فكر إسلامي

  ماهو مشروع الإنسان المسلم في القران الواحد والعشرين؟

الدكتور خالد الشفيdr alshafi

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية لابد من تعريف بالمشروع، وأنواع المشاريع، وصفات صاحب المشروع، وصفات او شكل المجتمع الذي لديه مشروع، مقومات هذا المشروع وعوامل الفشل والنجاح فيه. ثم نبين هل هناك مشروع إسلامي؟ وماعلاقة أو فهم المسلمين لهذا المشروع ودورهم فيه من ناحية التطبيق والتطوير والنشر أو الدعوة اليه؟

يعرف المشروع (project) بأنه: سعي مؤقت أو دائم لأداء خدمة معينه أو صناعة ما. وهذا الجهد يمر بمراحل عديدة وهي التخطيط والإعداد والتنفيذ والمتابعة الى مرحلة الإنجاز. ومن ثم المراجعة والتطوير والتقييم(.audit)

انواع المشاريع:

تقسم المشاريع حسب ما يهتم به الناس ويروه مهما أو مناسبا في إيجاد الحلول للمشكلة الاجتماعية اوالسياسية… فمنها القومي والوطني والشيوعي والاشتراكي والرأسمالي والليبرالي (احرار) والديني (إسلامي مسيحي ويهودي وبوذي…)

ومنها ايضا المشروع الجديد وهو العولمة أو مشروع الشركات أو المؤسسات العالمية وأثرها على الدول.

بعض الأحيان نطلق على المشروع…  الـagenda  أو المؤامرة..

ماهي صفات صاحب المشروع؟

يكون إنسانا هادفا صاحب هوية مهتما بالوقت أمينا على تطبيقه.. ومهتما برأي الناس بمشروعه وتطويره وتحسينه، وعلى العكس منه الانسان الذي ليس لديه مشروع يكون عابثا متطفلا منافقا اجيرا واسيرا لكل أنواع التبعية… لانه فاقد الهوية والهدف.

المجتمع كذلك يعاني من نفس الصفات أعلاه أن كان ذا مشروع أو لا، لان المجتمع هو حصيلة أفكار وأداء مكوناته من الأفراد. فيكون مجتمعا ناجحا متطورا وافراده في راحة واستقرار وطمأنينة…

اما النوع الآخر فيكون مجتمعا فاشلا بكل معنى الكلمة ويعيش أفراده حالة من القلق والتراجع بل الهرب منه واللجوء إلى دول أو مجتمعات اخرى.

وبما أن الدولة هي من صنع هذا المجتمع أو ذاك فلك أن تتخيل شكل الدولة وعلاقة وأداء أفرادها… وبما أننا مسلمون نرجع الى بيت القصيد، هل لدى المسلمين مشروع، وماهو هذا المشروع، وكيف تكون علاقة هذا المشروع مع المشاريع الأخرى التي ذكرناها آنفا؟

وما هو دور العقيدة في المشروع هل هو تناقض أو تكامل، وهل هناك مشروع بلا عقيدة.. وما هو مشروع الاحزاب في البلاد الاسلامية (الإسلامي والقومي والوطني والشيوعي…).

الجواب على الأسئلة، نعم لدى المسلمين مشروع هو الدين متمثلا بالمرسل (الله) والرسول (محمد) والرسالة. الرسالة اساسها ودليلها القرآن الكريم والدال عليها النبي محمد (ص) واهل بيته وكل القدوات الصالحة. كل هذا الدين منبعه من الباري عز وجل.

هذا الفيض من المشكاة يدل على الخالق وتكامله وما اراد للانسان من رحمة وعدل وتكامل.. بل إن هذا المشروع الرباني واضح المعالم يدل على ذاته بذاته فيه تخطيط وإعداد للرسل وتنفيذ وتطوير ومراجعة ومحاسبة ومتابعة حتى للأنبياء!. اذ أن الصادق الأمين اعد 40 عاما قبل نزول الوحي وكذلك كان إعداد أهل البيت (ع) وباقي الأنبياء مثلا الله تعالى يخاطب موسى(ع)؛ ولتصنع على عيني، بل وعد الله نصر المؤمنين “وكان علينا حقا نصر المؤمنين” بعد أن طلب منهم التمسك بالرسالة والصبر عليها.

قال تعالى “والعصر أن الإنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”.

مشروع واضح المعالم مضمون النجاح ولكن بشرطه وشروطه. وقال تعالى “قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ولا انا عابد ماعبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي ديني”.

وقال ايضا عز من قائل: ” وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.”

وقال أيضا ” الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”.

وقال “يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”.

وفي القرآن تبيانا للسنن الالهية وأمثلة كثيرة لدور الإنسان و(دور الشيطان) في العلو والانخفاض حسب قربهم وبعدهم عن المشروع الرباني .

ولابد من الإشارة إلى أن القرآن الكريم أكد على بناء الإنسان ومن ثم الأسرة والمجتمع وصولا الى دولة العدل الإلهي اي مرحلة إنجاز المشروع الرباني.

اخيرا وليس آخرا لابد من وقفة وتأمل لما يحدث من انتكاسات متكررة في طريق أداء المشروع الالهي (الإسلامي).

باختصار ورغم اخلاص العاملين من أفراد وأحزاب ومؤسسات فهم ما زالوا في اكثر الأحيان بعيدين عن مقومات نجاح هذا المشروع ومنها إعداد القادة وانتخابهم وفق لما اراده الله وليس على اساس المحسوبية أو المنسوبية.

التخلص من المشروع الطائفي وكل مشاريع الفتنة والتفقه بها أو التفنن بها… لانها تؤخر الإنجاز وتعطل الطاقات البشرية في الامة وتقربها من الشيطان ومشروعه.

التخلص من عقدة الخلافة والتكالب على الزعامة وإقصاء الآخر والانانية… وهذا علاوة على هدره للطاقات يتسبب في استقبال غضب الله وعذابه.. وعليه تكون المحبة وتشجيع الطاقات الكامنة هي البديل الذي يعول عليه في بناء المستقبل من خلال التركيز على الأجيال اللاحقة والتفكير الجدي بمصير الأمة .

التدرب على التداول السلمي للسلطة والزعامة وكل أشكال القيادة لان هذا ينمي المحبة والإخلاص للمشروع (ينمي حالة امتلاك المشروع(ownership)   ويحث على التطور والبحث العلمي فلا زعامة مدى الحياة، لان “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” عملا بقول الله سبحانه وتعالى.

وفي الحديث عن النبي الاكرم (ص) (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

ثم إن هناك خطأ فادح في فهم المشروع الإسلامي على انه مشروع شهادة وحور عين… وليس له علاقة بالحياة.. وهو يتعارض مع ما أراده الله من أعمار الأرض والحياة الطيبة… “الذين آمنوا وعملوا الصالحات لنحيينهم حياة طيبة”.

اما العمل الصالح فتعريفه في المشروع الإسلامي هو الأداء والإتقان والتطوير. (رحم الله من عمل عملا فاتقنه).

فأين اذا نحن من المشروع الإسلامي الكلي الجامع لكل البشر؟ للاسف الإنسان المسلم اتخذ من هذا المشروع الشامل مشروعا جزئيا.. اي حاول تجزأة المشروع تارة ‘طائفيا’ وأخرى ‘علمانيا’ ولكنه مازال يؤمن بوجود الخالق!..

وهل يتعارض المشروع الإسلامي مع القومية أو الوطنية أو العدالة الاجتماعية والاقتصادية؟

لماذا اتخذ بعض المسلمون (وهم مازالوا يؤمنون بالله) مشاريع أخرى مثل الانخراط بالأحزاب العلمانية على اختلاف ألوانها؟ هل هذا قصور من الإسلام كمشروع أو تقصير العاملين في المشروع الإسلامي وعجزهم عن استيعاب وتطوير مفاهيم الوطنية والقومية والعدالة الاجتماعية..على الفقهاء الاجتهاد والبحث لتطوير هذا الجانب بدلا من أهماله… لانه جزء من الدين.. (ومن كسر مؤمنا عليه جبره).

وبهذا الفهم نرى انه لم يعد هناك عذرا لدى المسلمين عندما يواجهوا المشاريع أن يدعوا أن هناك مؤامرة.. بل هناك مشاريع(agendas) قبال مشروعهم (الذي لم يكملوه) وعليهم الأخذ بالاسباب للارتقاء الى مستوى المشروع الرباني ليقوموا بدورهم الذي ارتضاه الله لهم.

الخلاصة والحل

العلم والمعرفة أساس كل شئ إذ لايبنى اي مشروع على الجهل أو الدجل.

اولا

الفرد والأسرة وبناءهما كما أراد الدين، ويبدأ من اختيار الزوج وتربية الابناء ليس فقط على الشعائر وإنما على طهارة الروح والمسكن والمكسب وتطبيق الدين والصبر عليه كمنهاج حياة. وبذلك يصلح الفرد وتصلح الأسرة ويصلح المجتمع. عندئذ يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهلا يسيرا بناءا على ما تقدم.

ثانيا

التعليم ونشر المعرفة في كل المدارس والمجالس ومصادر المعرفة يكون على نفس الأساس بعيدا عن اشاعة الفتنة ومركزا على فنون الحياة وتعلم الدين كمنهاج حياة ليكون كل فرد جاهزا لتحمل الامانة والسعي في المشروع.

ثالثا

اما المتخصصون في حمل الرسالة (المشروع) سواء كانوا احزابا أو دعاة أو فقهاء فمهمتهم اصعب لان عليهم أمرين

– الفقه في الدين عملا وسلوكا.

– والالمام بصنوف المعرفة الحياتية حتى يكونوا قدوة صالحة لتحمل مسؤولية المشروع ومتابعته، وهذا واجب عليهم سواء كانوا في المعارضة ام في السلطة.

كذلك عليهم أن يكونوا قدوة في عملية تبادل الزعامة او القيادة بالشكل السلمي لان الأمانة في حمل (المشروع) الرسالة تتطلب استعدادا للخدمة في هذا الطريق وليس استعدادا للزعامة والسلطة (اي نبذ عقدة الخلافة واستبدالها بشعار أداء الامانة…)…).

كذلك الذي يروم السلطة عليه أن يطلع على كل ما يجري داخل وخارج البلد من مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية لان معرفة العقيدة وحده غير كاف لاظهار الجدية لإدارة شؤون الناس والنهوض في البلاد…

رابعا

مفهوم الشهادة فهو بحاجة إلى تصحيح لان المشروع الإسلامي ليس مشروع شهادة وإنما مشروع إصلاح إنساني يتطلب الشهادة في بعض الأحيان لانه مشروع للحياة الدنيا ويثاب عليه في الآخرة، لان هناك تناسبا طرديا بين عمل الخير وأعمار الحياة بالعمل الصالح ومقدار الجزاء في الآخرة.. اليس كذلك؟

اما عند استلام السلطة يكون حملة المشروع امناء على تطبيقه ومتابعته والمحاسبة عليه.. اي يكون دورهم في البرلمان لان ذلك ابعد عن مداخل الشيطان واسرع الى قبول الناس لهم وزرع الثقة بهم ومن ثم اعانتهم  ومساعدتهم، كذلك مفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس فقط في الشعائر والجوانب التعبدية.

اما ما يتعلق بالعرض وانما يجب أن يوسع هذا الباب ليشمل طريقة الكسب:

مساعدة الفقراء والمعاقين

إيجاد فرص العمل

منع الاحتكار والتلاعب بالأسعار

إيجاد فرص التكافؤ الاجتماعي والضمان الصحي

الصحة النفسية

امن البلاد

اقتصاد البلاد

البحث عن سوق تصريف الناتج الوطني وحمايته

تشجيع الاستثمار

الحضور الدولي والتأثير في الأمم المتحدة

هذه شؤون دنيوية ولكنها إحدى ضمانات كرامة الإنسان على الارض “اني جاعل في الارض خليفة” من هيمنة وقسوة وجشع المشاريع المضادة الأخرى.

خامسا

اما دورالفقهاء فعليهم الاجتهاد ليس فقط في الشعائر وإنما في كل صنوف الحياة لإثبات نجاح المشروع في الدنيا قبل الآخرة ويكونوا نموذجا في السلوك والأداء الحسن لاعانة الباقي على الاداء. وعليهم الحذر من الفتن أو تدريسها اذ لا ضرورة فقهية فيها ولكن اخذ العبرة منها باعتبارها مداخل الشيطان ومشروعه التخريبي واستبداله بما يوحد المسلمين ويعينهم على تحمل وأداء الرسالة والدفاع عنها أمام المشاريع الأخرى.

ونتيجة لتعقد الحياة وصنوفها لابد من تعدد المرجعيات تبعا لتعدد صنوف الحياة والمهارات.. وان تكون المرجعية بمثابة مؤسسة جامعة يجتمع فيها الفقهاء للبحث والتطوير أسوة بباقي صنوف العلوم والمهارات في الحياة ولها نشرات منتظمة تواكب العصر والتجديد فيه.

كذلك على الفقهاء ايضا ان يمارسوا تداول الزعامة والرئاسة بشكل دوري وسلمي ضمن نظام داخلي شفاف لسد منافذ الشيطان..

سادسا

اما أصحاب المراكز التي تنشر المعرفة فعليهم نفس ما ذكرت أعلاه وليتذكروا أن المجالس كالمدارس وانهم محاسبون أمام الله على ساعات التدريس وبث المعرفة والصرف فيها من الجهد والمال.. آنذاك يكون المجتمع والأمة بعيدا عن شراك الشيطان ومشروعه في معصية الخالق وافشال الإنسان في مهمة  حمل الامانة..

وأقرب إلى تنفيذ مشروع الرحمن!. (فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

وقال الإمام علي عليه السلام في واجب الأمة تجاه قائدها (ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد..).

رحم الله ابا لحسن (ع) كيف وضح المسؤولية بين إلقائد والرعية ..

نسأل الله التوفيق وحسن العاقبة

والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى