مقالات ساخنة

مقدمات اقتصادية تعصف بالعالم، تنذر بعذاب أوسع

د. سعيد الشهابيsaeed alshehabi

اوقات صعبة تنتظر ملايين البشر مع تصاعد موجة الغلاء وارتفاع الأسعار، ومعها تعمق القلق لدى هؤلاء، فهذه الظواهر تلامس أسس الحياة، خصوصا الطعام الذي بدأت أسعاره المرتفعة تضغط على نفسيات أرباب العائلات بشكل غير مسبوق. فما أسباب ذلك؟ وهل هناك ما يمكن عمله لمنع تفاقم المشكلة؟ الواضح ان الاصابع تتجه لوباء الكورونا كأهم سبب لهذه الظاهرة، ولكن ذلك غير مقنع لمن يسعى لفهم صحيح لما يحدث. فما علاقة تصاعد أسعار الوقود بحالة الاغلاق التي شهدها أغلب مناطق العالم؟ ما علاقة انتشار فيروس كورونا بالأرباح الطائلة التي تجنيها الشركات العملاقة عموما وشركات النفط والوفود بشكل خاص؟ وثمة عامل آخر يطرح لتفسير ارتفاع هذا الارتفاع، متمثلا بالحرب في أوكرانيا، وهذا تفسير له أسبابه ولكنه لا يقدم تبريرا مقنعا للارتفاع، برغم سعي البعض لتصوير اوكرانيا بانها مصدر للكثير من المنتجات الزراعية. وتطرح أسباب أخرى من بينها تقلص عطاء العمال والموظفين بسبب العمل من بعد (اي من المنازل بدلا من حضور المكاتب)، ويطرح أيضا وجود توجه لدى حكومات العالم بترويج ظواهر التقشف وخفض الانفاق، والتزام سياسات تحمي البيئة بعد تداعيها الكبير في العقود الأخيرة.

ان من المؤكد ان لكل من هذه الاسباب دورا في ما يشهده العالم من غلاء ستنجم عنه مضاعفات على مستوى العلاقات بين البشر، وانتشار ظاهرة الجوع، وربما المجاعة، وايضا الحروب من اجل السيطرة على مصادر الثروة والانتاج. وهنا لا بد من طرح عدد من الحقائق:

أولها: انه برغم ما يطرح فهناك من الطعام والوقوف ما يكفي للجميع، وربما تراجعت معدلات الانتاج ولكنه عجلة العمل لم تتوقف. هذه حقيقة يؤكدها توفر المواد الغذائية الاساسية. فقد يشح بعضها اياما أو أسابيع، ولكنها سرعان ما تظهر مجددا وتتراجع أسعارها.

ثانيها: ان ارتفاع الأسعار يؤثر سلبا على غالبية سكان هذا الكوكب، من المعوزين او ذوي الدخل المحدود، هؤلاء الذين يكدحون من أجل لقمة العيش، ويتجه هذا التصاعد ليصل الى أزمة حقيقية في مناطق كثيرة، الأمر الذي يستوجب اهتماما خاصا بشكل سريع لتفادي وصوله نقطعة اللاعودة.

ثالثها: ان الطبقات المرفهة في هذا العالم تزداد رفاها، وتتصاعد مدخولاتها، بل يمكن القول انها المستفيد الأكبر من تصاعد الاسعار والغلاء، وان بعض رجال الاعمال والشركات ربما تساهم في بث الاحساس بنقص المواد لتبرير رفع الأسعار.

رابعها: ان ظاهرة الجشع الجديدة القديمة، قد تكون العامل الأكبر في ما يجري. ويكفي الاشارة الى ارتفاع أرباح شركات النفط العملاقة متوازيا مع ارتفاع اسعار الوقود بنسب تجاوزت 50 بالمائة مما كانت عليه قبيل انتشار الوباء. ولا تبدو الحكومات مستعدة لاتخاذ اجراءات رادعة للسيطرة على تصاعد أرباح هذه الشركات، أو إجبارها على التقيد ببعض الضوابط الأخلاقية لكبح جنوحها نحو الجشع والطمع.

خامسها: ان عوز الغالبية البشرية يوازيه نهب القلة الثرية، كما قال الامام علي عليه السلام: ما رأيت نعمة موفورة، إلا وجانبها حق مضيّع”، وقال عليه السلام: ما متّع غني إلا بما حرم منه فقير”. ان إبعاد الدين عن الحياة العامة، واستهداف علمائه ودعاته، يساهم في توسع الظواهر السلبية بسبب غياب التقوى والخشية من الله، وتلاشي الضغط النفسي المتصل بالإيمان الرادع عن الجشع والبذخ والاستغلال والاحتكار.

من هنا اصبح هناك مسؤولية فردية وجماعية لاعادة التوازن للحياة البشرية من اجل احتواء هذه الظواهر التي لا تؤثر على حياة البشر فحسب، بل قد تؤدي لاضطراب سياسي واجتماعي في المجتعات. مطلوب كبح جماح جشع الشركات الكبرى، وعدم الاستسلام لما يسمى “قوى السوق”. فالفقر والجوع والظواهر المجتمعية الأخرى تتطلب تدخلات من الحاكم لضمان توزيع عادل للثروة وتشجيع إعمار الأرض ومنع الاحتكار والهيمنة  على السوق من قبل الشركات الكبرى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى