مقالات

حماية الحياة مسؤوليتك

د. سعيد الشهابي

ترفض قتل النفس لأنك تقدسها بعد ان منحها الله حصانة ضد العدوان. فلا يجوز لأحد إزهاق أرواح البشر، ولا  مكان للقتل وإراقة الدماء. ولقد اعترض الملائكة على ترسيخ تلك الثقافة: قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ أنه استفسار عن تجربة يبدو انهم شهدوها من قبل واستنكروها. فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق ومنحهم حصانة ضد القتل العبثي، وحرّم قتل النفس المحترمة، واعتبر ذلك جريمة ضد الإنسانية: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. ولم تنحصر العناية الإلهية بحماية النفس البشرية، بل تجاوزها ليشمل حماية كافة المخلوقات والحفاظ على البيئة الطبيعية بما فيها من نباتات وحيوانات ومخلوقات أقل شأنا. إنه التشريع الإلهي الذي يهدف لتوفير بيئة كونية واسعة تصلح لحياة البشر وتساهم في إسعادهم وتزيل العقبات التي تعترض سعادتهم واستمتاعهم بما وفر الله لهم من نعم ظاهرة وباطنة.

ما أعظم التشريع الإلهي الهادف لحماية النفس البشرية. فكيف تعادل نفس واحدة كافة نفوس الخلق؟ أليس هذا تعظيما حقيقيا لشأن النفس وقيمتها؟ وما أعظم هذا الخالق الذي يحب مخلوقاته ويعظم شانهم ويمنع إيذاءهم. هذا الخالق العظيم يربط بين العبادة والممارسة، بين حق الله في العبادة وحق المخلوقات في الأمن والاستمتاع بالحياة. فتحريم القتل ليس محصورا بالنفس البشرية فحسب، بل أن المخلوقات الأخرى لها حقها في الحياة. بل أن عبادة الحاج تبطل إن قتل بعوضة وهو في حالة الإحرام. فهل هناك تعظيم أكبر من هذا؟ والسؤال هنا: هل يعي الحاج هذه الحقيقة وأبعادها؟ ما هو مقصد الشريعة من وراء هذه الحماية الكاملة للروح سواء التابعة للجسد البشري ام للكائنات الحية الأقل شأنا؟ أليس المشرّع هنا يحاول ترسيخ الإيمان بقيمة الحياة بما هي أساس وجود المخلوقات على وجه الأرض. فما العلاقة بين أداء فريضة الحج وحماية أرواح المخلوقات مهما كان غريبة عن البيئة؟

لقد هرع الكثير من المسلمين هربا من أوطانهم إلى بلاد الغرب، معتقدين أن فيها أمنهم وسلامتهم. وسرعان ما اكتشفوا غير ذلك، سواء على صعيد الأمن الشخصي أم الحق في الالتزام بالعبادة الإلهية، أم الثبات على دين الله ومقتضياته في حياتهم العامة. وفي السنوات الأخير أدرك الكثيرون منهم صعوبة تربية البنات في ظل أنظمة تمنع ارتداء الحجاب وتتدخل في الحريات الشخصية التي يفترض ان تمثل جوهر المشروع التحرري الغربي. في عالم كهذا لم تعد للنفس الإنسانية قيمتها التي أولاها الله إياها. فغياب الإيمان الحقيقي بالله والحياة والعدل والأخلاق تقلّل قيمة النفس لدى الإنسان. لذلك مطلوبٌ توفر هذه السمات كضرورة لحماية النفس الإنسانية وإضعاف الوازع الشيطاني للقتل وسفك الدماء وسلب حق الإنسان في الحياة. ولإكمال ذلك، مطلوب ممارسة الضغوط لمنع انتشار السلاح من المجتمع، وهذا صراع آخر بين من يحترم الحياة ويدافع عنها ويجرّم إلغاءها، وأولئك الذين يرون تجارة السلاح طريقا للإثراء، ويرفضون سن القوانين التي تنظم انتشاره في المجتمع. فلتكن أيها المؤمن عاشقا للحياة حريصا على حماية أرواح البشر، زاهدا في المال الذي يتوفر بنشر أدوات الموت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى