لملاقاة جيش معاوية وكتب إليه هذه الوصية: “يابن العم، إنّي باعث إليك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب فسر بهم… ثمّ امضِ حتّى تستقبل بهم معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتّى آتيك، فإنّي على أثرك وشيكاً، وليكن خبرك عندي كلّ يوم، وشاور هذين – يعني قيس بن سعد، وسعيد بن قيس -، فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتّى يقاتلك، فإن فعل فقاتله، وإن أُصبت فقيس بن سعد، فإن أُصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس على الناس”.
ثمّ سار الامام بنفسه – بعد أيّام – في عددٍ هائل من الجيش، لعلّه كان ثلاثين ألفاً أو يزيدون، حتّى بلغ بالقرب من المدائن. فعملت دسائس معاوية في مقدّمة جيش الإمام عليه السلام، فأُذيع بين الناس نبأ كان له أثر عميق في صفوف الجيش، وكان النبأ يقول: إنّ الحسن يكاتب معاوية على الصلح، فلم تقتلون أنفسكم؟
خيانة قادة الجيش
ثمّ أخذ معاوية يستميل قادة الجيش بالمال والوعود، فإذا هم يتسلّلون إليه في خفاء، إلى أن اشترى ضمير عبيدالله بن العباس، فكتب معاوية إليه يقول: “إنّ الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلّم الأمر إليَّ، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً، وإلّا دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أعطيك ألف ألف درهم، يعجّل لك في هذا الوقت النصف، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر”. فانسلّ عبيد الله القائد العام دون أن يُخبر أحداً، فأصبح الجيش يبحث عن القائد ليُقيم بهم صلاة الصبح فلا يجده، فقام قيس يُصلّي بالناس الصبح، ثمّ لمّا انتهى خطب فيهم يهدّئ روع الناس، ويُطمئن قلوبهم.
فإذا بالجيش يصيح مؤيّداً: “الحمد لله الذي أخرجه من بيننا”. إلّا أنّ هذا الجيش الذي هرب قائده إلى معسكر العدو، لم يكن في وضع يقاوم جيش معاوية، لذلك تفرّق أكثره.
وجه الإمام أربعة آلاف بقيادة الكندي وأمرهم أن يرابطوا في الفلوجة داخل العراق في طريق جيش معاوية القادم من الشام، فخان قائدهم الكندي وفر إلى معاوية، وتفرق أكثر جيشه! ثم أرسل أربعة آلاف بقيادة المرادي، فخان المرادي واشتراه معاوية أيضا وتفرق أكثر جيشه!
ولم يبقَ منه إلّا أربعة آلاف فقط، وهذا العدد الهائل الذي انتقص من اثني عشر ألفاً، بعث الخيبة في نفوس الجند في المقدّمة. وبدأ بعضهم يتسلّلون إلى معاوية، وكتب بعضهم إليه أن لو شئت جئنا بالحسن إليك أسيراً، ولو شئت قتلناه. وجاءت عطايا معاوية ووعوده بتزويج بناته لهذا القائد أو ذاك. وهكذا نستطيع أن نعرف مدى ضغط الظروف التي أجبرت الإمام عليه السلام على الصلح،
ويظهر من خطبة الامام الحسن عليه السلام أنّهم كانوا متأثّرين بدعايات معاوية إلى حدٍّ بعيد، حيث كانوا يلحُّون على الإمام عليه السلام بالتنازل عن حقّه، ومبايعة معاوية، والإمام عليه السلام يأبى عليهم ذلك. وقالوا له أكفرت يا حسن كما كفر ابوك؟ تريد ان تصالح معاوية؟ فهجموا على الامام عليه السلام لكنه دخل الى الفسطاس وبدأ يصلى صلاة الظهر وفي نفس الوقت أشيع خبر صلح الامام الحسن مع معاوية فهجموا على الفسطاس وسرقوا كل شيء من الفسطاس وبقى الامام جالسا متقلدا سيفه. فجاء بنو هاشم وعزلوا الامام عن الجيش وركب فرسه وذهب الى قصر والي المدائن سعد بن مسعود الثقفي. في هذه الاثناء تغلل رجل اسمه الجراح بن سنان بيده (سيف رفيع) وضرب الامام بفخذه ويسقط ويحمل الى دار سعد بن مسعود الثقفي.
الامة التي يسيطر عليها الملل والجهل تفعل فعلتها هذه. فهذه الامة تختار الذلة والمهانة عن العزة والكرامة. والامة اما تخنع للعدو او تنقلب على المصلح.
في الحقيقة ان العقل هو الّذي يحقّق للإنسان خطّ التّوازن في المعرفة والإيمان، فلا إيمان إلا من خلال العقل؛ لأنّ العقل هو الّذي يميّز بين الحقّ والباطل، وبين الهدى والضّلال، وبين الخير والشرّ، بينما يمثّل الجهل الأفق الضيّق، والظّلام الدّامس، والتخلّف والقلق والغموض في وعي الأمور.
ورد عن رسول الله(ص)، أنّه أتاه قومٌ فأثنوا على رجل، فسألهم: “كيف عقلُ الرّجل؟ قالوا: يا رسول الله، نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير وتسألنا عن عقله؟ فقال: إنّ الأحمقَ يصيب بحُمْقِه أعظم من فجور الفاجر، وإنّما يرتفع العباد غداً في الدّرجات وينالون الزّلفى من ربّهم على قدر عقولهم”
وعن الامام عليّ(ع): “على قدْرِ العقل يكون الدِّين” و”لا دين لمن لا عقل له”.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الإسلام لا يقبل أن يأخذ النّاس بأسباب الخرافة والتخلّف في ما يعتقدونه أو يقومون به، بل لا بدّ من أن ينطلق المسلم في عقيدته وفي عمله على أساس العلم لا الجهل.
(في كتاب الإحتجاج قطب الدين الراوندي: 2 / 12). قال الامام الحسن عليه السلام (والله ما سلمت الأمر إليه (معاولة) إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا!). لا ننسى مقولة الفرزدق للامام الحسين عليه السلام قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
دخل عليه زيد بن وهب يقول للامام الحسن لقد اضطربت الناس ماذا تقول: قال (عليه السلام): (أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء الذين يزعمون أنهم لي شيعة! ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي! والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وأومن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي! والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما! والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير…(الإحتجاج: 2 / 10).
هذه صورة عن انهيار الأمة مع إمامها الحسن (عليه السلام) فلا هم أهل حرب ولا أهل صلح، ولا أهل طاعة لإمامهم، ولا خارجون عليه صراحة!
اذا لاخيار شرعيا للإمام (عليه السلام) إلا التنازل عن الحكم.
بحركته الامام مهد لثورة الامام الحسين عليه السلام من خلال الكشف عن من هو مع اهل البيت عليهم السلام ومن هو ضدهم. اظهر للامة حقيقة معاوية وبنو امية.
بنود صلح الامام الحسن (نقلا من موقع قناة الكوثر)
البند الأوّل: تسليم الأمر ـ الخلافة ـ إلى معاوية على أن يعمل بكتاب اللّه وسنّة رسوله.
البند الثاني: أن تكون للحسن الخلافة من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد بها إلى أحد.
البند الثالث: أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير.
البند الرابع: استثناء ما في بيت المال وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وصفين مليون درهم، و أن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد.
البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض اللّه في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وانّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حق حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق.
فكتب معاوية جميع ذلك بخطه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة والأيمان المغلّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام.
في رواية عن أبي سعيد عقيصا قال قلت للحسن بن علي بن أبي طالب يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وان معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى… قلت بلى قال: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت بلى قال فانا إذن إمام لو قمت وأنا إمام إذ لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب ان يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا ألا ترى الخضر “ع” لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى “ع” فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضى هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.
قبس من مواعظه:
جاء شخص إلى الإمام الحسن بن عليّ (ع) وسأله أن يكون صديقًا له وجليسًا، فقال الإمام (ع): عندي ثلاثة شروط، وأهلاً وسهلاً بك. ما هي؟ “إيّاك أن تمدحني، فأنا أعلم بنفسي منك، أو تكذِّبني، فإنّه لا رأي لمكذوب، أو تغتاب عندي أحداً”. عندها استدرك الرّجل: ائذنلي في الانصراف.قال (ع): “نعم، إذا شئت.
سأل الامام الحسن عليه السلام عن البخل، فقال عليه السلام: هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا، وما أمسكه شرفا.
ومر عليه السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وقصر آخرون فخابوا. فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه والمسيئ مشغول بإساءته، ثم مضى.
أمّا آخر موعظة أطلقها الإمام الحسن (ع) في مرضه الّذي توفي فيه نتيجة السّم، فقد ذكر الرواة أنّ جنادة بن أبي أمية قال له: عظني يابن رسول الله، قال: “استعدّ لسفرِك وحصّلْ زادَك قبلَ حُلولِ أجلِك. واعلم أنّكَ تطلبُ الدنيا والموتُ يطلبُك، ولا تحملْ همَّ يومِك الّذي لم يأت على يومِك الّذي أنتَ فيه. واعلمْ أنّك لا تكسبُ من المالِ شَيئاً فوقَ قُوّتِك إلاّ كنتَ فيه خَازناً لغيرك. واعلم أنّ الدنيا في حلالِها حسابٌ، وفي حرامِها عقابٌ، وفي الشبهاتِ عتابٌ. فأنزلِ الدنيا بمنـزلةِ الميتِة، خُذْ منها ما يَكفِيكَ، فإن كانت حَلالاً كنتَ قد زَهدتَ فيها، وإنْ كانت حَراماً لم يكنْ في وزرٍ، فأخذتَ منهُ كما أخذتَ مِن الميتة، وإنْ كان العقابُ فالعقاب يسيرٌ. واعملْ لدنياكَ كأنَّك تعيشُ أبداً، واعمَلْ لآخِرتكَ كأنّكَ تموتُ غَداً. وإذا أردتَ عِزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سُلطان، فاخرج من ذلِّ معصيةِ اللّهِ إلى عزّ طاعةِ الله عز وجل.
إنّها كلمات الحق والحكمة والخير والسداد، الّتي لا بد لنا من أن نحرّكها في حياتنا، لتكون برنامجاً للموعظة، وخطة للسير، ومنطلقاً للحركة، لنحصل منها على خير الدنيا والآخرة.”
وتلك هي سيرة أهل البيت (ع) في كلِّ مواقفهم، وفي كل تطلعاتهم، وفي كل دعوتهم إلى الله، وفي كل سلوكهم… إنهم يجسّدون الإسلام كله، في كلِّ ما قالوه، وفي كل ما فعلوه.
حياة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، بحياة أخيه السبط الشهيد الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام.. وبالأخص حياتهما السياسية، فهما شريكان في صنع الأحداث، أو في التأثير فيها، سواء على مستوى الموقف، أو على مستوى نتائجه وآثاره..
لقد كانوا ثورة على الظلم، وثورة على الاستكبار كله، وكانوا منفتحين على المستضعفين كلهم.
إننا عندما نتذكر الإمام الحسن (ع) ونتذكر أهل البيت، فإننا نريد أن نجدّد التزامنا بهم وبإمامتهم وبخطّهم، وبكل ما نصحونا ووعظونا، وأوصونا وعلّمونا، لأنّ ذلك هو معنى أن نكون معهم.
على من يريد البحث والتعرف على الحياة السياسية لأي إمام أن لا يهمل النظر إلى حياة الآخر، وملاحظة مواقفه. بل لا بد وأن يبقى على مقربة منها، إذا أراد أن يستفيد الكثير ممّا يساعده على فهم أعمق لما هو بصدد البحث فيه، ويهدف إلى التعرف عليه، وعلى أسبابه، وعلى آثاره ونتائجه..
فضيلة السيد زيد الوزير
بسم الله الرحمن الرحيم
دروس من يوم بدر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جرت عادة المحاضرين أن يستهلوا المحاضرة بقولهم : أيها الأخوة والأخوات، أو أيها السيدات والسادة، ولكني لن اتبع هذا التقليد الغربي، بل سأفتتح محاضرتي بقولي: أيها الناس الكرام، وذلك اقتداء بما جاء به القرآن الكريم، وبما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى اله الطاهرين وصحابته الذي معه وتمسكوا بمنهجه به يوجه خطابه وذلك لان كلمة الناس شاملة للذكر والأنثى بدون تفرقة ولا انفصام.
وعليه فأبدأ محاضرتي بالسلام والتحية اليكم أيها الناس الحاضرون، وأبارك لكم بحلول شهر رمضان الكريم الذي انزل فيه {القرآن} شفاء لما في الصدور من البغضاء، وتطهيرا لما النفوس من الأحقاد، وتنظيفا للقلوب من الاستكبار ودعوة من رب العالمين للبشرية بالخير.
ويسعدني ويشرفني أن ألبي دعوة شيخنا الجليل “حسن التريكي” وسلطاننا اليمني “سعيد الشهابي” لألقي محاضرة عن يوم بدر العظيم في هذه القاعة المباركة التي طالما تردد في جوانبها أسمى معاني التفاهم الأخوي بين المدارس الفكرية المختلفة، والتقارب الإنساني مع الأديان الأخرى من أجل مستقبل إنساني راشد ورشيد.
أعترف مسبقاً أنه ليس من السهل على أي انسان أن يتحدث عما قدمته “معركة بدر” من دروس وعِبَرٍ وعظات، فدون ذلك آفاق تتحطم فيها الأجنحة القوية، فليس سهلاً، بل ولا ميسوراً أن يتحدث إنسان عن معركة اشترك في نصرتها ملائكة الله المقربون، وعباده المخلصون، فيجتمع على ساحتها ملائكة السماء وملائكة الأرض. وفي هذه الحالة التي لم يشهد تاريخ الإنسانية لها مثيلا أيان لقلم أن يلم بمثل هذا النبأ العظيم، أو أن يحيط بدلالاته العظمي مهما أوتي من بلاغة وسحر بيان. ومع ذلك فاسمحوا لهذا الإنسان العاجز أن يتحدث عن بعض الدروس المستخلصة من معاني هذا الشهر الكريم بقدر جهده وبقدر علمه {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
وفي محاولة لاستخلاص الدروس المستقاة من معركة “بدر الكبرى” فقد رأيت أن أقسم هذه المحاضرة إلى قسمين: قسم يتحدث عن شهر رمضان الكريم باعتباره الأساس الذي كانت “بدر الكبرى” نتيجة من نتائجه، والقسم الثاني يتحدث عن الدروس المستخلصة من تلك الوقعة المؤمنة.
وكتمهيد لهما فإن عليّ أن اتحدت بدءاً عن طريقين تنبسط أمامنا: طريق الباطل، وطريق الحق فإما مبطل وإما محق ولا ثالث لهما، {وهديناه النجدين}، ويجسد هذا المعنى قول الله سبحانه في وصف هذا اليوم: يوم {إلتقى الجمعان} الحق مع الباطل وجها لوجه و انتصر الحق على الباطل كما تعرفون.
من خلال معركة “بدر الكبرى” نرى هاذين الطريقين بكل وضوح لكل ذي لب رشيد.:
طريق نهجه “البدريون” في تحقيق العدل، ومشى على دربه بطل بدر أمير المؤمنين “علي” عليه السلام ثابت الخطى ليناجز الباطل والمبطلين، وطريق سلكه “أبو جهل” في الدفاع عن الباطل. وعلى طريق “أبي جهل” سار موكب الظالمين حتى اليوم.
وعلى نهج بدر سار “الحسين بن علي” وابن أخيه ” الحسن بن الحسن” و زيد بن علي” وابنه “يحيى” و”النفس الزكية ” و “إبراهيم بن عبد الله” والخليفة عمر بن عبد العزيز والحارث بن سريج-شهيد الشورى- وغيرهم عبر أحقاب وأحقاب حتى عصرنا الحاضر حيث قاومت “الثورة الدستورية” في اليمن في عام 1367هـ / 1948م الحكم الفردي، وحيث هبت “الثورة الإسلامية” في إيران عام 1898هـ / 1978م، وحيث تناضل المقاومة في أكثر من مكان: في اليمن و في البحرين و في العراق و في سوريا ولبنان وقلب القضية الإسلامية الأولى “فلسطين”.
لم تكن المقاومة بالثورة الجهادية على الظلمة هي وحدها التي تصدت، فقد وقف القلم يناضل في سبيل الحق، وكان له دور لا يقل عن أصحاب مبدأ الخروج على الظالم- ويعود الفضل في ذلك إلى الأئمة العظام: “الباقر” و”الصادق” و”الكاظم” ومن تبعهم بإحسان. فقد نشطوا ونشروا تعاليمهم في الآفاق فعملت في هدم الظلم ما عملت. وإلى هذا الركب الرشيد والراشد هبت “المعتزلة” ومن يقول بحرية الإرادة لتقارع الأساس الذي بناه “معاوية ” والقائم على “الجبرية” و”المرجئة” التي تمكنت من تغيير معنى الإرجاء القائل بعدم تكفير مرتكب الكبيرة إلى معنى إرجاء ذنوب الظلمة إلى اليوم الأخر مهما ارتكبوا من مخالفات ظالمة وأفعال شنيعة كما أوضحت ذلك في كتابي “حديث في المصطلحات الإسلامية”، ومن المؤكد أن هذه الجبرية وتلك المرجئة هما العمودان التي قام عليهما ملوك الباطل ابتداء من “معاوية حتى اليوم. وهكذا أدى القلم الرشيد دوراً فعالاً وقوياً،
إذاً أمامنا خطان واضحان هما طريق بدر، وطريق أبي جهل ولا ثالث لهما، أما من وقف على الحياد السلبي فلم ينصر حقاً، ولم يهدم باطلاً، فهو غثاء كغثاء السيل لا ينفع الناس.
قد تطرحون أيها الناس الكرام سؤالاً يبدو- للنظرة العجلى- محقاً، وهو أن المقاومين للظلم بالثورة، وأرباب القلم بالإرشاد أيضا لم يكسبوا نصراُ شاملا؟ بدليل أن الباطل ما يزال جاثما بثقله البغيض على بلدان كثيرة؟
اسمحوا لي أن أخالف هذا القول. لأني اذا ما ألقيت نظرة على بداية الانحراف أجد بسبب صولة الظلم أنه تمكن من إخماد أي صوت إلا صوته يعربد في الساحات، ولكن ما لبث “مقاومو الباطل” سيفاً وقلماً أن قلموا مخالب الطغيان وأنيابه من خلال المدارس التي انتشرت في أصقاع العالم الإسلامي والتى كان لها دور في عزل التسلط عن “التيار العام “الشعبي” وقد أدرك المتوكل العباسي الخليع خطورتها على عرش العباسيين فحصر تلك المدارس في أربعة مذاهب، ودجن علماءها، وسماها مذاهب “أهل السنة” ليعطيها بريقاً دينياً يخطف بأبصار العامة. وتمكن من تدجينها فانقلبت على أفكار مؤسسيها الكبار. وأصبح أتباع داعية السلام الإمام أحمد بن حنبل من اشد الناس عنفاً، وقد كان أولئك الآباء المؤسسون يناصرون المقاومة ويؤيدونها ويؤمنون بالخروج على الظالم، إذ بهؤلاء الأتباع يفتون بأن الخروج على الظالم محرم، وأن طاعة ولي الأمر الظالم من طاعة الله ، وأن ليس على ولي الأمر حساب، فتصدى لهم محاربو الفكر المضاد للجبرية وتمكنوا من فسح مكان لهم في الجغرافيا الفكرية، ولولا هذه المقاومة لكان الطغيان قد توسع.
اذن في استطاعتي أن أقول أن المقاومة لم تهدأ، وبقاؤها في حد ذاته انتصار. لقد كسب الطغاة معارك، ولكنهم لم يكسبوا الحرب، تلك حقيقة لا غبار عليها. واليوم نجد أصوات المقاومة تتعالى في أكثر من موقع و مكان، ونرى مدارسها في تصاعد وانتصاراتها مستمرة، ولولا التدخل الخارجي لحماية الباطل، ودعم علماء السلطة لملوك الباطل لكانت رايات النصر الشامل ترفرف في أكثر من مكان أو في كل مكان. إننا في حقيقة الأمر لا نقاوم ملوك الباطل في الداخل فقط وإنما نقاوم ونحاول صد المغير من الخارج أيضاً، و أخيراً أقول أين أصبح “الحسين” وأين أصبح يزيد ؟ أي منهما الذي انتصر ؟ وهذه الملايين تستلهم الحسين وتحتذي حذوه، بينما لا يُدكَرُ يزيد إلا مشفوعاً بكلمات الإساءة، ومرة أخرى أسأل من المنتصر ؟
فإذا انتهيت من هذا الموضوع أواصل الحديث -قبل الدخول في الدروس المستخلصة من معركة “بدر الكبرى”- فأذكر أنه في مثل هذا الشهر العظيم نزل القرآن كما هو معلوم للجميع، ولكني أريد أن اركز على أن الإسلام بدأ في 17 من رمضان، حيث نزلت أول آية من القرأن الكريم على الرسول، صلى الله عليه وعلى آله، { إقرأ باسم ربك الذي خلق } وبهذه الآية الآمرة بدأ فجر الأسلام، وبدأت النبوة، وبدأت الرسالة، وبدأت الإنسانية تقرأ عهداً جديداً فاصلا بين ماض ومستقبل، أو قل خاتمة عصر متكرر، وبداية عصر متطور، مخالف كل المخالفة لما عرفه الناس من نظم متشابهة لم تعرفها البشرية من قبل. ويكفيني في هذا الصدد أن أقول أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أنشأ حضارة باذخة في حين أن اليهودية نشأت في ظل الحضارة الفرعونية، وأن المسيحية نشأت في ظل الحضارة الرومانية، فالإسلام هو الوحيد من بين الأديان السماوية الذي أنشأ حضارته، وإذ أقول ذلك فلأن هذه الحضارة لم تنشئها السياسية والسياسيون وإنما أنشأها القرآن، وعمل على تطبيقها علماء الكلام. وهكذا يصح القول في البدء كان{القرآن}.
واسمحوا لي أن أعرج على سؤال له ارتباط بما سيأتي عن الدروس المستخلصة من معركة “بدر الكبرى”، وهذا السؤال هو: في أي يوم نزل {القرآن المجيد} ؟ وللجواب على هذا السؤال فلن أذهب إلى المفسرين والمؤرخين ولا إلي تأويلاتهم لأجد عندهم الجواب وذلك لسبب بسيط، وهو أنهم يفسرون ويؤولون على حسب معتقدهم المذهبي مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى ليً اللسان، وتغميض المعنى، وقسره على تأويل يتناغم مع الميول والأهواء، ولكني سأعود إلى {القرآن الكريم} نفسه كما عاد إليه العلامة المحضار، رحمه الله، الذي استنتج من آياته المباركة التاريخ الصحيح، انطلاقاً من أن {القرآن الكريم} يفسر بعضه بعضاً، فعندما قال الله تعالى {شهر رمضان الذي أُنزِلَ فيه القرآن} عرفنا تلقائياً أنه أُنزل في هذا الشهر، ولكن بدون أن نعرف في أي يوم منه؟ و إذا ما أردنا أن نعرف اليوم فإن الجواب حاضر في قوله تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فعرفنا أنه نزل في ليلة غير محددة من ليالي الشهر، ولكن أي ليلة هذه ؟ أذهب إلى {القرآن الكريم} فأجد الجواب في قوله تعالى {يوم “الفرقان” يوم التقى الجمعان}، و “الفرقان” كما نعلم هو اسم آخر {للقرآن} وكانت معركة بدر يوم السابع عشر من رمضان، فعرفنا من هذا أن {القرآن} أنزل في ليلة هذا اليوم.
أنتقل الآن أيها الناس الكرام إلى الحديث عن الدروس المستخلصة من “معركة بدر الكبرى” ، وسوف أتناول دروسا محدودة لا غير، لأن الحديث عن “بدر” لا تسعه صفحات طوال.
الدرس الأول: الذي استقيته هو أن الشورى تمثلت في هذه المعركة الفاصلة خير تمثيل، في موقف يقضي باتخاذ قرار القائد بدون تشاور كما كانوا يفعلون، ولكن الرسول الكريم خالف تلك القاعدة ولم يفرض رأياً وهو النبي والرسول المطاع، بل استمع للرأي الآخر وعمل به. وكلنا نعرف أن رسول الله كان قد تمركز في موقع غير حربي فجاء إليه الأنصاري “الحباب بن المنذر” وفال: (يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والمشورة والحرب والمكيدة؟ فقال له: بل هو الرأي والمشورة والحرب والمكيدة) فدلّه الحباب الخبير بالمنطقة على موقع استراتيجي جعل ماء بدر خلفه، وكان “الحباب” قد شهد كل المعارك مع رسول الله وكان ذا رأي ومشورة. وهكذا نرى أنهم كانوا يفرقون ما بين التشريع الإلهي، والرأي الشورى.
ودرس ثان أوضحته معركة بدر الكبرى وهو: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله، قدم الدليل بما صنعه مع أحد خلق الله إليه، بشهادة حديث الطير، و عمه وابن عمه لمناجزة صناديد قريش وأبطالهم كما هو معروف لنا جميعاً، ولكن الأمر المهم هنا هو أنه ضرب قدوة للناس جميعا في الدفع عن المعتقد بالولد والأقرب. وقد أُبلي أمير المؤمنين في بدر بلاءً حسنا، أو كما روت سيرة ابن هشام : وهل كانت بدر إلا لعلي لحسن ما أبلاه غير هياب من الموت او وجل. وتكرر هذا المشهد في الخندق حيث لم يضن النبي بأحب خلقه إليه ليقدمه للموت ليبارز بطل العرب “عمرو بن ود” في الوقت الذي أحجم الناس عن مبارزته خوفا منه على حياتهم فاحجموا عن مصارعته وتقدم “علي” فصرعه وانهزم الأحزاب.
ودرس ثالث: تخبرنا به “معركة بدر” بفصيح الوقائع أن العقيدة هي التي تنتصر ولو كان أصحابها ذوي قلة، وكان المسلمون بالفعل فيها قلة، والمشركون أضعاف مضاعفة، ومعهم إلى جانب كثرتهم مكانة قريش وهيبتها في قلوب العرب، ومع ذلك فقد انتصرت القلة المؤمنة على الكثرة المغرورة، المعتمدة على القوة وحدها والخالية من العقيدة. ومن المؤكد أنها كانت معركة فاصلة بين تاريخين ولو فشل المسلمون فيها لما عُبِدَ الله بعدها كما قال رسول الله (اللهم إن تهلك هذه العصبة اليوم لا تُعبَد إن شئت ألا تُعبَد) وبهذا النصر المبين أصبح الطريق للإسلام ممهداً لا يمنعه مانع رغم العقبات والعوائق. وعلى الرغم أن المدافعين عن الحق – كانوا في “بدر” فئة قليلة” لكنها غلبت “فئة كثيرة” أو كما عبر {القرآن الكريم } عن قوة العقيدة {فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة} في وقت كان فيه التفوق العددي للمقاتلين هو معيار النصر، وها نحن نرى اليوم بعد أن أصبح التفوق التكنولوجي والتسليح المتطور هو معيار النصر، إلا أن الحق -أو أي معتقد متمكن- لازال ينتصر على الباطل وعلى العدو الأقوى رغم التفاوت في التقنية والتسليح، و أمامنا أمثلة حية نشاهدها على الأرض المعاصرة في لبنان وفلسطين وفي اليمن والعراق وسوريا والبحرين وفي كوريا وفيتنام وأفغانستان.
وهكذا المعتقد- مهما كان مصدره-هو الذي ينتصر على القوة المادية والعدد والعدة الكبيرة “.
ودرس رابع: تفصح عنه “معركة بدر” بان من يقاتل دفاعاً عن حقوقه المغتصبة إنما يقاتل عن حق أغتصب، وقريش وما أدراك ما قريش كانت قد سلبت المهاجرين أموالهم وبيوتهم ومدخراتهم وذهبوا يتجرون بها لصالحهم، فلما بلغ النبي أن قافلة قريش في طريق عودتها إلى مكة طلب من المهاجرين أن يعترضوا القافلة ليسترجعوا حقوقهم المسلوبة.
ودرس خامس تقدمه “معركة بدر” على قوة العقيدة التي خطمت قيدا تقيد به الأنصار عند عاهدوا الرسول الأعظم في بيعة العقبة على حمايته مما يحمونه من أرحامهم، ولم يعاهدوه على القتال معه، لكن نور الإيمان قد وسع دائرة البيعة في لحظة مصير فاصلة فأصبح القتال مع النبي استجابة إيمانية يمانية بكل معنى الكلمة، وقد عبر عن ذلك “سعد بن معاذ” إذ أعلن بصوت جهير (امض بنا يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً. إنا لصبر قي الحرب، صُدق في اللقاء؛ ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله)، فالإيمان وحده هو الذي دفع بالأنصار أن يزجوا بأنفسهم في حرب لم يكونوا ملزمين بها، وذلك لأنهم فئة آمنت بربها فزادها الله هدى وكانت على ربها تتوكل.
ودرس خامس يمكن أن أسميه درس في الإستراتيجية البعيدة المدى وهو أن “معركة بدر” ونصاب بدر أصبح عند “الزيدية” نموذجاً للمقاومة سار على هداه “الحسين بن علي -عليه السلام- في محاربة الطغاة، فنراه لم يساوم ولم يهادن وإنما احتسب موقفه إحدى الحسنيين إما النصر أو الشهادة، وكانت كربلاء تطبيقاً أميناً لدرس بدر ولصمود العقيدة، حيث أصبحت نفسها نموذجاً للشجاعة والإقدام، فكان القادء أذا حزبهم الأمر واصبحوا في وضع حرج بين استسلام مذل أو موت شريف تذكروا كربلاء فانشدوا بيتا لشاعر بليغ بقوله:
وأن الأولى بالطف من آل هاشم تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
فقاتلوا حتى قتلوا
وعليه يمكن القول بكل اطمئنان أنه لولا شعلة بدر المضيئة، ودماء كربلاء المنيرة إذن لما اشتعلت مقاومة الظلمة في أي زمان وكل زمان. ولولا تلك المقاومات لكان الظلم قد طنب خيامه بشكل ثابت ولم يتزعزع، صحيح أن تلك المقاومة لم تتمكن حتى اليوم من زعزعة دول الظلم كما سبق القول، ولكنها ولولاها لكانت المظالم أشد وأقسى، إذ مثلت المقاومة كبحاُ لاندفاع الظلم في طغيانه.
ودرس سادس تولد -والشيء بالشيء يذكر- أنه من المصادفات أن كان هناك مصادفات أن بطل بدر استشهاد أمير المؤمنين في هذا الشهر ووأن ثالث من رتل القرآن استشهد في ليلة نزول القرآن في ليلة القدر ، إذ يروى عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام يوم انتقال أمير المؤمنين الى الرفيق الأعلى أنه نعى والده فقال: في هذه الليلة ليلة بدر مات أمير المؤمنين، أو كما قال ؛ وبارتقائه إلى ربه قامت دولة الملوك الجبابرة والمتسلطين، و إذا كان يوم بدر يوم انتصار الإسلام فإن موت أمير المؤمنين في نفس الشهر واليوم إيذان بانحراف كبير عن تعاليم [القرآن الكريم}، وترسيخ للظلم والمظالم، ولولا مقاومة هذا الانحراف المقيت لكان الخطب أعظم كما سبق القول.
ودرس استقيته من تسمية بدر وتسمية كربلاء ودلالتهما على التصاق الحدث بالمكان، فاسم بدر شكل بدراً إسلامياً أضاء الطريق لمن أراد الالتزام بمنهج الرسول، و اسم كربلاء شكّل كرباً وبلاءً للمؤمنين، وما يزال ذكراها يمزق القلوب والأكباد حتى اليوم، مع أن ذلك الدم الزكي هو الذي حفظ الإسلام وتمثل في أتباعه والسائرين على منهجه قومه إما بنصر مؤزر، او بشهادة مأجورة، لقد انتصر الحسين وانهزم الطغاة وعاشوا أيامهم ثم اندثروا هباء إلا من ذكر سيء.
أيها السادة الكرام وإنه في مثل الخامس عشر من شهر رمضان الكريم بُّشر رسول الله بمولد أحد رائحتي الجنة “الحسن بن علي” فسماه النبي نفسه بالحسن فكان بحق نموذجا حسنا للرحمة والبر والتقوى عليه السلام
وأخيرا اعذروني عن التقصير فيما ألقيت، وعن الخطأ فيما أبديت، إذ فوق كل ذي علم عليم، ولعلي أجد عندكم ما يثري الوقائع، ويصحح الأخطاء،
أدعو الله سبحانه وتعالي أن يرحم من مضى من الشهداء الأبرار، وينصر من بقي من المقاومين الأخيار، الذين لم يبدلوا تبديلا. بحرمة الفاتحة والإخلاص
والسلام عليكم ورحمة الله