بين العرفان والسياسة: القيادة الدينية لمشروع دولة عصرية

ندوة مؤسسة الابرار الإسلامية بين العرفان والسياسة
القيادة الدينية لمشروع دولة عصرية
المتحدثون:
الشيخ علي مسعود
(باحث وخطيب)
المهندس مصطفى غلوم
(باحث مهتم بالشأن الإيراني)
التاريخ: 8 يونيو 2023
الشيخ علي مسعود
﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا﴾
شخصية الامام الخميني لها ابعاد قيادية، حيث مزج بين العلم والعمل، وبين السياسة والعرفان.
من اروع الكلمات في حق الامام الخميني كانت كلمة الشهيد محمد باقر الصدر: ذوبوا في الإمام الخميني كما ذاب في الإسلام. لم يعشق الامام الاسلام فحسب بل ذاب فيه. وقد تحدث علماء كبار عن الامام مثل آية الله آملي ودستغيب.
يندر وجود شخص كالامام حيث امتلك القلوب وادار الامة قائدا وشجاعا.
كيف واجه الشاه منذ ان كان في العراق؟ كان يبعث الرسائل من نوفيل لوشاتو الى الشعب الايراني فيتفاعل معها. الامام اخبر الناس انه سيكون في طهران غدا، برغم المخاطر المتوقعة. كانت قيادة الامام مدعومة بلطف إلهي. عندما كان في الطائرة كان هادئا يصلي وينام وكأن مطمئنا بشكل خاص. كان هناك دعم إلهي ولطف. وما ان حلت طائرته في مطار طهران حتى نقل الى مقبرة بهشت زهراء وعين حكومة بازركان. كانت البلاد ملتهبة بعد رحيل الشاه.
أية الله دستغيب قال: من اطاع الامام الخميني فقد اطاع الله، ومن لم يعشق الامام الخميني لم يعشق الامام المهدي.
الشهيد الصدر سئل بعد ان اطلق كلمته المذكورة كيف قلت ذلك؟ قال: اتريدونني ان امتنع عن نصرة الامام الخميني؟ كان السيد الصدر مرجعا آنذاك.
بعض مواقف الامام:
في سنة 1982 دخل الجيش العراقي الى عبادان، وكنت وصلت طهران للتو. كانت مصفاة عبادان كبيرا واذا اخذه صدام ستكون كارثة على ايران. عندما اخبروا الامام عن دخول صدام الاراضي الايرانية قال: الخير في ما وقع. كانت قوات صدام تحاصر عبادان من ثلاث جهات. الامام ظهر على شاشة التلفزيون لحظات ودعا لوقف زحف صدام وقال: يجب ان تتحرر لاعبادان. رأينا الحافلات تنقل الشباب الى الجبهة باتجاه عبادان. ارادوا عددا من الانتحاريين لاستهداف القوات العراقية، فكان هناك اكثر من 300 شخص يسجل اسمه للتضحية. كانوا يتسابقون للتسجيل، فتم تحرير عبادان خلال فترة بسيطة. الامام بوجوده وايحاءاته كانت ذات اهمية بالغة .
كيف مزج بين العرفان والسياسة؟ لديه كتاب “اربعون حديثا” .
العرفان يعني ان الشخص وصل الى اعماق الشيء، يعرف مغزى الاحكام، ينفذ الى داخل الوجدان، فكلما دخل اعماق الشيء وصل الى العشق الإلهي.
يقول: ان غاب خادم من خدام الامة فلا يعني ان تتوقف الامة، يريد ان يقول انه خادم من خدام هذه الأمة.
حين يتكلم عن المرائي يقول: لمن ترائي؟ هل لكي يقول الناس انك فعلت؟ ماذا ينفعك ذلك في قبرك؟ يوصي الآخر بان يرد على من يمدحه بالقول: انا اعلم بنفسي. كلما يمدح الإنسان يتوقف عطاؤه، الانسان يعطي نفسه قيمة تمنعه من استمرار العطاء.
بالنسبة للعبادة، يقول ان العبادة لو كانت خالصة لوجه الله لكانت مقبولة. ما اخلص عبد لله اربعين صباحا لله الا جرت ينابيع الحكمة من قلبه وينطق بها لسانه. كان يؤكد على خلوص العبادة لله.
يوصي حول مسألة الكبر: البعض يرى ان عمله افضل من غيره، فحين يرى خيرية او افضلية على غيره فقد سقط، ويقول: انظر الى ما فعل بأبيك آدم. ابليس انما أخرجه تكبره من الجنة. حين امره الله بالسجود لآدم قال: خلقته من نار وخلقتني من طين، فاخرجه من الجنة.
المدح ثم الادعاء من آفات النفس. يقول ان على الشخص ان يقيس عمله بميزان. حين يتهم معاوية احد الناس بانه من اصحاب علي يقول: انا اقل شأنا من اصحاب علي. لا تدّع انك من شيعة علي.
يوصي ايضا ان العمر قصير، النوم في رمضان عبادة، ولكنه يدعو للتسبيح والصلاة. الانسان يجب ان يستغل وقته قبل ان يذهب.
كذلك يصف القلب السليم، ويقول: اذا كان لديك إناء وسقطت فيه ذبابة اصبح مرفوضا. القلب اذا كان فيه قاذورات من حقد وغضب وحسد فليس جيدا.
الدنيا مزرعة الآخرة. اي ان هذا العمل الذي اعمله ساحصد نتيجته في الآخرة. المال سيتركه عند القبر، ولن ياخذ معه شيئا، فلا يبقى الا العمل. الآخرة هي التي نعمل لها.
هناك كلمات عظيمة على لسان الإمام الخميني حول الشكر والروح والشباب والمسؤولين، وكيف يكلم نفسه. العارفون يرون انفسهم ابسط الناس واوضعهم.
لا نذكر الامام الخميني الا بمواقفه الطيبة والمسؤولة.
المهندس مصطفى غلوم
أبدأ بشعر عرفاني للسهرودي
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ
وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم
وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا
سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم
وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
السلام عليك يا روح الله الموسوي الخميني وعلى ارواح الشهداء وعلى كل من سار على ذلك الدرب.
ذكرياتنا مع الامام تدفعنا للتركيز على البعد العرفاني للامام.
عزمت مع بعض الاخوان زيارة الامام في فرنسا. عرضت عليه اننا مستعدون لتقديم ما نستطيع لخدمة الثورة. نصحنا الامام بنقطتين:
الاولى: مع كل الاحداث التي كانت في المنطقة قال: اوصيكم بالدوام لاداء الصلاة. كان يركز على البعد العبادي لحركة الناس.
النقطة الثانية: هذه الثورة شجرة سنسقيها بدماء الشهداء ودماء المخلصين. كل العالم سيأكل من ثمارها. اليوم نشهد بركات هذه الشجرة بعد مرور 43 سنة.
في البعد المادي والمعنوي:
النمو في الفكر والثقافة والمعرفة يختلف بعد الثورة عما كان قبل ذلك. عشنا في اوروبا ما بين 1972 حتى الثورة ورأينا انتشار الوعي الديني في اوروبا وامريكا. هذا نتيجة شخصية الامام؟
الزيارة الثانية له كانت الى طهران. قال لي: الاسلام يشكركم. هذا دليل على وعي الامام انه ليس اماما ورئيسا وانه يتفضل على الناس لذلك نراه شمسا اشرقت وانارت الدني. هذا الشروق احيا القلوب النائمة وافاض الروح على الجميع من الطفل الى الشيخ، الرجل والمرأة. كانت رحلته رحلة عشق. كانت حركة دائمة حتى يلتقي العاشق بالمعشوق. كان ينظر الى الحياة انها ممر الى الآخرة، عندما يعمر الدنيا فليس في الجانب المادي فحسب، بل من اجل خدمة المسيرة نحو الآخرة. كانت حركته تصحيحية وتغييرية من النقص الى الكمال الإنساني. هذه نظرية الامام في الحياة. نرى ان حركته كانت سيمفونية منظمة تحتوي على عناصر تنظيم الحياة الإنسانية. كانت حياته ممهدة لظهور الحجة. كان يسعى لاعداد ارضية صالحة للتمهيد لما هو اكبر من الثورة.
عندما بعث له بازركان رسالة مقترحا عليه بعض الاعمال، قال الامام: اختلف معك، اريد ايران للاسلام، وانت تريد الاسلام لإيران. كانت ثورة السعادة للسعداء. شعر الكثيرون بالسعادة الالهية بعد ان كانت الدنيا مكتظة بالماديات خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية والتفكك الاجتماعي.
الامام جاء في زمن الخذلان وبعد كامب ديفيد، واحيا روح الجهاد العرفاني والجسدي في الامة. بشر المؤمنين بالنصر الالهي الحقيقي الذي تجسد في معارك كثيرة في لبنان والعراق واليمن وضد التكفيريين. كانت الثورة ايقاظا وتحريرا للاسلام. كانت نظرته للذات الإنسانية. كيف كنا قبل الثورة وكيف نعيش الآن بمعرفة وإيمان. نرى كيف يتسابق الشباب للتضحية من اجل الثورة ليرتفعوا الى الرفيق الأعلى. عشنا هذه التجربة ولمسناها.
كانت ثورة الامام عطاء من الفرد الى المجتمع والدولة الإسلامية. لم تكن الثورة لملء الجيوب والمناصب والامتيازات، بل كانت ثورة تدفع الانسان بالتضحية بروحه من اجل الحق والإسلام. انها ثورة فكرية وعقائدية. اصبح نور ائمتنا منتشرا في العالم، في افريقيا وآسيا. نحن جزء من نتاج هذه الثورة.
الامام لم يكن عارفا بالمصطلح القديم حول العرفان، بل هو ادراك الشيء على حقيقته. يقول السيد احمد الخميني ان الامام عندما كان يناجي ربه كنا نعطيه قطعة لمسح دموعه، وفي النهار كان يدير دفة الحرب.
جمع بين العرفان النظري والجهادي والمعنوي كجده الامام الحسين عليه السلام.
كنا نقرأ دعاء الحسين في عرفة وكيف كان عرفانا من الطراز الاول، الى جهاده في ساحة الطف. كان الامام الخميني عارفا وفقيها وشجاعا واديبا وشاعرا ومديرا. طرح فكرة الحكومة الاسلامية في قمة ايامه في المنفى في النجف. التقيت به في النجف في سنة 1968 بعد شهر من انقلاب البعثيين وكان يدرّس كتاب الحكومة الإسلامية.
عندما نرى عرفان الامام يتجسد من خلال التعامل مع الانسان نرى ان كل عمل من اجل صالح الناس. كان يقول ان هؤلاء هم اولياء نعمنا.
ادعو الاخوة والاخوات لقراءة وصية الامام مرة كل عام او عامين ويتأملوا في توصياته.
الامام يؤكد ان العرفان كان لدى اهل البيت بشكل آخر. يقول: اننا نفتخر بولائنا لمحمد وآل محمد. الامام استطاع في زمن الماديات ان يصل الى هذا العرفان. الكل يستطيع ان يصل الى هذا العرفان، حتى سائق الحافلة، المدرس، الطبيب، المحامي، القاضي، يستطيع ان يكون عارفا وان يكسب لقمته في الوقت نفسه.
الامام الحسين عليه السلام كان عاشقا ومعشوقا في آن واحد. كان عاشقا لربه وكان معشوقا للمؤمنين. عرفان الامام الخميني في التعامل مع اصحابه، بعضهم من استشهد مثل بهشتي. الامام الحسين عليه السلام راى علي الاكبر والعباس يتقطعون والسهم الذي اصاب عليا الاصغر في رقبته. مع هذا كان الامام الخميني هادئا حين استشهد بهشتي ورفاقه واصر على الاستمرار من اجل تحقيق هدفه بإنشاء الجمهورية الإسلامية.
قصيدة في ذكرى الامام الراحل اية الله الخميني قدس سره
ثورة
عقيل حاتم الساعدي
قبسٌ يشع بروعةِ التوحيدِ
وكما ضياءٌ فاضَ دونَ حدودِ
أَمسَى بعصرِ التِّيهِ نعمَ دلالةٍ
كالنَّجمِ يَهدِي تائهًا في البِيدِ
فترى تواضعَهُ وسرَّ شموخِهِ
عينَ المَهابةِ والفِدا والجُودِ
نزَلَت عليه سَكينةٌ قُدسِيَّةٌ
قهَرَت بأمرِ الحقِّ كلَّ جَحودِ
وأعادَ للأذهانِ دولةَ حَيدرٍ
ومُمَهِّدًا للقائمِ الموعودِ
فبه صفاتُ المُصلِحينَ تجَمَّعَت
مِن فارسٍ أو عالمٍ ومُريدِ
هو قلعةُ الأحرارِ في زمنِ الإبا
يَدنو إلى ربِّ السما بسجودِ
هو وَهْجةُ التاريخِ بعدَ ضياعِهِ
وكما الهلال بدا بليل العيدِ
ليَهُلَّ مِن عالي السَّماءِ بنورِهِ
يَمحو ظلامًا مِن ليالٍ سُودِ
للدينِ قُطبٌ والعلومُ سِراجُهُ
مِن طهرِ مُرضِعةٍ وخيرِ جدودِ
انظُرْ إلى أسمائِهم خُطَّت على
عرشِ الإلهِ كلؤلؤٍ منضودِ
فُرسانُ صدقٍ لا يُرَدُّ مَقالُهم
ملَؤوا الزَّمانَ بقادةٍ وجنودِ
حمَلوا على كفِّ الإباءِ نعوشَهم
حتى غدَوا نِبراسَ كلِّ شهيدِ
ساروا على دربِ المَحَبَّةِ والرَّجا
نَعِموا بفيضٍ مِن رضا المعبودِ
خَطُّوا على صدرِ الزمانِ ملاحمًا
لن يَمحوَ الطُّلَقاءُ خيرَ جهودِ
يا كاتبَ التاريخِ دوِّنْ ثورةً
عادَت بوَهْجِ الحقِّ بعدَ خُمودِ
وهوَت على هامِ الطُّغاةِ كضربةٍ
قصَمَت بسيف عليَّ كلَّ عنيدِ
شاهٌ طغى مُتَغَطرِسًا لولا مبارزةٌ
بدَت مِن فارسٍ صِنديدِ
كالصَّقرِ لم يَحذَرْ سهام عدوِّهِ
أو يَخشَ يومًا لدغةَ العِربيدِ
يسمو على سُوحِ التحدِّي مَعلَمًا
فخرًا لكلِّ مُضَرَّجٍ وشهيدِ
يا سيِّدي ما زالَ عطرُكَ باقيًا
كالمِسكِ ممزوجًا بزيتِ العودِ
أَحيَيتَ دِينَ المُصلِحينَ لأمَّةٍ
باتَت تُحَلِّقُ للعُلا المنشودِ
فرفعت فوق العرشِ راية أحمد
هي دعوةٌ للهِ بعدَ صدودِ
لتُزيلَ عن وجهِ المشارقِ ذِلَّةً
مِن بعدِ عهدٍ في الدُّجى مشهودِ
فلقد تَجاوَزتَ الزَّمانَ وأهلَهُ
وبنَيتَ صَرحًا قلعةَ التَّجديدِ
ويَشِعُّ نورُ الحقِّ مِن أركانِها
وتَفيضُ عزًّا صاحَ بالتوحيدِ
ورسَمتَ للأحرارِ دربَ كرامةٍ
صارَت كمِنهاجٍ لكلِّ وليدِ
أَرجَعتَ للقُدسِ السَّليبةِ عزَّها
رغمًا عن التَّطبيعِ والتَّنديدِ
عَلَمًا رفَعتَ فسارَ تحتَ لِوائِهِ
جيلٌ أبى الإذعانَ للتَّهويدِ
فعَلا لسانُ الصِّدقِ يَطلُبُ حقَّهُ
ليكون سيفًا فيه بترُ جُحودِ
ولقد عرَجتَ إلى السَّماءِ مُلَبِّيًا
والدَّمعُ سالَ على الثَّرى الملحودِ
ما زالَ صوتُكَ بالرَّبيعِ مُبَشِّرًا
في كلِّ قلبٍ عاشقِ التَّغريدِ
ما زلتُ ألمَحُ نورَ طيفكَ بازغًا
في كلِّ سهمٍ مُحكَمِ التَّسديدِ
ظنَّ الطُّغاةُ بأنَّ ذِكرَكَ زائلٌ
وجليلُ ذِكرِكَ في قلوبِ الصِّيدِ
وسمِعتُ صوتًا في السَّماءِ مُرَدِّدًا:
ذوبوا بنهجِ القائدِ المحمودِ
قد ذابَ في حُبِّ النَّبيِّ وآلِهِ
فغدا بذاكَ العشقِ خيرَ عميدِ
أَمسَى لصوتِ الدينِ نبضًا صادقًا
في كلِّ قلبٍ طاهرٍ وحميدِ
هو قائدُ الحَشدِ المبارَكِ ثائرًا
في عصر قهرٍ أنَّ بالتقييدِ
طهرُ القلوبِ هفَت إليه صبابةً
وكأنَّها لمَحَت جَمالَ الغِيدِ
يا ملهِمَ الثُّوَّارِ جئتُكَ عاشقًا
عذرًا فقد عجَزَت حروفُ قصيدي