إيماننا وحياتنا (وخاصة في الغرب)استنادا إلى مفاهيم القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان البحث : إيماننا وحياتنا (وخاصة في الغرب)استنادا إلى مفاهيم القرآن
إعداد : محمد نون – إعلامي وباحث في القرآن الكريم
الخميس 23 مارس 2023
مقدمة : العيش مع القرآن الكريم يعني السعادة والهدوء والطمأنينة وتعزيز الثقة بالنفس في التعامل مع الآخرين نظرا لأن الشخصية القرآنية هي شخصية تتميز بالانفتاح على الآخر انطلاقا من البعد الإنساني الراقي من كل المشارب والمشارق المغارب.
كلمات القرآن هي كلمات الله ، وحلاوتها تعزف الفرح على أوتار القلب ، وإعجاز القرآن يمثل متعة للعقل في كافة مناحي الاعجاز : اللغوي والبلاغي، والعلمي والتشريعي، والتقرير التاريخي لقصص شعوب غابرة لأخذ العبرة ، واتباع الطريق المستقيم نحو الكمال الإنساني .
إنطلاقا مما تقدم سيكون حديثنا على قسمين ، أولهما علاقتنا بالله وبالأخرين ، وثانيهما يتناول بعض الأسس المبسطة لتيسير تلاوة وحفظ وتدبر القرآن الكريم .
القسم الأول ونتناول فيه مبحثين :
المبحث الأول : العلاقة الفردية مع الله من خلال القرآن الكريم
المبحث الثاني :العلاقة مع الآخرين مسلمين وغير مسلمين .
اولا : الارتباط بالله – حاجة فطرية مغروسة في أعماق الإنسان حيث يقول الله تعالى :
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ .( سورة الروم – 30).
والارتباط مع الله نوعان متكاملان : روحي ومادي.
النوع الأول أي الارتباط الروحي : وهو الارتباط الأَسمى لكونه يمثل ارتباط الفرع( اي الإنسان – المخلوق ) بالأصل( أي الله الخالق )، فروح الإنسان هي من روح الله ، وهذا ما أشار إليه الله في القرآن الكريم عند خلقه لآدم بقوله للملائكة :”فإذا سويته ونفخت فيه من روحي … فقعوا له ساجدين …”
وروح الإنسان هي سر عظيم من الاسرار الإلهية الكبرى حتى جعلها الله من أمره فقط بقوله : “ويسألونك عن الروح … قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”.
الارتباط الثاني وهو الارتباط المادي : فالانسان بوجوده الجسماني مرتبط لا إراديا بالله سبحانه ، فانظروا إلى دقات قلوبكم ونشاط أدمغتكم ، والتنفس شهيقا وزفيرا ، وكل حركة وسكنه تقوم بها مليارات الخلايا التي أبدعها الله في جسم الإنسان ، والماء والهواء والارض والفضاء، والإنجاب … كلها مرتبط بإرادة الله كما جاء في سورة الواقعة:
﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ﴾ 58﴿ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ 59 ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾60﴿ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾61 ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ﴾ 62
﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ﴾ 63﴿ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ 64﴿ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾65﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾66﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾67 ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ 68﴿ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾69 ﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾70
الخلاصة : الارتباط بالله حاجة روحية ومادية لكل إنسان ، ويأتي القرآن ليكون هاديا ودليلا إلى الله ، لذا تكمن أهمية تدبر آيات القرآن لكونها دستور الله لحياة الإنسان .
ثانيا : ربوبية الله هي للناس أجمعين ـ لا يمكن اختصارها بأي فئة من البشر أو مجتمع من المجتمعات، لذلك فإن الإنسان المسلم ومن خلال ارتباطه العملي بالقرآن الكريم ، يكتنز في ذاته شخصية عالمية منفتحة على الآخر على قاعدة الاحترام والاخوة في الانسانية ، فجميعنا يقرأ في سورة الفاتحة :” الحمد لله رب العالمين” … وعندما نتحدث عن ربوبية وألوهية الله ، فإننا نقرأ في سورة الناس:” قل أعوذ برب الناس ، ملك الناس ، إله الناس ….”
والإنسان المسلم المرتبط بالقرآن هو إنسان مؤمن بجميع الانبياء الذين اجتباهم الله سبحانه قبل النبي الخاتم محمد ص، وبالتالي فإن تسمية المسلمين تشمل كل من أسلم وجهه لله وإتبع هداه ورضوانه ،وإذا عدنا إلى سورة الحج – الاية 78 نقرأ فيها قوله تعالى :
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
وكذلك جاء على لسان نبي الله موسى (ع) :”وأنا أول المؤمنين “بعدما خر صعقا عندما تجلى الله للجبل فجعله دكا .
والشواهد الأخرى كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما قاله نبي الله يوسف عليه السلام بعدما كتب الله نهاية سعيدة لمعاناته فجمعه بأبيه والتأم شمل العائلة من جديد ، فقال شاكرا نعمة الله عليه :
“رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (سورة يوسف – الآية101)
وخلاصة هذا المبحث أن ما نعتقده وما نعلِّمه لأبنائنا وبناتنا كأرضية للتعامل مع الآخر وخاصة في الغرب ، هو أننا مسلمون أهل حوار وحجة ومنطق ، ندعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ونجادل بالتي هي أحسن ، ندفع بالحسنة السيئة و نؤمن بكل الانبياء والرسل منذ بدء الخليقة مع آدم ، وصولا إلى خاتم الانبياء والرسل محمد ابن عبد الله(ص) صاحب الخلق العظيم المرسل رحمة للعالمين .
نقول كل ذلك استنادا إلى ما جاء في القرآن الكريم بقوله تعالى :آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (آية285- سورة البقرة ).
ونحن نؤمن بأن قيمة الإنسان هي بما يحسنه وبما يقدمه من خير للبشرية وما ينشره من علم وسنة حسنة ، وأن الناس سواسية ، فهم صنوان كما يقول الإمام علي (ع) : إما أخ لد في الدين أو نظير لك في الخلق .
القسم الثاني : أهم النصائح لتيسير تلاوة وحفظ القرآن الكريم.
- توجه القلب إلى الله عند البدء بحفظ القرآن وهذا ينطلق من النية الصادقة لتعلم القرآن .فمن أراد ان يتقرب إلى الله فعليه بكتاب الله واخلاص النية له عز وجل لييسرلك حفظ القرآن الكريم. ولا بد من اقتران النية بالإرادة والعزيمة لتشكل هذه العناصر مجتمعة القوة الدافعة لتلاوة وحفظ القرآن،وتنظيم حياتك ، حيث قال تعالى فى سورة الرعد “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ“.
- وضعخطة لحفظ القرآن : ويتمثل ذلك في اعتماد الجدول الزمني الذي يشمل تحديد أهداف واقعية وقابلة للتطبيق. بحيث لا يجبر الإنسان نفسه على تلاوة أو حفظ أجزاء كبيرة من القرآن دفعة واحدة، بل أن يقرأ ويحفظ ما تيسر له من آيات القرآن .
- اختيارالوقت المناسب للتلاوة بحيث يكون فيه الذهن صافياً . والاستماع لمن تحب من القراء مع مشاركته وتقليد طريقة تلاوته بما يساهم في تحفيز عمل الدماغ . ولا بد ايضا لهذه التلاوة أن تقترن بالخشوع والانصات الجيد فقد قال تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
والاستماع لا يقتصر على أوقات اليقظة بل يمكن أن يستمراثناء النوم ، لأن خلايا الدماغ تبقى ناشطة في معالجة البيانات أثناء النوم بما فيها ما يصل الدماغ عبر السمع .ومن الآيات الرائعة التي تشير الى ذلك قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
4- البداية بالتلاوة من الآيات والسور التي يحبها كل إنسان .
فمع التأكيد على أن جميع الآيات عذبة وحلوة ، الإ أن التفاعل معها يختلف بين إنسان وآخر ، فبعض الناس يحبون القصص القرآنية ، وآخرون تجذبهم أكثر صفات الله وإبداعه في الخلق ، لذلك من الأهمية بمكان أن يبحث الإنسان عن أقرب السور الى قلبه فيغترف من معينها ، ويمكنه سماعها مرات عديدة ، بما يساهم في حفظها بسهولة ويُسر .
5- الكتابة الخطية لما يقرأ المرء من آيات القرآن يساعد على تحفيز الذاكرة فتصبح أكثر دراية وحفظا. ، وتعزز في ذات الوقت تعلم حفظ القرآن باللغة العربية الصحيحة التي هي اللغة الأصلية للقرآن. نتائج ذلك التعلم ستكون رائعة في تحسين النطق واسترجاع القرآن من الذاكرة .
- التلاوة بأسلوب التجويد أو الترتيل ، يشكل حافزاً لمواصلة الحفظ ، فهو أمر يبعث الراحة في الدماغ عند تكامل مخارج الحروف مع جمالية التلوين في أحكام التلاوة ما بين الغنة والإدغام والمدود ، وعذوبة النغم والايقاع ، بما يعنيه أيضا من تعزيز مهارات اللسان في عدم الوقوع في أخطاء لغوية ، وتشنيف الآذان بما تسمعه من جمالية الصوت خلال التجويد .
- يُنصح أيضا باستخدام نفس نسخة المصحف الذي اعتاد الواحد منا التلاوة منه ، نظرا لظهور حالة من الانسجام والتآلف مع مرور الوقت عامل الألفة ، تتأتى من الأثر الطيب الذي يتركه في الذهن ، نصُ وشكلُ الآيات وموضعها في المصحف.
- ضرورة فهم تفسير الآيات التي تتم تلاوتها ، فهي من الأساليب الفعالة للغاية التي تساعد بشكل كبير في عملية حفظ القرآن، ومعرفة كيفية ارتباطها ببعضها البعض.
- التلاوة أمام الآخرين هي أمر في منتهى الأهمية لأن مشاركة ما تم حفظه عن طريق تلاوة الآيات أمام أفراد العائلة أو الأصدقاء ، سيعمم الفائدة على الجميع ويعزز الثقة بالنفس في ذات الوقت، وتجنب الوقوع في الخطأ لأن بإمكان الآخرين التنبه لذلك . ومن أساليب عدم الوقع في الخطأ هي المراجعة المستمرة للتلاوة الصحيحة.
10- الاكثار من الاستغفار أي طلب المغفرة من الله سبحانه ، يساهم في صفاء الذهن نظرا للاحساس الجميل الذي يشعر به الانسان عندما يقرأ في القرآن قول الله: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:199]
كلمة أخيرة … مشروعنا” التطوعي ” لتعزيز الثقافة القرآنية انطلاقا من لندن .
استنادا إلى رؤيتنا الواردة المذكورة أعلاه ، وفي إطار الرد العملي على ما يتعرض له القرآن من ظلم وإهانة بلغت حد الإحراق الآثم ، نعلن أمامكم عن مبادرة ذاتية للتشبث أكثر بالقرآن الكريم وللمساهمة في تعميم الثقافة القرآنية عبر إطلاق مؤسسة لتعليم أحكام تلاوة وتجويد القرآن إنطلاقا من لندن والمملكة المتحدة ووصولا – في مرحلة لاحقة – إلى كل العالم، وهي مؤسسة ستنشط في الفضاء المجازي ، وتحرص على تعزيز أواصر التلاقي والمحبة بين ابناء وبنات الجاليات العربية والاسلامية وخاصة الجيل الجديد تحت شعار القرآن يجمعنا، والانفتاح أيضا على غير المسلمين على أساس الحوار والكلمة الطيبة.
وببركة شهر رمضان المبارك وهو ربيع القرآن ، ها نحن نغرس اليوم البذرة الأولى لهذا المشروع الأهلي المستقل الذي سيقدم خدماته مجانا – ما استطاع إلى ذلك سبيلا – لمن يرغب الاغتراف من معين القرآن بكل الطرق الممكنة بما فيها التعلم الحضوري أو التعلم عن بعد عبر استخدام أحدث تكنولوجيا التعليم الإلكتروني ، ويشمل المشروع أيضا ، التحضير والتجهيز لإطلاق مكتبة قرآنية صوتية تعليمية كبرى باللغة العربية والانكليزية وعدد من اللغات الحية الأخرى….
وبناء ً عليه، فإن والباب مفتوح أمام الجميع من مؤسسات وأفراد لاحتضان ورعاية هذا المشروع معنويا وماديا والمشاركة في توفير مقومات نجاحه واستمراره .. وكلنا ثقة بأن ما كان لله ينمو … فالله أوصانا بالعمل ووعد بالتسديد والتوفيق قائلا : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون …
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .