المجلس الحسيني الخامس لمؤسسة الابرار الاسلامية 1447 هـ

المجلس الحسيني الخامس لمؤسسة الابرار الاسلامية 1447 هـ الموافق 1 يوليو 2025

الدكتور بهاء الوكيل

قالت العقيلة زينب عليها السلام،  والله لن تميت وحينا.

هذه العبارة وردت على لسان الحوراء زينب في محضر يزيد ابن معاوية. لنتأمل كيف تجسدت هذه العبارة على مر الزمن؟

يقول الله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ﴾.

هذه الآية تتضمن بشارات عظيمة ومستقبل واعد للمستضعفين، فهي إرادة الله ومشيئته (كن فيكون) فلا تتخلف ولا تختلف.

ونريد أن نمن على الذين استضعفوا.. المنة هي العطاء والنعم الكثيرة… استضعفوا اصلها الضعف وتعني عدم القوة، اي ان هناك عملا لسلبهم القوة. وردت كلمة الاستضعاف خمس مرات في القرآن الكريم. في مرة واحدة تحدث فيها الله عن المستضعفين. ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.

الاستضعاف هو سلب القدرة وقد يشمل الاقتصاد والسياسة. الآن معظم الشعوب مسلوبة القدرة، تدخل في دوامة الآزمات الاقتصادية ومنها تدخل في أزمات عسكرية ثم سياسية. صندوق النقد الدولي وظيفته تكريس حالة الاستضعاف. معظم مناطق العالم تعيش حالة الاستضعاف إلا ما ندر. هذا الاستضعاف عملية يمارسها المستكبرون على مر التاريخ.

يقول الله: ﴿ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض…﴾. الآية تحتوي على أفعال مضارعة، فهي تعني الاستمرار من الله لتمكن المستضعفين حتى يكونوا هم الوارثين. الآية قانون عام يسري في كل حقب التاريخ.

من مصاديق الآية ثلاثة:

الاول: فرعون وبنو اسرائيل، وقد من الله عليهم وأزال فرعون من طريقهم.

الثاني: المسلمون كانوا مستضعفين في بداية الأمر مثل عمار بن ياسر وهم الذين التحقوا بالرسول، وهؤلاء المستضعفون وقفوا مع رسول الله (ص) وكافأهم الله ومكّنهم من إقامة دولة، فكانوا الحاكمين.

الثالث: ظهور الإمام الحجة سيؤدي لغلبة المؤمنين على قوى الكفر والإلحاد والشرك والنفاق، وندعو الله ان يعجل بظهور ولينا لنتمتع بالدولة الكريمة.

نعود لخطبة السيدة الحوراء زينب عليها السلام في مجلس يزيد:

فقالت : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول : ” ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ” .

الى ان تقول ” فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين . ” خطبة طويلة  ذات معان عظيمة.

امرأة أسيرة مع جمع من الأطفال والنساء الأسيرات ومعهم الإمام على بن الحسين زين العابدين عليه السلام وهم مكبّلون بالسلاسل، مع ذلك تقف أمام أعتى طاغية وتنطق بهذه الكلمات، لن تمحو ذكرناولن تميت وحينا.

ففي كل مكان هناك ذكر للحسين عليه السلام. هذا الذكر يعلو بمرور التاريخ. هذا التنبؤ لم يأت من فراغ، فزينب عليها السلام هي بنت القرآن، وعاشت في بيت الوحي مع جدها وأمها التي كانت سندا ودعامة للإسلام.

هذه مواصفات زينب، بنت إمام، أخت إئمة، حفيدة أعظم شخصية في التاريخ، وبنت الزهراء عليها السلام.

هذه المواصفات التي لا تجتمع الا في مثل هذه المرأة العظيمة، فحين تتنبّأ فانما تتحدث عن يقين وليس عن جهالة وقد عاشت القرآن الكريم وخصوصا هذه الآية التي جعلت منها المرأة التي ستكون مصداقا لقوله تعالى: ﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض….﴾.

قولها وعملها وتنبؤاتها اصبحت بمثابة الطريق لهداية الناس للإسلام والإيمان.

في مثل هذا اليوم دأب أرباب المقاتل ان يجعلوا هذا اليوم لمسلم بن عقيل وهو من هذه السلالة والبيت العلوي. لو استقرآنا أبطال الطف نجدهم إما أولاد الامام علي عليه السلام أو أحفاده. أبوطالب قدّم أحفاده على طريق الإسلام، مثل علي بن أبي طالب عليه السلام ومسلم بن عقيل. هذه الثلة العظيمة هي التي ارست معالم الإسلام ولولا دماؤهم لما اجتمعنا هنا

كان بالامكان ان يقتل الحسين عليه السلام وانقطع خبره، ولكن بطولات هؤلاء ومواقف العقيلة زينت في خطبها ومواقفها جعلت واقعة الطف حيوية وخالدة.

مسلم بن عقيل كان سفير الحسين عليه السلام لأهل الكوفة. لو كان هناك من هو افضل من مسلم لبعثه الامام الحسين عليه السلام. دخل الكوفة وحاول جمع الأنصار ولكن تلك المحاولة انتهت إلى هذه النهاية المأساوية. وعندما طلب من الحسين عدم الذهاب الى كربلاء قال: شاء الله ان يراني قتيلا ويراهن سبايا.

مشيئة الله هي التي جعلت من هذه المأساة بهذا الشكل لحكم إلهية، فقد أحيي الإسلام بتلك التضحيات وهذا مصداق لقول الرسول (ص): حسين مني وأنا من حسين.

لن تميت وحينا: هذا هو الشعار الذي صاغته زينب عليها السلام وسيكون نبراسا لنا في كل زمان ومكان.

ندعو الله ان يجعله مساعدا لانا لأحياء الإسلام على طريق محمد وآل محمد.

 

مجلس الشيخ عبد الله حسين

قال تعالى: ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾

نتحدث عن آثار الذنوب.

نعيش في زمان “القابض على دينه كالقابض على الجمر”، فهناك كثرة الذنوب والموبقات بينما يسعى المؤمن للحفاظ على طهارة قلبه وروحه ليكون مرضيا عند الله، فيسعى ليكون جنديا للإسلام والإمام الحجة عليه السلام.

يحتاج الإنسان الحفاظ على هذه الروح من التلوث والذنوب والآثام لتشمله رعاية الإمام.

لكي نقي أنفسنا من الذنوب يجب ان نعرف من هو الذنب

قيل هو الجرم والجناية في الشرع فالذنب هو مخالفة الأوامر الإلهية واتباع الهوى فقد يعصي الله ولا يصوم ولا يحج، وتارة يعصي الله ويرتكب ما امره بالانتهاء عنه. لذلك تنقسم الذنوب الى صغائر وكبائر ﴿ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها﴾، وان كان بعض العلماء لا يفرّق بينها، فجميع الذنوب عظيمة وعلى الإنسان ان يحذر منها.

قيل ان الكبائر هي التي توعد الله فاعلها بالنار، وجعل من يرتكبها جزاؤه جهنم.

ومنها الشرك بالله وقتل النفس المحترمة وكذلك إيذاؤه.

ومنها عقوق الوالدين، وقد ذكرها القرآن ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه.. ولا تقل لهما أف﴾. حتى النظرة غير العطوفة مرفوضة، فالنظرة الجميلة تكسبه الثوار، نظرة الرحمة، اما اذا نظر لهما بغضب فان ذلك يغضب الله.

ومن الكبائر المذكورة في القرآن: الذين يأكلون أموال اليتامى إنما يأكلون في بطونهم نارا.

ومن الكبائر: الفرار من الزحف، وإنكار الإمامة، وجاء ذكرها في القرآن الكريم.

وكذلك أكل الربا والسحت والتعرّب بعد الهجرة، عندما يترك المسلم بلد الإسلام بدون أن يكون هناك ما يستدعي ذلك، ومنها الزنا واللواط وقذف المحصنات.

واما الصغائر فهي كل ذنب لم يرد نص من القرآن فيه توعد من الله بعذاب مرتكبه. هل يمكن ان تتحول هذه الصغائر الى كبائر؟ مثلا شخص يسمع الغناء او يلبس الذهب أو يأكل في آنية الذهب؟ نعم إذا إصر الإنسان على الذنب. قال النبي (ص): لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار.

ورد كذلك أنه إذا بلغ الانسان اربعين عاما ولم يعلن التوبة، مسح ابليس على وجهه وقال: انت لا تتوب أبدا.

الاصرار على الذنب يحوله من الصغائر الى الكبائر.

بعض الذنوب تتحول الى معصية كبيرة عند المجاهرة بالذنب والمعصية فيفتخر انه عمل ذلك الذنب، فإصراره على ذلك او تشجيع الفاحشة بالمجاهرة بالذنب يحول الذنب من صغيرة ألى كبيرة.

الله يحب الستر على عباده، ولكن البعض يفضح نفسه وبذلك يشجع أجواء الفاحشة. أكبر الذنب ما استخف به صاحبه.

 ثمة سؤال آخر ما هو منشأة الذنب؟ هناك عدة مناشيء:

اولها عدم معرفة الله سبحانه “من ذا الذي يعرف قدرك فلا يخافك”. فكلما كان الانسان بالله أعرف، كان منه أخوف ﴿ألم يعلم بأن الله يرى﴾.

جاء احدهم للعلامة الطبطبائي وسأله عن الذنب، فقال: اعبد الله حتى كأنه يراك. راقب الله ﴿انما يخشى الله من عبادة العلماء﴾. عدم مراقبة الله وعدم الخوف منه مشكلة.

في دعاء ابي حمزة الثمالي: إنا الذي لا استحيك في الخلاء…

ومنها كذلك اتباع الشيطان والهوى ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان…﴾. يجب ان تكون لديك إرادة اكبر من الشيطان.

المحور الثاني: هل للذنوب آثار؟ هناك آثار في الدنيا وآثار عند سكرات الموت وكذلك في عالم البرزح ويوم القيامة. من هذه الأثار: قسوة القلب. ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قسوة القلوب ألا لكثرة الذنوب ﴿كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾. ﴿وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم…﴾ ﴿ولو أن اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون.﴾

الكون يتأثر بالمعصية. المعصية والذنب تؤثر على النفس، وكذلك كثرة الذنب تؤثر على العمر، وقطع الرحم يقصر الأعمار. اكثر من يموت بسبب الذنب. من يعيش بالاحسان اكثر ممن يعيش بالاجال.

من آثار الذنوب: انها تنزل البلاء والمصائب على الانسان. (كلما احدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله من البلاء ما لم يكنونوا يعرفون)، فتنتشر الامراض والاوبئة.

ومن آثار الذنب ان الانسان لا يوفق للعبادة او الطاعة، فيحرم التوفيق لحضور جماعة او قرآن او صلة رحم. ان العبد يكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل.

قال الامام علي عليه السلام: ان للحسنة ضياء في الوجه وقوة في البدن، وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وان للمعصية سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهن في البدن وقلة في الرزق وبغض في قلوب الخلق. هذه اثار الذنوب في الدنيا.

من الآثار التي تحدث عند الموت ﴿وجاءت سكرة الموت بالحق﴾. قال الامام علي عليه السلام وهو يصف خروج روح الانسان: فاجتمعت عليه سكرات الموت فغير موصوف ما نزل به. هذا من كان إنسانا عاصيا. شاب كان من اصحاب رسول الله، ولكن كان له ذنب، وفي حالة الاحتضار انعقد لسانه ولم يستطع قراءة الشهادة، والسبب انه كان عاقّا بأمه.

ومن الآثار ما يكون في حالة البرزخ، فتغطي الظلمة قبره، وهي تنجم عن سوء الخلق مع أهله. فلا يكن أهلك أشقى الناس بك. كن بشوشا مع اهلك وزوجتك وابنائك. سوء الخلق سبب لضغط القبر، وسبب لعدم نيل شفاعة اهل البيت.

ان من شيعتنا من لا تناله شفاعتنا الا بعد ثمانين عاما.

اما آثار المعاصي يوم القيامة فما أكثرها ﴿لواحة للبشر، لا تبقى ولا تذر، عليها تسعة عشر﴾.

يريد الله ان يردع عباده عن المعصية لكي لا يحدث هتك للانظمة ويرجعك عن المعصية.

الرواية الاخيرة عن النبي (ص):

سألته فاطمة عليها السلام: ما لمن يستخف بالصلاة من  الرجال والنساء؟ ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلّين. لا تنال شفاعتنا مستخفا بصلاة.

يصيب الله عبده بخمس عشرة عقولة، ست في دار الدنيا وثلاث عند الموت وثلاث في القبر و يمحو الله البركة من عمره ورزقه وتمحى سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل لا يؤجر عليه، وكل دعاء يدعوه لا يرفع الى السماء. والسادسة: ليس له حظ في دعاء المؤمنين.

واما اللاتي تصيبه عند الموت، فانه يموت ذليلا جائعا عطشانا ولو سقي من انهار الدنيا ما ذهب ظمأه.

اما في القبر فيبعث الله عليه ملكا يزعجه ويضيق به القبر ويصبح مظلما ويوم القيامة لا يقبل الله له عملاء.

النقطة الاخيرة أذا عرف ان لديه ذنوبا فما الامور التي يجب ان يعملها ليقي نفسه من الذنب؟

الاول: عدم التفكير بارتكاب الذنب، لان التفكير بالذنب قد يندفع لارتكابه.

ورد عن النبي عيسى عليه السلام: ان اخي موسى كان ينهاكم عن الزنا وانا انهاكم عن التفكير في الزنا.

يحتاج الانسان لمحاسبة النفس، من حاسب نفسه ربح.

ثالثا: التوبة النصوح، فلا يدري متى يأتي الموت.

نحتاج كذلك الى التوسل بأهل البيت عليهم السلام وهو من انجح الطرق الموصلة الى الله. فهم سفن النجاة وابواب الرحمة (وابتغوا إليه الوسيلة).

ان نسير على خطى الامام الحسين عليه السلام ونعاهده بالاقلاع عن المعصية والتوفيق للطاعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى