مقالات

صحفى شــاب يصحح للأئمــة الأعــلام خطـأ ألـف عـام

نشرت جريدة المصري اليوم، مقالاً للكاتب والمفكر الإسلامي جمال البنا، يستعرض فيه مقالاً نشرته “جريدة اليوم السابع” في العدد التجريبي (صفر)، للباحث الإسلامي إسلام بحيري الكاتب باليوم السابع.
جاء استعراض المفكر جمال البنا لمقال بحيري حاملاً لعديد من القيم، أولها قيمة تواصل الأجيال، وقيمة الإعلاء من الجديد على مستوى البحث والتفكير، حتى لو كان مصدره باحثاً يتلمس خطاه الأولى، أو كاتباً يجرب ملكة تفكيره، دون خوف من الخطأ، أو التعثر.

 

أسعدتنا موضوعية المفكر الإسلامي جمال البنا، كما أسعدتنا إشادته بالباحث إسلام بحيري، وباليوم السابع، وفيما يلى نص المقال:

صحفى شــاب يصحح للأئمــة الأعــلام خطـأ ألـف عـام
بقلم: جمال البنا
أريد من نشر هذا المقال تقديم مثال لما يمكن أن يصل إليه صحفي شاب لم يدخل الأزهر، أو يضع على رأسه عمامة أو يدعي أنه من أهل الذكر.. إلخ، إنه صحفي كبقية الصحفيين، ولكن هذا لم يمنعه من أن يعني بقضية حاكت في نفسه، كما حاكت في نفوس آخرين فقبلوها صاغرين، ولكنه وطن نفسه على أن يدرسها ولم يثنه أنها مثبتة في البخاري، وأن أعلام الأمة تقبلوها لأكثر من ألف عام، تلك هي قضية أن الرسول تزوج عائشة في سن السادسة وبنى بها (أى دخل بها) في سن التاسعة، بناءً على ما جاء في البخاري (باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها 3894): حدثني فروة بن أبى المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: “تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة .. فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين”.

وجد الباحث في نفسه حمية للدفاع عن رسول الله (ص) لعلها لم توجد في غيره.

أعد نفسه لمقارعة تلك القضية، ولم يقنع بأن يفندها بمنطق الأرقام ومراجعة التواريخ، ولكنه أيضاً نقد سند الروايات التى روى بها أشهر الأحاديث الذى جاء في البخاري ومسلم، وأثبت في الحالتين ذكاءً، وأصاب نجاحاً، من ناحية التواريخ، عاد الصحفي الشاب إلى كتب السيرة (الكامل ــ تاريخ دمشق ــ سير أعلام النبلاء ــ تاريخ الطبرى ــ تاريخ بغداد ــ وفيات الأعيان)، فوجد أن البعثة النبوية استمرت 13 عاماً في مكة و10 أعوام بالمدينة، وكانت بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام 610، وكانت الهجرة للمدينة عام 623م أي بعد 13 عاماً في مكة، وكانت وفاة النبي عام 633م والمفروض بهذا الخط المتفق عليه، أن الرسول (ص) تزوج عائشة قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أي في عام 620م. وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي، وكانت تبلغ من العمر 6 سنوات، ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام 623م، وكانت تبلغ 9 سنوات، وذلك ما يعني حسب التقويم الميلادي، أنها ولدت عام 614م، أي في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب رواية البخاري، وهذا وهم كبير. ونقد الرواية تاريخياً بحساب عمر السيدة عائشة بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبي بكر ــ ذات النطاقين): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن أسماء كانت تكبر عائشة بـ10 سنوات.

كما تروي ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها أن أسماء ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ27 عاماً ما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام 610م كان 14 سنة، وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة 13 سنة وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة، لأن ( 27-13 = 14 سنة)، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من عائشة بـ10 سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن عائشة كان 4 سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي بـ4 سنوات كاملات، وذلك عام 606م.

ومؤدى ذلك بحسبة بسيطة، أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها 14 سنة، لأن (4+10 = 14 سنة) أو بمعنى آخر أن عائشة ولدت عام (606م) وتزوجت النبي سنة (620م) وهي في عمر (14) سنة، وأنه كما ذكر بنى بها ـ دخل بها ـ بعد (3) سنوات وبضعة أشهر، أي في نهاية السنة الأولى من الهجرة وبداية الثانية عام (624م) فيصبح عمرها آنذاك (14+3+1 = 18 سنة كاملة) وهي السن الحقيقية التى تزوج فيها النبي الكريم عائشة.

حساب عمر عائشة بالنسبة لوفاة أختها (أسماء ـ ذات النطاقين):
تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن أسماء توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهي مقتل ابنها عبدالله بن الزبير على يد الحجاج الطاغية الشهير، وذلك عام (73 هـ)، وكانت تبلغ من العمر (100) سنة كاملة، فلو قمنا بعملية طرح لعمر أسماء من عام وفاتها (73هـ) وهى تبلغ (100) سنة كاملة فيكون (100-73= 27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية، وذلك ما يتطابق كلياً مع عمرها المذكور في المصادر التاريخية فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات، وهي السنوات التى تكبر فيها أختها عائشة يصبح عمر عائشة (27-10 = 17 سنة) وهو عمر عائشة حين الهجرة ولو بنى بها ـ دخل بها ـ النبي في العام الأول يكون عمرها آنذاك (17+1 = 18 سنة)، وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة عائشة عند الزواج من النبي. وما يعضد ذلك أيضا أن الطبري يجزم بيقين في كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد أبي بكر قد ولدوا في الجاهلية، وذلك ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح ويكشف ضعف رواية البخاري، لأن عائشة بالفعل قد ولدت في العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية.

حساب عمر عائشة مقارنة بفاطمة الزهراء بنت النبي:
يذكر ابن حجر في (الإصابة) أن فاطمة ولدت عام بناء الكعبة والنبي ابن (35) سنة، وأنها أسن ـ أكبر ـ من عائشة بـ (5) سنوات، وعلى هذه الرواية التى أوردها ابن حجر مع أنها رواية ليست قوية، ولكن على فرض قوتها نجد أن ابن حجر وهو شارح البخاري يكذب رواية البخاري ضمنياً، لأنه إن كانت فاطمة ولدت والنبي في عمر (35) سنة، فهذا يعني أن عائشة ولدت والنبي يبلغ (40) سنة وهو بدء نزول الوحي عليه، ما يعني أن عمر عائشة عند الهجرة كان يساوي عدد سنوات الدعوة الإسلامية في مكة وهي (13) سنة وليس (9) سنوات، وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد في رواية البخاري.

نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة:
ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم “ومن النساء.. أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة، فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة”، وبالطبع هذه الرواية تدل على أن عائشة قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام (4) من بدء البعثة النبوية بما يوازي عام (614م)، ومعنى ذلك أنها آمنت على الأقل في عام (3) أي عام (613م)، فلو أن عائشة على حسب رواية البخاري ولدت في عام (4) من بدء الوحي، معنى ذلك أنها لم تكن على ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام (4) من بدء الدعوة أو أنها كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة، ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت في عام (4) قبل بدء الوحي أي عام (606م)، ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م) يساوى (8) سنوات، وهو ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح للأحداث وينقض رواية البخاري.

أخرج البخاري نفسه (باب ـ جوار أبي بكر في عهد النبى) أن عائشة قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبوبكر مهاجراً قبل الحبشة)، ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا، فعائشة تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات.

والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعاً بين كتب التاريخ كانت في عام (5) من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام (615م)، فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م) فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحًا، ولكن بالحساب الزمني الصحيح تكون عائشة في هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة + 5 قبل هجرة الحبشة = 9 سنوات) وهو العمر الحقيقى لها آنذاك.

ولم يقنع المؤلف بهذه الحساب المقارن، بل إنه أجرى أيضاً حساب عمر عائشة مقارنة بفاطمة الزهراء، مما لا يتسع له مجال المقال، ثم ختم الباحث بحثه بنقد السند فلاحظ أن الحديث الذي ذكر فيه سن عائشة جاء من خمسة طرق كلها تعود إلى هشام بن عروة، وأن هشام قال فيه ابن حجر في (هدى الساري) و(التهذيب): “قال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش وكان مالك لا يرضاه، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم ـ جاء ـ الكوفة ثلاث مرات ـ مرة ـ كان يقول: حدثني أبي، قال سمعت عائشة وقدم ـ جاء ـ الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة”.

والمعنى ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقاً في المدينة المنورة، ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء وبدأ (يدلس) أى ينسب الحديث لغير راويه، ثم بدأ يقول (عن) أبي، بدلاً من (سمعت أو حدثني)، وفى علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثني) أقوى من قول الراوي (عن فلان)، والحديث في البخاري هكذا يقول فيه هشام عن (أبي وليس (سمعت أو حدثني)، وهو ما يؤيد الشك في سند الحديث، ثم النقطة الأهم وهي أن الإمام مالك قال: إن حديث هشام بالعراق لا يقبل.

فإذا طبقنا هذا على الحديث الذى أخرجه البخاري لوجدنا أنه محقق، فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة، بل كلهم عراقيون مما يقطع أن هشام بن عروة قد رواه بالعراق بعد أن ساء حفظه، ولا يعقل أن يمكث هشام بالمدينة عمراً طويلاً ولا يذكر حديثاً مثل هذا ولو مرة واحدة، لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة عائشة عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك وهو الذي رأى وسمع هشام بن عروة مباشرة بالمدينة، فكفى بهاتين العلتين للشك في سند الرواية السابقة انتهى.

أختم المقال بما قدمته به، أن هذا مثال لما يمكن أن يصل إليه باحث لم يتخرج في الأزهر، ربما بفضل عدم تخرجه في الأزهر، من تفنيد لقضية تقبلتها الأمة بالإجماع (كما يقولون)، وفاتت على الأئمة الأعلام، ولماذا لم يلحظ رئيس قسم الحديث بالأزهر هذا بدلاً من أن يتحفنا بفتوى إرضاع الكبير؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى