فكر إسلامي

متى يتعلم الناس من النبي أخلاقه؟

د. سعيد الشهابيhot_dr_saeed.s

كان الاحتفاء بمولد الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام مناسبة لاستجلاء حياته ومبادئه وقيمه. وعلى رأس ما ارتبط بمحمد بن عبدالله الوصف الإلهي لشخصه الكريم: وإنك لعلى خلق عظيم. هذا الوصف القرآني تحول الى جانب مكمل للرسالة الخاتمة: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. وهل الأخلاق إلا الحياة؟ وهل هي إلا المبدا الذي يفترض ان يكون أساسا للدولة المسؤولة الهادفة لتحقيق الإرادة الالهية بإعمار الأرض وحفظ الأمن وصدق القول؟ هذه الاخلاق هي المرتكز المحوري لرسالة الإسلام التي ذكرها رسول الله. فهو مسؤول عن تبليغ الإسلام للعالم وشعوبه على تعدد اجناسها وألسنتها، هذا التبليغ يضع الأخلاق في جوهره، فلا قيمة لأية رسالة او مبدأ او مشروع سياسي او اجتماعي اذا لم يلتزم القائمون عليه بالأخلاق. وعلى أساس هذه الحقيقة يمكن القول ان مصائب هذا العالم وقاطني هذا الكوكب تعود في جانب كبير لانعدام الأخلاق. وهذه كارثة كبرى ماضيا وحاضرا، لم يفلت منها أحد. كما ان انعدام الأخلاق ليس محصورا بغير المسلمين، بل انها ظاهرة تعم البشر، يدعمها الشيطان والثقافة التي تمثله في عالم اليوم.

ان من الضرورة  بمكان التوقف عند مسألة الأخلاق وكونها جوهر رسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، حتى انه حصر هدف رسالته بها. فالأخلاق غذاء للنفس، وراحة للضمير، وكمال للإنسان، وبدونها يفقد هذا المخلوق مبررات وجوده. فالالتزام بها يعتبر قرارا واعيا من قبل الفرد. هذا الوعي يسدد القرار ويوجهه ويضعه على خط الصواب. وبدونها تصبح الحياة مجالا لتلبية الرغبات الشيطانية التي تتأسس على الكذب والنفاق وكافة الصفات المذمومة، كالغش والنهب والاعتداء وسواها. الأخلاق وحدها هي التي تمنع حدوث ذلك، وهي السلاح الاقوى للتصدي للفساد الذي تكرر ذكره في القرآن الكريم، والذي يمارس على نطاق واسع في المجتمع الانساني القائم. وما الفساد المالي والسياسي والاستبداد والعدوان والاحتلال والاستغلال والإثراء غير المشروع والسرقة والنهب ومصادرة المال العام، إلا مصاديق لانعدام الأخلاق.  فالمسؤول السياسي حين يعتقل الابرياء ويعذب السجناء ويعدم المواطنين لا يفعل ذلك إلا بعد انسلاخه من الأخلاق. والوزير او الموظف الذي يأخذ من المال العام ما ليس حقه، يمارس شكلا آخر من الفساد الذي يصنف خارج الأطر الأخلاقية. والزوج الذي يعامل اهله بالعنف والقسوة والكذب هو الآخر عديم الأخلاق. والمهاجر الذي يغش السلطات ويكذب عليها ويزور الوثائق للحصول على الدعم المالي من الدولة انما يأخذ ما ليس حقا له. وذلك سلوك يفتقد الأخلاق.

من هنا لا يمكن ان تصلح الأمة ولا تستقيم المجتمعات ولا تأمن على نفسها ورزقها الا بالتمسك بالأخلاق التي لا يختلف البشر حولها. فصلاح الأمم مرهون بانتهاج الخط الإلهي الذي وضع الأخلاق في محور اهتماماته، وجعلها على قائمة مسؤوليات الانبياء والرسل: “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا”. الامر المؤكد ان محورية الأخلاق في رسالة محمد بن عبد الله كثيرا ما تغيب عن أذهان المسلمين على اختلاف مستوياتهم: العالم والجاهل والاستاذ والمبلغ ورب العائلة. ولذلك فاذا كانت هناك جدية في الاستمتاع الحقيقي بالحياة المؤسسة على الرسالة السماوية فلا بد ان تكون الأخلاق قاعدتها الأساسية. ومسألة الأخلاق ليست سهلة، فهي الأزمة التاريخية المستعصية في حياة الأمم، حتى اعتبرها البعض شرطا لبقائها او فنائها. قال الشاعر المصري أحمد شوقي:

وانما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وتعرف القوى الراغبة في الهيمنة ان قوة الشعوب بأخلاقها، ولذلك كثيرا ما تسعى لبث الفساد من أجل تمييعها ليسهل الهيمنة عليها. لذلك تقتضي مصلحة الانسانية ترويج الأخلاق، وهذه مسؤولية أتباع الأديان السماوية، والأمل ان يتعمق اهتمام علماء الدين المسلمين بالأخلاق كأولوية، فذلك هو الطريق لبناء الإنسان الكامل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى