مقالات ساخنة

المرأة في القرن الـ 21: اضطهاد شامل

الدكتور سعيد الشهابي

المرأة، التي تشكل النصف الآخر من الوجود البشري على هذا الكوكب، ما تزال تواجه تحديات وجودية في ظل الهيمنة الذكورية على مفاصل الحياة. بينما يعلم الرجل أن الحياة بدونها غير ممكنة. فما معنى أن يكون نصف الإنسانية خاضعا للنصف الآخر بما يهدد خصوصياته واحتياجات وجوده؟ أين هو التوازن في الوجود والحقوق والصلاحيات، وهي شروط ضرورية للحياة المتوازنة المستقرة؟ في هذا الشهر أعلنت حكومة طالبان قرارا بمنع الفتيات من الالتحاق بالجامعات، فارتفعت الأصوات المنددة من كل مكان. فقالت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان: “إن منع نصف السكان من المساهمة بشكل هادف في المجتمع والاقتصاد سيكون له تأثير مدمر على البلد بأكمله. سيعرض أفغانستان لمزيد من العزلة الدولية والصعوبات الاقتصادية والمعاناة، مما يؤثر على الملايين لسنوات قادمة.” بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة نفسه: “الحرمان من التعليم لا ينتهك الحقوق المتساوية للنساء والفتيات فحسب، بل سيكون له تأثير مدمر على مستقبل البلاد.” ووصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قرار طالبان بمنع النساء من الالتحاق بالجامعات، بأنه “ضربة مروعة وقاسية أخرى لحقوق النساء والفتيات الأفغانيات ونكسة مؤسفة للغاية للبلد بأكمله.” إنها بدون شكل خطوة خاطئة إلى الوراء، تستدعي اهتماما دوليا وإسلاميا خاصا لمنع تنفيذها وحرمان المرأة من التحصيل العلمي الجامعي.

السؤال هنا: ما مدى الاهتمام الحقيقي بتمكين المرأة في عالم اليوم؟ لقد مضى قرابة القرن على بدء الحركات الحديثة التي رفعت شعار تحرير المرأة، فما مغزى أن يستمر السجال حول هذه القضية التي تبدو أحيانا مفتعلة، وأحيانا تعبيرا عن تراجع عقلي وقيمي وسياسي؟ ولماذا التركيز بشكل خاص على المرأة في العالم الإسلامي؟ هل هناك اهتمام حقيقي من الجهات الناقدة بإعادة تأهيلها وتنميتها كضرورة لتحريك القوى الكامنة في هذه الأمة؟ أم أن الهدف مختلف تماما؟ لماذا لا ينطق هؤلاء حين تتعرض الناشطات المطالبات بالحرية والتغيير للسجن والتنكيل؟ هل حدث أن اتخذت دولة غربية إجراء فاعلا ضد نظام اضطهد المرأة بالسجن والتعذيب كما فعلت حكومات مدعومة من الغرب؟ ما الذي فعلته تلك الدول لوقف اضطهاد  المرأة الفلسطينية بوحشية؟ ما ردة الفعل على قتل الفتاة  جنا مجدي عصام زكارنة (16 عاما)، إثر اصابتها برصاصة في الرأس خلال اقتحام قوات الاحتلال الحي الشرقي من مدينة جنين في 12 ديسمبر الماضي؟ او الدكتورة رزان النجار وهي تمارس مهمتها لإسعاف المصابين؟ أو الدكتورة مي خالد يوسف عفانة، 29 عاما، المحاضرة بجامعة الاستقلال في القدس بإطلاق النار عليها عند أحد الحواجز؟

إن من الخطأ الكبير حصر استهداف بالمرأة المسلمة بقرار حكومة طالبان التي عرفت بموقفها المؤسس على بعض المقولات الدينية الشاذة للحد من الدور العام الأنثوي في الحركة المجتمعية. فالتعليم ليس وحده ما ينقص المرأة في القرن الحادي والعشرين. بل أن إنسانيتها هي الأخرى واجهت وما تزال تواجه تحديات حقيقية حتى في ظل الأنظمة السياسية “المتحضرة” بل في ما يسمى “العالم الحر” نفسه. فالتعليم ضرورة لا يمكن التغاضي عنها او التقليل من مخاطر حرمان أي إنسان منها. ولكن ماذا عن العنف ضد المراة الذي تتصاعد وتيرته في أغلب المجتمعات، ولا ينحصر ضمن أتباع ثقافة او دين فحسب؟ المشكلة في اغلبها منفصلة عن النصوص الدينية او القانونية. وإذا كانت طالبان تسعى لتقنين ما يعتبره الكثيرون “اضطهادا” فإن أغلب الضرر يوجه للمرأة خارج الأطر المكتوبة. فهو متصل بما يعتمل في داخل الرجل نفسه تجاه النصف الإنساني الآخر فالزوج له دور في صياغة العلاقة مع زوجته، بين التطويع المطلق او الحرية غير المحدودة. والمجتمع له دوره في توجيه المسار العام من خلال فتح المجالات امام المرأة او تضييقها. والناشطون في مجالات تحرير المرأة لهم دور كذلك في صياغة رؤاهم للأوضاع التي تصون حقوقها. وبرغم ما يشيعه النظام السياسي المهيمن على العالم في الوقت الحاضر، لم يستطع الغرب نفسه تقديم منظومة حياتية منطقية وعادلة لدور المرأة او حمايتها من الاضطهاد والاستغلال البشع. وما الضجة التي تثار حاليا حول الحجاب في إيران إلا استغلال غير منطقي لأهداف سياسية بحتة. فالغرب لم ينظر للحجاب كجانب متمم للمرأة او الحفاظ على خصوصيتها وحريتها في ارتداء الزي الذي تريده، بل رأى فيه تعبيرا عن أيديولوجية سياسية لنظام حاكم في بلد له أهميته الاستراتيجية ودوره في تشكيل المسار العام للمنطقة. ولا يفصل “الإعلام الحر” ظاهرة الحجاب مثلا عن مسار التطبيع مع الاحتلال، او عن إمكان صعود منظومة سياسية مغايرة للنظام السياسي العالمي الذي فرض على  العالم منذ قرن كامل، أي منذ إسقاط مشروع الخلافة الإسلامية القادر على منافسة المشروع الغربي الذي بدأ مع الاستعمار.

الإحصاءات التي تنشرها مؤسسات البحث والإعلام في الغرب تظهر نمطا غير إنساني للتعامل مع المرأة. فهناك العنف الذي يتعرض له هذا المخلوق تارة لأسباب اجتماعية وأخرى أسرية وثالثة غريزية شيطانية. ووفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية قبل عامين فقد تعرضت واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، أي نحو 736 مليون امرأة، لعنف جسدي أو جنسي خلال حياتهن. وقال التقرير أن واحدة من كل أربع إناث بين سن 15 و24 قد تعرضت بالفعل للعنف على يد شريك (أي زوج أو عشيق).  وتبين أن العنف من الشريك هو أكثر ما تم الإبلاغ عنه على مستوى العالم، إذ قالت نحو 641 مليون امرأة إنهن تعرضن له. وقالت 6 في المائة من النساء إنهن تعرضن للعنف من أشخاص غير الزوج أو الشريك. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أن “العنف ضد النساء منتشر كالوباء في كل البلاد والثقافات، ويسبب الضرر لملايين النساء وعائلاتهن.” كما أعدت منظمة “الائتلاف الوطنى ضد العنف المنزلى NCADV” ومقرها واشنطن، تقريرًا حول العنف الذى تتعرض إليه المرأة بمختلف أنواعه. أكّد هذا التقرير تعرّض ما يقرب من 20 شخصًا فى الدقيقة للإيذاء الجسدى من قبل الشريك فى الولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك أن احدة من كل أربع نساء أى 25% يتعرضن للعنف الجسدى المبرح من الشريك أو ملاحقته لها وللعنف الجنسى مع آثار نفسية وجسدية سيئة مثل الإصابات، والخوف، واضطراب ما بعد الصدمة. كما تتعرض واحدة من كل ثلاث لشكل من أشكال العنف الجسدى مثل الصفع والدفع؛ فيما تصاب واحدة من بين سبع نساء بجروح نتيجة الوحشية التى تتعرض لها. وثمة أشكال أخرى من العنف تؤدي لأعداد كبيرة من الضحايا، ومنها الحرق والخنق والخوف الشديد من تعرضهن للأذى أو محاولات القتل من قبل شركائهن. وتصل نسبة العنف المنزلى بسبب استخدام السلاح إلى 19%. ويقول تقرير المنظمة الأمريكية، أن هناك أكثر من 20 ألف اتصال هاتفى يتم إجراؤها على الخطوط الساخنة للعنف الأسرى فى جميع أنحاء البلاد يوميًا. ويرتبط الإيذاء الأسري بارتفاع معدل الاكتئاب والسلوك الانتحاري.

ولكن العنف ليس وحده الذي يمثل اعتداء على  المرأة وحقها في الحياة الآمنة الكريمة. فهناك ظواهر أخرى منها التجويع الناجم عن الصراعات السياسية كما يحدث في اليمن، والاتجار بالمرأة والاستغلال البشع للظاهرة الأنثوية، وقد تصاعد هذا الاستغلال مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تتأسس مصالح أصحابها على مدى استغلال جسد المرأة لإشباع النزوات الغريزية الشيطانية لدى الطرف الآخر.  وللاستغلال الجنسي أوجه وأشكال عديدة وأصبح تعرض النساء له ظاهرة منتشرة على نطاق واسع. فأعداد الأطفال واليافعين غير المصرح عنها والمتعرضين لمثل هذا النوع من الاستغلال عال جداً. فهناك فتاة من بين خمس فتيات وولد من بين عشرة أولاد يتعرضون للاستغلال الجنسي قبل بلوغهم سن الثامنة عشرة. وحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية فعدد ضحايا الاستغلال الجنسي من الأطفال من الجنسين ذكوراً وإناثاً في ألمانيا هو مليون ضحية تعرضوا او يتعرضون للاستغلال من هذا النوع.

لماذا هذا الاستهداف للمرأة؟ لماذا يتم تغييبها الممنهج عن المؤسسات التعليمية كالجامعات والمدارس؟ ولماذا تعريضها للعنف الأسري والمجتمعي؟ ولماذا لا تنفع القوانين التي وضعها البشر لحماية المرأة؟ وربما السؤال الأهم في كل هذا السجال: لماذا التركيز على المرأقة واعتبارها هذا السجال ليس جديدا، بل استمر طوال القرن الأخير مع بداية “الصحوة البشرية التي يفترض انها بدأت مع الثورة  الصناعية في الغرب، و ومع تغييب الدين وما يوفره من رادع إيماني، تتساقط الحواجز التي تحمي المرأة. لقد أصبح جسد المراة أحد عناصر النشاط الاقتصادي في عالم اليوم، الأمر الذي يمثل أشد المستويات الاخلاقية والقيمية هبوطا، برغم ما يشاع عن مقولات الاهتماما بها وبحقوقها ودورها الحياتي.

ماذا تعني هذه الحقائق؟ هل تطورت الإنسانية حقا في مجالات التشريع الذي يحفظ للمرأة وجودها وحقوقها وكرامتها؟ فلا شك أن الحرمان من الحقوق الأساسية خصوصا الطعام والتطبيب والتعليم تمثل جوانب من استضعاف المرأة واضطهادها، ولكن لا يقل عن ذلك إيلاما تعريضها للعنف واستغلالها من أجل الجنس، فبذلك تفقد سمتها الإنسانية بفقدان إرادة الدفاع عن ا لنفس. أليس هذا ذروة البشاعة والشيطنة والقبح؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى