المجتمع الغربي المعاصر بين حرية التعبير والاستفزاز المؤدي الى العنف

لماذا تتواصل حملات التشوية والازدراء بمقدسات المسلمين وشخصياتهم. فما ان ينتهي فصل منها حتى يبدأ الآخر. ولكل منها سماته وخصائصه ومخرجوه. والواضح ان هناك فريقين في كل من هذه الفصول: احدهما يستمتع بما يفعل ويبالغ في الاساءة للآخرين، متلذذا بردود الفعل التي تترتب على افعاله. والثاني يجد نفسه في موقع الدفاع الذي قد يخرج احيانا عن التصرف المعتاد، ويتخذ اشكالا لا تنسجم مع روح الاسلام. وليس واضحا سبب التلذذ والاستمتاع بما يجرح الآخرين سوى ان ذلك تعبير عن شعور منحرف يبتعد عن الانسانية ويقترب من الحيوانية. ان من يفعل ذلك لا يختلف عمن يتعمد غرس السكين في جسد شخص بريء ويتلذذ كلما علا صراخ الضحية واستغاث بالآخرين لتطبيبه. بل ربما كان الفعل أسوأ لانه يلامس مشاعر الآخرين في اعز ما لديهم، ويستفز وجودهم ومشاعرهم بشيطنة تبعث على الاشمئزاز والتقزز. ان من يحرص على امن العالم وسلامة اهله لا يجد لذة في ما يهدد ذلك الامن او يؤدي الى اضطراب اجتماعي وسياسي يخرج عن الحدود ويؤدي الى تبعات دموية خطيرة. فالذين فقدوا حياتهم في الاحتجاجات التي حدثت بعد بث الفيلم الامريكي الذي يستهزيء برسول الله ويزور شخصيته ويتقول على اعظم شخصية عرفتها الانسانية، انما هم ضحايا ابرياء لعمل شيطاني لا يحب الخير للانسانية ولا يحرص على امن قاطني هذا الكوكب.
الامر الذي يزيد الشعور بالألم اصرار الغربيين على التحدث عن حرية التعبير، لتبرير الاعتداءات المتواصلة على مقدسات المسلمين. هذا مع علمهم ان الحرية الفردية، أيا كان شكلها، محدودة بحقوق الآخرين. فهي تنتهي حيث تبدأ مساحة الآخرين وحريتهم وحقوقهم. وليس هناك حرية مطلقة او حق مطلق لآحد في عالم مشترك للآخرين. فالبشر يكمل بعضهم بعضا، وتنتهي حرية احدهم حيث تبدأ مساحة الآخر وحريته. ولولا هذا التوازن في العلاقات الاجتماعية والحقوقية، لاصبح الناس يستهدفون بعضهم الآخر، ويحرصون على اثبات الذات من خلال ايحاءات العقل الشهواني لديهم على حساب توجيهات العقل والمنطق والانسانية. وثمة قاعدة يؤمن بها اغلب البشر وهي انه ليس هناك حرية مطلقة، لان الانسان محاصر بالبشر من حوله،وعليه ان يتمتع بحرياته جميعا بشرط ان لا تصطدم بحقوق الآخرين. فمثلا من حق ان انسان ان يستمع للموسيقى الصاخبة ان شاء، ولكنه يعلم ان الصوت يجب لان يحدث صداعا للآخرين لشدته، والقانون يمنع ايذاء الآخرين بدعوى الحرية الشخصية. وهكذا فان استهداف شخصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصطدم بمعتقدات الآخرين، وما هو حق لهم، وبالتالي فهو اعتداء صاخب على حقوقهم.
لقد دأب المسلمون على عرض شخصية رسول الله كداعية للروحانية والعبادة، بالاضافة لبقية صفاته واخلاقه. والعقلاء هم الذين يسعون للاستفادة من شخصية الرسول الذي وصفه الله بانه “على خلق عظيم” لتستفيد الانسانية من اعظم انسان عرفته البشرية. ولكن انغلاق القلب يؤدي الى خسارة الفرصة. وهذا ديدن الانسان الضعيف العقل الذي تغلبه شهواته وتسيطر عليه نزوات الشيطان. وبدلا من الاستخفاف والاستهزاء برسول الله كان امام مثيري الفتنة الذين انتجوا الفيلم التافه ان يسعوا للاستفادة من حياة رسول الاسلام، وهو ما يفعله الباحثون عن الحرية والحقيقة. ان التحرر من هيمنة الشيطان طريق للتكامل والاستفادة من ايجابيات الآخرين. ولكن طغيان الثقافة الشيطانية وضياع القيم العالية في محيط من اللغط والمنطق الهابط دفع مخرجي الفيلم الشيطاني للبحث في ما هو خارج عن المعتاد والاستعانة بالشيطان. نحن لسنا مع ردة الفعل غير المنضبطة التي لا تلتزم بالقيم الاسلامية والانسانية. ولسنا مع التصعيد غير المنتج، بل ندعو اهل هذا الكوكب لاستعادة التوازن والاستفادة من كل فرصة متاحة خصوصا اذا كانت الفائدة مؤسسة على الرغبة في التحصيل وتحرير ارادة الانسان واضعاف الشيطان في النفس.
الدكتور سعيد الشهابي