النبي محمد (ص) على لسان الامام علي (ع)

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا”1.
أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأصول مَغْرِساً.
من النعم الإلهيّة الكبرى التي أفاضها الله سبحانه وتعالى على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ملازمته الدائمة والمستمرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصاحبته له، فتربّى في حجره، واتّبعه اتّباع الفصيل أَثَرَ أمّه، ولم يفارقه منذ ولادته في جوف الكعبة، ونصره عند إظهار دعوته، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، وكان أوّل المؤمنين به، وأوّل المصلّين خلفه، إلى أن كان آخر المودّعين له حين ارتفاعه إلى الله تعالى.
هذه المسيرة جعلت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يعطي الإمام علياً عليه السلام المئات، بل الآلاف من الأوسمة، والتي يأتي في صدارتها حيازته لتلك المرتبة التي لم يصل إليها أحد من البشر على الإطلاق، وهي المعرفة التامة والكاملة بالله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولذا نراه في حديثه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يكشف لنا بوضوح عمق شخصيّته من جميع جوانبها الفرديّة والاجتماعية والرساليّة والجهاديّة والأخلاقيّة، لأنّه حديث العارف المطّلع على مكنونات الشخصيّة العظيمة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
المنبت الطيب
أما المنبت الطّيب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيصفه الإمام علي بكلمات موجزة: “مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ، ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ” 2.
فالنبيّ كان مستقرّه في الأصلاب الشامخة، وهو خير مستقر. ونبت في أشرف رحم مطهّرة، وأسرة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم هي أسرة الكرامة والسلامة من أن تدنّس بالتلوث بأي رجس من الأرجاس المعنوية.
وفي خطبة أخرى: “حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ (الأصول) مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ”3.
فالنّبي صلى الله عليه وآله وسلم من نسل إبراهيم عليه السلام، شيخ الأنبياء، وإليه تعود سلسلة آباء النبي، وهي أفضل أصل يعود إليه إنسان، ولا يرتبط ذلك بالآباء البعيدين بل إنّ أسرته التي ولد فيها، وهم بنو هاشم، خير أسرة.
وقد استعار لفظ المعدن والمنبت والمغرس لطينة النبوّة التي ولد منها النبي. ووجه الاستعارة أنّ تلك المادّة منشأ لمثله، كما أنّ الأرض معدن الجواهر ومغرس الشجر الطيّب.
في ظل الرعاية الإلهية
وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طفولته، فيصفه الإمام عليه السلام بأنه “خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً”، ويصف عناية الله عز وجل به وهو طفل بقوله: “ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه” 4.
فالعناية الإلهية بالأنبياء والرسل لا ترتبط بزمان بعثتهم، بل هي قبل ذلك؛ فقد شملت العناية الالهيّة موسى الكليم عليه السلام منذ أن كان طفلاً، بما أُلهمت أمّه أن تلقيه في النهر وردّه الله إليها. وهذا النص من أمير المؤمنين يشهد على أن النبي حتى قبل بعثته كان محلاً للعناية الإلهية بالتربية التامة، ولذا لم يتمكن أعداء رسول الله ممن حارب دعوته أن يعيب على رسول الله بشيء من مثالب الأخلاق قبل البعثة مع أنه قد لبث فيهم أربعين سنة، يعيش بينهم كعيشتهم، ولكنه امتاز عنهم بما وهبه الله من لطف.
- مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلي، ص 125.
- نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج1، خطبة 94 ص187.
- م.ن، ص185.
- م.ن، ج2، خطبة 192، ص157.