فاطمة بنت محمد (عليها السلام) كما قرأها شريعتي

احتفال مؤسسة الابرار الاسلامية بمناسبة ذكرى ولادة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام.
الضيوف: الاخت هاجر القحطاني والشاعرة سحر الخفاجي
التاريخ: 12 يناير 2023
كلمة الباحثة هاجر القحطاني:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكر الدكتور سعيد الشهابي على فرصة الحديث اليكم في هذه المناسبة المهمة والجميلة 20 جمادي الثانية يوم ولادة احدى اهم اربع سيدات في التاريخ، السيدة فاطمة الزهراء بنت محمد عليه افضل الصلاة وعليها افضل السلام، ام ابيها وبهجة قلبه.
وسأوزع حديثي اليوم على ثلاثة محاور اساسية مختصرة، الأول عن هي صاحبة المناسبة السيدة الزهراء، الثاني عن مؤلف الكتاب الدكتور علي شريعتي ثم الثالث والاخير عن الكتاب نفسه ( فاطمة هي فاطمة).
احصيت مؤخرا على الانترنت اكثر من 150 كتابا عن السيدة الزهراء من كتب الاقدمين والمعاصرين، ولا أشك ان ما مكتوب عنها اكثر من ذلك بكثير.
ثم سألت نفسي، وأنا التي نشأت في بيت موال، والمفروض ان نموذج الزهراء عليها السلام أشد حضورا في حياتي من أي امراة اخرى من التاريخ. سألت نفسي ما هو شكل هذا الحضور؟ الذي لم اختره كما مثلا اخترت حضور عالمات وأديبات عالميات تأثرت بهن.
كيف انعكست صورتها في المخيال الجمعي الذي نشأت فيه عندي؟
أشارككم هنا بعض هذه الأسئلة والاثارات وانتقل بعدها الى المحور التالي.
أقول،
حضور الزهراء في حياتنا يمكنني وصفه بالشيوع الغامض، ففاطمة حاضرة مثل ملمح ثابت على وجه العالم المسلم منذ قرون. في كل عائلة، أينما وجد مسلمون على امتداد جغرافياهم، ثمة فاطمة او زهراء او بتول.
أينما ذكر علي ابن ابي طالب، وهو أحد اثنين قام عليهما هذا الدين العظيم، (مال امها وسيف زوجها) ذُكرت فاطمة،
حيثما ذكر الحسين الشهيد، وهو الغني عن الوصف، كان ابن فاطم.
بل ما هو الوجه البشري للاسلام دون فاطمة وابيها وبعلها وبنيها.
حضور فاطمة في حياتنا وتفكيرنا ورؤيتنا للعالم وانفسنا، في حضارتنا وثقافتنا وعمارتنا وطقوسنا هو حضور بديهي، عميق وراسخ. لكنه محير ومثير وحساس.
مثل جرح خفي، نخاف من كشفه او لمسه خشية ان يتسع، نذكر اسمها ونسكت عن سيرتها،
لقد حاصرنا فاطمة الانسان، السيرة والقدوة في صراع سياسي ضيق ذهب أوانه، واستخدمنا فاطمة الاسم في معاركنا وسرديتانا الناقصة عن العالم والاسلام والتاريخ. وكل بحسبه.
صادرنا عمرها الثري على رغم قصره بستة أشهر هي الفترة التي عاشتها بعد وفاة ابيها نبي الاسلام العظيم.
من منا يريد ان تكون قدوته امرأة غامضة حزينة كسيرة كارهة للحياة طالبة للموت كما رسمت صورتها تلك الأشهر الستة من حياتها؟
لكن فعلا لماذا؟
لماذا فاتنا استكشاف فاطمة العالمية، رغم ان أباها خرج من محليته الى العالمية وكذلك زوجها وابنها وأحفادها،
لماذا حبسناها في ” خربة الأحزان”؟ وصيرناها عنوانا للغضب والانكسار، وجعلها البعض منا حائط مبكى يخلص فيه كآبته وخوفه من الحياة وكرهه للناس؟
هل هذه هي مهجة قلب رسول الله؟
هل هذه هي نطفة النور ومهجة قلب رسول الله وحبيية علي ابن ابي طالب؟
هل كان بيتهما حفرة ظلام ام روضة نعيم؟
لماذا لا نرى نور ذلك البيت يثقب حجب التاريخ ويسافر الينا يلهمنا حب الحياة والعمل ويذيقنا حلاوة الايمان ويرينا كيف نعيش ايامنا المعدودة على الأرض بيقين وتفاؤل وامتنان لنعم الله؟
لماذا لا تبهرنا الحياة الطيبة التي وعد بها الله المؤمنين في القرآن تأتينا مفصلة في كتب التاريخ عن أجدر من نالها؟ كما وصلتنا تفاصيل الألم والغضب واللوم والعتاب؟
لماذا لا نرى فاطمة الا على اسنة رماح المغالين، يزرعون الفتنة هنا وهناك؟ ويخلصون بها أضغانهم؟
أين هي الابنة البارة؟ ما هي مواصفاتها؟ نموذجها؟ أين هي الزوجة الشريكة؟ ما هي مواصفاتها؟ ما هو نموذجها أين هي سيدة الأمة الكريمة الناضجة الحاضرة في احداثها؟ ما هو نموذجها؟
ولعل ما ختم به الدكتور علي شريعتي كتابه الذي هو موضوعنا اليوم، أصدق تعبير عن حيرتنا في هذا الحضور العميق والساطع والمبهم في نفس الوقت لإمرأة توفيت دون الثلاثين من عمرها، لكنها تركت أثرا واسعا وخالدا على مسار التاريخ، يبقى ما بقي القرآن على الأرض.
فبعد المئات من الصفحات في التقديم لأطروحته عن الزهراء يختم الدكتور علي شريعتي كتابه بعبارات لا تصف ويتركنا برأيي حيث بدأنا. من هي فعلا فاطمة الزهراء من منظور عصرنا؟
وقد يسأل احدهم ولماذا نحتاج لمعرفة ذلك؟ لماذا لا نترك الزهراء تستريح في صورتها ابنة لرسول عظيم وزوجة لوصيه واما لأئمة كبار طبعوا تاريخ دين عالمي ببصمتهم التي لا تمحى؟
أقول لكم لماذا نحتاج الى معرفة الزهراء اكثر.
في كل نسق معرفي ونظام مجتمعي، ينشد الأفراد نموذجا يعرفهم على حدود هذا النسق، مثل منظومة السلوك المقبول وغير المقبول. حتى ينتمي الفرد بشكل بناء لهذا النسق ويسهم في تنميته، ودون دخول في تفاصيل علم الاجتماع، نعرف جيدا ضرورة الانتماء المجتمعي لنمو الفرد وتحققه الذاتي.
وبما ان الاسلام هو نسق سلوكي (بأحد ابعاده طبعا)، يصبح من الضروري وجود نماذج عليا، تمثل القيم العليا لهذا النسق، يقيس افراده اختياراتهم عليه. لا اعني بالتاكيد المحاكاة العمياء او التماثل الكامل، هذا غير ممكن وغير ضروري وايضا ضار. بالعكس انا اشجع الفرادة والأصالة والصدق في التعبير عن الذات. لكن كما قلت، الانتماء الى نسق معرفي ونظام مجتمعي معين ايضا ضرورة وهنا تتجلى أهمية المثال والنموذج والقدوة. حيث يتحرك الفرد ضمن اطر معرفة الى حد ما. ما يسمح بالتراكم والتطوير. وكلما ازداد تكثيف هذه الاطر مع وضوحها كلما اتسعت فرص التنويع والتفصيل.
وهذا الأمر يصبح على أهمية قصوى حين يتعلق بالمرأة، بحكم الوضع الخاص لها في التاريخ والمجتمعات، ولن اخوض في ذلك ايضا واكتفي بالإشارة. من هنا تنبع اهمية دراسة نموذج فاطمة الزهراء في القرن الواحد والعشرين من منظور المرأة المنتمية الى النسق المعرفي والسلوكي للإسلام الذي تنوع بعد ذلك ثقافيا ومذهبيا بشكل مذهل ورائع، ما يزيد تعقيد الأمر وأيضا ما يعزز أهمية نموذج الزهراء، لأنه ربما نموذج المرأة الأكثر تكثيفا للقيم الأصيلة الرئيسة ، دون تفاصيل ثقافية متراكمة ومفصلة. المثير ان عمر الزهراء القصير وبساطة الحياة في الجزيرة العربية شكلا في نظري عاملا جوهريا في صلاحية ” نموذجها”. لأنهما أعطيا الفرصة للأطر العامة للسلوك أن تتبلور دون طبقات معقدة من التبعات الثقافية واطوار الحياة كما لو كانت عاشت ثمانين عاما مثلا او كانت ابنة حضارة مركبة مثل الحضارة الفارسية المجاورة. أي يمكن القول ان نموذج الزهراء يجب ان يدرس على مستوى المفاهيم والأطر الكلية، أما التفاصيل فتترك لكل ثقافة وعصر.
اذن ماذا قال الدكتور شريعتي في ختام كتابه؟
قال في الصفحة الأخيرة:
أردت أن اقول: فاطمة هي بنت محمد
وجدت انها ليست فاطمة
اردت ان اقول : فاطمة هي زوجة علي وجدت انها ليست فاطمة
اردت ان اقول فاطمة هي ام الحسنين وجدت أنها ليست فاطمة
أردت أن اقول فاطمة هي ام زينب وجدت أنها ايضا ليست فاطمة
كلا، فهذه كلها هي وليست هي كلها. ففاطمة هي فاطمة.
هذه كلمات الدكتور علي شريعتي بعد 240 صفحة ملحمية في التقديم لفاطمة الزهراء من منظور القرن العشرين. وأنا اظن أنه كما يقول العرب: فسر الماء بعد الجهد بالماء، طبعا بغض النظر عن البعد الشعري الجميل في عباراته.
الآن من هو الدكتور علي شريعتي؟
النشاط في حسينية الارشاد. كان محاضرا بارعا، ألهب حماس الالاف من الشباب الايراني في السبعينات قبل الثورة، وكان صوتا مدويا ضد التغرب الذي يسلب المسلمين ذاتهم وضد التحجر وقوى التقليد والمحافظة الذين كان يسميهم بالرجعيين. ورغم ان وفاته حصلت قبل الثورة لكن يعزو له الكثيرون تقوية زخم الثورة ضد الشاه والتوجه الديني لها الذي طبعا تكلل بنجاح ثورة السيد الخميني وتأسيس الجمهورية الاسلامية. مع ملاحظة اختلافات جوهرية في تفكيره عن الفكر الذي ساد بعد تأسيس الجمهورية، لكن ليس مجاله هنا.
ملاحظة نقدية سريعة: كان ابن عصره، وقرأ الاسلام من منظور روح عصره بالتحديد من منظور الثورة وقيم اليسار العالمي. بصراحة يمكن لأي قارئ مطلع أن يحس بحضور امثال جي غيفارا وفرانس فانون في الروح الملهمة لعلي شريعتي في كتاباته.
أخذ عليه البعض حصره للاسلام في زاوية الفعل الثوري، والاسلام اشمل واعمق. كما انتقده البعض لتبسيط المفاهيم المعقدة في نشأة المجتمعات وصيرورتها. لكن الدكتور علي شريعتي جدير بالقراءة، وعاطفته الأخاذة تجاه الاسلام والمسلمين ونهضتهم معدية ومحمسة وملهمة.
وعلى الرغم من ضرورة قراءته من عدسة عصره، اظن انه يجب الا تفوتنا قراءته في سياق صيرورة تفكير المسلمين في هويتهم وقضاياهم وموقعهم في العالم الحديث. وأظن ان من غير المنطقي وغير المنصف اهمال الحلقة التي مثلها في سلسلة رواد النهضة في القرن العشرين.
الان انتقل الى الكتاب:
اطروحة الدكتور شريعتي في تقديم فاطمة نموذجا للمرأة المسلمة في القرن العشرين
بين نموذجين: المرأة المتغربة ويميز بين نوعين من النساء في الغرب، النموذج الفاعل والمتعلم وما اسماه نموذج فتيات الليل وهو يقول ان النموذج الذي يروج له في بلاد المسلمين هو نموذج فتاة الليل:
والكتاب الصغير في الواقع معظمه عن جدلياته في التغيير الاجتماعي حيث يقسم مناهج التغيير الى ثلاثة ويقول ان الرسول (ص) قد اتبع منهج القران ويسميه المنهج الرابع الذي يحافظ على الشكل ويثور المضمون وضرب مثالا الاغتسال من الجنابة الذي كان عادة عربية مضمونها التخلص من الشياطين، فحافظ عليها الرسول لكنه خلصها من مضمونها الخرافي. ويضرب مثالا اخر اكثر اثارة للجدل وهو الحج.
اذن بعد ان يتحدث بتفصيل عن رؤيته لتحديث المجتمع المسلم خاصة من زاوية المرأة في الكتاب، يقترح السيدة فاطمة حلا لهذه الاشكالية.
المشكلة انه لا يقدم النموذج بشكل علمي موضوعي، والواقع ان الجزء المتعلق بفاطمة هو معلقة جميلة عاطفية عن فاطمة الزهراء الطفلة والمرأة، وهي تنبض بعاطفة دينية عميقة وحية مؤثرة حتى ان عيني دمعتا حين راجعت الكتاب مؤخرا رغم انه مترجم وان النص العربي لي.
لكن للإنصاف فان صدق مشاعر الدكتور علي شريعتي وصرخته المدوية حينها ضد الاستلاب الحضاري للمسلمين لا يمكن الا أن تثمن وتمجد. فكما للعقل مجده وللطرح الموضوعي العلمي وظيفته وضرورته فان العاطفة الدينية لها مجدها. ولو أنها يجب ان تتنحى جانبا أحيانا لتمنحنا فرصة التعلم. لكن اثرها في المجتمعات وفي الوجدان لا يمكن تجاوزه او التقليل من شأنه.
اذن في الكتاب سيرة وجدانية للسيدة الزهراء، وقد تجنب الدكتور شريعتي الوقوع في فخ التخمدق الطائفي واكتفى بالاشارة الى المعلومات المختلفة عن ولادتها وبعض احداث حياتها بصفتها معلومات لم يعلق عليها كثيرا.
لذلك فان كتابه لا يعد مصدرا دقيقا عن أحداث حياة الزهراء لكنه قراءة وجدانية من منظور فكر ثوري، وضع فيها الدكتور شريعتي فاطمة الزهراء في قلب حركة مقاومة الظلم وقول ” لا ” في التاريخ الاسلامي. وهو منظور مهم وكما قلت ابن عصره لكنه ليس كافيا وقد يكون مخلا أحيانا كما ذكرت في بداية حديثي هذا.
قصيدة الاخت سحر الخفاجي
الزهراء
قالوا هي الزهراء فلتصفيها … ولك الحروف فاحسني التشبيها
فطفقت ابحث في المعاجم علني…. اجد الصفات فاجتني ما فيها
بهت الكلام وقال لي متعجبا ….انى نعوتا للتي اعنيها
ءاقول شمسٌ والافول مصيرها … ما الشمس الا ظل من افديها
ءاقول جوهرة فابخس حقها … وجواهر الدنيا فدى قدميها
زهراءُ ازهر من سناها عالمٌ… وتبسمت دنيا الوجود بفيها
مرحى فقد ولدت خديجةُ فاطمهْ…خير الحجور وخير من يحويها
فهي المحدّثة البتول وانها … الانسية الحوراء ام ابيها
هي آية التطهير انزل وحيها .. في بيتها الطهر الزكي وفيها
وهي المباهلة التي في حقها .. قال النبي نساءنا ..يعنيها
وكأنني اذ ذاك ارقب مشيها.. اعباءة تلك التي تحويها
علمٌ وقار عفةٌ وتصبّرٌ .. لله درّ شمائل تحكيها
او عندها جبريل كان ممره … في كل آي ربنا يوحيها
اوذاك مسجدها تخال كأنه… يتنفس التسبيح والتنزيها
اوذاك جلد الكبش حيث صغارها…ورحى تدور سنابلا تفريها
مهلا احدقتم مليا ها هنا … فلدى الكساء رواية يرويها
اذا كان آل الله يوما تحته .. فاتى الامين برحمة يزجيها
صلى عليها الله في ملكوته وعلى ابيها بعلها وبنيها
عرفت جنان الله ذاك مقامها … مذ جاء بالثمرات من يجنيها
الِفت ملا ئكة السماء دعاءها …للجار قبل الدار كم تحصيها
حتى انبلاج الفجر في محرابها .. قد لامست حجب السماء بفيها
ما عاد سائلها بيوم ٍ خائبا .. وتقبّل الصدقات اذ تعطيها
وقلادة تهدي وثوب زفافها ..وتزيد جودا عندما تخفيها
وتجود بالافطار ثالث ليلة… بعد اليتيم وصاحبيه وفيها
نزلت بهم آي الكتاب بشارة …في ‘هل اتى’ مدح اتى يطريها
هي محور الكون الذي يجري بها… قطب الوجود يدور في مهديها
هي حسبها ان قيل سيدة النسا .. حسبي فخارا عند ذاك وتيها
هي حسبها ان قيل بنت محمد … والله يجعل من يشاء وجيها
هي حسبها ان الامير قرينها … اكرم بساعات الجنان بنيها
هي حسبها ان الائمة ولدها .. هي حسبها ان قيل ام ابيها