
الزهراء (ع): قدوة وأسوة
مجلس شهادة فاطمة الزهراء (ع) حسب الرواية الثانية في مؤسسة الابرار الاسلامية
الضيف: سماحة السيد علي الميالي
التاريخ 30 اكتوبر 2025
مقدمة سماحة الشيخ حسن التريكي
مرت رواية الاربعين يوما لاستشهاد السيدة فاطم الزهراء عليها السلام بعد وفاة النبي محمد (ص) واليوم تمر رواية 75 يوما، وهناك رواية 90 يوما.
المشهور أن السيدة الزهراء توفيت في 3 جمادى الأولى. هل استشهدت بعمر 18 عام اذا كانت ولادتها خمس سنوات بعد البعثة
ام 28 عاما اذا كانت ولادتها خمس سنوات قبل البعثة.
اخبرها رسول الله (ص) انها اسرع اهل بيته لحاقا به. اقصى ما عاشته الزهراء بعد وفاة النبي (ص) ستة اشهر. هذه احدى ظلامات الزهراء.
مرت علينا مصائب عبرت عنها: لو انها صبت على الايام صرن لياليا.
يطرح القرآن الكريم مسألة الاسوة والقدوة ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾.
ما احوج المسلمين والمسلمات للأسوة وهم يواجهون تيارات الانحرا ف والتضليل، فاصبحت الامة في تيه، لا تدري اين تتجه، وتفتقد القدوة الصالحة.
القرآن الكريم طرح على ان رسول الله (ص) أسوة ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾.
الزهراء عليها السلام بضعة من رسول الله (ص)، فهي أسوة وقدوة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.
قال رسول الله (ص) “حسين مني وأنا من حسين”. اهل البيت عليهم السلام جزء من رسول الله (ص) وجزء من مشروعه.
المرأة المسلمة تستطيع اعادة البوصلة بالاتجاه الصحيح لتصل الى القدوة الصالحة في الحياة الدنيا والآخرة.
ضرب الله مثلا بامرأتين: آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران
والزهراء عليها السلام هي السيدة الكبرى للمؤمنين.
فالمرأة التي تريد سعادة الدارين عليها العودة الى الزهراء عليها السلام. الامة بحثت عن قدوات هنا وهناك فضلّت الطريق.
فما احوجنا الى القدوة الصالحة من آل بيت رسول الله (ص) ليأخذوا بأيدينا الى الحق.
مجلس سماحة السيد علي الميّالي
الصدّيقة الزهراء: قدوة وأسوة
قال رسول الله (ص): “فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”. هذه الرواية عن النبي متواترة، نقرأها ونحفظها.
ركز النبي محمد (ص) من خلال ما ورد عنه في شأن فاطمة عليها السلام على موضوع الظلامة، اي ظلامة الزهراء عليها السلام، وكأن هذا خط في حياة النبي (ص) الذي جاء بالعلم والأخلاق.
خصّ الزهراء (ع) بجانب من هذه الروايات التي وردت عنه، وكان جل ما ورد عنه هو التركيز على ظلامة الزهراء (ع)، من آذاها فقد آذاني. وقوله: “ان الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها”. كان النبي (ص) يشير الى ما سوف يصيبها من ظلامة.
نمر على هذه الروايات بدون أن نتأمّل في أبعادها.
ماذا تعني ظلامة الزهراء (ع)؟ ظلمت في بدنها، كسر ضلعها، وعصرت بين الحائط والباب، وحرمت نحلتها من ابيها وهي فدك، وغصبت الخلافة من علي عليه السلام، ولم تكن فاطمة (ع) أقل من الامام علي (ع) صدمة.
حدثنا الامام علي (ع) عن هذه الصدمة: “وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه ُ” فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً.
لم تكن الزهراء (ع) أقل من الامام علي عليه السلام في ما واجهها من صدمة عنيفة. لم تكن تنظر الى ما سلب من الامام علي (ع)، انه غصب للخلافة فحسب، بل ابعد من ذلك.
لكي نقف عند هذه الظلامة، فعلينا معرفة طبيعة الترابط بين ما جاء به النبي محمد (ص) وما جاء به الانبياء عليهم السلام.
اذا علمنا طبيعة المنهج الإلهي منذ بداية البشرية، فذلك الاهتمام الاول.
أمر الملائكة ان يسجدوا لآدم عليه السلام، وهو اهتمام كبير. ﴿واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾.
هذا الربط الذي نقرأة في القرآن: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚكُلًّا هَدَيْنَا ۚوَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾ كان النبي (ص) افضل من جميع الانبياء باعتبار انه ورث منهم كل ما جاء به. حين يحدثك عن النبي يوسف عليه السلام فله خصوصيات وكذلك اسماعيل وموسى وعيسى لهم خصوصيات. قال تعالى: ﴿ َبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.
النبي (ص) يرتبط بهؤلاء الانبياء ويحتفظ بما جاؤوا به. يحرص على ان يحقق ما جاء به الانبياء في عالم المصداق، فأسس المجتمع الصالح وأقام به دولته ورسالته.
ان ظلامة الزهراء عليها السلام ليست شخصية بل هي ظلامة الدين.
من سمات هذا الدين كما يقول القرآن الكريم: أ﴿َفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
فاما ان نعيش العمى او نعيش البصر. الاعمى ليس كالبصير الذي يرى النور والدنيا ويقرأ ويكتب، هذا اذا كان العمى عمى البصر.
الذين انطلقوا من القرآن كعلم، ما الذي تحقق لهم في حياتهم؟ ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾. اخذ الله من الانسان عهد التوحيد والايمان، فهؤلاء لا ينقضون العهد ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚفَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
ثم ياتي النقيض لهذا الخط: ﴿ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. هذه لوحة يقدمها القرآن عن المجتمع الإسلامي، الذي ينطلق على اساس القرآن فتلك صفاتهم ﴿والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم…﴾.
النبي (ص) نجح في خلق هذا المجتمع، الذي يرتبط برسالات الانبياء. رسول الله (ص) يرتبط بإبراهيم وكل الانبياء. عندما بعث الله النبي (ص)، بعثه رحمة للعالمين. النبي (ص) جاء بأهم من كل الوعود المادية. وصف الله النبي (ص) بانه “رحمة”.
يخاطب الله النبي (ص): ﴿يا أيها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا﴾. ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم…﴾.
النبي (ص) جاء بأبعد ما يتوقعه الانسان، فلم يكن في مجتمعه من يطمع للوصول الى ذلك ﴿ربنا ما خلقت هذا باطلا فقنا عذاب النار﴾.
من انجازات النبي (ص):
صقل الشخصية المسلمة: فاصبح الانسان رقيبا على نفسه.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾. ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾. هذه الامة المؤمنة ارتبطت بالله واتخذت من الله قدوة، ومن نبيها قدوة كذلك. المربّي الأول هو الله سبحانه. لم يقل النبي (ص) لقومه ان الله سيبعث حارسا لكل عائلة.
ادراك المسلم لهذه الحقيقة ﴿فان الله كان بما تعملون خبيرا﴾. ادراكهم بان الله يعلم سرهم ونجواهم وانه خبيرا بما يعملون ﴿يعلم ما تخفي الصدور﴾. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚاعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾.
انت ايها الانسان تتعامل مع الله، الذي يعلم السر وما يخفى، وهذا الدين انزلته الذات المقدسة، فهي تطلع عليك حين تنام، وحين تستيقظ. هذا الدين الذي يستطيع صنع هذا المجتمع، النبي جاء بهذا الانجاز وصنع هذه الامة. الذي خسره العالم والأمة استمرار مسيرة المسلمين بعد رسول الله (ص) على هذا النهج.
الزهراء عليها السلام ظلامتها أن الأمة خسرت هذا المنهج. انظر الى الحقب اللاحقة وما حصل للمسلمين، وعلام أزهقت الأنفس وأريقت الدماء؟ هل لكي يبني الحاكم قصرا في العراق واليمن وسواها؟
لم يبعث الله النبي (ص) بهذه الوظيفة. لم يكن الانسان عارفا بالله حق معرفته اذا آثر الحياة الدنيا ﴿كلا بل تؤثرون الحياة الدنيا…﴾.
الزهراء عليها السلام ظلامتها بظلامة الإسلام وظلامة الامام علي عليه السلام.
الدور الحقيقي للزهراء (ع) القيام بالدين. نحن نتمتع بنعم الزهراء (ع)، والحسين وأبنائها حتى الامام المنتظر عليهم السلام.
هكذا ظلمت سيدتنا فاطمة عليها السلام بهذه الظلامة، فصارت تخاطبهم عندما وقفت امامهم بمسجد رسول الله (ص).
خرجت في لمّة من النساء، حتى اذا دخلت المسجد نيطت بينها وبين المسلمين، ثم أنّت آنّة أجهش القوم لها بالبقاء، وتحدثت بخطبتها العظيمة حتى وصلت الى القول: “أيها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمد(ص)، أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تُعزوه وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه(ص)، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثَبَجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولّوا الدبر”.
ما خرجت بنتيجة مع القوم لان القوم استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر الله العظيم. صار البعض يقول: سمعت اباك يقول: نحن لا نورّث وما تركناه صدقة. لم تكن هناك أذن صاغية للزهراء عليها السلام. وجهت خطابها للانصار فلم تستفد شيئا.
خرجت من المسجد، باكية العين، نحيفة الجسم لا تزال آثار المرض ظاهرة عليها.



