فكر إسلامي

دور الإمام الهادي في الصحوة الاسلامية*

علاء الخطيب

لقد عاش الإمام الهادي عليه السلام في عصر الانحطاط العباسي أو ما يسمى بالعصر العباسي الثاني الذي إبتدأ بالمعتصم وهو بداية السقوط المادي للدولة العباسية. فقد ولد الامام في سنة 212هـ واستلم المعتصم زمام الحكم في سنة 218هـ وفي هذه الفترة وصلت الإمامة الى الإمام الهادي عليه السلام  ،وجاء بعدالمعتصم المتوكل الذي كان يكن العداء لأهل البيت ويبغض علي بن ابي طالب بوجه خاص، ولا ننسى أن تلك الفترة هي أوج قوة الدولة

الادريسية وإنتصاراتها في المغرب ولا يخفى أنها دولة قامت بأسم أهل البيت عليهم السلام وكان بالمقابل ظلم كبير يتعرض له المخلصين وإستشراء لحالة الفساد ،نتيجة لذلك حدثت صحوة كبيرة ومهمة في اوساط المجتمع والمثقفين بوجه خاص متجهين الى أهل البيت وبالخصوص الى الإمام الهادي. وأصبح فيها الإمام مراقباً ومتابعاً حتى قال والي المدينة للمتوكل العباسي (إن كان لك في الحرمين (مكة والمدينة) حاجة فأخرج علي بن محمد منهما، فإنه قد دعاء الناس إلى نفسه، وأتبعه خلقاً كثير). وهذا الكلام يعني أن الإمام لم يكن جالساً في بيته، بل كان ذا تأثير كبير في توعية الناس وإرجاعهم الى نهج الإسلام الأصيل.وتحريك روح الصحوة اليهم و بالفعل نشأة صحوة عقائدية مهمة حافظت على وصل الاسلام غضاً طرياً الى يومنا هذا.
وكان سبب نشوء الصحوة الإسلامية هو معاناة الأمة الإسلامية من الويلات والأزمات التي تعاقبت عليها ذلك جراء طمس معالم الدين والاستهتار بالعقيدة من قبل الحكم العباسي. فالصحوة هي الظاهرة الاجتماعية التي تعني عودة الوعي للأمة وإحساسها بذاتها واعتزازها بدينها وكرامتها واستغلالها السياسي والاقتصادي والفكري وسعيها للنهوض بدورها الطبيعي في بناء حضارة الإنسان، لذا تصدى المثقفون مدفوعين بفكر اهل البيت للوقوف بوجه الحكام المستبدين. فقد ظهرت جماعة يجاهرون بالعداء للدولة العباسية علانية، ومنهم الشاعر دعبل الخزاعي الذي وقف للمعتصم العباسي وهو يقول له:

 ملوك بني العباس في الكتب سبعة  وما جائنا من ثامنٍ لهم كتبُ
 كذلك اهل الكهف في الكهف سبعةٌ كرامٌ إذا عـدوا وثامنهم كلبُ
 وإني لعُّلي الكلب عنك كرامــــةَ  لأنك ذو ذنبٍ وليس لـه ذنبُ
 فما كان من المعتصم إلا ان أصدر حكم الإعدام بحق المعارض السياسي لنظامه فجاء رد الثائر الكبير دعبل بقولةٍ عظيمة: (حملت خشبتي 40 عاماً لم أجد من يصلبني عليها وها أنت قد أتيت) وتصل رسائل التهنئة من الإمام الى دعبل.
 ومن معالم الصحوة في نهج الإمام الهادي هي ربط الناس بينبوع الثورة والصحوة وهو الإمام الحسين عليه السلام . فقد زاره يوماً أحد اصحابه وهو ابو هاشم الجعفري وكان الإمام مريضاً فقال لأبي هاشم: (يا أبا هاشم التمس أحد من شيعتنا ليذهب الى قبر جدي الحسين ويدعو لي هناك، فيقول ابو هاشم خرجت ووجد أحد الشيعة وقلت له قول الإمام ولكن الرجل تعجب وقال يا أبا هاشم اليس الإمام بحائر وهو معصوم (أي لماذا لا يدعو لنفسه) يقول أبو هاشم داخلني الشك فرجعت الى الإمام وقلت له قول الرجل، فقال نعم يا أبا هاشم ولكن إن لله أماكن يحب أن يدعى فيها فيجيب ومنها قبر جدي الحسين، وبهذا الفعل أراد الإمام أن يربط الناس بروح الحسين الثورية وبنهج الحسين للوقوف بوجه الظالم.
 ولعل الموقف الشهير الذي وقفه الإمام أمام الإنحراف العباسي كان واضحاً من خلال الأبيات الشهيرة للإمام أمام المتوكل حينما دعاه للشراب فرفض الإمام ولكن أجبره على قراءة الشعر وأحس الإمام أن الفرصة قد حانت لقولة الحق وهي موجه بأعتقادي الى حاشية المتوكل أكثر من كونها موجه للمتوكل، حينما قال:

 باتوا على قلل الأجبال تحرسهم   غلب الرجال فلم تنفعهم القللُ
واستنزلوا بعد عزٍ من معاقلهم      فأسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهمو صارخ من بعد ما دفنوا   أيــن الأسرة والتيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمةَ   من دونها تضرب الأستاروالكلل
فافصح القبر عنهم حين ساء لهم     تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
 قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا   فأصبحوا بعد ذاك الأكل قد أكلو
وطالما عمروا دوراً لتحصنهم           ففارقوا الدور والاهلين وانتقلوا 

هذه الصور وغيرها تدل على ديمومة نهج الأئمة حتى يومنا الحضر ولعل هذه الابيات تنطبق على الجردان المذعورة الهاربة من قصورها حكام تونس ومصر واليمن والبقية الباقية الخائفة من الصحوة الاسلامية، ومن هنا يمكن أن نستدل على سبب الحرب الضروس التي يقودها حكام العرب والخليج بالاخص على الفكر الشيعي الذي يعتبر مصدر قلق وخوف لهم وهو يقض مضاجعهم باستمرار لذا سخرت جميع أمكاناتهم للقضاء عليه وما يحدث في البحرين والعراق هو جزء من هذه الحرب، لذا فكر الصحوة التي يريده الأئمة غير مرغوب به لدى حكام الغلبة والاستبداد سليلي الاسلام الأموي. فنرى أن هناك عداء تاريخي بين الحكام وبين أهل البيت في حضورهم وفي غيابهم والسبب هو روح الصحوة التي يبثها الأئمة عليهم السلام في المجتمعات الستضعفة. ولعل هذه الصورة التي نقلتها عن الامام الهادي هي غيض من فيض في سيرة وحياة الهادي عليه السلام وهي بالتالي تشكل حلقة من حلقات فكر أهل البيت ونهجهم في توعية الأمة .

* محاضرة القيت في ندوة المركز الإسلامي – لندن- بمناسبة إستشهاد الإمام الهادي(ع)
السبت 4-6-2011

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى