ولا يظلم ربك أحدا

حاشا الله الظلم، فالله هو العدل، خلق البشر وساوى بينهم وكرّمهم، وجعل التقوى معيار التفاضل، فإن أكرم الناس عند الله أتقاهم، أي أشدهم إيمانا به وخوفا منه. ومن يخاف الله لا يخاف غيره، وهذه ذروة الحرية. وما اكثر الذين يخافون غير الله من البشر الذين نصبوا أنفسهم آلهة من دونه. ولقد وقف الأحرار عبر التاريخ بوجه اولئك الطغاة، ولم يخشوا بطشهم. صمد الكثيرون منهم فكانوا ضحية لبطش الحكام، فتعرضوا للتنكيل والقتل. وما أكثر الذين سقطوا في وحل العبودية وتعايشوا مع الطغاة ولم ينطقوا بكلمة واحدة ضدهم، برغم ما ارتكبوه من جرائم بحق البشر. فلم يسلم الدعاة الى الله من شرهم وبطشهم: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
في عالم تحكمه القوة ويوجهه الشيطان لا مكان للعدل المطلق، وان كان هناك شيء منه فهو نسبي يتغير مع الزمان والمكان، والله وحده هو العدل المطلق الذي لا يظلم أحدا. العدل أساس الملك، وبالعدل تستقيم أمور الناس، ويصبح الحاكم قويا لان المواطنين يدعمونه بسبب عدله. اما الظلم فلا يقبله أحد أو يرضى به. ويعتبر العدل الألهي من كبرى النعم، فهذا العدل هو أساس خلق الكون: وكل شيء عنده بمقدار. والتوازن الذي يتحلى به الكون أحد تجليات العدل، ولولا هذا التوازن لساخت الأرض بأهلها. ويدرك الانسان هذه الحقائق، ولكنه لا يلتزم بها. فما ان تستقر الامور بيده حتى يتخلى عن قيم العدل والتوازن: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾.
الظلم قبيح، ومن يمارسه يخرج عن الأطر الإيمانية، فلا إيمان مع الظلم، ولا توازن في غياب العدل. ولطالما سعت البشرية لإقامة العدل ونبذ الظلم، ولكن ما أطول مشوارها لتحقيق ذلك. والعدل لا يرتبط بالحكم فحسب، بل بالحياة الانسانية نفسها. فالمطلوب ان يمارس الانسان العدل في كافة تعاملاته، مع نفسه واهله ومجتمعه وربه. والعدل تغليب الخير على الشر، ووضع الشيء في مكانه، فهو عنوان آخر للحكمة التي تجعل الانسان يقترب من الملائكة في عدله وطيب خلقه واستسلامه المطلق لقيم السماء التي يمثل العدل جوهرها.
سنظل نسعى لإقامة العدل، وسنعارض الظلم أيا كان شكله او مصداقه، وسنؤكد على دور الإيمان في تركيز الممارسة العادلة، فهو مصدر العدل لانه قائم على توازن المرء في نظرته للحياة وبحثه عن الحق.