فكر إسلاميمؤتمرات وندوات

أدب الاختلاف والاخوة الاسلامية

سماحة الشيخ محسن الاراكي – ايرانaraki

كلمة القيت في مؤتمر منتدى الوحدة الاسلامية الثالث عشر الذي اقيم عبر العالم الافتراضي 3-4 يوليو 2020

قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} سورة الحجرات: (10)

الحديث عن الاخوة الاسلامية وطرق الوصول الى هذه الاخوة.  وكلمتي اطرحها في 3 محاور:

المحور الاول: ما يخص عنوان المؤتمر: “قيم الأخوة وأدب الاختلاف في الإسلام”.

عند الحديث عن أدب الإختلاف، نذكر عددا من النقاط:

الأولى: من الضروري في ادب الاختلاف ان يفهم كل طرف نقطة الاختلاف مع الطرف الآخر.

وبدون ان نضع النقاط على الحروف في ما يخص مواضع الخلاف لا يمكن الدخول في حوار منتج.

الثانية: ان نفهم ما يعتمد عليه الطرف الاخر من ادلة.

الثالثة: ان نعرف ما نشترك فيه مع الآخر لكي نحاوره.

فلولا وجود نقاط مشتركة فلا مجال للوصول الى نقاط مشتركة.

الرابعة: ان لا يصر كل من اطراف الخلاف على رأيه بدون الاعتماد على دليل، فهذا من العصبية المرفوضة.

إذن لا بد ان يتفق الطرفان على منهج البحث الذي يحدد اسلوب الحجة والدليل وشرائطهما.

المحور الثاني: الاخوة الاسلامية ليست مفهوما ذهنيا تجريديا طوبائيا دعائيا، فحينما تطلق الاخوة في المنطق الاسلامي لا يراد بمفهومها مفهوما انتزاعانيا ذهنيا يتخذ كموضوع دعائي او اسلامي بل هو موضوع اساسي والاخوة متفرع عن البنوّة. فالاخوة انما يكونون كذلك عندما تكون هناك ابوة.

في الاسلام هناك ابوة متثملة بالقرآن والنبي. النبي هو والد هذه الامة وابوها.

وقد ذكر في بعض التفاسير القرآنية في ما يخص قوله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ ورد عن التفسير النبوي انه (وأزواجهم أمهاتهم وهو أب لهم) أي هو “والدهم”.

وكذلك ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿لا اقسم بهذا البلد وانت حل بهذا البلد ووالد وما ولد﴾. جاء في التفاسير ان المقصود بهذا الوالد هو رسول الله.

هنالك ولادة يقوم بها الرسول، يولد ويولّد هوية الاسلام في الإنسان؛ اي ان يكون الحاكم على الانسان وارادته ارادة الله. ﴿قل ان صلاتي ونسكي ومحياي مماتي لله رب العالمين لا شريك له بذلك امرت وانا اول المسلمين﴾. بذلك يكون النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم هو الوالد لخط الله.

معنى الاسلام ان تكون ارادة الانسان تابعة لارادة الله، فلا يقوم بنشاط الا في اطار ما اراد الله وما نهاه. هذه الحقيقة، ابوها ورأسها ومولّدها هو محمد بن عبد الله. فكل من ينخرط في سلك الاسلام، كل من يتبع محمدا في ما امر ونهى كما ورد في قول الله تعالى: ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ فهو ابن لمحمد (ص).

اتباع محمد هو اتباع له في الهوية ويكون حينئذ  محمد أبا لهذا الذي يتبعه في هويته لانها هوية محمدية. هذه الهوية كل من يتبعها يكون ولدا لمحمد. فالذين يختارون هذه الهوية يكونون اخوة، لان انتماءهم واحد للنبي محمد صلى الله عليه واله وسلم. حينئذ تكون الامة الاسلامية امة واحدة: ﴿وان هذه امتكم أمة واحدة﴾. هذه الامة لا يمكن ان لا تكون موحدة، ان لا تكون قلوبها مجتمعة في طريق واحد. هذه حقيقة الوحدة الاسلامية والاخوة الاسلامية.

المحور الاخير: ان الله تفضل على هذه الامة بان موجة التكفير والفرقة في هذه الامة بدأت تنحسر. نعيش مرحلة جديدة، بدأ العلماء والمفكرون يرجعون الى محمد، ويرون ان لا مفر ولا ملجأ ولا حل ولا طريقة للهروب من هذه المشاكل الا الرجوع الى محمد والاسلام، والرجوع الى تلك الهوية المحمدية التي تجعلنا كمسلمين امة واحدة. يجب ان نستفيد من هذا الوضع الجديد الذي يبشر بخير. التيارات الكفيرية ثبت فشلها، وانها صنيعة اعداء الاسلام.

هذه الحالة الجديدة هو عصر رجوع الامة الى دينها وتبدأ بالتمسك بدينها بشكل صحيح من ناحية، ومن ناحية ثانية هو عصر بدأت الحضارة الغربية والرأسمالية الغربية والقوى المتحالفة معها تظهر فشلها في اسعاد الانسان.

نعيش عصرا جديدا، عصر انتفاضة  الشعوب الغربية ليست ضد افراد او ترامب او اية شخصية معينة او سياسة خاصة، بل انتفاضة ضد كل الحضارة الغربية بما تحمل من الآلام والفجائع والمصائب التي حلت على العالم من جراء مفاهيمها وسلطتها على  العالم. بدأت هذه الهيمنة تنحسر.

كأمة اسلامية، فان المفكرين ينبغي ان يوحدوا خطابهم للعالم، ويحددوا الاهداف التي جاء بها الاسلام واساليبه وخلقه ومبادئه. يبدأوا بطرح المباديء وطرح الافكار الاسلامية والفلسفة التوحيدية ووحدة الانسان “الناس سواسية كاسنان المشط”. يجب ان نبشر بها للشعوب المستعضفة التي بدأت تشعر بشرور النظام الرأسمالي، ﴿يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾.

يجب ان نقرأ القرآن على الغربيين، وان ننشر الخطاب الاسلامي الواعي والعدل الذي يقول: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾.

الخطاب الذي يقول: ﴿قل امر بي بالقسط﴾.

الخطاب الذي يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾. ﴿وامرت لاعدل بينكم﴾ القائم على اساس العدل ورفض العنصرية ورفض كل اشكال الاختلاف الطبقي في المجتمع.

الخطاب الذي يقول: ﴿وان ليس للانسان الا ما سعى﴾.

الخطاب الذي يقول: ﴿ولا تبخسوا الناس اشيائهم﴾.

وقوله: ﴿والارض وضعها للانام﴾.

وقال سبحانه: ﴿ولا تخسروا الميزان﴾.

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾.

انه خطاب اسلامي غني بمبادئه وقيمه. انه الخطاب الذي يحتاجه الغربيون.

أتمنى ان تخرجوا بخطاب مختصر يتوجه للانتفاضة التي ظهرت في الغرب، يجب ان يكون لكم خطاب ورسالة لهذه الانتفاضة وتقولون لمن قام بها ان يطلعوا على خطاب الاسلام، وانكم ابتعدتم عن مباديء الانبياء وكفرتم بدين عيسى وبدين موسى وبدين محمد، كفرتم بالانبياء وجعلتم الدين في زاوية. انكم عصيتم الله فاصبتم بما تعانونه. كورنا من نتائج هذا الاعراض عن ذكر الله ﴿ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا﴾.

اشكركم على الكلمات التي تلقى في هذا المؤتمر واتمنى ان يكون لهذا المؤتمر اثر يرضي الله ويرضي محمدا ويفيد الانسان المعاصر.

والسلام عليكم ورحمة الله بركاته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى