الشباب

الشّروط التي تُثقل الشّباب

الشيخ ناصر مكارم الشيرازيmakarim

قد مضت مدّة طويلة على وقت زواجنا الطبيعيّ، ولكن كيف نستطيع الزواج مع أننا مازلنا لا نملك منزلاً، وليست لدينا سيارة، ولم نحصل على شغل ذي دخل، ولم ندّخر بعد النقود التي تفي بنفقات الزواج الباهظة وبهدايا العروس الثمينة؟!

لم نحصل بعد على مكان لائق ومناسب لإقامة احتفالات الزّواج و… و… نحن كيف نوافق على زواج ابنتنا، مع العلم أنّه لم يأت لحدّ الآن شابّ، لائق، أنيق، ذو مرتَّب كاف وشغل محترم، صاحب منزل، ومن أُسرة معروفة… و… لطلب يدها، فكلّ من خطبها كان يفقد واحداً أو اثنين من هذه الشّروط؟!

أضف إلى ذلك، فإننا لم نعدّ جهاز العرس، ولازالت بعض الأدوات المنزليّة مثل السجّاد والأرائك، والثلاجة والغسّالة، وأواني الطعام المختلفة، وماكينة الخياطة وغيرها غير مُهيّأة! وطبيعي أنّ نتيجة الإقدام على زواج ابنتنا مع هذا الوضع، سوف لا تكون سوى الفشل والنّدامة!… ماذا نعمل، فشروط المجتمع الصعبة لا تسمح لنا إلاّ بمثل هذا؟!

هذه هي مشاكل – أو بعبارة أصحّ أعذار بني إسرائيل – بعض من الشّباب، الأولاد والبنات، والآباء والأمّهات، في موضوع عدم الإقدام على هذا الأمر الحيويّ، وهو الزّواج.

يقول أحد العلماء: الحياة قسمان لا أكثر، ينقضي القسم الأوَّل بأمل القسم الثّاني، وينقضي القسم الثاني حسرةً على القسم الأوّل.

وإذا استعملنا كلمة (حلم) بدل كلمة (أمل)، ربّما كانت العبارة أفضل، فنقول: ينقضي القسم الأوّل في حلم القسم الثّاني، وينقضي القسم الثاني في الحسرة على القسم الأوّل، والنموذج الواضح لهذا القول، هو مسألة الزواج لكثير من شبابنا الحاضر، حيث يتلفون نصف عمرهم الأوّل في التفتيش والبحث عن زوجة أنيقة عصريّة، ويتلفون النصف الثاني في الحسرة على عدم التصرّف الصّحيح في النصف الأوّل.

وعلى كلّ حال، يجب أن يُقال للآباء والأمّهات والشباب، بأنّكم أنتم قيّدتم أنفسكم بهذه القيود والشروط غير الصحيحة، أنتم أنفسكم صنعتم مفهوماً خياليّاً أجوف لموضوع الزواج، وضيَّعتم السعادة والرّفاه الحقيقي، لأجل الوصول إلى سعادة ورفاه خيالي.

ثقوا بأنّ هذه الحدود والخطوط التي رسمتموها لنيل السعادة، سوف لا تنفعكم ولا تسعدكم أبداً، وكلّ التجارب والامتحانات أثبتت هذه الحقيقة.

الغيرة، التقاليد العمياء، الأحلام الكاذبة، التّأكيد على الأمور التافهة والسّراب المزيَّف… نعم، هذه هي السلاسل التي قيّدتكم ومنعتكم من إنجاز أهمّ عمل بالنّسبة إلى الشباب.

أنتم مدعوّون أيّها الشباب وأيّها الآباء والأمّهات، للتعبير عن عزمكم وإرادتكم في تحطيم هذه القيود والأغلال والأصنام الّتي تزيّنها لكم التّقاليد البالية، لتروا مدى السعادة والرفاه الذي سينتظركم.

أيّ شخص توفّرت له وسائل الحياة كاملةً أوّل شبابه، حتى تتوقّعوا ذلك لأنفسكم، أليست غالبيّة الأفراد الذين ترونهم قد شرعوا من الصّفر؟

نعم، لعلّ الأمر كذلك بالنّسبة إلى أولئك الذين يتوارثون الثّراء أباً عن جدّ، ويحصلون مجّاناً على الأموال، إلّا أنهم غالباً ما يفقدونها بالهيّن، لأنّهم لم يتعبوا في الحصول عليها.

يسِّروا أعمالكم، واغتنموا فرصة الزّواج بمجرّد توفر شروطه البسيطة المتواضعة. بعقيدتنا، إنّ الزواج البسيط الخالي من الرسوم والتّزيين، يتلاءم مع مواصلة الدّراسة إذا أدرك الطرفان معناه الصّحيح إدراكاً واقعياً، وأدركا أيضاً أنّ وجود كلّ شيء يكون تدريجيّاً، وأن المعيشة تتحسّن تدريجياً، وأنّ متطلّبات الإنسان يجب أن تكون في حدود الإمكان.

لعلّ الشباب الذين يفتّشون في متاهات مضلّة عن هذه الأحلام والخيالات، نسوا ما في رابطة الزّواج من أصالة وواقعيّة، ألا وهي إدراك المفهوم الصحيح للمعيشة، ووجود إنسانين يعي أحدهما الآخر.

من المُسلّم أنّه إذا توفّر مثل هذين الإنسانين، فليس هناك أيّ تأثير للآخرين، وإذا لم يتوفّر مثلهما، فالباقون لا يستطيعون أن يخلقوا السّعادة أبداً. ولهذا السبب، نجد أنّ شرائع ديننا البنّاءة لا تشترط في الزّواج الصّحيح غير وجود إنسانين (زوجين) عاقلين يرغبان في الحياة الزوجيّة المشتركة. ولكن انظروا كيف تعقّدت هذه المسألة؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى