فكر إسلامي

نسيان الله وإبعاد الذكر يؤديان للقلق والاضطراب

د. سعيد الشهابيDRSAEED

برغم تعدد الامال والتطلعات للمستقبل، يمكن افتراض ان اغلب البشر يتطلع لأمن العالم واستقراره، ويعبر عن ذلك من خلال التهاني والمشاعر المتبادلة. وقد اعتبر القرأن الكريم ان أكبر ما يهدد أمن البشر الجوع والخوف، وهما أهم متطلبات الحياة الانسانية. فالجسد لا يستقيم الا بتوفر أسباب البقاء المادي خصوصا الطعام. وقد وفر الله سبحانه الهواء بكميات هائلة لا يستطيع أحد مهما طغى حرمان اليشر منه. ولكن المستلزمات المادية الأخرى تخضع لقرارات محلية ودولية، وكثيرا ما تستغل لحرمان الإنسان منها. فحتى لو توفر الطعام في البلدان، فقد يكون الفرد عاجزا عن شرائه بسبب عوزه. وما أكثر عائلات المعتقلين السياسيين التي لا تجد ما يسد رمقها. ولذلك فاذا أمن الإنسان رزقه شعر بتوفر جانب من الأمن لحياته. اما الجانب الآخر فهو الخوف الذي يسلب الإنسان الشعور بالاستقرار. وفي حالات التوتر السياسي كما شهد عدد من البلدان العربية جانبا منه قبل عشرة أعوام، ينتشر الشعور بانعدام الأمن الشخصي بين الأفراد. فيصبح “زوار الليل” سببا للشعور بالخوف.

الانظمة السياسية في العالم تعرف هذه الحقائق، ولذلك تسعى لاستخدامها من أجل ابتزاز معارضيها لحملهم على الاستسلام لإرادتهم والتخلي عن معارضتهم. وإذا كان القائمون على الحكم لا يتوفرون على الإيمان والتقوى والإنسانية، وما أكثرهم، فان حياة البشر لا تعني شيئا لهم، فلا تتحرك مشاعرهم حين يسمعون آهات المعتقلين السياسيين وهم يتعرضون للتعذيب على أيدي جلاوزتهم. ويتمادى بعضهم إلى مستوى حرمان الإنسان من الرزق، فيحرمه من الوظيفة اما بمنع توظيفه او طرده من عمله. كما يعمد لترويعه وأهله ومن يتعامل معه لحرمانه من الأمن النفسي الذي يحرك فيه مشاعر الأنسانية ويدفعه للعطاء والدفاع عن حقوق البشر. وكثيرا من يتحرك النشطاء بدافع من الشعور الأنساني بالمسؤولية. اما المسلم فيشعر ان عليه مقارعة الظلم أينما كان، واعتبر الساكت عن الحق شيطانا أخرس. ويعتبر الإمام علي بن الحسين، زين العابدين، عليه السلام عدم السعي لمساعدة المظلوم سببا للحرمان من المغفرة الألهية: فيقول: اللهم إني أعتذر من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره. هذه المسؤولية تضع المؤمن أمام مسؤولية كبيرة قد تؤدي به الى موقف لا يرضي الحاكم فيتعرض للحرمان من الأمن ومستلزمات الحياة المادية خصوصا قطع الرزق.

من هنا يشعر العقلاء ان من أحلى الأمنيات ان يسود الأمن والاستقرار في العالم، خصوصا في البلد الذي يعيش فيه المرء، فترتفع أسباب القلق والاضطراب، ويشعر البشر بلذة الحياة. هذه اللذة تمتزج فيها مشاعر الشعور بالأمن والاستقرار من جهة وكذلك الإحساس بأداء الواجب، كنصرة المظلومين. فهذا من أسباب الأمن. وحين يمارس المؤمن هذه المهمات المرتبطة بالعبادة بشكل مباشر، تتوفر له نفس مطمئنة. والنفس المطمئنة غاية يسعى المؤمن لتحقيقها. ولتوضيح الصورة، يمكن طرح معاناة البشر خلال العامين الأخيرين نتيجة انتشار الوباء. فالخوف من الإصابة بفيروس كورونا أحدث في العالم حالة من الاضطراب أدت لانتشار الأمراض العقلية والنفسية. فالوباء تهديد مستمر لا يخلو منه مكان. وتبلغ حالات القلق لدى البعض مستويات عالية، فيرون هذا الفيروس في كل مكان، يرونه في مقبض الباب، وفي وسائل النقل وفي محلات البيع، بل في الأدوات التي تًقتنى من المحلات. أنه قلق لا يتوقف نابع من شعور الإنسان بحب الحياة، ذلك الشعور الذي يدفع للقلق الشديد حين يصبح مهددا.

مطلوب من الانسان الشعور بالقلق البنّاء الذي ينجم عنه بذل المزيد من الجهد لتغيير الوضع من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات الانسانية. لكن القلق وحده لا يكفي، بل مطلوبٌ كذلك جهود إيجابية على طريق التغيير الهادف لإزالة أسباب القلق والاضطراب الذهني والنفسي. هذا مع الاعتراف بان الظروف التي تعيشها الانسانية من أهم أسباب القلق والاضطراب. وقد ذكر الله علاجا فاعلا لمواجهة ذلك بقوله: ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى